|
من أعلام الاستقلال : عرفات محمد عبد الله (2) والأخيرة
تاج السر عثمان
الحوار المتمدن-العدد: 7480 - 2023 / 1 / 2 - 15:42
المحور:
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
1 يصف أحمد يوسف هاشم المساعدات الكبيرة التي كان يقدمها عرفات للطلاب السودانيين ويقول: " وكنت اذا ذاك اطلب العلم في الأزهر، وشاءت الظروف أن أكون ابان معمعان الحركة، كما شاءت أن يسبقني عرفات الى مصر بأيام قلائل وكنت أعرف عما صار اليه موقف اولئك الإخوان الذين هاجروا الى مصر في سنة 1923 وأوائل سنة 1924 من طلبة العلم وغيرهم من الارتباك وضيق الأمل ، وأنهم بدون مبالغة كانوا الى ذلك الوقت أضيع من الايتام في مأدبة اللئام كما يقولون ، ولم يكن ذلك لأن المصريين ضنوا عليهم بالتعليم أو تذليل السبيل ، الا أن ذلك كن ميسورا معروضا لكل عابر سبيل ، وانما كان مقبوضا مبسوطا معا ان وجد من حنكته التجارب واسعدته سلامة الذوق والاستعداد الفطرة والمؤهلات الكاملة والنبوغ في كل شئ ، النبوغ في الحديث ، والنبوغ في معرفة المسالك والتنوع في عرض الموقف ، والنبوغ في جمال الاسلوب ورجاحة العقل وحدة الذهن ، والنبوغ حتى في الإشارة والايماءة ، وحتى في الجلسة ونفاذ النظرات استطاع أن يستحوذ على القلوب ، وأن يقلب القبض بسطا والعطاء كرما حاتميا ، وتجمعت كل هذه الصفات في فقيدنا ( عرفات) . وكل ما ذكرت من إعانة ومعونة وتهيئة للإخوان الطلبة من دخول المدارس الداخلية مجانا ومن مساعدات قيمة نعدهم في دوائر الأعمال والمصالح". في مصر كان عرفات يسكن في حارة الجداوى نمرة (14) ، وكان منزله كعبةً يحج اليها أولئك المجاهدون في سبيل البلاد ، وكان يقدم مساعدات كبيرة للطلاب ، ويؤثر على نفسه ولو كانت به خصاصة لتقديم كل عون مادي لهم للاستمرار في دراستهم ، ونهل العلم والمعرفة. 2 عرفات السجين : بعد مقتل السير لى استاك في مصر في نوفمبر سنة 1924 يقول أحمد يوسف هاشم " في أصيل ذلك اليوم المشؤوم من نوفمبر سنة 1924 كنا اسير مهرولا في تلك الشوارع الهائجة المائجة جنوب حارة الجداوى نمرة (14) لاقابل عرفات ، وفي أول المنعطف قابلني هابطا من درج المنزل مقطب الجبين بعض الشئ فسألته سؤال تلك الساعة الذي لكه كل لسان هل علمت؟، فأجاب أن نعم ، وهاهو طريقي الى الصحف استنكر الحادث اشد الاستنكار ، ثم أكد أنها نكبة حلت بمصر والسودان ، وطلب الي أن اصعد الى الدار والبث هناك ، وكانت الساعة الخامسة مساءً لانتظر التفتيش ، فأجبته تفتيش ماذا؟ ، فغض وتجهم وجابهنى بقول صارم الى متى تفهمون الحقائق ، اني أخال بل اؤكد أنى سوف لن اصل الى إدارات الصحف ، وإن وصلتها فقد لا أصل المنزل أو قد لا ابيت فيه ، قالها وانطلق فلم اره بعدها الا في النيابة أو دار المحكمة ، أجل ايها السادة هذا ما وقع ، فأي بصيرة أنفذ وأي عقل ارجح من هذا؟". بعدها أُعتقل عرفات وعدد من السودانيين ، ومكث عرفات 7 شهور ، أي الى آخر مراحل التحقيق ، وقد اضطرت النيابة الاعتذار له في ورقة الاتهام التي قدمت بها القتلة ال المحكمة ، وذلك أن أحدهم كان قريب الشبه به الى حد بعيد . يقول أحمد يوسف هاشم " لكن ذلك لم يؤثر في نفسيته وجلده ذلك الشبه ولا قوة الاتهام ، وكان مطمئن النفس رضى البال الى أن الحق سيسطع في النهاية ، ومن اسعد برؤية الرجل بأوسع معانى هذه الكلمة فهو ذاك الذي شاهد عرفات في هذه المحنة ، كنا نذهب لنراه مرة كل اربعة عشر يوما الى ساحة المحكمة ننتهز فرصة المعارضة التي تقدم في أمر حبسه التى كان يتقدم بالدفاع عته فيها بعض من رجالات الحزب الوطني المحامين ، فكنا نرى ثغره مغترا من ابتسامة الرضى ، وكتفه معتزا باشارة السخرية مما حير الألباب وألباب القضاة والمحامين على وجه الخصوص ، أولك الذين لم يشهدوا متهما في حادث قتل وقتل من افظع ما عُرف عن القتل " يواصل أحمد يوسف هاشم ويقول: " كانت شبهة القضاء قوية ، فلم يطلقوا سراحه الى نهاية مراحل التحقيق" . 3 بالتأمل في سيرة عرفات كان رائدا ونمطا جديدا لمثقفي الحركة الوطنية ، واستطاع أن يخرج من ضيق الوظيفة الى رحاب الحياة العامة الواسعة ، وعلم الناس معنى الفكر وأذاقهم طعم الحرية الشخصية على الأقل ، لم يعرف عرفات الهدوء والسكينة ويخلد للحياة الرغدة والناعمة كما فعل أصحابه ، بعد عودته لأرض الوطن ، لكن واصل وبنى الجسر الذي ربط ماضيه بحاضره ، فشمر عن ساعده واخرج صحيفة "الفجر" وقبل ذلك ساهم بنشاط في اصدار مجلة "النهضة". كان عرفات رائدا من رواد الوطنية السودانية التي استمرت جذوتها بعد الاحتلال الانجليزي - المصرى، ومن الطلائع الأولي للثوريين السودانيين الذين ربطوا الفكر بالواقع ، واسهموا بهذا القدر أو ذاك في ارساء قواعد النهضة االسياسية والاجتماعية والثقافية التي انتظمت البلاد حتى تحقق للسودان استقلاله عام 1956. اكتسب عرفات تجارب متنوعة ، فبعد هزيمة ثورة 1924 وخروجه من السجن وضاقت به الحياة فتح حانوتا ، وعمل في مواقع مختلفة ( شركة التعدين في سيناء، عمل بجدة . الخ) ، وتعرف على الحياة خارج البلاد مما أكسبه خبرة ونظرة واسعة. توصل عرفات من خلال تجربته أنه من الخير خدمة البلاد من الداخل ، وتوصل الي تقدير سليم في ذلك الوقت لتوازن القوى بعد هزيمة ثورة 1924 ، بضرورة تغيير أشكال النضال وأساليب العمل ضد الاستعمار ، وفتح طرق ومسارب جديدة لتعبر من خلالها الحركة الوطنية عن نفسها. بعد رجوعه للسودان انخرط في العمل الاصلاحي ، كما في المساعدات لملجأ القرش والمدرسة الأهلية، ومدرسة الأحفاد ، والاسواق الخيرية والأعمال المسرحية لهذه الأغراض. التفت عرفات لأهمية الصحافة ودورها في بث الوعي الثقافي والاجتماعي ، وكان يشعر بأهميتها، علما بأنه كان من محررى مجلة اللواء الأبيض التي كان يصدرها ثوار 1924 سرا، واقتحم عرفات هذا المجال ، ويمكن القول أن اسس العمل الصحفي الحديث في السودان تم ارساؤها على يد عرفات ورفاقه ، من حيث استحداث الأساليب الصحفية الحديثة، ومن زاوية طرق المواضيع المتعددة والمتنوعة التي تشبع أذواق القراء على مختلف مشاربهم وميولهم ، واحترام شرف المهنة. الخ. كان دور عرفات بارزا في اصدار مجلة "النهضة " ومجلة " الفجر" التي من خلالهما تطلع المتعلمون والقراء السودانيون الى عوالم ثقافية وفكرية متعددة ، وكانتا منبرين مهمين لخدمة البلاد في شتى المجالات : التعليم ، الاقتصاد ، الوعى السياسي ، قضايا الصحة ، التعريف بالافكار الحديثة والمعاصرة مثل: الاشتراكية ، نظرية التطور ، قضية نهضة المرأة وتعليمها وخروجها للعمل في الخدمة المدنية الحديثة، المدارس والاتجاهات الأدبية والفنية في العالم. هذا وقد تناولنا بالتفصيل هذه القضايا المتنوعة ودور عرفات فيها في دراسة سابقة ، راجع تاج السر عثمان : اسهام مجلتي "النهضة" وا"لفجر". في الاستنارة والتجديد ، الحوار المتمدن ، العددين بتاريخ : 14، و15 أغسطس 2015 . أما عرفات فقد طرق مواضيع متعددة كما صنفها قاسم عثمان نور في عشرة فصول شملت: القضايا العامة ، التعليم السياسة ، الأدب، الاجتماع، الفلسفة وعلم النفس ، اللغة ، الفنون والمسرح ، الترجمة. وكانت نظرة عرفات محمد عبد اله للمرأة متقدمة ودافع عن تعليمها وتثقيفها وخروجها للعمل. للمزيد من التفاصيل راجع عرفات محمد عبد الله : قل هذا سبيلي ، مجموعة مقالات ، أعداد وتقديم د. قاسم عثمان نور ، مركز الدراسات السودانية 2000.
#تاج_السر_عثمان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من أعلام الاستقلال : عرفات محمد عبد الله
-
كان عاما مليئا بالقمع والنهب والافقار
-
في الذكرى 67 لترتفع عاليا رآية الاستقلال
-
في ذكراها الرابعة دروس من ثورة ديسمبر (2- 2)
-
في ذكراها الرابعة دروس من ثورة ديسمبر (1 - 2)
-
تدهور الأوضاع بعد الاتفاق الإطارى
-
فلنعزز الاستقلال باستكمال مهام الثورة
-
كتاب كولونيالية الإسلام السياسي : عرض ومناقشة (2 -2)
-
كتاب كولونيالية الإسلام السياسي : عرض وتعليق ( 1- 2 )
-
في ذكرى ثورة 19 ديسمبر لا بد من العدالة
-
الاتفاق الإطارى واتفاق جوبا
-
الاتفاق لإطارى تكريس الدعم السريع
-
تفكيك التمكين من شروط نجاح الثورة
-
ذكرى ثورة ديسمبر والبديل للاتقاق الاطاري
-
قمع وحشي مع توقيع الاتفاق الإطارى
-
اتفاق إطاري لتصفية الثورة
-
عبثا يحاول البرهان تحجيم الحركة النقابية
-
ذكرى انطلاقة الثورة والتصعيد لاسقاط الانقلاب
-
ماذا وراء القمع الوحشي للمواكب السلمية؟
-
كيف يعيد مشروع الدستور الانتقالي إنتاج الأزمة؟
المزيد.....
-
مصادر عبرية: نتنياهو يهرع الى الملاجئ بعد دوي صفارات الانذار
...
-
مبعوث الأمم المتحدة للصحراء الغربية يلتقي مسؤولين من البوليس
...
-
بيان المكتب الجهوي لحزب النهج الديمقراطي العمالي بالجنوب
-
الدفاع التركية تعلن تحييد 58 مسلحا من حزب العمال الكردستاني
...
-
في الذكرى السنوية الخامسة لانتفاضة أكتوبر 2019
-
نـــــــداء حزب التقدم والاشتراكية للمشاركة في المسيرة الشعب
...
-
الصين الشيوعية تحتفل بعيدها الـ75.. هل تصمد حتى المئوية؟
-
تعزية الامين العام لحزب التقدم والاشتراكية محمد نبيل بنعبد ا
...
-
تعزية الامين العام لحزب التقدم والاشتراكية محمد نبيل بنعبد ا
...
-
? أخبار الاشتراكي: 1/10/2024
المزيد.....
-
سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول
/ ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
-
سلام عادل -سیرة مناضل-
/ ثمینة یوسف
-
سلام عادل- سيرة مناضل
/ ثمينة ناجي يوسف
-
قناديل مندائية
/ فائز الحيدر
-
قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني
/ خالد حسين سلطان
-
الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين
...
/ نعيم ناصر
-
حياة شرارة الثائرة الصامتة
/ خالد حسين سلطان
-
ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري
...
/ خالد حسين سلطان
-
قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول
/ خالد حسين سلطان
-
نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|