أحمد عمر النائلي
الحوار المتمدن-العدد: 6769 - 2020 / 12 / 23 - 20:01
المحور:
ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات
تصنع الأحداث العظيمة ردود أفعال عظيمة , خاصة عندما تكون هذه الأحداث ذات تأثير شامل لا يستثني أحد من البشر , مثلما فعلت جائحة كورونا مع البشرية , والتي عكست ضعف الإنسان في مواجهة المرض ,والذي اعتقد أنه مع إِنجازه للثورة العلمية الهائلة والانجازات الناتجة عنها وأيمانه بدوغمائيتها أنه لن يستطيع وباء فيروسي من النيل منه بهذا الشكل المذهل , فأصبح يشاهد مظاهر الموت وهي تخطف الأرواح كل يوم , وكأننا نعيش زمن الموت الأسود في أوربا خلال القرن الرابع عشر .
هذا الحدث قاد الفلاسفة والمفكرين والأدباء والأكاديميين إلى وضعه تحت مجهر التدبّر لتوظيفه أو وصفه أو معرفة سببه أو التنبؤ بتطوره أو السعي إلى محاولة ضبطه والتحكم به من خلال صنع لقاح ينهي متوالية الألم , وأحد هذه الجهود والتي سارت على هذا النحو كتاب " ورقات من كورونا " لمؤلفه الدكتور محمد حسين محجوب , أستاذ الفلسفة بجامعة بنغازي , والذي حاول من خلاله التطرق إلى عدد من المواضيع المتعلقة بولادة وتأثير جائحة كورونا وعلاقتها بالقيم الأخلاقية , بالإضافة إلى تقديم بعض الإيضاحات العلمية المتعلقة بالفيروس وكيفية انتشاره وعمله في الجسم , وهو كتاب من القطع الصغير ويضم مائة وست وأربعين صفحة , وصدر هذا العام (2020) , عن دار ديوان العرب للنشر والتوزيع .
ينطلق هذا الكتاب من مصادرة وإطلاق كلي , مفاده أن العالم بعد فيروس كورونا ليس هو العالم الذي كان قبله , وهنا يشير إلى أنّ هناك تغيرات في المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ستطرأ على قاطني المسكونة , وهذا الرأي تكرر لدى بعض المفكرين مثل الفيلسوف السلوفيني سلافوي جيجك في كتابه Pandemic : COVID-19 Shakes the World , ووزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر، في صحيفة " وول ستريت الأميركية , والذي دقّ ناقوس الخطر محذراً من أن العالم ما قبل كورونا ليس كما بعده، متوقعاً حدوث اضطرابات سياسية واقتصادية قد تستمر لأجيال بسبب الوباء، ملمحاً إلى تفكك العقد الاجتماعي محليا ودوليا , وكذلك الصحفي الأمريكي الشهير توماس فريدمان في مقالة بصحيفة نيويورك تايمز, و ما قاله أيضا بعض الصحفيين العرب مثل : سمير العيطة في صحيفة الشروق المصرية ومأمون أفندي في الشرق الأوسط اللندنية وغيرهم .
ونلاحظ أن هذه الآراء والتي تبناها الدكتور محجوب تمّ طرحُ أغلبها في الأشهر الخمسة الأولى للازمة , وكأنها كانت تحت تأثير الصدمة , فالحدث هو توالي مشاهد الموت اليومية غير المعتادة في كل أنحاء العالم , يقابله عجز بشري لمواجهته , مما أدى إلى مسارعة تبني هذه الآراء , فلم تكن هناك مقدمات مبررة بما يكفي لتبنيها , فهي تشبه التنبؤ الذي لا نملك دليلاً عليه, أو أسلوب الإبعاد Abduction الذي طرحه تشارلز بيرس , والذي يتم توظيفه في الدرس السيميائي .
فهل سيكون هناك تأثير لجائحة كورونا على العالم ؟ , وهل هو تغييرٌ اعتيادي أو جوهري يقع في المتن ؟ , وهنا نرى أن التغيير سيكون محدوداً وليس شاملاً جوهرياً , فبعد اكتشاف اللقاحات وتوزيعها ومن ثمّ انتهاء الأزمة , ستعود الأمور إلى اعتيادها , فجائحة كورونا ليست الحرب العالمية الثانية التي أعادت تشكيل المعمورة , فالرأسمالية العالمية وحالات الاستقطاب السياسي في العالم واختلاف المصالح لن تسمح بعودة الشيوعية العالمية مثلاً كما ذهب سلافوي جيجك , ربما أهم تغيير سيحدث سيرتكز على البحث الطبي والتضامن المحدود بين البشرية لمواجهة أية فيروسات قادمة , وربما أميل إلى ما قاله د رفيق عبد السلام وزير خارجية تونس الأسبق , إلى أن هناك مبالغة في فكرة أن العالم لن يكون بعد كورونا مثلما كان قبله , وفق ما ذهب إليه أيضا المفكر والشاعر السوري عماد فوزي شعيبي بنشوء نظام عالمي جديد، سيكون الجميع فيه خاسرين.
حاول الدكتور محجوب أن ينثر عبر كتابه عدداً من المواضيع العلمية والسياسية والدينية , محاولاً مقاربة تأثيراتها وتداعياتها , (والتي تبدو كأنها كانت مقالات أو منشورات الكترونية منشورة تشترك في طرح جائحة كورونا تم جمعها في الكتاب ), منطلقاً من الشرح العلمي للجانب الميكروبيولوجي Microbiology , موضحاً عدداً من المصطلحات ؛ مثل علم ما فوق الجينات Epigenetics و DNA و RNA وغيرها .
ومن النقاط المهمة التي أشار إليها د. محجوب في كتابه " ورقات من كورونا " إلى أن فيروس كورونا تم تحويره من قبل الإنسان , رغم أنه لم يقدمْ دفوعات حاسمة حول هذا الطرح , وهو ما طرحه أيضا بعض السياسيين مثل الرئيس دونالد ترمب و ألمح إليه أحد ضباط الاستخبارات الإسرائيلية , وكلاهما حاول إلصاق العمل بالصين , وكأنها تهمة ذات غرض سياسي وليست حقيقة علمية , وهو كذلك ما ذهبت إليه مثلاً الدكتورة نبيلة منيب المغربية المختصة في علم البيولوجيا والفيروسات والحاصلة على دبلوم في علم الغدد الصم من جامعة مونبلييه الفرنسية ,وكذلك ما توصل إليه علماء روس في دراسة علمية أكّدوا فيها أن فيروس كورونا المستجد يحوي في جيناته التركيبة القديمة لفيروس كورونا القديم بالإضافة إلى تركيبة فيروس الايدز ،وهو ما يشير إلى تحويره , ولكن وفي ذات الوقت وبشكل مخالف نرى منظمة الصحة العالمية والاستخبارات الأمريكية تقول إنه من أصل حيواني ؛ بل أكّدت دراسة نشرتها مجلة " نيتشر nature " العلمية، وشارك فيها باحثون من جامعات أدنبرة وكولومبيا وسيدني وتولين، عدم وجود أي دليل على أن الفيروس تم صنعه في مختبر أو تمّ هندسته جينياً، وما ذهب إليه الدكتور محجوب قامت به بالفعل استراليا والصين , اللتان تمكنتا من تخليق الفيروس في أحد مختبراتها بعد انتشار الجائحة , ونشير هنا إلى أن فيروس كورونا لا يمكن اختباره إلا في الخلايا الحية أو البويضات الملقحة , أي أنه لا يمكن اختباره في الوسائط الصناعية , وهذا يعني أن أية تجربة ستكون في خلايا حية وهذا بالطبع ينافي الأخلاق في حالة ثبوت عملية التحوير ,لاحتمال أن تكون هذه التجربة كانت في جسم الإنسان وليس الحيوان .
وعندما نعود إلى تتبع بعض الفيروسات السابقة نجد أن هناك أطروحات أشارت إلى تحوير الفيروسات , مثل ما طُرح حول فيروس الايدز بأنه تم تحويره في أمريكا ونشره بعد ذلك في إفريقيا بعد عام 1977 بواسطة حملات التطعيم , وفي ذات الموضوع ألمح د. محجوب إلى أنّ اللقاح موجود مسبقاً قبل انتشار الفيروس توافقاً مع ما طرحه سابقاً ,وهنا استحضر ما كان يقوله الرئيس الأمريكي ترامب قبل أشهر من أن اللقاح سيتم اختراعه في أغسطس 2020 .
وينطلق د. محجوب من ثنائية تقاطع المصالح بين الدول المتقدمة المُسْتَعمِرة والدول النامية المُستعمَرة , وسعي الأولى إلى استغلال الثانية وتوظيفها واستخدامها كحقل تجارب , في تعارض واضح مع ما تدعيه من احترام للقيم الإنسانية , وهي نتاج إرث كولياني Colonialism عانت منه الشعوب المستعمَرة , فالحكومات الاستعمارية كما يري د. محجوب لديها معلومات حول جائحة كورونا ولكنها لا ترغب في نشرها توافقاً مع أخلاقها الاستعمارية , فهذه الدول نقلت الموت للهنود الحمر لتحرمهم من وطنهم , فأوربا هي مهد الاستعمار والنازية وخاصة فرنسا وفق رؤية الدكتور محجوب , فهل ما ذهب إليه يعود إلى تبنيه ايدولوجيا سياسية جعلته يؤمن بنظرية المؤامرة , إلى المستوى الذي يجعل الدول المستعمِرة تسعى إلى نشر الوباء في الدول النامية , وهنا لا نستطيع أن ننفي ما قاله د.محجوب بشكل تام , ففرضية المؤامرة تستحق الدرس والتفحّص ولكن في ذات الوقت لا نستطيع أن نؤكدها , فالاستعمار لا يمكنه المساعدة على نشر الفيروس ؛ لأن ذلك سيرتد عليه , كما أن هذه الدول وخاصة المنتصرة في الحرب العالمية الثانية قامت بتبني مشاريع تنموية كبيرة مثل استنهاض ألمانيا الغربية وكوريا الجنوبية واليابان وغيرها ,والرؤية المتآمرة سالفة الذكر تنطلق من فرضية أن الصراع الذي كان فيما سبق في أوروبا بين اللاهوت الديني والسياسي أصبح اليوم بين اللاهوت العلمي والسياسي , وهنا يتضح انتصار وتوظيف الأخير للأول , من خلال استغلال الشعوب الأخرى كحقول تجارب , بالإضافة إلى صناعة الأسلحة الكيميائية وما تقتضيه صناعتها من اختبارات قد تؤدي إلى هلاك البشر .
ونظراً لتداعيات جائحة كورونا على العقل الجمعي والفردي للبشر طرح د. محجوب نظرية القطيع الأناني Selfish herd theory لعالم الأحياء التطورية البريطاني ويليام دونالد هاملتون W. D. Hamilton , وكيف تعامل قادة القطيع البشري مع كورونا ,وهل ساهموا في تعقيد الأزمة ؟ , خاصة وأن هولاء القادة كانوا مختلفين في تعاطيهم للازمة , بين من آمن بالمؤامرة وبين من رأى أنها وباء انتقل من الخفافيش , بل إن هذا الاختلاف كان بين الأطباء والمختصين , وساهمت الوسائل الإعلامية في إذكاء هذا الاختلاف , والغريب أن دعوات الالتزام بالتباعد المكاني والتي شارك فيها كثير من قادة القطيع لم تؤتِ أُكلها ,رغم أنها استخدمت استمالات الترهيب من الإصابة , فهل هذا يعني أن أطروحة القطيع الأناني ليست دائمة الحدوث أو أن خطر الموت لم يكن خطراً مقنعاً يجعل كل فردٍ يتنازل عن عقله الفردي في سبيل الانغماس في العقل الجمعي .
وبما أن د. محجوب متخصص في الفلسفة فلم تكن قيمة الخير غائبة عن طرحه ؛ عندما كشف أن الإنسان فشل في امتحان كورونا , فحالة تخاطف المواد الواقية الطبية الصينية من مطاراتها , أو توزيع اللقاح الوقائي أولاً في الدول المصنعة له كما يرى الرئيس دونالد ترامب , ليأتي فيما بعد لبقية الدول, أو التنافس بينها للإعلان من سيصل أولاً لصنع اللقاح ولأسباب اقتصادية وليست إنسانية , كلها تعكس الإخفاق الأخلاقي إلى درجة أن أمريكا تقطع دعمها لمنظمة الصحة العالمية , فلا مجال لترسيخ فكرة التضامن البشري واستدامتها بعد انتهاء الأزمة , فالحالة الدولية هي حالة غرائزية تقوم على جلب المصالح وفق أي أسلوب متاح .
كما دعا د.محجوب إلى الاستفادة من جائحة كورونا , من خلال دراسة فلسفة الحياة خلالها (أو ما أسماه علم الحياة ) , مقترحاً منهجاً يستند على التخلص من تأثير أية أراء مسبقة واعتماد الاحتمال وتداخل التخصصات Interdisciplinary , وأن تكون جائحة كورونا هي أنموذج هذا المنهج , وهنا نتساءل هل يمكن لحالة استثنائية ربما قد تنتهي نهائيا في خريف 2021 , أن تقدم لنا تعميمات فكرية مستدامة ؟ , فلقد أشار إلى أن السقوط الأخلاقي أو الجريمة الإنسانية التي صنعت كورونا جعلتها الأنموذج الرئيسي لمنهج دراسته , فهل هي قادرة على استكناه فلسفة الحياة بصفة عامة أكثر من الفترات اللاحقة , فالجرائم متلاحقة مع تاريخ البشر ولا يمكن أن تكون كورونا إلّا إحداها فما الذي يميزها ؟ .
الدكتور محجوب ينطلق في طرحه لهذه الأفكار من خلفية ابستمولوجية في مجال البيولوجيا والهندسة الوراثية , ولديه كتابات حولها مثل : الاستنساخ في بعديه العلمي والأخلاقي ,فلقد درسها بشكل أكاديمي وذلك للإيفاء بمتطلبات الدراسة العلمية سابقاً , مما جعله قادراً للتصدي لهذا المجال , فهو يتحدث بلغة متخصصة لا تقف عند الأفكار الفلسفية الكُليانية بل تدخل مثلاً في تفاصيل علم الأحياء الدقيقة microbiology , ليخرج بالدرس الفلسفي إلى الممارسة الابستمولوجية التطبيقية , وإن كنت أرى أن هذه الممارسة كان عليها تجاوز رائحة بعض المجالات مثل السياسية وغيرها , لتركّز تفحّصها على العلوم المعنية بجائحة كورونا ومدى علميتها وكيفية تعاطيها مع جائحة كورونا , لتكون درساً ابستيمولوجياً خالصاً , تتوافق مع خلفيته الفلسفية .
#أحمد_عمر_النائلي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟