بسام ابو شاويش
الحوار المتمدن-العدد: 7470 - 2022 / 12 / 22 - 15:17
المحور:
الادب والفن
منذ بضعة أعوام وهو يعمل على هذه الحافلة. أن تكون فلسطينيًّا وتعمل على حافة اسرائيليّة ليس أمرا غريبًا. كثير من سائقي الحافلات الإسرائيليّة هم من العرب. بعد تخرّجه من الجامعة ويأسِهِ من العثور على عمل في القدس، قرَّرَ أن يحصل على رخصة قيادة حافلة. أخبره صديقه أنّ هنالكَ فرصة جيّدة للحصول على وظيفة سائق في شركة النّقل الحكوميّة. وهكذا كان.
منذ سنوات وهو يقطع الطريق يوميًّا بين حيفا وتل أبيب. كان سعيدًا بعمله خصوصًا وهو يتلقَّى راتبًا جيّدًا يدّخِرُ أكثر مِن نصفِهِ. لديهِ الآن حساب محترم في المصرف يمكن أن يبدأ به مشروعه الخاصّ. لكن مهلاً...ما زال الوقت مبكرًّا للتفكير في المشاريع. وقف في المحطة المعتادة قرب الجامعة. صعد بعض طلاب وطالبات. كعادة الطلبة، كانوا يثيرون هرجا كبيرًا. بحث عن صديقته. لم نكن ضمنهم. انقبض قلبه. تمهَّل قليلا. لعلّها تأخّرت!
نظرَ صوبَ بوّابةِ الجامعة. رآها تُهرّول بسروال الجينز المعتاد والقميص الفضفاض. يعرفها منذ عامين. هي من أصل أوكراني. قالت له أنّها ستعود إلى أوكرانيا بمجرّد تخرّجها من الجامعة. اعترفت له أنّها شيوعيّة وأنّها مع حقّ الفلسطينيين في وطنهم. احبّها وأحبّته. قال لها: يمكنني أن أسافر معك ونعيش في أوكرانيا. يمكننا البدء من هناك و.. حلما معا. صعدت وهي تلهث وجلست خلفه تماما. ابتسم لها بودّ فيما هي تدفع ثمن التذكرة. وهي تنزل من الحافلة دسَّت في يده ورقة. كتبت له أنها ستزوره غدًا في بيته في القدس. إنّه يوم عطلته الأسبوعيّة. غمرته السعادة. دندن بأغنية لمارسيل خليفة: "بين ريتا وعيوني بندقيّة". كان اسمها ريتا.
انتظرها في اليوم التالي لكنّها لم تأتِ. لم يعُد يراها في الجامعة. سأل الطلبة عنها فلم يحصل على جواب شافٍ.
ما زال ينتظر يوميًّا قرب المحطة التي اعتادت الصعود منها. لعلّها تظهر ذات يوم! لكنها اختفت تماما. فكّرَ: "لعلها عادت إلى أوكرانيا".
مرَّت سنوات. عشر. ربما أكثر. ترك العمل في شركة النقل وأسّس مشروعه الخاص وظلّ يتردّد إلى حيفا. كان لديه يقين أنّه سيراها ذات يوم.
كان مساء باردا، في أواخر أيلول.
أوقف سيارته قرب المحطة وهبط منها وأشعل لفافة. كان مذياع السيارة يردّد: " بين ريتا وعيوني بندقيّة".
وكانت ريتا هناك، على ذات المقعد الحجريّ. نظر إليها ونظرت إليهِ. دنا مسرعا وأمسك يديها. وجلس يهمس: " ريتا.. ريتا..".
همست هي: "نبيل!"
تابعت: "كنتُ واثقة أنّك ستأتي".
همس: "كنتُ واثقًا أنّني سأجدك".
صعدا إلى السيارة...
ما زال مارسيل يردّد: "بين ريتا وعيوني بندقيّة!!".
#بسام_ابو_شاويش (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟