أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين - التقرير السياسي الصادر عن المؤتمر الوطني العام السابع - 2018















المزيد.....



التقرير السياسي الصادر عن المؤتمر الوطني العام السابع - 2018


الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين

الحوار المتمدن-العدد: 5998 - 2018 / 9 / 18 - 15:20
المحور: القضية الفلسطينية
    


الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
المؤتمر الوطني العام السابع
2018


التقرير السياسي

1- السياسة الأميركية في الإقليم و«صفقة العصر»
2- الحالة الوطنية الفلسطينية و «صفقة العصر»
3- في مواجهة «صفقة العصر»:«إستراتيجية الخروج من أوسلو»
4- قرارات المجلسين الوطني والمركزي
5- في تعطيل قرارات المجلسين الوطني والمركزي
6- في إصلاح المؤسسة الوطنية الأم.. منظمة التحرير
7- الفساد السياسي وسياسة قمع الحركة الشعبية والحريات العامة
8- فساد السياسات الإجتماعية – الإقتصادية للسلطة الفلسطينية
9- تطوير بنى الحركة الجماهيرية وتوسيع آفاقها
10- اللاجئون وحق العودة ووكالة الغوث (الأونروا)
11- في استراتيجية حركة اللاجئين
12- محطات ..
13- أزمة قيادة وأزمة نظام
14- قانون القومية: الولادة الثانية لإسرائيل


(1)
السياسة الأميركية في الإقليم و«صفقة العصر»
1-■ مع دخول إدارة ترامب البيت الأبيض، شهدت سياسة واشنطن تحولاً نوعياً، في طرحها مشروعاً لإعادة صياغة الحالة الجيوستراتيجية في الإقليم، بما يعزز المصالح والأهداف الأميركية وفي إمتدادها الغربية، ويوطد أركان إسرائيل على حساب الحقوق الوطنية لشعب فلسطين ومصالح شعوب المنطقة ودولها، وذلك في إطار ما يسمى بـ «صفقة العصر»، أو «صفقة القرن»؛ وفي هذا السياق تتمثل أهداف السياسة الأميركية بما يلي:
أ) توفير الحماية وكل أشكال الدعم للكيان الإسرائيلي وضمان تفوقه على دول المنطقة، وتطبيع علاقاته مع عدد وافر من هذه الدول.
ب) ضمان السيطرة على منابع النفط وطرق نقله وتسويقه باعتباره، وفقاً لواشنطن، جزءاً لا يتجزأ من أمنها القومي.
ج) السيطرة على خطوط المواصلات في المنطقة بما يخدم المصالح الإستراتيجية السياسية والإقتصادية والأمنية للولايات المتحدة وحلفائها.
د) السيطرة على المنطقة سوقاً رئيسية لتصريف البضائع والمنتجات الأميركية، في التسليح والتكنولوجيا وباقي القطاعات.
■ يسعى المشروع الأميركي الجديد لإعادة صياغة المعادلة الإقليمية على أسس جديدة، تنطلق مما تسميه واشنطن مخاطر الإرهاب على دول المنطقة وشعوبها. وفي هذا السياق تسلط واشنطن الضوء على أولوية مواجهة السياسة الإقليمية النافذة للجمهورية الإسلامية في إيران، باعتبارها المصدر الرئيسي لعدم الإستقرار في دول الإقليم، ما يتطلب التصدي لها ولامتداداتها وتحالفاتها في المنطقة، بإقامة «حلف إقليمي» تحت المظلة الأميركية، يضم عدداً من الدول العربية وإسرائيل وتركيا وغيرها، في إطار مشروع سياسي متكامل بعنوان «صفقة العصر»، التي تسير – أي الصفقة - من أجل تحقيق أهدافها عبر مسارين متوازيين، يشكل كل منهما إسناداً للآخر:
أ) حل الصراع الفلسطيني– الإسرائيلي، بإزالة العوائق التي تعطل الوصول إلى الحل التصفوي للحقوق الوطنية لشعب فلسطين، وفرض هذا الحل كواقع مسلم به.
ب) تطبيع العلاقات العربية – الإسرائيلية بخطوات متدرجة، تتفاعل مع الخطوات الأميركية الإنفرادية، ومع تقدم شروط الحل على مساره الفلسطيني، ودعم هذا المسار في الوقت نفسه.
2-■ في استراتيجيتها الجديدة، إنتقلت الولايات المتحدة إلى سياسة عدوانية سافرة ومتوحشة، إستعادت فيها كل مظاهر سياسية «العصا الغليظة» الإمبريالية في إدارة الملفات والصراعات الدائرة رحاها في المنطقة:
• فعلى الصعيد الإقليمي أعلنت واشنطن إنسحابها من الإتفاق النووي مع إيران بذريعة أنه إتفاق فاسد. واستعادت سياسة فرض العقوبات المالية والإقتصادية وفرض الحصار على طهران، بما يطال أيضاً صادرات النفط التي تشكل بالنسبة للجمهورية الإسلامية المصدر الرئيسي لتمويل موازناتها، وتأليب الشركات العالمية ضدها، وغير ذلك من الإجراءات.. وكل هذا حتى تراجع طهران سياساتها تحت شعار تغيير مسلكها السياسي، بغرض تطويعها وإدراجها في إطار السياسة التي تخدم المصالح الأميركية في المنطقة.
لقد عبَّرت الشروط الأميركية التي طرحها وزير الخارجية الأميركي بومبيو على طهران بشأن مشروعها النووي تعبيراً شديد الوضوح عن مآرب السياسة الأميركية تجاه الجمهورية الإسلامية؛ فمن أصل دفتر الشروط الأميركي بنقاطه الـ 12، تتناول 3 نقاط فقط المشروع النووي، ورابعة الصواريخ الباليستية، وخامسة المحتجزين في إيران من الولايات المتحدة وحلفائها؛ بينما تركز النقاط الخمس المتبقية على إحتواء وتحجيم الدور الإيراني في الإقليم (العراق، سوريا، لبنان، فلسطين، اليمن، الخليج)، فضلاً عن وقف الهجمات السيبرانية.
إن كل هذا يُنبيء بشراسة المعركة وصعوبتها، ومخاطر تداعياتها على الوضع العام في الإقليم، الأمر الذي يوفر الأرضية للتقاطعات السياسية بين تل أبيب، وعدد من العواصم الخليجية، ويعزز الفرص لقيام «الحلف الإقليمي». وفي هذا الإطار تسعى واشنطن من خلال إقامة إطار تفاوضي إقليمي إلى إنشاء ترتيب إستراتيجي إقليمي يكون قادراً على مواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة.
كما واصلت الولايات المتحدة، وحلفاؤها في المنطقة فرض العقوبات المالية والسياسية على حزب الله ووصمه بالإرهاب، باعتباره الذراع الرئيسة لإيران في لبنان والمنطقة. وكذلك عززت واشنطن من تدخلها في الشأنين الأفغاني والعراقي، وكذلك في الشأن السوري عبر زيادة تواجدها العسكري الميداني، ودعم بعض المجموعات المسلحة بالمال والعتاد وتوفير الغطاء السياسي والأمني لها، وتوجيه ضربات عسكرية مباشرة للجيش السوري، والتلويح بالمزيد.
• على الصعيد الفلسطيني- الإسرائيلي، إنتقلت الولايات المتحدة من دولة متحيّزة لإسرائيل في رعايتها للعملية السياسية، إلى دولة تعمل على فرض الحل الأميركي- الإسرائيلي بالقوة، بوقائع الميدان وفي السياسة العملية، وإعادة صياغة المفاهيم والمصطلحات المسلم دولياً بفحواها السياسي ومدلولها القانوني، وصولاً إلى ممارسة ضغوط غير مسبوقة على الجانب الفلسطيني، سياسياً ومالياً، في سياق فرض شروط تعتبرها واشنطن متطلبات ضرورية لإزالة العراقيل التي تحول، أو مازالت تحول دون استئناف المفاوضات، ناهيك عن الوصول إلى حل الصراع. ومن بين هذه المتطلبات: إعتماد السلطة لأسلوب ميداني في مواجهة أعمال المقاومة، فواشنطن لن تكتفي بعد الآن بإصدار السلطة لمواقف إعلامية بإدانة أعمال المقاومة + وقف السلطة للتحريض عبر وسائل الإعلام وإجرائها لتغييرات حقيقية في النظام التعليمي + تغيير تسميات الشوارع التي تحمل أسماء الشهداء + وقف تحويل الأموال إلى قطاع غزة لقطع شريان المساهمة في تمويل موازنات حماس + وقف دفع الرواتب لأسر الشهداء والأسرى الخ..
3-■ في هذا السياق عمدت إدارة ترامب، تمهيداً لفرض حلها المسمى «صفقة العصر» على الطرف الفلسطيني، إلى سلسلة من الخطوات الإنفرادية، في إطار رسم الوقائع الميدانية المسبقة على الأرض:
• إخراج ملف القدس من المفاوضات بالإعتراف بها عاصمة لإسرائيل ونقل سفارة الولايات المتحدة إليها.
• الإعتراف بشرعية الإستيطان، وحق إسرائيل بضم المستوطنات إليها في مفاوضات الحل الدائم، بعدما كان الإستيطان، بنظر الإدارات الأميركية السابقة – نظرياً بأقله - معيقاً للتسوية ومعرقلاً لها.
• إخراج ملف اللاجئين وحق العودة من المفاوضات لصالح المشاريع والحلول البديلة، وفي هذا السياق قطع المساهمة الأميركية (31/8/2018) في تمويل موازنة الغوث (الأونروا)، والعمل على تجفيف مواردها، والضغط لنقل وظائفها وخدماتها إلى الدول المضيفة تمهيداً لحلها وإنهاء تفويضها. هذا إلى جانب طرح إعادة تعريف مكانة اللاجيء بحيث تقتصر على الذين هجروا في العام 1948، وليس على ذُريتهم.
• قرار وزارة الخارجية الأميركية بإغلاق مكتب مفوضية م.ت.ف في واشنطن (17/11/2017)، والإقدام على إغلاقه فيما بعد (10/9/2018)، وإبقاء المنظمة تحت سيف الإتهام بالإرهاب، على خلفية قرار الكونغرس باعتبار م.ت.ف منظمة إرهابية منذ عام 1987.
• تجميد المساعدات المالية إلى السلطة الفلسطينية والضغط عليها للتخلي عن واجباتها ومسؤولياتها عن عائلات الأسرى والشهداء والجرحى بدعوى «مكافحة الإرهاب». وفي هذا السياق صدر عن الكونغرس قانون تايلور – فورس (23/3/2018).
• الضغط على الدول الغربية لتحذو حذو الولايات المتحدة بشأن تمويل السلطة، في إطار الضغط للتخلي عن الواجبات نحو عائلات الشهداء والأسرى والجرحى، بالذريعة نفسها.
• في المقابل أفرجت واشنطن (3/8/2018) عن الأموال المخصصة لدعم الأجهزة الأمنية الفلسطينية لتعزيز التنسيق الأمني الفلسطيني – الإسرائيلي. وفي هذا السياق أوضح مسئول في الخارجية الأميركية أن الإدارة الأميركية تستمر في مراجعة مساعداتها للفلسطينيين للتأكد من أنها تلبي مصالح الأمن القومي الأميركي.
• دعم غير محدود لإسرائيل في مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة، ومجلس حقوق الإنسان، والوكالات الدولية المختصة وباقي المنظمات، وتعطيل القرارات الأممية في إدانة إسرائيل وجرائمها بحق الشعب الفلسطيني.
• الضغط على بعض العواصم العربية لإزالة إعتراضها على بعض جوانب «صفقة العصر»، كالقدس واللاجئين ومستقبل الكيان الفلسطيني، والتمهيد للمزيد من تطبيع العلاقات العربية ـــــ الإسرائيلية، تمهيداً لدمج إسرائيل في المنطقة وفك بقايا الحصار عنها.
• وأخيراً، وليس آخراً، لم تعلن إدارة ترامب تأييدها الصريح لخيار «حل الدولتين» على غرار ما أقدمت عليه إدارتا بوش الإبن وأوباما، بل دعت لمفاوضات مفتوحة على خيارات عدة، قد يكون أحدها – من باب رفع العتب - «حل الدولتين»؛ مفاوضات تتحرك خارج قرارات الشرعية، والحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني، في تقرير المصير والإستقلال والعودة، ولصالح مشروع أميركي ـــــ إسرائيلي، لا يتجاوز «الحل الإقتصادي» وتوسيع صلاحيات وحدود الحكم الإداري الذاتي، في إطار التبعية الإقتصادية والأمنية الكاملة لإسرائيل، يتلوها تطبيق البند الأخير من مبادرة السلام العربية (بيروت 2002) بالإعتراف الكامل بدولة إسرائيل من قبل دول الجامعة العربية.
4-■ تتصف «صفقة العصر» بأنها خطة سياسية إستراتيجية متدحرجة، ليست على غرار الخطط السابقة التي تطرح للنقاش والتفاوض بشأنها، بل هي خطة موضوعة للتطبيق، وهي تطبق بالفعل خطوة خطوة، ولن يتم الإعلان عن كامل تفاصيلها إلا في سياق التقدم في تطبيقها وبقدر ما تتوفر شروطها السياسية والميدانية، أي بعد إزالة العراقيل والعوائق والمعارضات من طريقها، في سياسة يومية تتبعها الولايات المتحدة من جهة، وإسرائيل من جهة أخرى، كل بأدواته وأساليبه وبحدود طاقاته. أما «الحل الدائم»، فيترك للحظات الأخيرة، في ظل عنوان كبير بات معروفاً للقاصي والداني، تجاهر به الولايات المتحدة وإسرائيل، عنوان يقول: «إن قيام الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود 4 حزيران(يونيو) 67 لم يعد يشكل شرطاً لازماً للوصول إلى السلام وتطبيع العلاقة مع إسرائيل، ودمجها في المنطقة».
■ أما شروط تطبيق «صفقة العصر» وقيام «الحلف الإقليمي»، فليست شروطاً على الجانب الفلسطيني فحسب، بل هي شروط تطال المنطقة ودولها وتعرض مصالحها ومصالح شعوبها للخطر، حين تفرض عليها إعادة صياغة توجهاتها، لتلتقي مع توجهات الولايات المتحدة وتحالفها مع إسرائيل، وحين تفرض عليها إعادة صياغة مصالحها وأولوياتها لتلتقي (أو لتتقاطع) مع مصالح وأولويات الولايات المتحدة وإسرائيل، ما يفرض على الفلسطينيين، التنازل عن حقوقهم الوطنية المشروعة في تقرير المصير والإستقلال والعودة؛ وما يفرض- في الوقت نفسه- على دول المنطقة وشعوبها إعادة صياغة معادلاتها السياسية وفق تعريف وتفسير جديدين للمصالح، والمفاهيم، والقيم، بما يفتح الطريق لشطب ما تبقى من المشروع القومي، ومحوره القضية الوطنية الفلسطينية، وتبني بدلاً من ذلك سياسة التعايش مع المشروع الصهيوني، وتغذية سياسة صراع الهويات المذهبية والجهوية والمناطقية، وإفشال مشروع بناء الدولة الوطنية، في المنطقة العربية، لصالح الدولة الريعية، دولة الطغمة السياسية وقوى الشد العكسي، قوى التقسيم والتفتيت والإرتهان للقرار الخارجي.
■ إن هذا يتطلب التأكيد على أن التصدي لـ «صفقة العصر»، وإن كان على الشعب الفلسطيني أن يكون في مقدمة الصفوف في مواجهة مخاطرها وتطبيقاتها ومفاعليها، إلا أنه ليس هو المعني الوحيد بذلك. فالخطر والإستهداف يتهدد المنطقة كلها، ما يعني أن قوى حركة التحرر العربية، الوطنية والديمقراطية واليسارية، وكل الفئات والشرائح والقطاعات المتضررة من هذا المشروع، معنية هي أيضاً بالإنخراط في المعركة، ليس من موقع التضامن مع الشعب الفلسطيني ومساندته في معركته الوطنية فحسب، بل أيضاً من موقع القيام بالدور النضالي المطلوب منها في إطارها المحلي، القطري، دفاعاً عن وحدة أراضيها، ووحدة شعبها، ومستقبل شبابها؛ ودفاعاً عن إستقلالها وسيادتها وثرواتها، ومصالحها الوطنية والقومية، في مواجهة المشروع الصهيوني والأميركي، الذي يتجاوز خطره حدود القضية الفلسطينية ليشمل المنطقة بأسرها، ودولها وشعوبها كافة■
(2)
الحالة الوطنية الفلسطينية و«صفقة العصر»
1-■ جاءت «صفقة العصر» لتعلن وصول «مشروع أوسلو» إلى الطريق المسدود، من جهة، ولتشن الحرب على قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بالقضية الوطنية الفلسطينية، من جهة أخرى؛ ولتقدم حلاً أميركياً ــــ إسرائيلياً، يفرض بالقوة على الفلسطينيين وعلى حساب حقوقهم الوطنية المشروعة.
في الوقت نفسه مازالت القيادة الرسمية المتنفذة متشبثة بالمفاوضات الثنائية خياراً وحيداً، في إطار بقايا أوسلو وتحت سقفه، وتسقط من حساباتها السياسية الخيارات الأخرى المتاحة، في تغليب فاقع لمصالحها الفئوية والطبقية التي راكمتها على مدى سنوات ممارسة السلطة، على حساب المصالح الوطنية العليا والمباشرة للشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة.
وإذا كانت الإدارات الأميركية السابقة قد حاولت أن توفر لاتفاق أوسلو نوافذ يتنفس منها، كمؤتمر أنابوليس (27/11/2007)، أثناء الولاية الثانية لبوش الإبن؛ وجولات وزيري الخارجية هيلاري كلينتون وجون كيري، ومحاولاتهما الفاشلة في إيصال المفاوضات المستأنفة بصيغ وأشكال مختلفة أثناء ولايتي أوباما الأولى (1/2009-1/2013) والثانية (1/2013–1/2017)، إلى نتائج ملموسة؛ فإن إدارة ترامب، بنقلتها الإستراتيجية، المتمثلة بـ «صفقة العصر»، وضعت القيادة الرسمية الفلسطينية أمام واقع جديد، لا يترك لها مجال الخيار والتفاوض، واقع يعمل على فرض الحل بقوة الأمر الواقع والإجراءات الميدانية والسياسات العملية من طرف واحد.
2- تواجه الحالة الفلسطينية «صفقة العصر» بسياستين مختلفتين:
■ سياسة مركز القرار في القيادة الرسمية (أو القيادة المتنفذة، أو «المطبخ السياسي»)، التي استشعرت حقيقة الخطر الذي تتعرض له القضية والحقوق الوطنية الفلسطينية، والتي تدرك في الوقت نفسه أنها لا تستطيع أن تماشي هذه السياسة وأن تستجيب لاستحقاقاتها، لأنها تجعل منها أداة بيد سلطات الإحتلال، وبيد الإدارة الأميركية، ما ينزع عنها غطاءها الوطني، ويفقدها موقعها ودورها القيادي المعترف به على الصعيد الفلسطيني.
لذلك، مازالت القيادة الرسمية تكتفي – عملياً – بالإشتباك السياسي - الإعلامي مع المشروع الأميركي- الإسرائيلي، وتُصعِّد في مواقفها الإعلامية، وبل وتدعم بعض أشكال التحركات الشعبية ضد المشروع، لكن دون التقدم إلى الأمام في الإشتباك السياسي - الميداني، في الشارع وفي المحافل الدولية، ومقاومة الإجراءات والوقائع الميدانية لصالح إجراءات ووقائع ميدانية بديلة تخدم مسار المشروع الوطني.
من هنا، فالقيادة المتنفذة توافق - من جهة - وتماشي الهيئات الوطنية، كالمجلس المركزي والمجلس الوطني في اتخاذ قرارات سياسية، من شأنها – في حال تطبيقها - أن تضع الحالة الفلسطينية على سكة التحرر من إسار أوسلو، وأن تستنهض عناصر القوة في مواجهة «صفقة العصر»؛ وتعمل - من جهة أخرى- على تجميد هذه القرارات، وإضعاف دور المؤسسة الوطنية، أي م.ت.ف؛ وتغليب دور «المطبخ السياسي» على دور الهيئات والمؤسسات، وتضعف روح الوحدة والائتلاف والشراكة الوطنية، وتتوغل أكثر فأكثر في سياسة التفرد والإستفراد بالقرار الوطني، في رهان فاشل على إمكانية الوصول إلى صيغة ما، تفتح لها آفاق إستئناف المفاوضات، تحت سقف أوسلو، إنما برعاية وإشراف مظلة، توفرها آلية دولية متعددة الطرف، تُقَدِّر أن بإمكانها أن تتجاوز من خلالها الإستفراد والضغط الأميركي، وبحيث تنجح هذه الصيغة، كما تقدم بها رئيس اللجنة التنفيذية إلى مجلس الأمن الدولي في 20/2/2018، بـ «إجراء المفاوضات ملتزمةً بالشرعية الدولية، وتنفيذ ما يتفق عليه ضمن فترة زمنية محددة، مع توفير الضمانات للتنفيذ»، ما يعني توفير الحل الذي يعتبر ما يتم الإتفاق عليه هو التطبيق العملي لحل جميع قضايا الوضع الدائم.
■ السياسة التي تدعو إليها عديد القوى الأخرى بعناوين عريضة تلتقي، رغم تمايزاتها، على أمور رئيسية فيما بينها، وهي السياسة التي تتبعها وتتبناها وتعمل لأجلها الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، تحت عنوان: «إستراتيجية الخروج من أوسلو»، والتي تتقاطع إلى حدود بعيدة في عناصرها مع ما بلورته وثائق الإجماع الوطني (وثيقة الوفاق الوطني/2006) وحوارات القاهرة (2009+2011+2013، وأخيراً 22/11/2017) وعمان ورام الله وبيروت، وقرارات المجلس المركزي في دورتيه الـ 27 والـ 28 (2015 +2018)، والمجلس الوطني في دورته الـ 23 (30/4/2018)، بما في ذلك فك الإرتباط باتفاق أوسلو، وبروتوكول باريس الإقتصادي، ووقف التنسيق الأمني مع الإحتلال، والتحرر التدريجي من التبعية الكاملة للإقتصاد الإسرائيلي، وسحب اليد العاملة من العمل في المستوطنات بعد توفير البدائل الكريمة، ووقف التعامل بالشيكل، واسترداد سجل السكان والأرض من الإدارة المدنية للإحتلال، ومد الولاية القضائية للمحاكم الفلسطينية على جميع الذين يعيشون في أراضي دولة فلسطين، واستكمال إكتساب عضوية المؤسسات الدولية، ونقل القضية إلى المحافل الدولية في الأمم المتحدة ومحكمة الجنايات الدولية، وإنهاء الإنقسام واستعادة الوحدة الداخلية، واستنهاض المقاومة الشعبية وتطويرها نحو إنتفاضة شعبية شاملة على طريق التحول إلى العصيان الوطني، حتى الظفر بالإستقلال وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود 4 حزيران (يونيو) 67، وضمان حق العودة للاجئين الفلسطينيين الذي يكفله القرار 194، ورحيل الإحتلال، بجنوده ومستوطنيه، ما يساوي تفكيك البنية الإستعمارية الإستيطانية.
3-■ السياسة المرتبكة للقيادة الرسمية، تشكل أحد علامات التعبير عن أزمة سياسية حادة يعانيها المستوى القيادي الأعلى في المؤسسة الفلسطينية، وما يمثله من شرائح إجتماعية لها مصالحها وإمتيازاتها المادية والمعنوية، والسياسية الإحتكارية والإقصائية على رأس السلطة وفي أجهزتها البيروقراطية، وفي إطار تحالفها مع الكومبرادور وبعض رجال المال والأعمال.
لكن – وفي المقابل - مما لا شك فيه أن الضغط الشعبي، عبر النضال في الميدان ضد الإحتلال والإستعمار الإستيطاني، وتصعيد سياسة الإشتباك معه، كما والنضال في المؤسسة الوطنية الجامعة، أي م.ت.ف، والدفاع عن دورها، وصونه، في مواجهة سياسة «المطبخ السياسي» الساعية إلى تهميشها وإقصائها، وتذويب مؤسساتها في مؤسسات السلطة، هو الطريق للضغط على القيادة الرسمية للتسليم بوصول إتفاق أوسلو إلى الطريق المسدود، وفشل الرهان على بقاياه، أو على إمكانية الوصول إلى «حل وسط» ما مع الإدارة الأميركية وحكومة نتنياهو؛ أي بكلام آخر، الضغط لتوفير الشروط الكفيلة بأن تجعل القيادة الرسمية (بما وبمن تمثل) تسلم بقرارات المجلسين المركزي والوطني، وبرنامج الإجماع الوطني، وتطوير الإستراتيجية الوطنية الكفاحية البديلة من خلال التوافق على تبني «إستراتيجية الخروج من أوسلو»■
(3)
في مواجهة «صفقة العصر»:«إستراتيجية الخروج من أوسلو»
1-■ بعد أن حققت حكومات إسرائيل المتعاقبة أهدافها الكبرى من إتفاق أوسلو، وأهمها توفير الغطاء السياسي والزمن الكافي لإنجاز المشروع الإستعماري الإستيطاني التهويدي، في الضفة الفلسطينية بما فيها القدس، وتقييد الحالة الفلسطينية بسلسلة من القيود السياسية والأمنية والإقتصادية، قادت إلى شق الصف الوطني، وزرع الوهن في الجسم السياسي الفلسطيني، وشل العديد من عناصر القوة في البنيان الفلسطيني، وتأهيل الفئات البيروقراطية العليا، في تحالفها مع بعض فئات رجال المال والأعمال ومع الكومبرادور الفلسطيني للدخول في تسوية بشروط هابطة؛ بعد هذا كله، إنقلبت إسرائيل، عبر تحالفها مع الولايات المتحدة على إتفاق أوسلو، وعلى شروط تطبيقه، وعلى الآلية بمهلها الزمنية المحددة للوصول إلى تسوية لقضايا الحل الدائم، لصالح مشروع «صفقة العصر»، باعتباره حلاً إقليمياً شاملاً، في نتائجه، كما في شروط تطبيقه، يقود إلى تصفية المسألة والحقوق الوطنية الفلسطينية.
وكما أن إتفاق أوسلو لم يكن قدراً مفروضاً على الشعب الفلسطيني، لا يمكن مقاومته وإحباطه وتعطيل تطبيقاته، فإن «صفقة العصر» - مع تقدير واقعي وعميق للفارق بين الإثنين - ليست هي الأخرى قدراً مفروضاً على الشعب الفلسطيني وعلى باقي شعوب المنطقة ودولها، لا يمكن مقاومتها وإسقاطها، لصالح البرنامج الوطني وأهدافه.
■ لا بد في هذا السياق، من التأكيد، أنه لا يمكن الجمع بين سياسة الرهان على بقايا إتفاق أوسلو، وبين سياسة مقاومة «صفقة العصر» ودرء مخاطرها على القضية والحقوق الوطنية الفلسطينية. بل إن الشرط اللازم للدخول الجدي في معركة التصدي لـ«صفقة العصر»، هو في حسم الموقف النهائي من إتفاق أوسلو، وتبني، بدلاً من الرهان عليه، إستراتيجية جديدة وبديلة، هي «إستراتيجية الخروج من أوسلو» باعتبارها الممر الإجباري لصون وإنجاز البرنامج الوطني؛ الأمر الذي يتطلب الإقدام على ثلاث خطوات مترابطة، هي: 1- فك الإرتباط بأوسلو وإعادة الإعتبار للموقع القيادي لـ م.ت.ف؛ 2- إستنهاض عناصر القوة في الحالة الفلسطينية، وفي المقدمة إستعادة الوحدة الداخلية؛ 3- إطلاق الإستراتيجية الوطنية البديلة.
2-■ يتمثل عنصر القوة الرئيس في الحالة الوطنية الفلسطينية بالوحدة الداخلية، التي تعرضت لضربة قاسية جرّاء إنقلاب حركة حماس في قطاع غزة في 14/6/2007. ومنذ ذلك التاريخ تعيش الحالة الفلسطينية في ظل إنقسام مدمر، وضع الشعب الفلسطيني في ظل سلطتين، وسياستين، لم تنجح أي منهما في دفع القضية الوطنية خطوة إلى الأمام، بل ألحق بها الإنقسام أضراراً لا تحصى؛ فهو شق مؤسسات السلطة الفلسطينية، وأفسح في المجال أمام سلطات الإحتلال لتبرر العديد من سياساتها الدموية، بما في ذلك مسلسل الحروب العدوانية على قطاع غزة، وفتح الباب على مصراعيه لكل أشكال التدخل الخارجي، وأدخل قطاع غزة في حصار طويل، ألحق أعطاباً بالغة ببنيته التحتية، وباقتصاده، وبشروط الحياة الكريمة لمواطنيه.
فضلاً عن هذا كله، أضعف الإنقسام الحركة الشعبية الفلسطينية في ظل جو عارم من عدم اليقين بجدية الطرفين وثباتهما في قيادة العملية الوطنية، وإدارتها بالإتجاه السليم، وفي ظل قناعة لدى الصف الواسع من مختلف القطاعات والشرائح الإجتماعية في الوطن والشتات، أن التيار الأقوى والأكثر تأثيراً على آلية إتخاذ القرار، لدى طرفي الإنقسام، بات يُغلِّب مصالحه الفئوية، التي بناها على امتداد سنوات الإنقسام، على حساب المصالح الوطنية، وأن هذا التيار، لدى الطرفين، تلتقي مصالحه عند تعطيل إتفاقات إستعادة الوحدة الداخلية، بما فيها التفاهمات الأخيرة في 12/10/2017، والتي صادقت عليها الفصائل الفلسطينية في الحوار الوطني الشامل، الذي جمعها في القاهرة في 22/11/2017 .
3-■ لم ينجح الإنقسام في شق الحركة النضالية للشعب الفلسطيني، كما عبّرت عن نفسها في وحدة العمل في الميدان في عديد المحطات التي سنأتي عليها لاحقاً، دفاعاً عن قضيته وحقوقه الوطنية والإجتماعية، في مناطق تواجده كافة؛ أو كما تمثلت في الصمود الأسطوري لقطاع غزة ومقاومته والإلتفاف الوطني الكبير حوله في صد عدوان 2014، وتجربة الوفد الفلسطيني الموحد إلى المباحثات غير المباشرة في القاهرة مع إسرائيل لوقف إطلاق النار، ورفع الحصار.
■ إن الوحدة الميدانية، تشكل أساساً متيناً في مكافحة ظواهر الإنقسام وتداعياته، وفي النضال من أجل إنهائه، كشرط لازم للإنتقال إلى توحيد الصفوف الفلسطينية، وتصعيد النضالات ضد الإحتلال والإستعمار الإستيطاني و«صفقة العصر»، وغيرها من المشاريع التصفوية، بموجب برنامج عمل وطني مشترك، لم تعد ملامحه غامضة بعد محطات الحوار الوطني الغنية التي إنتهت إلى التوافق على البديل الوطني لاتفاق أوسلو، كوثيقة الوفاق الوطني (26/6/2006) أو بيان القاهرة الصادر بختام الحوار الوطني في 15/3/2005، أو في ما صدر عن حوارات القاهرة (2009+2011+2013) وعمان ورام الله، وفي بيروت في إطار اللجنة التحضيرية للمجلس الوطني الفلسطيني في 10/1/2017.
■ بالبناء على تفاهمات القاهرة في 12/10/2017 بين حركتي فتح وحماس، المتبناة من فصائل العمل الوطني ببيان 22/11/2017، يمكن إعادة إطلاق مسيرة إنهاء الإنقسام، واستعادة الوحدة الداخلية تمهيداً لإطلاق حوار وطني شامل، للخروج من أوسلو نحو الإستراتيجية الوطنية البديلة، إستراتيجية المقاومة والإنتفاضة في الميدان، وتدويل القضية والحقوق الوطنية الفلسطينية، لكن الأمر يحتاج إلى بذل جهد على خطين متوازيين:
• خط الضغط الشعبي والجماهيري على طرفي الإنقسام، ليتراجعا عن أية شروط من شأنها أن تعيق عملية إنهاء الإنقسام أو أن تكبح إندفاعتها أو تعطلها عندما تنطلق مساعيها.
• تحلي الطرفين بالقدر الضروري من الإرادة السياسية لصالح التفاهمات والإتفاقات، ومواجهة التيارات المعطلة في صفوف الطرفين.
■ إن من شأن ما تقدم، معطوفاً على دور القاهرة الداعم والمساند، أن يقود إلى فتح صفحة جديدة في العلاقات الوطنية تستند إلى التوجهات التالية:
أ) تسلم حكومة السلطة الفلسطينية مسؤولياتها وواجباتها كاملة في قطاع غزة، في الإدارات المختلفة، بالتعاون مع لجان وطنية، تتشكل من مجموع القوى الوطنية وشخصيات وطنية مستقلة، والضغط على الطرفين معاً، لإزالة العوائق والعراقيل التي تعترض سبيل التنفيذ الأمين والسليم.
ب) وضع خطط تنموية لقطاع غزة، تعيد بناء وترميم بنيته التحتية، وتنقذه من حالة الإنهيار الكارثي لمرافقه، وتنشط قطاعاته الصناعية والزراعية والتجارية، وتطلق عجلة الإستثمار، للحد من البطالة وتوفير فرص العمل، بما في ذلك للشباب خريجو الجامعات وأصحاب الكفاءات والإختصاصات.
ج) حل مشكلة الموظفين العالقة والتي تكاد تشكل اللغم الموقوت الذي يتم اللجوء إليه لإفشال الإتفاق وتفاهمات المصالحة، آخذين بالإعتبار حق هؤلاء في رواتبهم بعد أكثر من عشر سنوات من الخدمة، وفي الوقت نفسه مراعاة القدرة الإستيعابية لمؤسسات السلطة، كما والتنبه إلى أن الوظيفة العمومية ليست حكراً على مناصري الحركتين، فتح وحماس، بل هي حق لكل أبناء الشعب الفلسطيني، وفقاً لنظام التوظيف القائم على أسس ومعايير إدارية وعملية محايدة وصارمة، تأخذ الكفاءة بنظر الإعتبار.
د) حل قضية المعابر، وإجراءات الحصار على القطاع، بما يوفر الشروط الضرورية لإطلاق عجلة الحياة نحو الإستقرار الإجتماعي، إلى جانب الحفاظ على البيئة.
ه) وضع أسس واضحة للتوافق على خطة أمنية وطنية، توفر للسلطة الفلسطينية شروط تحمل مسؤولياتها في إدارة الأمن الداخلي للمواطنين. أما بالنسبة للمقاومة بأذرعها المختلفة، فإن تمكينها من تحمل مسؤولياتها في إطار إستراتيجية دفاعية مدروسة ومجازة وطنياً، يستدعي تشكيل غرفة عمليات مشتركة ذات مرجعية سياسية وطنية عليا، بيدها قرار الدفاع وقرار التهدئة، وبما يقدم نموذجاً جديداً في كيفية بناء مرجعية وطنية فلسطينية، متحررة من الشروط الأمنية لسلطات الإحتلال، في ظل خصوصية أوضاع قطاع غزة وتباينها الواضح عن الأوضاع في الضفة الفلسطينية■
(4)
قرارات المجلسين الوطني والمركزي
1– قطعت المؤسسات التشريعية في م.ت.ف، المجلس المركزي في دورتيه الـ 27 والـ 28، والمجلس الوطني في دورته الـ 23، شوطاً هاماً في اتخاذ قرارات مسئولة، كان بالإمكان أن تضع الحالة الفلسطينية، في حال تطبيقها، على طريق الإنعتاق من قيود أوسلو وبروتوكول باريس الإقتصادي، وإرتهاناتهما:
■ فقد إتخذ المجلس المركزي في دورته الـ 27 (5/3/2015) قرارات تؤدي عملياً إلى تجاوز أوسلو في عدد من مكوِّناته إذ نصَّت على ثلاثة أمور مفصلية أدرجتها تحت عنوان: «رؤية المجلس المركزي للعلاقة من سلطة الإحتلال»:
• «وقف التنسيق الأمني بأشكاله كافة مع سلطة الإحتلال الإسرائيلي..»، ما يقوِّض الركيزة الأولى الأهم في الإلتزامات الفلسطينية تجاه دولة الإحتلال، بموجب ما هو ساري المفعول في إتفاقات أوسلو.
• «.. مقاطعة المنتجات الإسرائيلية..»، ما يضعنا على طريق المقاطعة الإقتصادية الأوسع في سياق الإنفكاك التدريجي عن بروتوكول باريس الإقتصادي، باعتباره الركيزة الثانية الأهم في إتفاق أوسلو.
• الدعوة إلى «قرار جديد من مجلس الأمن يجدد الإلتزام بقرارات الشرعية الدولية الخاصة بالقضية الفلسطينية والصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، وبما يضمن تحديد سقف زمني لإنهاء الإحتلال وتمكين دولة فلسطين من ممارسة سيادتها على أرضها المحتلة عام 67، بما فيها العاصمة القدس، وحل قضية اللاجئين وفقاً للقرار 194 تحت مظلة مؤتمر دولي تشارك فيه الدول دائمة العضوية...»، لا يقتصر على محطة إفتتاحية على غرار مؤتمري مدريد(1991) وأنابوليس(2007)، ولا يختزل بـ «آلية دولية متعددة الأطراف تساعد الجانبين في المفاوضات»، كما ورد في خطاب رئيس اللجنة التنفيذية أمام مجلس الأمن (20/2/2018)، المسماة أيضاً «رؤية الرئيس»؛ علماً أن الدورة 23 للمجلس الوطني طوّرت هذه الدعوة لجهة النص على مؤتمر دولي كامل الصلاحيات.
■ إلى هذا قررت الدورة 27 تفعيل إنضمام دولة فلسطين إلى الوكالات والمؤسسات والإتفاقيات والبروتوكولات الدولية، بما فيها محكمة الجنايات الدولية؛ كما أكدت الدورة 27 على «المقاومة الشعبية التي تتطلب أعلى درجات الوحدة في الميدان»، بعد إستحضار إتفاقات المصالحة الوطنية، «إضافة إلى دعوة لجنة تفعيل وتطوير م.ت.ف وانتظام عملها»، في إشارة واضحة لضرورة إكتمال العقد الوطني الفلسطيني من خلال مشاركة جميع القوى الفلسطينية من داخل م.ت.ف وخارجها، للبت في القضايا الوطنية الكبرى، وهي دعوة لم تتكرر في القرارات اللاحقة لدورات المجلس المركزي.
2-■ طوّر المجلس المركزي في دورته الـ 28 (15/1/2018) قراراته السابقة على نحو ملحوظ، لجهة المزيد من التماسك والوضوح:
• «.. أن الفترة الإنتقالية التي نصَّت عليها الإتفاقات الموقعة في أوسلو، والقاهرة، وواشنطن، بما إنطوت عليه من إلتزامات لم تعد قائمة».
• دعوة «.. المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته على أساس قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، من أجل إنهاء الإحتلال وتمكين دولة فلسطين من إنجاز إستقلالها، وممارسة سيادتها الكاملة على أراضيها، بما فيها القدس الشرقية على حدود 4/6/1967».
• «يُكلف (المجلس المركزي) اللجنة التنفيذية لـ م.ت.ف بتعليق الإعتراف بإسرائيل إلى حين إعترافها بدولة فلسطين على حدود 1967 وإلغاء قرار ضم القدس الشرقية ووقف الإستيطان».
• «يجدد المجلس المركزي قراره بوقف التنسيق الأمني بكافة أشكاله وبالإنفكاك من علاقة التبعية الإقتصادية التي كرسها إتفاق باريس الإقتصادي، وذلك لتحقيق إستقلال الإقتصاد الوطني، والطلب من اللجنة التنفيذية لـ م.ت.ف ومؤسسات دولة فلسطين البدء في تنفيذ ذلك».
3-■ حققت الدورة 23 للمجلس الوطني الفلسطيني (30/4/2018) خطوات إلى الأمام في الجانب السياسي، فأعاد المجلس الوطني التأكيد على قرارات المجلس المركزي في دورتيه الأخيرتين (الـ 27 + الـ 28)، حيث أعلن:
• أنه «يكلف اللجنة التنفيذية بتعليق الإعتراف بإسرائيل إلى حين إعترافها بدولة فلسطين على حدود 4/6/1967 وإلغاء ضم القدس الشرقية ووقف الإستيطان».
• كما أنه «يعلن أن الفترة الإنتقالية التي نصَّت عليها الإتفاقيات الموقعة في أوسلو والقاهرة وواشنطن، بما إنطوت عليه من إلتزامات، لم تعد قائمة». وقرر نقل القضية إلى الأمم المتحدة ومحكمة الجنايات الدولية.
■ إلى هذا، أكد المجلس الوطني «على وجوب تنفيذ قرارات المجلس المركزي في دورتيه الأخيرتين بوقف التنسيق الأمني بكافة أشكاله والتحرر من علاقة التبعية الإقتصادية التي كرسها بروتوكول باريس، بما في ذلك المقاطعة الإقتصادية لمنتجات العدو..»؛ إلى جانب مايلي:
• «تبني حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الإستثمارات منها ودعوة دول العالم إلى فرض عقوبات على إسرائيل لردع إنتهاكاتها الصارخة للقانون الدولي،..».
• «دعوة دول العالم لتنفيذ الفقرة الخامسة من قرار مجلس الأمن الرقم 2334 لعام 2016..»، وهي الفقرة التي تهيب بجميع الدول أن تميّز في معاملاتها بين إقليم دولة إسرائيل (أراضي الـ 48) والأراضي المحتلة عام 67، ما يقود إلى مقاطعة المنتجات الإسرائيلية بمنشأ المستوطنات. وللتذكير فإن قرار مجلس الأمن الرقم 2334 هو القرار الأشمل والأكثر وضوحاً في مناهضة وإدانة الإستيطان الإسرائيلي في الضفة (بما فيه القدس). وهو القرار الأول بإدانة الإستيطان الذي يتخذه مجلس الأمن منذ العام 1980 (القرار 478).
4-■ بالخلاصة، وإنطلاقاً مما سبق، يتضح أن القرارات الصادرة عن المؤسسات التشريعية لـ م.ت.ف في الدورات الآ نف ذكرها، قد طوت صفحة المفاوضات، لا بل طوت صفحة «العملية السياسية» بشروط أوسلو، ولم تأتِ على ذكرها، بل أشارت إلى «حل الصراع مع إسرائيل»، تاركة لصيغة هذا الحل (كما رست عليها في قرارات الدورة 23 للمجلس الوطني التي مضت أبعد مما ذهبت إليه قرارات الدولة 27 للمجلس المركزي) أن تأخذ مجراها في «مؤتمر دولي كامل الصلاحيات تشارك فيه الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، بموجب قرارات الشرعية الدولية، وضمن سقف زمني محدد»، ورسم الهدف من هذه المفاوضات بما هو «دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة عاصمتها القدس على حدود 4/6/1967» (دون الإتيان على ذكر«مسألة تبادل الأراضي المتفق عليها»)، وحل قضية اللاجئين بموجب القرار 194 (دون الربط بين هذا القرار وبين مبادرة السلام العربية التي أسقطت عملياً حق العودة إلى الديار والممتلكات..)■
(5)
في تعطيل قرارات المجلسين الوطني والمركزي
1–■ إن المشكلة الرئيسية في السياسة الوطنية المتبعة ليست في مستوى أو نوعية القرارات السياسية المتخذة في مؤسسات م.ت.ف، من حيث وضوحها في وضع أسس الإنتقال إلى إستراتيجية عمل وطني أخرى تستجيب لمتطلبات تجاوز عملية أوسلو بكل سلبياتها، ومن باب أولى تجاوز ما تكشفت عنه «صفقة العصر» التي تساوي تصفية القضية والحقوق الوطنية لشعب فلسطين.
إن المشكلة الرئيسية مازالت تكمن في إختلال ميزان القوى الداخلي الفلسطيني على نحو حاسم وغير مسبوق في مسار المؤسسة الوطنية، إختلاله لصالح مركز القرار التنفيذي الأعلى في القيادة الرسمية، أو القيادة المتنفذة بالقرار («المطبخ السياسي») التي مازالت تراهن على بقايا أوسلو.
إن مركز القرار في القيادة الرسمية مازال يرى في إستراتيجية الخروج من أوسلو، خطوة سوف تُعرض مصالحها ومصالح الفئات العليا من البيروقراطية المتنفذة في السلطة وفي م.ت.ف، وصف من رجال المال والأعمال وفئات الكومبرادور للخطر، بعد أن باتت هذه المصالح ترتكز إلى الوضع القائم، وترى أن أية محاولة لتغييره وإخراجه من سياقه العام، سيقود إلى إلحاق الضرر بمصالحها الخاصة. هذا فضلاً عن تأثرها بواقع المعادلة السياسية والإقليمية كما ترسمها الولايات المتحدة وإسرائيل، وبعض العواصم العربية التي لا تتوقف عن الضغط على القيادة الرسمية ودوائر القرار المعنية، لعدم مغادرة إستراتيجية أوسلو في رهان على أن لهذه القيادة مقعداً مضموناً في التسوية السياسية الجارية، لا بد أن تحتله في اللحظة المناسبة.
■ الإختلال في موازين القوى في المؤسسة الوطنية لصالح مركز القرار في القيادة الرسمية، لا يعكس واقع ميزان القوى في الإتجاهات العامة للحالة الجماهيرية الفلسطينية في المناطق المحتلة وفي مناطق الـ 48، وفي بلدان الشتات واللجوء. ولا شك أن استطلاعات الرأي، وما تحمله وسائط الإتصال الإجتماعي من مواقف وآراء، يعكس حقيقة الموقف الجماهيري الذي يقف في مواجهة سياسات القيادة المتنفذة لصالح السياسات التي تدعو لها القوى الوطنية والديمقراطية واليسارية، التي لم يتشوه وعيها بأوهام إتفاق أوسلو ومفاوضاته العقيمة مع إسرائيل تحت الرعاية الأميركية المنفردة.
■ الإختلال في ميزان القوى في المؤسسة الوطنية يعكس حالة الخلل والأسس الفاسدة التي تقوم عليها المؤسسة بموجب آليات تتيح لمركز القرار في القيادة السياسية الرسمية («المطبخ السياسي») اللجوء إلى سياسات الفك والتركيب للمؤسسات كما تشاء، ورسم صلاحياتها وواجباتها بما يخدم مشروعها السياسي الخاص، ولا يخدم المشروع الوطني كما صاغته قرارات المجلسين المركزي والوطني.
بل، وإستناداً إلى النتائج التنظيمية لدورة المجلس الوطني الـ23 (30/4/2018) يمكن القول أن «المطبخ السياسي» يدفع أكثر فأكثر باتجاه تهميش مؤسسات م.ت.ف، وبشكل خاص اللجنة التنفيذية، وما يؤدي إلى إضعاف م.ت.ف ومؤسساتها أكثر فأكثر، لصالح إستيعاب مهامها ووظائفها في إطار مؤسسات السلطة الفلسطينية، الواقعة تحت ضغط الإحتلال؛ أو لصالح دور أكبر « للمطبخ السياسي» على حساب دور الهيئات القائمة على أسس التمثيل السياسي الحقيقي في إطار التوافق الوطني والشراكة الوطنية.
لذلك بقيت قرارات المجلس المركزي في دورتيه الـ 27 والـ 28، كما قرارات المجلس الوطني في دورته الـ 23، حبراً على ورق، أحيلت للدراسة إلى اللجان ولوضع آليات لتطبيقها أكثر من مرة، في لعبة «إحالات» صبيانية مكشوفة بلغ عددها منذ الدورة 27، 13 إحالة(!). وكل هذا في إطار سياسة إلتفاف مفضوحة على القرارات، وتهميش لها، وإقصاء للمؤسسة، لصالح الإبقاء على الإستراتيجية السابقة: الرهان على بقايا أوسلو■
(6)
في إصلاح المؤسسة الوطنية الأم .. منظمة التحرير
1-■ الخلل في تركيب وآليات عمل المؤسسة الوطنية الأم، م.ت.ف، وفّر للقيادة الرسمية (أي مركز القرار فيها) الظروف لفرض هيمنتها على القرار السياسي، وتهميش الهيئات الوطنية، والضرب بعرض الحائط بمباديء التحالفات الوطنية التي يفترضها العمل داخل م.ت.ف، باعتبارها الجبهة الوطنية لعموم الشعب الفلسطيني بمختلف تجمعاته وشرائحه الإجتماعية وقواه السياسية. وقد أدت سياسة الإستفراد بالقرار، وتهميش الهيئات (اللجنة التنفيذية)، وإقصائها الفعلي عن التأثير بالسياسة الوطنية بتجاهل قراراتها (المجلس المركزي والمجلس الوطني) والتفرد بالإدارة والقرار على مستوى دوائر م.ت.ف (على غرار التفرد بالصندوق الفلسطيني)، أدت إلى إلحاق الأذى والضرر البالغين بالمصلحة الوطنية الفلسطينية، ما يُبقي معركة العمل على إصلاح المؤسسة الوطنية وإعادة بنائها على أسس ديمقراطية، مفتوحة على مصراعيها، وفي موقع متقدم من الإهتمامات الوطنية.
2-■ في السياق نفسه، أدت هذه السياسة، فيما أدت إليه، إلى إضعاف الدور القيادي والموقع الذي تحتله م.ت.ف في المعادلة الوطنية والسياسية. خاصة في ظل نقل العديد من المهام والصلاحيات من مؤسسات م.ت.ف، ودوائر لجنتها التنفيذية، إلى وزارات السلطة الفلسطينية. فمنذ العام 2009، حين جرى التعويض عن الشواغر في عضوية اللجنة التنفيذية في «مجلس مشترك» (إعتُبِر لاحقاً وفيما يتجاوز النظام الأساسي، الدورة 22 للمجلس الوطني) ضم إلى اللجنة التنفيذية ومكتب رئاسة المجلس الوطني من إستطاع الحضور من أعضائه (بموجب المادة 14/ج من النظام الأساسي)، ألغيت الدائرة السياسية في اللجنة التنفيذية بقرار منفرد، بعد أن أسند «المجلس المشترك» مسئوليتها إلى رئيس اللجنة التنفيذية، فأُحيلت مهامها وصلاحياتها إلى وزارة الشؤون الخارجية في السلطة الفلسطينية، (وعملياً إلى رئيس اللجنة التنفيذية)، ما أفقد المنظمة دائرة كانت تقوم بدور دبلوماسي مفيد في تقديم القضية والحقوق الفلسطينية إلى المجتمع الدولي ومؤسساته السياسية والقانونية، في صيغة أعفت نفسها من إلتزامات إتفاق أوسلو.
■ كذلك جرى إستتباع إدارة الصندوق القومي الفلسطيني ومصادرة إستقلاليتها، علماً أنها – بحسب النظام الأساسي - تنتخب مباشرة من المجلس الوطني لتتمتع بالإستقلالية التامة في إدارة شؤون الصندوق وتنفيذ قرارات المجلس الوطني. وتحوَّل الصندوق القومي، إلى مؤسسة يرتبط قرارها برئاسة السلطة وبسقف وزارة المالية في السلطة الفلسطينية، تتلقى منها التمويل الضروري الخ..؛ كما تحوَّل الصندوق القومي، بفعل تغييب الإدارة الجماعية، إلى أداة بيد مركز القرار في القيادة الرسمية في حروبه وخصوماته السياسية مع الأفراد والمؤسسات والقوى، وبشكل خاص في ممارسة الضغوط على القوى الديمقراطية المعارضة.
■ وأخيراً، وليس آخراً، لجأت القيادة الرسمية، (أي مركز القرار فيها)، وبسياسة إستفرادية فاقعة وفظة، ودون العودة إلى أية مرجعية سياسية أو قانونية، إلى إعادة تشكيل دوائر اللجنة التنفيذية، وإعادة توزيعها على أعضاء اللجنة بصورة إعتباطية، هدفت من وراءها إلى الإمساك والإستحواذ والسيطرة على الدوائر الفاعلة وذات الدور السياسي الملموس، فأحالت مسؤولياتها إلى ممثلي حركة فتح في اللجنة التنفيذية و«من هم في حكمهم». وألغت بالمقابل المجلس العسكري، ودائرة شؤون المغتربين، ودائرة الثقافة، والدوائر الأخرى متناظرة العنوان (وليس المهام) مع وزارات في السلطة الفلسطينية، علماً أن الأخيرة تقتصر مهامها على مناطق الحكم الذاتي، ولا تشمل المساحة الفلسطينية بكاملها. وكل هذا في سياق تعزيز فاقع ومكشوف لدور السلطة، وتقليص متدرج، وتهميش واضح لدور م.ت.ف ومؤسساتها، بما يحيل سلطة القرار، بشكل متسارع، إلى مؤسسات السلطة الفلسطينية، ويعزز في الوقت نفسه، أكثر فأكثر، دور «المطبخ السياسي» وسياسة التفرد والإستفراد بكل ما يترتب عليه من نتائج سلبية في الأداء، فضلاً عما يلحقه من ضرر بالعلاقات الوطنية والدور الوطني الجامع.
3-■ تتدحرج هذه الخطوات، في تقليص دور مؤسسات م.ت.ف، وتهميشها لصالح مؤسسات السلطة ووزاراتها، في الوقت الذي تشتد فيه الهجمة الإسرائيلية - الأميركية على القضية والحقوق الوطنية الفلسطينية، وتمارس الإدارة المدنية لسلطات الإحتلال سياسة قضم صلاحيات ودور السلطة الفلسطينية والمساحات الجغرافية التي تديرها بموجب نظام الحكم الإداري الذاتي؛ ما يعني، في الوقت نفسه، تقليص الدور الذي بإمكان القيادة الرسمية أن تقوم به. وهذا كله يفاقم الخطر على الشعب الفلسطيني وقضيته وحقوقه الوطنية، ويطرح بحدة وإلحاحية أكبر ضرورة إصلاح المنظمة وتصويب العلاقات الوطنية داخلها، وإعادة الإعتبار إليها، وإلى دورها في قيادة حركة التحرر الوطني الفلسطينية، وليس في إدارة حكم إداري ذاتي محدود الصلاحيات على بقع ضيقة من الأرض الفلسطينية المحتلة.
إن ضبط صلاحيات السلطة الفلسطينية بسقف مهماتها ضمن ولايتها في إدارة الشأن الداخلي للمجتمع الفلسطيني، سوف ينال من مصالح البيروقراطية العليا في السلطة الفلسطينية؛ وفي المقابل، وباتجاه معاكس، فإن إصلاح أوضاع المنظمة وإعادة الإعتبار لموقعها، إذ يرد الإعتبار للبرنامج الوطني، فإنه يضمن مصالح الشعب بأسره، وإن تعاكس مع مصالح الفئات العليا من البيروقراطية في مؤسسات السلطة، حيث تتحول الأخيرة عندئذ، من إدارة ذاتية للسكان بشروط الإحتلال إلى سلطة وطنية تدير الشأن العام بأولوية توفير عناصر الصمود للشعب في معركته المديدة ضد الإحتلال والإستعمار الإستيطاني، في سياق الإنتفاضة والمقاومة.
■ لقد بات ملموساً بالتجربة، أن الوصول إلى هذا الوضع الجديد، سياسياً، وتنظيمياً، وإدارياً، إنما يتطلب إعتماد إستراتيجية نضالية تنطلق من الإعتراف بأن أبواب الإصلاح من داخل المؤسسة الوطنية (م.ت.ف) باتت صعبة، نظراً لبنية هذه المؤسسة وآليات عملها، ما يجعل الشارع وحركته الجماهيرية هما الميدان المجدي للضغط على القيادة الرسمية، وتحالفاتها، للتسليم بضرورة الإصلاح، والعمل بما تم التوافق عليه في حوارات القاهرة وفي إطار «هيئة تفعيل وتطوير م.ت.ف ». هذا هو خط العمل الذي يتيح فتح الملفات التنظيمية والإدارية لإصلاح أوضاع م.ت.ف، وإعادة الاعتبار إليها، وإلى مؤسساتها، باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وقائدة نضاله في إطار حركته الوطنية■
(7)
الفساد السياسي وسياسة قمع الحركة الشعبية والحريات العامة
1-■ لعب الإنقسام، بين حركتي فتح وحماس، في تداعياته المختلفة، دوراً خطيراً في إفساد الحياة السياسية، كما قدم في الوقت نفسه أفضل خدمة مجانية للقوى المعادية، وخاصة دولة الإحتلال، وفتح العديد من الثغرات، لتدخلات خارجية لا تتردد في العبث بالوضع الفلسطيني، وإلحاق الأذى به، وتأزيم أوضاعه الداخلية، وتعميق حالة الإنقسام، وتوفير الأجواء المؤاتية لمزيد من الإفساد في الحياة السياسية الفلسطينية.
وبفعل تعطل أعمال المجلس التشريعي (واللجان المتفرعة عنه) كأداة للرقابة على المستوى التنفيذي، أي على أداء السلطة ومؤسساتها، أخذ النظام السياسي الفلسطيني ينحو، أكثر فأكثر، نحو التحول إلى نظام سلطوي في الضفة الفلسطينية، يتخذ من أجهزة الأمن أداة للتدخل في الشؤون السياسية والمدنية، والتضييق على الحريات العامة والديمقراطية، وعلى حرية التعبير والتظاهر وحرية الصحافة وغيرها. وبالتالي خرجت الأجهزة الأمنية عن دورها في خدمة الوطن والمواطن وفي القيام بواجباتها وتحمُّل مسئولياتها لفرض النظام وتوفير الأمن وسيادة القانون الخ..، وتحوَّلت إلى أداة بيد السلطة الفلسطينية في قمعها للحركة الشعبية. كما تحوَّل القضاء نفسه – بحدود معيّنة - إلى أداة لتصفية الحسابات مع المعارضين وأصحاب الرأي، بالإعتقالات العشوائية وعرقلة السفر خارج مناطق السلطة وغيرها من الإجراءات المخالفة للقانون، أو المتحركة على هوامش أطرافه الأبعد.
■ مثل هذه السياسة ألحقت الأذى بسمعة الأجهزة الأمنية المقيّدة هي الأخرى بإملاءات إتفاق أوسلو، وشروط التنسيق الأمني مع سلطات الإحتلال، وبنت بينها وبين العديد من الشرائح والقطاعات في الحالة الداخلية حواجز وسدوداً، تسهم في إشاعة بيئة، لا بل حتى في تأسيس نظام معادٍ للديمقراطية وحقوق الإنسان. كما أفسدت هذه الممارسات الحياة السياسية في مناطق السلطة، حيث باتت القيادة الرسمية تلجأ إلى «الحكم» بالمراسيم دون حسيب أو رقيب، أو تشاور مع رؤساء اللجان في المجلس التشريعي، أو مع القوى الفلسطينية، الشريكة في م.ت.ف، إن في اللجنة التنفيذية، أو في إطار ما يطلق عليه مجازاً «القيادة الفلسطينية». وبات أسلوب التفرد بالقرار وفي إدارة الشأن العام سمة طاغية في عمل السلطة الفلسطينية، مما عمَّق الأزمة السياسية التي تعانيها الحالة الفلسطينية بشكل عام.
2-■ أما في قطاع غزة، فإن الأمور لم تكن أقل سوءاً، خاصة في ظل حالة الإحتكار التي تمثلها حماس في إدارة الشأن العام، ولجوئها إلى القبضة الأمنية الأكثر تشدداً في إدارة شؤون القطاع، في جو من الإحساس العام بالفشل والإحباط، وتردٍ مضطرد للأوضاع. أما الصيغة التي إعتمدها بعض أعضاء المجلس التشريعي من كتلة حماس في غزة لتفعيل المجلس التشريعي إدعاءً، فلم تكن إلا لتشكيل الغطاء السياسي لحالة الإنقسام، وادعاء صفة الشرعية التشريعية في صيغة منفردة، شكلتا – أي الغطاء والإدعاء - الوجه الآخر لسياسة الإنفراد كما تمارسها السلطة في الضفة الفلسطينية.
وقد أضعف هذا السلوك، لدى الطرفين، دور الحركة الشعبية، التي تحولت إلى القطب الرئيس المضاد لهما، يتم قمعها على الدوام لمنعها من رفع صوتها بالمطالب الإجتماعية والحقوق الديمقراطية وإدانة الإنقسام ومكافحة الفساد لدى الجهتين.
3-■ وإلى أن تتوفر الظروف السياسية لتنظيم إنتخابات شاملة تستعيد المستوى التشريعي بوظائفه المعروفة في الرقابة والمحاسبة وسن القوانين، يصبح من الواجب على القوى الوطنية والديمقراطية ومؤسسات المجتمع المدني، والحقوقية منها بشكل خاص، وعلى النقابات والإتحادات العمالية والمهنية، التصدي لهذه السياسة في الضفة والقطاع، ودعوة القوى الأمنية والقضائية، لصون دورها، في تأمين إستقرار المواطن وأمنه، وحمايته، وعدم التعرض للحراك السياسي وعدم الإنجرار وراء الدعوات للصدام مع الحركة الشعبية، وإزالة حواجز عدم الثقة التي تنمو بين القوى والأجهزة الأمنية للسلطة، ولحماس، من جهة، وبين المجتمع والشارع والحركة الجماهيرية، من جهة أخرى■
(8)
فساد السياسات الإجتماعية - الإقتصادية للسلطة الفلسطينية
1- يعاني المواطن الفلسطيني في مناطق السلطة الفلسطينية من سياسة إقتصادية، من شأنها أن تلحق الضرر الشديد بمصالح الشرائح الواسعة من أبناء الشعب الفلسطيني على إختلاف مراتبها الاجتماعية:
■ فهناك، من جهة، قيود بروتوكول باريس الإقتصادي، التي تمسك بخناق الإقتصاد الفلسطيني، من خلال سلسلة القوانين والتطبيقات، التي جعلت من الإقتصاد الفلسطيني جزءاً تابعاً وملحقاً بالإقتصاد الإسرائيلي، بدءاً من مسألة تداول الشيكل الاسرائيلي، مروراً بالضرائب الباهظة التي تفرض على المواد المستوردة، تحت ذريعة مكافحة التهريب إلى داخل إسرائيل، ما رفع مستوى الأسعار في مناطق السلطة إلى ما يقارب مستواها في إسرائيل، مع فارق كبير بين دخل الفرد في مناطق السلطة، ودخل الفرد في إسرائيل. فضلاً عن هذا، فإن مثل هذه التبعية عطَّلت بناء إقتصاد وطني، وجعلت من العمل في المشاريع الإسرائيلية، بما فيها العمل في المستوطنات، المجال الواسع لاستيعاب اليد العاملة الفلسطينية، بكل ما في ذلك من قيود مجحفة ومعايير تمييزية تفرض على الفلسطينيين، ومن تشوهات تطال العديد من المفاهيم والقيم، تجعل من الإنفتاح على العدو خطوة إضطرارية للحد من البطالة في سوق العمل الفلسطينية.
■ وهناك من جهة ثانية، (وهو الوجه الآخر للقضية)، إعتماد السلطة الفلسطينية أجندة سياسية إقتصادية نيوليبرالية مغرقة في يمينيتها، ما يؤدي إلى زيادة حالة الإفقار في صفوف الفلسطينيين، الذين يدفعون ثمناً باهظاً وهم يرزحون تحت أزمة إقتصادية طاحنة، وجهاها التبعية الثقيلة للإقتصاد الإسرائيلي، إلى جانب السياسة الإقتصادية النيوليبرالية الواقعة تحت ضغوط وشروط الدول والجهات المانحة وصندوق النقد الدولي، ما أدى إلى خلل كبير في توزيع الموارد المالية المتاحة للشعب الفلسطيني، وإلى إغراق المواطن الفلسطيني في أزمات معيشية، تجعله في صدام مع القوانين الجائرة للسلطة الفلسطينية المنحازة في منحاها العام لصالح الفئات العليا، من أغنياء ورجال مال وأعمال، والشرائح العليا من البيروقراطية الادارية المتسلطة على القرار وعلى المال العام. وفي المحصلة، يؤدي هذا إلى إضعاف روح الصمود والثبات عند المواطن، وإضعاف الثقة بالدور القيادي الذي تلعبه السلطة الفلسطينية للإنعتاق من الإحتلال والخلاص من التبعية والإرتهان للإقتصاد الإسرائيلي، وبمدى جدية المؤسسة الفلسطينية في بناء قاعدة قيام دولة الإستقلال وأسس بناء الإقتصاد الوطني الفلسطيني.
2-■ إن كل هذا يملي على القوى السياسية والنقابات والإتحادات العمالية والمهنية، ومؤسسات المجتمع المدني القيام بدور ملموس في الدفاع عن حقوق الطبقات الشعبية الكادحة، وتطوير وسائل النضال من أجل تحويل قضايا الديمقراطية والعدالة الإجتماعية إلى أعمدة للنضال الوطني الفلسطيني، من أجل الحرية والعدالة والمساواة، وإلى قضية تفرض نفسها على جدول أعمال المؤسسة الوطنية وبرنامجها السياسي، دفاعاً عن الطبقات الشعبية وأوسع الفئات الكادحة التي تدفع ثمناً باهظاً من حريتها وحقها في الحياة الكريمة، تحت وطأة الأزمة الطاحنة التي يعانيها المواطن الفلسطيني.
■ إن ما تعانيه مناطق السلطة الفلسطينية، وبالذات في الريف، والمخيمات، وقطاع غزة الواقع تحت الحصار، يفرض العمل على النضال من أجل إعادة توزيع الموارد المالية المتاحة للشعب الفلسطيني وتوجيه إنفاقها بما يخفف من الآثار السلبية الواسعة للتبعية للإقتصاد الإسرائيلي، والسياسات الإقتصادية النيوليبرالية، ووضع خطة وطنية تقود إلى الإنفكاك من التبعية للإقتصاد الإسرائيلي، وقيود بروتوكول باريس، وتطبيق قرارات المجلس الوطني في دورته الـ23، ودورتي المجلس المركزي الـ 27 والـ 28■
(9)
تطوير بنى الحركة الجماهيرية وتوسيع آفاقها
1-■ شهدت الحركة الجماهيرية الفلسطينية في السنوات الأخيرة نهوضاً ملحوظاً، وتقدماً ملموساً في إنخراطها بأشكال مختلفة، في معارك تحرير الأرض المحتلة، وطرد الإحتلال، ومقاومة الإستعمار الإستيطاني، والتصدي للمشاريع والسيناريوهات المختلفة لتصفية المسألة والحقوق الوطنية الفلسطينية؛ خاصة كلما توفر لهذه الحركة اليقين بمصيرية المعركة وخطورتها ووضوح الأهداف وعناصر الصمود واللحمة الوطنية، بعيداً عن الشعارات الرنانة، والجمل الإنشائية وزرع الأهداف الوهمية.
■ فمن الإنتفاضة الشبابية، في خريف العام 2015، التي إنطلقت عفوية، واختارت لنفسها آلياتها وأدواتها الخاصة بها، وأحدثت الإرتباك في صفوف الإحتلال، والأجهزة الأمنية للسلطة الفلسطينية؛ إلى إضراب الأسرى في سجون الإحتلال الذين صمدوا، حتى في ظل محاولات التشويش عليهم من بعض الأطراف، وحققوا قدراً كبيراً من أهدافهم رغم أنف إدارات السجون؛ إلى إضراب المعلمين العموميين في الضفة الفلسطينية، دفاعاً عن مصالحهم النقابية ولقمة عيش أبنائهم في وجه السياسات الظالمة للسلطة الفلسطينية؛ إلى التظاهرات العارمة لكل المتضررين من تعديلات قانون الضمان الإجتماعي، التي أرغمت السلطة الفلسطينية على التراجع وسحب القانون لإعادة دراسته، إلى إنتفاضة القدس وبوابات الأقصى، التي أرغمت سلطات الإحتلال للتراجع عن إجراءاتها التعسفية والتهويدية الهادفة إلى التمهيد لإخضاع الأقصى للتقاسم الزماني والمكاني، والحراك دفاعاً عن الأملاك الكنسية في القدس المحتلة، لمواجهة مخاطر مصادرة أملاك الكنيسة بذريعة تسديد ضرائب متخلفة. هذا دون أن ننسى هبّة الغضب لجماهير القدس في وجه إدارة ترامب والإحتلال الإسرائيلي بعد قرار الإعتراف بالقدس عاصمة لدولة الإحتلال؛ وأخيراً وليس آخراً، «مسيرات العودة وكسر الحصار» في قطاع غزة، التي انطلقت في 30/3/2018 وتجاوزت بنجاح كبير، وتضحيات عظمى، شهرها الخامس؛ قابلتها في الضفة الفلسطينية مسيرات واعتصامات في رام الله ونابلس للمطالبة برفع العقوبات الجائرة للسلطة الفلسطينية على قطاع غزة.
2-■ إلى جانب ما ذكر، لعبت الحركة الجماهيرية، بقيادة القوى الوطنية والديمقراطية دوراً مهماً في الضغط على القيادة الرسمية الفلسطينية في أكثر من محطة، منها محطة 20/7/2017 و12/8/2017، حين نزلت اللجنة التنفيذية عند مطالب الحركة الشعبية في القدس، وأعلنت وقف التنسيق الأمني ووقف الإتصالات مع سلطات الإحتلال. وكذلك شكلت قرارات المجلس المركزي (الدورة 28) والمجلس الوطني (الدورة 23)، محطات قطف ثمار تضحيات الحركة الجماهيرية، في سلسلة القرارات المتقدمة التي سبقت الإشارة إليها.
■ تكتسب الحركة الشعبية وزناً إضافياً في ميدان المعركة السياسية ضد الإحتلال والإستعمار الإستيطاني، دفاعاً عن مصالح الفئات الشعبية وباقي شرائح المجتمع، ضد السياسة الإقتصادية للسلطة الفلسطينية ذات المنحى النيوليبرالي، والخاضعة لتعليمات وضغوط الجهات والدول المانحة وصندوق النقد الدولي. ويزداد وزن الحركة الشعبية أهمية في المعركة الوطنية إذا ما أدركنا حالة التراجع التي تصيب أوضاع المؤسسة الوطنية، وقدرتها على الفعل والتأثير، خاصة في ظل ما تتعرض له من تهميش وإقصاء على يد القيادة الرسمية لصالح «المطبخ السياسي»، وفي خدمة المصالح الطبقية للبيروقراطية العليا في السلطة، وفئات الكومبرادور وبعض رجال المال والأعمال، الذين باتت مصالحهم تتقاطع وتلتقي مع الحفاظ على الحالة القائمة، رغم ما تلحقه من ضرر بالمصلحة الوطنية العامة، وبمصالح أوسع الفئات الشعبية ومستوياتها المعيشية.
إن هذا يملي على القوى الوطنية والديمقراطية، لضمان شق الطريق أمام البرنامج الوطني وتحقيق الأهداف والحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني، الرهان أكثر فأكثر، على دور الحركة الجماهيرية في المعركة الوطنية، والضغط على القيادة الرسمية الفلسطينية بما وبمن تمثل للإستجابة للإرادة الوطنية والتزام مباديء الائتلاف الوطني، وتنفيذ قرارات المجلسين المركزي والوطني، وطي صفحة أوسلو، لصالح إعتماد إستراتيجية جديدة، «إستراتيجية الخروج من أوسلو».
3-■ إن الإرتقاء بأداء الحركة الجماهيرية يتطلب سلسلة من الخطوات التنظيمية والسياسية الكبرى، من أهمها:
• تنظيم صفوف الحركة الجماهيرية وتأطيرها وإخراجها من حالتها الأقرب للعفوية إلى حالتها المنظمة، بموجب الأهداف المرسومة لمواجهة القضايا والملفات الوطنية (دعم الحركة الأسيرة، التصدي للتوسع الإستيطاني، حماية المنازل المهددة بالتدمير، مقاومة التطبيع ومقاطعة المؤسسات الإسرائيلية، تحسين خدمات وكالة الغوث، حق العودة، مواجهة تهويد القدس وتهويد الخليل، مقاومة تغول قطعان المستوطنين...).
• إخراج الإتحادات الشعبية والمهنية والنقابات وباقي المؤسسات من حالة الجمود، وتحريرها من هيمنة البيروقراطية على أوضاعها، وتوفير الآليات لتنخرط في الميدان لتحقق أهدافها ومطالبها الإجتماعية بما يعزز تماسكها وقدرتها على الصمود والإنخراط في المعركة الوطنية ضد الإحتلال والإستيطان.
• أن تتقدم القوى الوطنية والديمقراطية الصفوف في المعارك الوطنية والإجتماعية، وأن تقدم القدر الكافي من اليقين والثقة بجدارة هذه القوى على قيادة العمل الوطني في الميدان، وتقديم التضحيات والقيام بالدور المطلوب منها في المجالات المختلفة، وتجاوز الهوة التي باتت تفصل بين جموع الحركة الشعبية وهذه القوى وقياداتها، وضعف ثقتها بها، وباستعدادها لمواصلة النضال، خارج منطق تغليب المصالح الفئوية والحزبية الضيقة على المصلحة الوطنية العليا.
• ستبقى معركة إنهاء الإنقسام وإنجاز الوحدة الداخلية وإعادة بناء الوحدة الوطنية على أسس برنامجية وتنظيمية، تمً التوافق عليها في العديد من محطات الحوار الوطني الشامل، عاملاً رئيساً من عوامل توفير الأجواء الصحية للمزيد من النهوض الجماهيري، ولزج المزيد من القوى والشرائح الإجتماعية في النضال من أجل تحقيق الأهداف الوطنية لعموم أبناء الشعب الفلسطيني■
(10)
اللاجئون وحق العودة ووكالة الغوث (الأونروا)
■ تقدمت قضية اللاجئين، ووكالة الغوث، ومحورهما حق العودة إلى الديار والممتلكات، خطوات إلى الأمام في أجندة الإهتمامات الفلسطينية، وكذلك على الصعيدين العربي والدولي، حين أدرجتها إدارة ترامب في «صفقة العصر»، ودعت إلى شطبها من جدول أعمال المفاوضات المرتقبة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وأعلنت موقفها في إسقاط حق العودة لصالح الحلول والسيناريوهات البديلة، وحين أوقفت (31/8/2018) تمويلها لوكالة الغوث (الاونروا) ودعت إلى تجفيف مواردها، على طريق حلها، ونقل خدماتها إلى الدول المضيفة.
■ لا يمكن لأي كان أن ينكر أن مواقف إدارة ترامب جاءت في سياق السياستين الأميركية والإسرائيلية الداعية
إلى إلغاء حق العودة، وحل قضية اللاجئين عبر ما يسمى «توفير مكان سكن دائم لهم». وإن إبتعدت هذه المواقف عن المواقف الفلسطينية الرسمية بشكل ملموس، فإن هذا الإبتعاد لا يرقى إلى درجة التناقض الحاد، حيث يعتمد الموقف الفلسطيني الرسمي مبادرة السلام العربية (2002) التي تنص على «التوصل إلى حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين يُتفق عليه وفقاً للقرار 194»، ما يمنح إسرائيل حق النقض، وبالتالي الإلغاء لكل ما يتصل بعودة جدية للاجئين إلى الديار والممتلكات، حيث لا يتعدى الأمر، بالنسبة لإسرائيل، وفي أفضل الأحوال، لأكثر من عودة رمزية.
■ وفي كل الأحوال، فإن عديد المسؤولين الفلسطينيين، وأحياناً على أعلى المستويات، لم يبخلوا بإعطاء تصريحات، أبدوا فيها إستعدادهم لأقصى درجات المرونة، إن لم يكن الرخاوة – وصولاً إلى حد التنازل أحياناً - في التعاطي مع مسألة حق العودة، مشددين على أن «مطالبة إسرائيل باستيعاب 5 ملايين لاجيء هو أمر غير منطقي. ولا حتى مليون أيضاً»(!)؛ أو باختزال حق العودة إلى حق الرجوع إلى ما سمي بـ «جناحي الوطن» (الضفة وغزة) الذي لا يمت بصلة إلى حق العودة الذي يكفله القرار 194، كون حق الرجوع هذا، يقع في نطاق الممارسة الطبيعية لدولة فلسطين لأحد حقوقها السيادية، كونها دولة «للفلسطينيين أينما كانوا» بحسب إعلان الإستقلال (1988).
وقد سبق للعديد من المسؤولين الفلسطينيين أن إنخرطوا في مباحثات رسمية، وشبه رسمية إنتهت إلى الإعلان بوضوح عن تساهل، أو تراخي، أو حتى تراجع القيادة الرسمية الفلسطينية عن التمسك الصارم بحق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى الديار والممتلكات التي هجروا منها منذ العام 48، لصالح الحلول البديلة. من أبرز هذه المباحثات مؤتمر جنيف - البحر الميت الذي إنعقد نهاية العام 2003، وحضره وفد فلسطيني رسمي بتكليف من رئيس اللجنة التنفيذية في حينه، وصادق على خطة تدعو إلى استبدال حق العودة بحل يدعو إلى «توفير مكان سكن دائم للاجئين».
■ في هذا السياق لا يفوتنا التذكير بما كان تقدم به المفاوض الفلسطيني في مفاوضات أنابوليس (2007 – 2008) – التي لم تَقُدْ إلى أية نتيجة - حين قبل تجزئة قضية اللاجئين، بالعودة لأعداد رمزية (لم يقبل بها المفاوض الإسرائيلي فاختزلها إلى الربع) إلى مناطق الـ 48 لا تتجاوز الـ 100 ألف، وتوزيع الكتلة العظمى للاجئين (أي حوالي 5 مليون) بين التوطين، وبين إنتقال أعداد منهم إلى مناطق السلطة الفلسطينية في إطار «الحل الدائم» للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي؛ مع التأكيد أن هذا الإتفاق، هو الإتفاق النهائي الذي يضع حداً لأية مطالب لاحقة إضافية لأي منهما (no further claims)؛ أي بتعبير آخر إغلاق ملف اللاجئين مرة واحدة وإلى الأبد، بعد هذا الاتفاق.
2-■ دعوة ترامب، هذه المرة، أكثر خطورة من سابقاتها، لأنها تحمل في طياتها خطوات عملية لفرضها على الجميع وخلق وقائع من جانب واحد، ستعكس نفسها على أية مفاوضات قادمة. ومن بين هذه الخطوات:
• التمهيد لإعلان وفاة وكالة الغوث من خلال وقف تمويلها والضغط على المانحين لتجفيف مواردها، وإغراقها في عجز مالي مركب يؤدي إلى شل خدماتها، ورمي الكرة في ملعب الدول المضيفة في ظل إدراك عميق لدى الإدارة الأميركية، ومن يسير معها في المنحى ذاته، للدور المهم الذي تلعبه «الوكالة» في تقديم الخدمات للاجئين في الميادين المختلفة؛ كما للموقع الذي تحتله، في السياسة وفي القانون، باعتبارها الشاهد الدولي على جريمة النكبة والتشتيت العنصري، يشكل القرار الأممي الرقم 302 (المعطوف على القرار 194) الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة (18/12/1949) القاضي بإنشاء «الوكالة»، كما يشكل التفويض الدولي الممنوح لها دورياً من الجمعية العامة للأمم المتحدة إعترافا بالمسؤولية الدولية عن اللاجئين وحقوقهم، إلى حين تطبيق القرار 194 الذي يكفل لهم حق العودة إلى الديار والممتلكات التي هجروا منها منذ العام 1948.
• وعلى قاعدة تجريد قضية اللاجئين ومحورها حق العودة، من غطائها الدولي، تُحال القضية إلى الدول العربية المضيفة. وهو الأمر الذي دفع عدداً من الدول العربية النفطية إلى سد بعض العجز المالي لوكالة الغوث، الأمر الذي يتهدد بتحويلها من منظمة دولية، بالمعاني السياسية والقانونية التي تحملها وتمثلها، إلى مجرد منظمة عربية، وتحويل قضية اللاجئين من ملف الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، إلى قضية عربية ــ عربية وإعفاء المجتمع الدولي من مسؤولياته.
• العمل على إعادة تعريف اللاجيء الفلسطيني من خلال تقديم دراسات تعيد تعريف اللاجيء، بحيث لا ينطبق إلا على من ولدوا في فلسطين قبل النكبة ونزع الصفة عن ذُريتهم، ما يقود تلقائياً إلى تصفية قضية اللاجئين وتحويلها من قضية 5 ملايين لاجيء إلى قضية هامشية لبضعة مئات من الآلاف الذين باتوا من المسنين، سيتكفل الزمن من خلال السنوات القليلة القادمة بحلها حلاً طبيعياً. أما الآخرون فتحال قضيتهم إلى حلول أخرى، شرط الإعتراف بسقوط حق العودة عنهم■
(11)
في استراتيجية حركة اللاجئين
1-■ مع «صفقة العصر» والخطوات العملية التي شرعت بها إدارة ترامب، بات ملف اللاجئين بنداً متفجراً مدرجاً بشكل دائم على جدول أعمال الحركة الوطنية الفلسطينية، ويحتل الموقع الإستراتيجي المتقدم، جنباً إلى جنب مع ملفي القدس، والإستيطان. وبالتالي، وفي هذا السياق، إتسعت محاور نضال حركة اللاجئين بحيث باتت تملي على القوى الوطنية وعلى م.ت.ف، إمتلاك إستراتيجية سياسية واضحة المعالم، في التصدي لـ«صفقة العصر» ينال فيها موقع قضية اللاجئين وحق العودة ما يستحقه من إهتمام وجهد، آخذين بالإعتبار تنوع الظروف السياسية والمعيشية للاجئين في انتشارهم داخل الوطن (الـ48+الـ67) وفي الشتات؛
■ في مناطق الـ 48، مازال حوالي 300 ألف لاجيء فلسطيني يعيشون خارج قراهم وبلداتهم التي هجروا منها منذ العام 1948 يعتبرون أنفسهم جزءاً من حركة اللاجئين في الوطن والشتات، تربطهم بهم النضالات من مدخل حق العودة، والتمسك بالقرار 194. ورغم تراجع الإهتمام الوطني الفلسطيني بهذه القطاعات من فلسطينيي الـ 48، إلا أن نضالاتهم لم تتوقف، يساندهم في ذلك مجموعات إسرائيلية يهودية، تعوِّض بنشاطها المتقدم نسبياً عن ضمور حجمها وضعف تأثيرها في الوسط اليهودي في إسرائيل، مجموعات هي على قناعة تامة – وهو ما يستحق كل التقدير - أن ما من حل للصراع الفلسطيني ـــــ الإسرائيلي إلا بحل قضية اللاجئين الفلسطينيين وإعادتهم إلى ديارهم في ظل دولة ديمقراطية.
على هذا الأساس، يجب التأكيد أن حركة اللاجئين في الـ48 هي جزء لا يتجزأ من عموم حركة اللاجئين الفلسطينيين، ما يتطلب توفير الوسائل الضرورية للتواصل بينهم وبين باقي تجمعات اللاجئين، خاصة في الضفة الفلسطينية حيث يسهل التنقل والتواصل والتنسيق، وبل وتوحيد الجهود في العديد من المناسبات الوطنية ذات الصلة.
■ في الضفة الفلسطينية، يتحمل اللاجئون الفلسطينيون، في المخيمات خاصة، واجبات مركبة. فإلى جانب إنخراطهم في مقاومة الإحتلال، من الموقع المتقدم الذي اعتادت المخيمات أن تحتله في هذا الميدان، وإلى جانب الإنخراط في الحراكات الوطنية بصبغتها الإجتماعية الواضحة في الدفاع عن المصالح الحياتية للفئات الإجتماعية المختلفة، وعن الحريات الديمقراطية ضد سياسات القمع والإستبداد التي تتجلى أكثر فأكثر في السلوكيات القمعية للأجهزة الأمنية في تعاملها مع المخيمات، يحتل النضال من أجل تحسين خدمات وكالة الغوث والوفاء بواجباتها، والنضال من أجل وقف سياسة الهدر والفساد في إداراتها، موقعه المتقدم في رزنامة حركة اللاجئين، إلى جانب النضال دفاعاً عن حق العودة وضد المشاريع البديلة، الأمر الذي يتطلب تعزيز دور القوى الوطنية والديمقراطية في تنظيم صفوف اللاجئين، وتعزيز هياكل وآليات عمل حركة اللاجئين ومؤسساتها الأهلية، من لجان شعبية وأندية ومؤسسات نقابية ومراكز بحثية وغيرها.
■ في قطاع غزة، قدمت الحركة الوطنية الفلسطينية نموذجاً متقدماً في تنظيم «مسيرات العودة وكسر الحصار» تحت قيادة الهيئة الوطنية العليا الموحدة والتي تضم صفاً واسعاً من القوى الوطنية والديمقراطية. إذ يتميز الوضع في قطاع غزة بأن أكثر من 60% من أبنائه هم من اللاجئين؛ كما يتميز بحقيقة أن وكالة الغوث، وبسبب من ظروف الحصار التي يتعرض لها القطاع، تلعب دوراً مركزياً، ليس في إغاثة اللاجئين فحسب، بل وأوسع الشرائح الإجتماعية من الفلسطينيين، ما يؤكد بالملموس أهمية الدور الذي تلعبه الأونروا، إجتماعياً، والموقع الذي تلعبه سياسياً، حيث يشكل وجودها في القطاع غطاء سياسياً في وجه الحصار، والعدوان، وتمثيلاً للمجتمع الدولي واعترافاً بمسؤولياته السياسية والقانونية عن الشعب الفلسطيني المنكوب في قضيته وحقوقه الوطنية، خاصة وأن القطاع هو مقر رئاسة وكالة الغوث ومركز إتخاذ القرار فيها.
كما يتميز قطاع غزة بأنه مكان نشاط رئيس دائرة شؤون اللاجئين في اللجنة التنفيذية لـ م.ت.ف، ما يُحمِّل حركة اللاجئين مسؤولية مميزة في التحرك للضغط على الدائرة ومسؤوليها، لتطوير آليات عملها وتوسيع مسؤولياتها عن اللاجئين الفلسطينيين في أماكن تواجدهم كافة. وبالتالي تتحمل القوى الوطنية والديمقراطية في قطاع غزة مسؤوليات مميزة بالإنخراط في حركة اللاجئين وتطوير هياكلها وآليات عملها، وإغناء برامجها، كما تتحمل مسؤوليات مميزة في الضغط على دائرة شؤون اللاجئين وعلى رئاسة وكالة الغوث.
■ في لبنان، تبقى معركة النضال من أجل الحقوق الإجتماعية والإنسانية وضمان وأمن واستقرار المخيمات، في مقدمة المهام الملقاة على عاتق حركة اللاجئين، إضافة إلى الدور المهم والمتقدم الذي تلعبه حركة اللاجئين في التصدي لمحاولات تقليص خدمات الأونروا، فضلاً عن مواصلة النضال والتحرك من أجل استكمال إعادة إعمار مخيم نهر البارد.
■ في سوريا، تنصب المهمة المركزية في الفترة القادمة، على توفير الظروف لرجوع اللاجئين إلى مخيماتهم وفي أنحاء البلاد، خاصة إلى مخيم اليرموك لمركزية وضعه وأهميته الفائقة، دون أن يكون ذلك على حساب باقي المخيمات. وهو الأمر الذي يضع حركة اللاجئين والقوى الوطنية الفلسطينية أمام سلسلة من الواجبات الصعبة، خاصة بما يتعلق بإعادة إعمار وترميم ما دمر من المخيمات، كاليرموك، ودرعا، وحندرات، وسبينة، وخان الشيح، والتجمعات السكنية الأخرى للاجئين الفلسطينيين؛ ما يملي التوجه إلى م.ت.ف، بحكم مسؤولياتها، ودائرة شؤون اللاجئين، لتفعيل دورها بالتعاون مع وكالة الغوث، والجهات المانحة، والبلد المضيف بما فيه المؤسسة العامة لشؤون اللاجئين في سوريا، بما يختصر ويخفف من معاناة التشرد التي يعانيها عشرات آلاف اللاجئين الفلسطينيين في سوريا منذ العام 2011، ويحد من ظاهرة الهجرة إلى الخارج.
■ وأخيراً، وليس آخراً، إن قضية اللاجئين وحق العودة، وهي تحتل موقعها المركزي في برنامج العمل الوطني في التصدي لـ «صفقة العصر»، تملي على حركة اللاجئين وعلى مجموع القوى الوطنية، ودائرة شؤون اللاجئين في م.ت.ف، التأكيد على أن التصدي لمشاريع إعادة تعريف اللاجيء لإلغاء مكانته السياسية - القانونية، وتصفية وكالة الغوث، أو إعادة صياغة تفويضها، وتعديله، سيبقى مفتاح النضال من أجل التصدي لمشاريع شطب حق العودة؛ وإن مثل هذه الواجبات باتت تستدعي أطراً جامعة على الصعيد الوطني، فضلاً عن تطوير الأطر النضالية لحركة اللاجئين في أماكن إنتشارها■
(12)
محطات..
1-■ بحلول العام 2016، السنة الأخيرة لإدارة أوباما في البيت الأبيض، وصلت العملية السياسية، كما كانت ترعاها الولايات المتحدة، إلى الطريق المسدود، بسبب من تعنت الجانب الإسرائيلي، ورفضه للحد الأدنى من شروط إستئناف العملية السياسية (أي وقف الإستيطان) ومن ضعف الضغط الأميركي على حكومة تل أبيب، للإستجابة لاستحقاقات وشروط إستئناف المفاوضات. ولم تنجح جولات وزير الخارجية جون كيري، وقبله هيلاري كلينتون، في إزاحة العقبات الإسرائيلية، كما لم تنجح الأساليب والأشكال التفاوضية المتعددة التي إعتمدت (من مفاوضات التقريب، إلى المباحثات الإستكشافية، مروراً بالمفاوضات المباشرة) في تجاوز التعنت الإسرائيلي.
في محاولة لملء الفراغ الذي خلَّفه الفشل الأميركي في المنطقة، تقدمت فرنسا بمشروع لمؤتمر دولي، يحضره ممثلو عدد من الدول الأوروبية والعربية إلى جانب الولايات المتحدة وكندا، والجانب الفلسطيني والإسرائيلي، يكرر تجربة مؤتمر أنابوليس لإطلاق عملية تفاوضية ثنائية جديدة، دون رعاية أو مواكبة دولية حقيقية، أي تكرار التجربة الفاشلة؛ الأمر الذي دفع الجبهة الديمقراطية لاعتبار الدعوة لهذا المؤتمر مجرد محاولة لإلهاء الوضع الفلسطيني وتوفير الذريعة للقيادة الرسمية الفلسطينية لمواصلة تعطيل قرارات المجلس المركزي (5/3/2015) في إعادة تحديد العلاقة مع إسرائيل، والتزام منحى سياسي جديد يقوم على طي صفحة أوسلو.
■ أكدت الوقائع المتتالية صحة هذه التوقعات، فقد إرتبطت آليات إنعقاد مؤتمر باريس بالأجندة الأميركية، ورضخت لشروط الولايات المتحدة، بما في ذلك تحديد مواعيد إجتماعاته التحضيرية. كما اصطدمت الدعوة للمؤتمر برفض إسرائيلي صارم، ما إضطر باريس للتخلي عن دعوة الطرفين المعنيين بالقضية، الفلسطيني والإسرائيلي, وانتهى أمر المؤتمر إلى الإنعقاد في باريس نهاية العام 2016، في ظل حضور دولي من الصف الثاني، ما أدى إلى هبوط ملحوظ في قراراته، التي سرعان ما تلاشت، حتى أنها لم تعد تدرج في سياق تناول العملية السياسية.
بيّنت نتائج مؤتمر باريس مرة أخرى فشل الرهان على إمكانية إحياء العملية التفاوضية بالشروط والآليات التي صاغتها إتفاقات أوسلو وملحقاته، كما بيّنت أن رحلة تمسكها باتفاق أوسلو، قد وصلت إلى نهايتها. فلا الولايات ولا الدول الأوروبية تملك البديل الموازي، وأن البديل الوحيد هو في العودة إلى سياسة وطنية جديدة، بلورت عناوينها قرارات المجلس المركزي في دورتيه الـ 27 والـ 28، وأعادت التأكيد عليها اللجنة التحضيرية للمجلس الوطني في كانون الثاني(يناير) 2017 .
2-■ شكل إجتماع اللجنة التحضيرية للمجلس الوطني الفلسطيني، برئاسة رئيس المجلس سليم الزعنون، علامة سياسية متقدمة في العلاقات الداخلية. فقد حضره ممثلو الفصائل الفلسطينية كافة، من داخل م.ت.ف وخارجها. وتوصل الإجتماع إلى توافقات متقدمة ومهمة، في مقدمها العمل على إنهاء الإنقسام من خلال تشكيل حكومة وحدة وطنية، تُحضِّر لانتخابات شاملة، رئاسية، وتشريعية للمجلسين التشريعي والوطني، بموجب نظام التمثيل النسبي الكامل، على أن يكون المجلس الوطني بتركيبته الجديدة من 350 عضواً (150 من الداخل + 200 من الخارج)، ويعقد في مكان يتم التوافق عليه.
إستجابت القيادة الرسمية لدعوة اللجنة التحضيرية للإجتماع في محاولة للتمويه على فشل رهانها على مؤتمر باريس، وبعد رحيل الإدارة الديمقراطية من البيت الأبيض، ومجيء إدارة ترامب وقد سبقته تصريحاته الفجّة المنحازة بشكل صارخ لجانب إسرائيل، في عداء مستحكم للشعب الفلسطيني وقضيته وحقوقه الوطنية.
من جانبها، إستجابت حركة حماس لدعوة اللجنة التحضيرية للإجتماع بعد ما سلمت عملياً أن تجربتها في الحكم على قاعدة الإنفراد به في إطار الإنقسام منذ 14/6/2007 قد فشلت، وأنها لم تعد تستطيع التمويه على هذا الفشل، خاصة في ظل تقدير واسع أن أوضاع قطاع غزة مقبلة على مزيد من التدهور إذا لم تتم معالجة أوضاعه الحياتية.
أما القوى الديمقراطية واليسارية الفلسطينية، فقد وجدت في نتائج هذا الإجتماع إستجابة لبرنامجها ودعواتها واقتراحاتها لإصلاح المؤسسة الوطنية وتطوير أدائها، واستنهاض عناصر القوة في الحالة الفلسطينية وفي الحركة الشعبية.
■ غير أن القيادة الرسمية، وتحت وطأة ضغط بعض العواصم العربية، وفي رهان جديد على حل ما تحمله في جعبتها الإدارة الأميركية الجديدة، إنقلبت على نتائج أعمال اللجنة التحضيرية، وجددت رهاناتها على دور واشنطن لاستئناف العملية التفاوضية.
وظهر الإنحياز الرسمي الفلسطيني على الصعيد الإقليمي، واضحاً وصارخاً، في مشاركة رئيس السلطة الفلسطينية في قمة الرياض إلى جانب أكثر من خمسين دولة عربية ومسلمة، أعلن في ختامها ترامب عن إطلاق مشروعه للحل الإقليمي، عبر «صفقة العصر» لحل المسألة الفلسطينية وقيام حلف عربي ــ إسرائيلي، في مواجهة طهران وامتداداتها في المنطقة، باعتبارها هي الخطر على مصالح المنطقة وشعوبها وليست إسرائيل. غير أن الرئيس الأميركي لم يكشف عن مضمون هذه «الصفقة»، فاكتفى بالعنوان، ولم يدخل إلى المتن في محاولة مكشوفة لاستدراج التأييد لإحاطة العنوان بأجواء إيجابية من الغموض تُسهِّل تسويقه لاحقاً.
ومنذ ذلك التاريخ [أيار(مايو) 2017] وحتى إعلان ترامب قراره حول القدس (6/12/2017) عبّرت القيادة الرسمية عن موقفها الإيجابي – دون وقبل أن تعرف مضمونها - حيال «الصفقة التاريخية» التي سيعلن عنها ترامب، على أنها – بزعم هذه القيادة - هي الطريق الذي سيؤدي إلى ما بات يسمى بـ «حل الدولتين». واستمر الرهان على الدور الأميركي الجديد وعلى وعود الرياض للقيادة الرسمية، إلى أن كشف ترامب عن خطته في «صفقة العصر»، من الإعتراف بالقدس إبتداءً، عاصمة لإسرائيل، ونقل سفارة بلاده إليها. ما أوقع في يد القيادة الرسمية، وأسقط رهاناتها الفاشلة، فاعترفت بأن ما كانت تعتقده «صفقة» لم يكن في حقيقة الأمر سوى «صفعة».
■ رد القيادة الرسمية على بيان ترامب جاء مخيباً للآمال، لأنه خلا من أي موقف عملي، وتهرب من المواجهة والإشتباك السياسي والميداني معه، رغم أن في جعبة القيادة الرسمية رزمة من القرارات، التي كان قد إتخذها المجلس المركزي(5/3/2015) واتخذتها اللجنة التنفيذية في معركة بوابات الأقصى (في 20/7 و12/8/2017)، كان يمكن اللجوء إليها للرد على قرار ترامب بشأن القدس، بعد أن تأكد سقوط الرهان على دور واشنطن في رعاية إستئناف العملية التفاوضية، رعاية – إن لم تكن نزيهة – فبأقله ليست مختلة التوازن تماماً(!).
غابت اللجنة التنفيذية عن الأحداث، واستعيض عنها بما بات يسمى «اللقاء القيادي»، وهو صيغة فضفاضة غير محددة المعالم تضم أكثر من 60 شخصاً. وانتهى اللقاء القيادي دون أن يصدر عنه بيان، ما يعكس تهرب القيادة الرسمية من الإلتزام أمام الرأي العام بأي رد محدد على قرار ترامب.
إستمر تأجيل إتخاذ قرارات محددة وملموسة لمواجهة قرار الإدارة الأميركية، واستمرت المراوحة في المكان، في ظل فوضى إعلامية وسياسية، كشفت عن عمق أزمة النظام السياسي، ومدى تخبط القيادة المتنفذة، وحجم مأزقها السياسي، إلى أن إنعقد المجلس المركزي في 15/1/2018، دون أن يسبقه إجتماع تحضيري للجنة التنفيذية. وسبق دورة المجلس المركزي أيام غضب في القدس والضفة الفلسطينية، وقطاع غزة، عبَّرت فيها الحركة الفلسطينية عن مدى سخطها على السياسة الأميركية، وعن مدى تدني ثقتها بقدرة القيادة الرسمية والمؤسسة الوطنية في صيغتها الحالية على تحمل أعباء إستحقاقات المرحلة القادمة.
■ اللجنة التنفيذية بدورها، التي لم تلتئم بعد قرار ترامب الإعتراف بالقدس الخ.. في 6/12/2017، حتى 7/3/2018، أي بعد 3 شهور على قرار ترامب المشؤوم(!)، أحجمت عن إتخاذ أي قرار عملي في مجابهة قرار ترامب، واكتفت بخطوتين إثنتين، حين دعت إلى إنعقاد الدورة 23 للمجلس الوطني الفلسطيني في 30/4، وشكلت لجنة من بين أعضائها، وشخصيات أخرى لتقديم ورقة عمل بآليات تنفيذ قرارات المجلس المركزي بوجهة طي صفحة أوسلو، وفك الإرتباط بالإحتلال والإقتصاد الإسرائيلي، وتبني إستراتيجية سياسية جديدة.
لكن الموقف الصادم الذي فوجئت به الحالة الوطنية الفلسطينية، هو خطاب رئيس اللجنة التنفيذية أمام مجلس الأمن الدولي في 20/2/2018، حين أشار أولاً إلى أن السلطة الفلسطينية تحت الإحتلال تحوَّلت إلى مجرد «سلطة خدمية»، وإلى أن القيادة الرسمية الفلسطينية تحوَّلت إلى «موظفين لدى الإحتلال». لكنه بدلاً من الخروج من هذا الموقف، بخطوة عملية ترتقى إلى مستوى الحدث، عاد وأعلن إلتزامه باتفاق أوسلو، وتجاهل بشكل تام قرارات المجلس المركزي في دورته الأخيرة، وأطلق ما بات يعرف بـ «رؤية الرئيس»، حين دعا إلى استئناف التفاوض الثنائي مع إسرائيل حول «قضايا الوضع الدائم» عملاً باتفاق أوسلو، مطالباً بـ «تشكيل آلية دولية متعددة الأطراف تساعد الجانبين في المفاوضات..»، بديلاً من المؤتمر الدولي كامل الصلاحيات، معتبراً عدم تقديم طلب عضوية دولة فلسطين إلى المنظمات الدولية مساوياً للإحجام عن القيام بأعمال أحادية الجانب أسوة «بوقف النشاطات الإستيطانية، والإعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل..»(!).
لقد إعتبر خطاب 20/2 تراجعاً سافراً عن قرارات المجلس المركزي، وشكل مؤشراً على إصرار القيادة الرسمية على تعطيل قرارات المؤسسة، والتجاوز عليها، لصالح الاستئثار بالقرار هي وحدها، والتفرد باتخاذه في القضايا الوطنية الكبرى وفي المحطات السياسية المهمة■
(13)
أزمة قيادة وأزمة نظام سياسي
1-■ كشفت «رؤية الرئيس» مرة أخرى عمق أزمة النظام السياسي الفلسطيني، وأزمة قيادته الرسمية. فقد باتت هذه القيادة تشكل تعبيراً عن مصالح طبقية لفئات البيروقراطية العليا في السلطة الفلسطينية، بالتحالف مع بعض رجال المال والأعمال، وفئات الكومبرادور، التي بنت لنفسها مصالح طبقية وإجتماعية - إقتصادية وسياسية ومعنوية، خلال سنوات تواجدها في السلطة الفلسطينية، وفي إرتباط مصالحها الإقتصادية بالأمر الواقع السائد.
في الوقت نفسه، وعلى الرغم من الضغوط السياسية للحركة الجماهيرية، وقواها المنظمة، وانكشاف إتفاق أوسلو وإفلاسه، مازالت القيادة الرسمية ومن تمثل، ليست جاهزة للتراجع عن أوسلو ومترتباته؛ لكنها في الوقت نفسه لا تستطيع التجاوب مع الشروط الأميركية والإسرائيلية للتسوية، وكل ما تنطوي عليه «صفقة العصر» من مضمون يساوي تصفية الحقوق الوطنية.
■ قرارات المجلس الوطني الفلسطيني في الدورة الـ 23 نجحت في الإلتفاف على «رؤية الرئيس»، لصالح المؤتمر الدولي البديل، لكنها لم تنجح في إسقاط «مفاوضات الوضع الدائم» من نصوصها، ما يجعل منها منفذاً وثغرة لمواصلة الرهان على أوسلو وعلى «حل ما» تحت سقف «صفقة العصر». وقد تجلى هذا الأمر بوضوح في الطريقة التي أدارت بها القيادة الرسمية نتائج أعمال المجلس:
• فقد عطلت القرار برفع الاجراءات الظالمة عن قطاع غزة. رغم أن رئيس السلطة وعد أمام المجلس بتحقيق ذلك خلال 24 ساعة.
• كذلك تعطلت أعمال اللجنة التنفيذية، التي اكتفت باجتماع بروتوكولي أعادت فيه إنتخاب رئيس اللجنة التنفيذية وأمين سرها. عادت بعدها إلى الاجتماعات المسماة «تشاورية» برئاسة أمين سر اللجنة، تتلقى «قرارات» رئيس اللجنة عبر أمين سرها، دون أية مشاورات مسبقة بين أعضاء اللجنة، بحيث باتت «إقتراحات» رئيس اللجنة «قرارات نافذة » فيما يتعلق بإعادة توزيع الدوائر على أعضاء اللجنة، وغيرها من القضايا.
• كما تعطلت قرارات المجلس الوطني فيما يتعلق بإعادة تحديد العلاقة مع إسرائيل. وكما أحيلت قرارات المجلس المركزي في 15/1/2018 إلى لجنة للدراسة وتقديم الإقتراحات، كذلك أحيلت قرارات المجلس الوطني مرة أخرى إلى لجنة مماثلة. وبات واضحاً أن القيادة السياسية الرسمية مازالت مصرة على تعطيل الإنتقال إلى استراتيجية سياسية جديدة تستعيد البرنامج الوطني، ومصرة في الوقت نفسه على الإلتزام بتعهداتها نحو إتفاق أوسلو، ورهانها على «حل ما» يأتي من قبل الولايات المتحدة الأميركية.
■ لم يعد ممكناً الفصل بين مواصلة التمسك بأوسلو والتزاماته، والرهان على «حل ما» عبر الوسيط الأميركي، وبين الخطوات المتلاحقة للقيادة الرسمية لإعادة صياغة النظام السياسي الفلسطيني، والإنتقال من نظام يقوم على الائتلاف الوطني، والتوافقية الديمقراطية ومباديء التشاركية، إلى نظام رئاسي يستعيض عن التوافقية الديمقراطية بين القوى المؤتلفة في م.ت.ف، بسياسة المراسيم الفوقية، حتى في إدارة الشأن العام في م.ت.ف؛ وبات واضحاً أن القرارات والمراسيم الفردية للقيادة الرسمية، هذه، من شأنها أن تعمل تدريجياً على تذويب مؤسسات م.ت.ف، وتقليص صلاحياتها، وتقزيم دورها، وإضعافه، لصالح مؤسسات السلطة الفلسطينية، في الوقت الذي تعيش فيه هذه السلطة مرحلة أفول على يد سلطات الإحتلال وإدارتها المدنية.
2-■ أمام إنسداد العملية التفاوضية، ووصولها إلى الطريق المسدود، ورفض إسرائيل الإستجابة لاستحقاقات الحد الأدنى، بما في ذلك ما ورد في إتفاق أوسلو، إتبعت الإدارة المدنية لسلطات الإحتلال سياسات عملية أكدت فشل المشروع الذي أطلقته حكومة السلطة الفلسطينية منذ مرحلة سلام فياض، في بناء الدولة تحت «جلد الإحتلال»؛ ومن بين هذه السياسات سلسلة خطوات أدت إلى تقليص صلاحيات ومساحة ولاية السلطة الفلسطينية إلى أبعد الحدود، بحيث تحولت، وباعتراف المؤسسة نفسها، إلى مجرد «سلطة خدمية»، دورها منفصل تماماً عن مشروع يخلق ويقيم شروط إقامة الدولة. وفي هذا الإطار:
• ألغت سلطات الإحتلال الفوارق بين المناطق (أ) و(ب) و(ج)، وأصبحت كلها مستباحة أمام قوات الإحتلال، تجتاحها متى شاءت، لتعتقل، وتقتل وتنسف، دون أي إعتبار للإتفاق والبروتوكولات، التي مايزت بين هذه المناطق وبين الأدوار الواجب القيام بها بين السلطة الفلسطينية من جهة، وسلطات الإحتلال من جهة أخرى.
• كذلك إنتهكت «إتفاقية المقاصة» ومنحت سلطات الإحتلال نفسها صلاحية مصادرة إيرادات الضرائب على المعابر، العائدة للسلطة الفلسطينية، بذرائع مختلفة، آخرها، مصادرة ما يساوي رواتب وتعويضات ومساعدات الأسرى وعائلاتهم وعائلات الشهداء، بذريعة أنها أموال تذهب لصالح الإرهاب.
• عطلت العديد من المشاريع الإقتصادية في منطقتي (ب) و(ج) في إطار التمهيد لضم أجزاء واسعة من المنطقة (ج)، التي تبلغ 62% من مساحة الضفة، إلى دولة الإحتلال في أية حلول قادمة.
• تجاوزت الإدارة المدنية صلاحيات السلطة الفلسطينية وأقامت جسوراً للعلاقة المباشرة مع رجال الأعمال والمال والمواطنين، لإنجاز معاملاتهم (إجازات الإستيراد والتصدير، وغيرها من المعاملات والإجراءات ذات الصلة بمصالح الناس) بمعزل عن أي دور للسلطة الفلسطينية في تأكيد جديد على إمكانية تجاوز إدارات السلطة وتهميشها، وإدارة الشأن العام في الضفة الفلسطينية منفردة.
• مارست الضغوط على الولايات المتحدة ودول صديقة للكيان الاسرائيلي، لحجب المساعدات المالية عن السلطة بدعوى مكافحة الإرهاب وتجفيف مصادره.
3-■ مثل هذه التطورات، فيما يتعلق بمؤسسات م.ت.ف من جهة، ومؤسسات السلطة الفلسطينية من جهة أخرى، توضح خطورة ما يعيشه النظام السياسي الفلسطيني من تحولات خطيرة؛ فبعد إنقلاب حركة حماس في 14/6/2007، وتعطل أعمال المجلس التشريعي للسلطة، تحول نظام السلطة من نظام رئاسي - برلماني مختلط، إلى مجرد نظام رئاسي تدار شؤونه بالمراسيم، خارج أية رقابة تشريعية، تحد من تغول السلطة التنفيذية وهيمنتها على الشأن العام، بما في ذلك سن قوانين إقتصادية ومالية تتعدى على مصالح الفئات الفقيرة والدنيا والوسطى، لصالح كبار الأغنياء ورجال المال، وكم الأفواه، وقمع الحريات الفردية والجماعية، والزج بالأجهزة الأمنية في الخلافات السياسية لمحاصرة القوى الوطنية والديمقراطية واليسارية، وعموم الحركة الشعبية في أية تحركات معارضة لأداء السلطة وقوانينها وسياساتها.
■ إن المضي بهذه السياسة من شأنه أن يقود إلى تقليص وإضعاف القاعدة الإجتماعية للسلطة الفلسطينية، خاصة في ظل تبنيها نظاماً إقتصادياً نيوليبرالياً، عملاً بتوجيهات وتعليمات صندوق النقد الدولي، على حساب مصالح أوسع الفئات الشعبية، والشرائح الدنيا من الفئات الوسطى، كما من شأن هذه السياسة أن تضعف قدرة الشارع الفلسطيني على الصمود في وجه الإحتلال والإستيطان، وفي معارك الدفاع عن الحقوق الوطنية، وأن تضعف حالة اليقين بجدية القيادة السياسية والسلطة الفلسطينية في مجابهة سياسات الإحتلال الإسرائيلي، والعمل على بناء مشروع الدولة الفلسطينية المستقلة.
4-■ في إطار م.ت.ف، التي شهدت خطوات تراجعية في سياق تذويب مؤسساتها في مؤسسات السلطة، وبدأ نظامها السياسي، في ظل تفرد «المطبخ السياسي»، يتحول من نظام برلماني، يقوم على التوافق الديمقراطي، والائتلاف الوطني والتشاركية النضالية والسياسية، إلى نظام رئاسي يدار بالمراسيم الفوقية الصادرة عن رئيس اللجنة التنفيذية.
إن الإمعان في هذه السياسة سيقود، بتراكم الوقائع واستطالة الزمن، إلى وضع النظام السياسي الفلسطيني على سكة التآكل، إن لم يكن التفكيك، كحركة تحرر وطني لشعب تحت الإحتلال، وتحويله إلى نظام فردي تسلطي، مطعون في مكانته التمثيلية، أثبتت التجربة فشله في إدارة العملية السياسية والقضية الوطنية والوصول بها إلى بر الأمان.
إن هذا المنحى المنذر بالعواقب، بات يتطلب قرع جرس الإنذار أمام خطورة هذه التحولات، والدعوة إلى حوارات وطنية، صريحة وشفافة، على أعلى المستويات، لمراجعة الأوضاع الفلسطينية العامة، وإعادة الأمور إلى مسارها الصحيح، بما في ذلك إعادة بناء المؤسسة الوطنية الفلسطينية بمشاركة جميع القوى السياسية والمجتمعية بدون إستثناء، من خلال إنتخاب مجلس وطني جديد، قوامه 350 عضواً بنظام التمثيل النسبي الكامل، يقود إلى توسيع القاعدة وتعزيز الشرعية التمثيلية لـ م.ت.ف الائتلافية، ويرد الإعتبار للجنة التنفيذية كقيادة سياسية يومية للشعب الفلسطيني، عبر إعادة بناء دوائرها المختلفة، بما في ذلك مجلس إدارة الصندوق القومي الفلسطيني، ورد الإعتبار لها كمرجعية للسلطة الفلسطينية، المدعوة هي الأخرى لإعادة صياغة برامجها السياسية والإجتماعية، لتتحول إلى سلطة وطنية فلسطينية، تؤمن مصالح أوسع فئات الشعب الفلسطيني، وتوفر لها عناصر الصمود في المعترك الوطني المديد■
(14)
قانون القومية: الولادة الثانية لإسرائيل
-1■ في 18/7/2018 أجازت الكنيست الإسرائيلية بالقراءة الثالثة قانون أساس: «إسرائيل – الدولة القومية للشعب اليهودي»، الذي أضيف إلى القوانين الأساس لإسرائيل ذات المفعول الدستوري، والتي مازالت تعتمد بديلاً للدستور في البنية الأساس، القانونية والتشريعية، للنظام السياسي في إسرائيل.
ولدت فكرة القانون المذكور في 22/7/2013؛ وخضع مشروع القانون لنقاشات ومداولات، وتعديلات، على يد الدوائر السياسية والقانونية في إسرائيل، إلى أن توافق على ضرورة إصداره، رئيس الحكومة الحالية بنيامين نتنياهو، مع زعيم «البيت اليهودي» نفتالي بينت ومدعوماً من وزيرة العدل في إسرائيل إيليت شاكيد.
■ ما سبق يستدعي السؤال عن مغزى توقيت صدور القانون، بعد أن وضع جانباً لخمس سنوات كاملة؛ ويمكن لنا أن نقرأ الجواب من خلال التحولات اليمينية ذات المنحى الشوفيني العنصري الجارية بوتائر متسارعة داخل المجتمع الإسرائيلي، بانعكاساتها المباشرة على الخارطة الحزبية وإصطفافاتها التحالفية، واستتباعاً على مستوى تمثيل القوى السياسية في الكنيست.
■ ولعل الإستشهادات الثلاثة التالية من نصوص القانون تسلط الضوء بوضوح بالغ على ما بلغته هذه التحولات من خطورة تضع المشروع الصهيوني بعقيدته القديمة – الجديدة في موقع التناقض الكامل مع الحقوق الوطنية لشعب فلسطين، ما يجعل من الإستحالة بمكان الوصول إلى أي حل، حتى بمضمون «التسوية التاريخية» مع هذا الكيان القائم على أيديولوجيا تنتج قوانين أساس من هذا القبيل: 1- «دولة إسرائيل هي الدولة القومية للشعب اليهودي.. (و) ممارسة حق تقرير المصير في دولة إسرائيل حصرية للشعب اليهودي» (البند الأول)؛ 2- تكون الدولة مفتوحة أمام قدوم اليهود ولم الشتات (البند الخامس)؛ 3- «تعتبر الدولة تطوير الإستيطان اليهودي قيمة قومية وتعمل لأجل تشجيعه وعم إقامته وتثبيته» (البند السابع).
■ هذه التحولات اليمينية في عمق البنى السياسية داخل المجتمع وفي النظام السياسي سواء بسواء، تغذيها – من جهة – الخشية المتزايدة من تأثير النهوض الوطني الفلسطيني في مناطق الـ 48؛ وتشجعها عملياً – من جهة أخرى –سياسة التخاذل العربي الرسمي حيال مسألة الصراع العربي - الإسرائيلي، والنضال الوطني التحرري لشعب فلسطين. وكل هذا، تحت مظلة سياسة الإدارة الأميركية الحالية، المتسمة بدرجة غير مسبوقة من التحيّز والدعم بمختلف أوجهه لسياسة الحكومة الإسرائيلية بأقصى درجات تعبيرها يمينية وعنصرية في قضايا الإستعمار الإستيطاني والتهويد والضم والإقصاء والعزل الخ..
ولعل أقل ما كان يستوجبه هذا القانون الذي يمثل ذروة العنصرية من قبل القيادة الرسمية الفلسطينية، هو الإعلان الرسمي عن سحب الإعتراف بدولة إسرائيل، خاصة بعد توضيح الحكومة الإسرائيلية في وثيقة مقدمة إلى المحكمة العليا باعتبار البند السابع من هذا القانون حول الإستيطان اليهودي فوق أي قانون دستوري سنَّه أو سيسنة الكنيست. غير أن شيئاً من هذا لم يحصل، ما يؤكد مرة أخرى مدى ضعف الإرادة السياسية على مستوى مركز القرار الفلسطيني الرسمي في مواجهة القرارات العدوانية العنصرية الصارخة المتخذة من الحكومة الإسرائيلية.
2-■ رغم أن قانون القومية لم يأت بجديد، بل شكل سقفاً قانونياً، أي مظلة للسياسات الإسرائيلية العنصرية الممارسة أصلاً، فإنه في الوقت نفسه طرح على الحركة الوطنية الفلسطينية قضية مهمة لا يمكن بعد الآن تجاهلها أو التهرب منها. فإذا كان إتفاق أوسلو قد قفز عن وحدة المصير بين أبناء الشعب الفلسطيني في مناطق الـ 48 من جهة، وأبناء الشعب الفلسطيني في الشتات وفي المناطق المحتلة عام 1967 من جهة أخرى؛ فإن وصول أوسلو إلى الطريق المسدود، معطوفاً على صدور قانون «القومية» في إسرائيل، أعاد صياغة أوضاع الشعب الفلسطيني في مناطق تواجده كافة (داخل الـ 48 ـــــ في مناطق الـ 67 ـــــ في الشتات)، بحيث لم يعد ممكناً الفصل بين الدوائر الثلاث في معارك النضال الوطني الفلسطيني. إذن، أصبحت قضية تقرير المصير، ومواجهة الإستعمار الإستيطاني، وحق العودة، والمساواة القومية، والدولة السيدة المستقلة، والقدس، وغيرها من الملفات الكبرى، ملفات تمس مباشرة الشعب الفلسطيني في أماكن تواجده كافة، وبشكل لا يلغي إستقلالها كعناوين، تداخلها الحقيقي، والتأثيرات الفعلية المتبادلة فيما بينها في حركة النضال اليومي.
■ إن هذا الواقع الذي بات يفرض نفسه في ميدان العمل الوطني الفلسطيني، يضع العقل السياسي الفلسطيني، والقيادات الوطنية الفلسطينية والأحزاب العربية في مناطق الـ 48، وفصائل العمل الوطني داخل م.ت.ف، أمام قضايا برنامجية وعملية تحتاج إلى إجابات واضحة، بحيث يستطيع البرنامج أن يوحد الشعب الفلسطيني، وأن يعيد توحيد حقوقه الوطنية، وتطوير شعاراته السياسية لترتقي إلى مستوى المجابهة الراهنة ومستوى التحديات المستجدة التي بات يفرضها قانون «القومية» وغيرها من القوانين العنصرية، وذلك لجهة إبراز ما يتطلبه مفهوم وبرنامج الظفر بحق تقرير المصير مرحلياً من نضال على ثلاث مسارات (دولة، عودة، مساواة قومية) تجعل «من التقدم والنجاحات التي يحرزها نضال شعبنا على أي منها تعزيزاً ودعماً لنضاله الوطني التحرري على المسارين الآخرين»، كما يؤكد على ذلك البرنامج السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين (الفصل الأول، 2- الثورة الفلسطينية: مهامها وأهدافها، الفقرة 2)■
مطلع أيلول (سبتمبر) 2018



#الجبهة_الديمقراطية_لتحرير_فلسطين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- البلاغ الصادر عن أعمال المؤتمر الوطني العام السابع للجبهة ال ...
- كلمة ومطالب وملخص رؤية الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين في ا ...
- نقل السفارة الأميركية إلى القدس إعلان حرب ضد شعبنا وقضيته وح ...
- بيان الجبهة الديمقراطية عن اختتام اعمال المجلس الوطني
- بيان بمناسبة عيد العمال العالمي
- قرارات المجلس المركزي الفلسطيني لم ترتق الى مستوى القدس وتحد ...
- «الديمقراطية» تحذر من خطورة الهجمة الشرسة على القضية الفلسطي ...
- في الذكرى السبعين لقرار التقسيم .. في اليوم العالمي للتضامن ...
- البلاغ السياسي الصادر عن أعمال الدورة الكاملة
- قرار عنصري فاشي بامتياز..
- السلطة الفلسطينية والتجرؤ على مرجعيتها الوطنية
- مشروع قرار جديد على أجندة «الكنيست» (البرلمان الإسرائيلي)، ل ...
- بيان صادر عن الجبهتين الشعبية والديمقراطية لتحرير فلسطين
- المجد والنصر لأسرى -الحرية والكرامة-
- موجة ثورية جديدة تدخل اليوم اضراب أسرى -الحرية والكرامة- الم ...
- سامر العيساوي ورفاقه في إضراب الحرية والكرامة غداً
- اضراب الأسرى الشامل طريق -الحرية والكرامة-
- الجبهة الديمقراطية: نداء الأرض لشعبنا الفلسطيني في يوم الأرض ...
- في العيد ال 48 للإنطلاقة المجيدة للجبهة الديمقراطية
- «الديمقراطية» تخاطب مؤتمر باريس المنعقد اليوم


المزيد.....




- تقرير يكشف عدد القتلى في لبنان جراء الحملة الإسرائيلية المكث ...
- وزير لبناني: غارة إسرائيلية قرب معبر المصنع الرئيسي مع سوريا ...
- نقص في الكهرباء بالعراق وسوريا وتركيا بسبب الجفاف.. فما الحل ...
- شاهد.. الحرس الثوري يضع اللمسات الأخيرة على الصواريخ التي ضر ...
- وزير لبناني يؤكد قطع الطريق الدولي بين لبنان وسوريا (فيديو) ...
- إسرائيل تطلب من اللبنانيين إخلاء قرى شمال الليطاني والتوجه إ ...
- هل دمرت الضربات الإيرانية قاعدة نيفاتيم وتسترت إسرائيل على ذ ...
- اليميني المتطرف فيلدرز يدافع عن الإبادة الجماعية في غزة
- محلل: من المحتمل أن تتبادل إسرائيل وإيران استهداف المنشآت ال ...
- خبير عسكري: ما يجري على حدود لبنان نقطة تحول وهذا هو الاختبا ...


المزيد.....

- عن الحرب في الشرق الأوسط / الحزب الشيوعي اليوناني
- حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني / أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
- الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية / محمود الصباغ
- إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين ... / رمسيس كيلاني
- اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال / غازي الصوراني
- القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال ... / موقع 30 عشت
- معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو ... / محمود الصباغ
- القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال ... / موقع 30 عشت
- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين - التقرير السياسي الصادر عن المؤتمر الوطني العام السابع - 2018