أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - بريندان ماكغيفر - البلاشفة ومعاداة السامية















المزيد.....

البلاشفة ومعاداة السامية


بريندان ماكغيفر

الحوار المتمدن-العدد: 7693 - 2023 / 8 / 4 - 00:14
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


نشر المقال في موقع Jacobin بتاريخ 22 حزيران/يونيو 2017



في الصباح الباكر من يوم 25 تشرين الأول/أكتوبر عام 1917، في بتروغراد، استولى العمال على مواقع استراتيجية في الشوارع الفارغة. في قصر الشتاء، ينتظر رئيس الحكومة المؤقتة، ألكسندر كيرينسكي، قلقاً السيارة التي ستؤمن انسحابه. في الخارج، استولى الحرس الأحمر على مركز الهاتف. بات استيلاء البلاشفة على السلطة وشيكاً.

لا يوجد هاتف ولا كهرباء في القصر. من نافذته، استطاع كيرينسكي رؤية جسر القصر. بات بيد البحارة البلاشفة. أخيراً، وصلت سيارة من السفارة الأميركية مسرعة وبدأ كيرينسكي رحلة هروبه من بتروغراد الحمراء. عندما انعطفت سيارته، قرأ كيرينسكي كتابات حديثة على الجدران: “يسقط “اليد-Yid” [اليهودي-كلمة مهينة] كيرينسكي، عاش الرفيق تروتسكي!”.

الإعلان

إعدادات الخصوصية
بعد قرن تقريباً، ما زال الشعار محتفظاً بعبثيته: كيرينسكي بطبيعة الحال لم يكن يهودياً، في حين تروتسكي (برونشتاين) كان كذلك. لكن الشعار يكشف الدور المشوش والمتناقض الذي لعبته معاداة السامية في السيرورة الثورية. بالنسبة للكثير من الأدبيات المتحدثة عن الثورة الروسية، تقدم معاداة السامية على أنها نوع من أنواع “الثورة المضادة”، يحتكرها اليمين المعادي للبلشفية.

هناك الكثير من الصحة في هذا القول: فالنظام القيصري كان معروفاً بمعاداة السامية، وفي الموجة المدمرة من العنف ضد اليهود التي تلت ثورة أكتوبر (خلال الحرب الأهلية 1918-1921)، حين ارتكبت معظم الجرائم من قبل الجيوش البيضاء وقوى أخرى معارضة للحكومة السوفياتية الوليدة. لكن هذه ليست كل القصة.

تجاوزت معاداة السامية المحاور السياسية في روسيا الثورية. فقد وجدت أتباعاً لها في كل الفئات الاجتماعية والانتماءات السياسية. داخل الماركسية، غالباً ما تتناقض العنصرية مع الراديكالية السياسية؛ عام 1917، وعلى النقيض من ذلك، تداخلت معاداة السامية مع الاستياء الطبقي خلال التنافس بين وجهات النظر إزاء العالم.

شباط/فبراير: ثورة في الحياة اليهودية

غيرت ثورة شباط/فبراير الحياة اليهودية. بعد أربعة أيام على إسقاط القيصر نقولا الثاني، رفعت كل القيود القانونية عن اليهود. ألغي أكثر من 140 قانوناً، التي بلغ مجموع صفحاتها الآلاف، بين ليلة وضحاها. للاحتفال بهذه اللحظة التاريخية، دعا سوفييت بتروغراد إلى اجتماع خاص. تحدث المندوب اليهودي خلال الاجتماع وفوراً أقام الرابط في حديثه: ثورة فبراير، يمكن مقارنتها بتحرير اليهود من الاستعباد في مصر القديمة.

لم يترافق التحرر الرسمي، رغم ذلك، مع زوال العنف ضد اليهود. فلمعاداة السامية جذور عميقة في روسيا، وكان استمرارها عام 1917 مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بمجريات الثورة. خلال عام 1917، شن ما لا يقل عن 234 هجوماً ضد اليهود. وفي وقت شكل اليهود ما نسبته 4،5 بالمئة من السكان، فقد كانوا ضحايا ما يقارب ثلث أعمال العنف الجسدي المرتكب ضد الأقليات القومية تلك السنة.

منذ لحظة ثورة شباط/فبراير، انتشرت شائعات عن مذابح وشيكة ضد اليهود في شوارع المدن الروسية، لدرجة أنه حين عقد سوفيتَي بتروغراد وموسكو اجتماعهما الأول، كانت مسألة معاداة السامية على رأس جدول الأعمال. كان العنف نادراً في الأسابيع الأولى. ولكن في حزيران/يونيو، بدأت الصحافة اليهودية بالحديث عن “تجمعات عمالية” في زوايا الشوارع محتفية بالخطب العدائية التي أعلنت أن سوفيات بتروغراد قد سقط بيد “اليهود”. واجه قادة البلاشفة أحياناً هذه المعاداة للسامية. عندما كان يسير في الشوارع في بداية شهر تموز/يوليو، واجه سكرتير لينين المستقبلي- فلاديمير بونش-برويفيتش، حشداً يدعو بشكل واضح إلى ارتكاب مجزرة بحق اليهود. فطأطأ رأسه، وأسرع خطاه. وأفادت تقارير متلاحقة عن انعقاد تجمعات مماثلة في البلاد.



في ذلك الوقت، تقاطع الاستياء الطبقي مع التصورات المعادية للسامية. في نهاية شهر تموز/يوليو، باتت الخطابات الملقاة على المتظاهرين في زوايا الشوارع ببتروغراد تدعو الحشود بكل صراحة إلى”سحق اليهود والبرجوازية!” في حين أنه وفي السياق الذي أعقب ثورة شباط/فبراير مباشرة، لم تلقَ هذه الخطابات هذه الجاذبية، لكن الآن فقد وجدت صدى كبيراً لها. في هذا السياق اجتمع أول مؤتمر روسي لسوفيتات العمال والجنود في بتروغراد بين 16 حزيران/يونيو إلى 7 تموز/يوليو 1917.

مسألة معاداة السامية

كان المؤتمر الأول للسوفيتات تجمعاً تاريخياً. فقد حضره أكثر من ألف مندوب من كل الأحزاب الاشتراكية، يمثلون مئات السوفيتات المحلية وحوالي 20 مليون روسي. في 22 حزيران/يونيو، مع انتشار الأخبار حول تزايد الأحداث المعادية للسامية، نشر المؤتمر إعلاناً الأكثر موثوقية في الحركة الاشتراكية حول مسألة معاداة السامية.

كتبه البلشفي يفغيني بريوبراجينسكي (1886- 1937)، وقد عنونه “حول النضال” ضد معاداة السامية. وعندما أنهى بريوبراجينسكي من قراءته، نهض مندوب يهودي حتى يعطي موافقته الكاملة عليه، مضيفاً أنه لن يعيد اليهود المقتولين في مجازر عام 1905، إلا أن الإعلان سيساعد في بلسمة بعض الجروح التي ما زال يعاني منها المجتمع اليهودي. هذا وقد أقر الإعلان بالإجماع في المؤتمر.

أكد الإعلان بشكل أساسي على وجهة النظر الاشتراكية الديمقراطية. مع ذلك، فقد اعترف بنقطة مهمة: “الخطر الكبير”، يعترف بريوبراجينسكي، “لأن معاداة السامية كانت تختبئ تحت شعارات راديكالية”.

هذا التقارب بين السياسات الثورية ومعاداة السامية، أكمل القرار، يشكل:

“خطراً شديداً على كل من الشعب اليهودي وكل الحركة الثورية، لأنه يهدد بإغراق قضية تحرر الشعب بدماء الأخوة، وتغطية الحركة الثورية بالعار الذي لا يمحى”.

هذا الاعتراف بإمكانية تداخل معاداة السامية والراديكالية السياسية يفتح منظوراً جديداً للحركة الاشتراكية الروسية التي كانت، حتى وقتها، تميل إلى جعل من مسألة معاداة السامية خاصية لليمين المتطرف. في النصف الثاني من العام 1917، مع تجذر السيرورة الثورية، باتت مسألة معاداة السامية بين شرائح من الطبقة العاملة والحركة الثورية مشكلة متزايدة وتستوجب رداً اشتراكياً.



الرد السوفياتي

ما إن شارف الصيف على نهايته، بدأ السوفيات بشن حملة واسعة ضد معاداة السامية. نظم سوفيات موسكو، على سبيل المثال، مؤتمرات وندوات في المصانع طوال شهري آب/أغسطس وأيلول/سبتمبر. في نطاق الاستيطان السابق [منطقة من الإمبراطورية الروسية، تقع في غربها، حيث أسكنت السلطة القيصرية اليهود فيها]، ساهمت السوفيتات المحلية في وقف المجازر بحق اليهود. في تشيرنيهيف (أوكرانيا)، في أواسط آب/أغسطس، أدت اتهامات المئات السود [تنظيم يميني متطرف ظهر إبان ثورة 1905] القائلة إن اليهود يخزنون الخبز إلى سلسلة من الاضطرابات العنيفة المعادية للسامية. بشكل حاسم، جرى تكليف وفد من سوفيات كييف بمهمة تنظيم قوات محلية لوضع حد لهذه الهجمات.

حاولت الحكومة المؤقتة تصعيد ردها على معاداة السامية. في أواسط أيلول/سبتمبر، أصدرت قراراً تعد فيه بـ”اتخاذ إجراءات صارمة ضد كل مرتكبي المجازر”. كما صدر قرار مماثل بعد أسبوعين يأمر وزراء الحكومة باستعمال “كل سلطة بيدهم” لوقف المجازر. رغم ذلك، وفي وقت كان نقل السلطة إلى السوفيتات جارياً فعلياً، كانت سلطة الحكومة المؤقتة آخذة بالتضاؤل. وقد أوضحت افتتاحية الصحيفة الموالية للحكومة، روسكي فيدوموستي، بتاريخ 1 تشرين الأول/أكتوبر الوضع جيداً:

“موجة المجازر تنمو وتتزايد […] تصل جبال من البرقيات […] الإدارة المحلية عاجزة […] وسائل الإرغام مستنفدة بالكامل”.

لم ينطبق الأمر نفسه على السوفيتات. مع تعمق الأزمة السياسية وبعد أن بدأ مسار البلشفة، شنت العديد من السوفيتات حملاتها الخاصة ضد معاداة السامية. في فيتبسك، البلدة الواقعة على بعد 560 كيلومتراً من موسكو، شكل السوفيت المحلي وحدة عسكرية في بداية شهر تشرين الأول/أكتوبر لحماية المدينة من المذابح. في الأسبوع اللاحق، أصدر سوفيات أوريل قراراً يفرض حمل السلاح ضد جميع أنواع العنف المعادي للسامية.

في شرقي روسيا، أصدر اجتماع سوفيتات سيبيريا قراراً ضد معاداة السامية، معلناً أن الجيش الثوري المحلي سيتخذ “كل الإجراءات الضرورية” لوقف أي مذبحة. يكشف هذا الأمر عن مدى تجذر النضال ضد معاداة السامية في جزء من الحركة الاشتراكية المنظمة: حتى في الشرق الأقصى، حيث كان عدد اليهود أقل بكثير نسبياً وبالتالي عدد المجازر أقل، تضامنت السوفيتات المحلية مع اليهود الذين يعانون من معاداة السامية في غربي البلاد.



أصبحت السوفيتات من دون شك، بحلول منتصف العام 1917، الطرف المعارض الأساسي ضد معاداة السامية في روسيا. لخصت افتتاحية جريدة إيفريسكايا نيديليا (الأسبوع اليهودي) الأمر بشكل جيد:

“ينبغي القول، ويجب الاعتراف لهم، أن السوفيات يخوضون نضالاً ضد المجازر. في الكثير من الأماكن، بفضلهم عاد السلام”.

كما من المهم ملاحظة، مع ذلك، أن هذه الحملات ضد معاداة السامية كانت تستهدف العمال في المصانع، وفي بعض الأحوال، المناضلين في الحركات الاشتراكية بمجملها. بكلمات أخرى، جرى الاعتراف بمعاداة السامية كمشكلة موجودة داخل القواعد الاجتماعية لليسار الراديكالي وضمن عناصر الحركة الثورية نفسها. وهكذا إن الكشف عن معاداة السامية لم يعنِ “فرضاً من فوق” من الحكم القيصري السابق؛ إنما كان لها قاعدة راسخة داخل أجزاء من الطبقة العاملة، وكان ينبغي مواجهتها كما هي.

العدو في الداخل

بالنسبة للقيادة البلشفية، لم تكن السياسة الثورية ببساطة غير متناسبة مع معاداة السامية؛ إنما كانت مناهضة لها. كما يمكن قراءة على غلاف جريدة الحزب الأساسية، برافدا، عام 1918: “أن تكون ضد اليهود يعني أن تكون مع القيصر!” ولكن سيكون من الخطأ قراءة عبر مواقف لينين وتروتسكي أفكار ومشاعر القاعدة. كما أظهرت أحداث عام 1917، لم تتعارض الثورة ومعاداة السامية دوماً.

تكشف المقالات في صيف وخريف عام 1917 أن البلاشفة المحليين غالباً ما اتهموا من اشتراكيين آخرين بتكريس معاداة السامية وفي بعض الأحيان بتعزيزها بين القواعد الاجتماعية للحزب. إذا كان لنا أن نصدق، مثلاً، جريدة جورجي بليخانوف، إيدينستفو، عندما حاول المناشفة في أواسط حزيران/يونيو التحدث في ثكنات موسكو (الواقعة في مقاطعة فيبورغ- حيث يتركز عدد كبير في المصانع والعمال- في بتروغراد)، هتف الجنود، بتحريض من البلاشفة، “يسقط المناشفة! كلهم “يهود””. تجدر الإشارة إلى أن بليخانوف، في أواسط العام 1917، كان معادياً شديداً للبلاشفة (1856- أيار/مايو 1918). وبالتالي يجب أخذ هذا المصدر بتحفظ.

مع ذلك، هذه الادعاءات كانت واسعة الانتشار. في الوقت عينه، ذكرت صحيفة المناشفة الفبيرد أن البلاشفة في موسكو، خلال هتافهم ضد المناشفة، اتهموهم بأنهم “يهود” ويريدون “استغلال البروليتاريا”. مع خروج مئات الآلاف من العمال إلى شوارع بتروغراد في 18 حزيران/يونيو، انتزع بعض البلاشفة لافتات عصبة البوند [اتحاد العمال اليهود العام، وهو حزب اشتراكي مناهض للصهيونية ويناضل من أجل الاستقلال التنظيمي والثقافي لليهود] ورددوا شعارات معادة للسامية. رداً على ذلك، اتهم العضو في العصبة مارك ليبر البلاشفة بـ”تأييد المجازر”.



مع اقتراب شهر تشرين الأول/أكتوبر، باتت مثل هذه الاتهامات أكثر ترداداً. في عدد 29 تشرين الأول/أكتوبر من صحيفة إيفرسكايا نيديلا، وصل الأمر بالافتتاحية إلى حد الادعاء أن ميليشيا المئات السود كانت قد “نشأت في صفوف البلاشفة” في كل أنحاء البلاد.

من الواضح أن مثل هذه الأقاويل كانت بعيدة عن الواقع. عارضت القيادة البلشفية معاداة السامية وشارك معظم أعضاء الحزب بصياغة موقف موحد ضد معاداة السامية، في كل من المصانع والسوفيتات. على الرغم من ذلك، إن الفكرة القائلة أن البلشفية يمكن أن تجذب معادي السامية من اليمين المتطرف لم تكن منعدمة الأساس بشكل كامل. في 29 تشرين الأول/أكتوبر، أوردت افتتاحية مدهشة نشرت في جريدة غروسا (العاصفة) اليمينية المتطرفة والمعادية للسامية:

“استولى البلاشفة على السلطة. سيطرد اليهودي كيرينسكي، خادم البريطانيين وأصحاب المصارف الأجانب، من القصر، هو الذي استولى على لقب القائد الأعلى للقوات المسلحة ورئيس حكومة روسيا الأرثوذكسية، بمجرد وجوده [في الحكم] دنس جثمان إسكندر الثالث. يوم 25 تشرين الأول/أكتوبر وحد البلاشفة كل الأفواج التي رفضت الخضوع لحكومة مشكلة من مصرفيين يهود، وجنرالات خونة، وأصحاب ممتلكات خونة وتجار مخادعين”.

فوراً أوقف البلاشفة صدور الصحيفة، لكن هذا الدعم غير المرغوب فيه أثار قلق القيادة.

عززت تعبئة الجماهير والغضب الطبقي من البلاشفة قلق الاشتراكيين المعتدلين من النزعة المتداخلة بين معاداة السامية والثورة. في 28 تشرين الأول/أكتوبر، وسط الموجة الثورية، وجهت لجنة الانتخابات المنشفية في بتروغراد نداءً يائساً لعمال العاصمة، محذرة من أن البلاشفة قد أغروا “العمال والجنود الجهلة” وأن شعار “كل السلطة للسوفيات!” يمكن أن ينقلب بكل سهولة إلى “لنقتل اليهود، لنقتل أصحاب المحلات”. بالنسبة للمنشفي ليفوف روغاشيفسكي، نشأت “مأساة” الثورة الروسية من الواقع الجلي في أن الجماهير الجاهلة (تيمنوتا) غير قادرة على تمييز المحرض من الثوري، أو المجزرة اليهودية من الثورة الاجتماعية”.

وكررت الصحافة اليهودية نفس الخشية. وبحسب مقال ورد في الصفحة الأولى من جريدة إيفريسكايا نيديليا:



“يدعو الرفيق لينين ورفاقه البلاشفة البروليتاريا إلى “الانتقال من الأقوال إلى الأفعال”، ولكن حين تتجمع الجماهير السلافية، “من أجل الانتقال من الأقوال إلى الأفعال، ذلك يعني عملياً “الهجوم على اليهود””.

رغم ذلك، وعلى عكس هذه التوقعات المثيرة للقلق، ففي الساعات والأيام التي تلت استيلاء البلاشفة على السلطة، لم تحصل أي مذبحة جماعية في كل روسيا. لم تؤدِ عملية الاستيلاء على السلطة إلى عنف ضد اليهود. وبالتالي، ما تكشفه التحذيرات الواردة أعلاه، ما هو سوى انعدام كبير للثقة بين أقسام محددة من اليسار الاشتراكي تجاه “الجماهير الجاهلة” التي ادعت أنها تتحدث باسمها. كان ذلك صحيحاً على نحو خاص بما يتعلق بالمثقفين، الذين نظروا بشكل عام إلى فكرة الانتفاضة البروليتارية برعب، بسبب العنف والهمجية التي ظنوا أنها ستتبعها من دون شك.

ما كان يميز البلاشفة خلال هذه الفترة كان على وجه التحديد قربهم من الطبقة العاملة في بتروغراد، التي كان المثقفون يخشاها.

على الرغم من كل شيء، كان التقاطع بين معاداة السامية والسياسة الثورية حقيقة. بعد أيام قليلة على ثورة أكتوبر، جلس المؤلف إيليا إيرينبورغ [1891- 1967]، الذي سرعان ما بات أحد أشهر الكتاب اليهود وأكثرهم انتاجاً في الاتحاد السوفياتي، لاستجماع أفكاره حول الأحداث التاريخية التي حصلت للتو. وربما تكون روايته هي الوصف الأكثر لفتاً للانتباه للتعبير عن التقاطع بين معاداة السامية والسيرورة الثورية عام 1917:

“أمس، كنت أقف في الطابور، منتظراً دوري للتصويت للجمعية التأسيسية. قال الناس: “كل من هو ضد اليهود، فلينتخب الرقم 5 [البلاشفة]”، “كل من هو مع الثورة الأممية، فلينتخب رقم 5!”. كان البطريرك يتجول، ويرش المياه المقدسة؛ كل الناس يرفعون قبعاتهم [احتراماً له]. وبدأت مجموعة من الجنود العابرين بغناء نشيد الأممية بأعلى أصواتهم. أين أنا؟ أم هذا هو الجحيم الحقيقي؟”

من هذه الرواية اللافتة للنظر، إن التمييز بين البلشفية الثورية ومعاداة السامية للثورة لم يكن واضحاً. في الواقع، تنذر رواية إيرينبورغ بالسؤال الصعب الذي سيطرح في قصص الحرب الأهلية لمؤلف كتاب الفارس الأحمر الكاتب إسحق بابل [1894-1940]: “أين الثورة وأين الثورة المضادة؟”



على الرغم من إصرار البلاشفة على وصف الظاهرة بأنها “معادية للثورة”، إلا أن معاداة السامية أفلتت من هذا التصنيف، وبقيت موجودة على جانبي الانقسام السياسي، تحت أشكال معقدة وغير متوقعة للغاية. وهذا ما سيكشف عنه بوحشية بعد 6 أشهر في صيف عام 1918، حصلت أولى المجازر في نطاق الاستيطان السابق. في بعض القرى والمدن في شمال شرقي أوكرانيا مثل غلوخوف، تعززت سلطة البلاشفة بواسطة العنف ضد اليهود، الذي ارتكبته الكوادر المحلية والجيش الأحمر. لذلك كانت المواجهة البلشفية مع معاداة السامية عام 1918 في كثير من الأوقات مواجهة مع معاداة السامية ضمن قاعدتها الاجتماعية.

خلال احتفائنا بالذكرى المئوية لثورة تشرين الأول/أكتوبر، نحتفل بها بحق باعتبارها لحظة تحول اجتماعي، عندما بدا تحقيق عالم جديد أمراً ممكناً، يجب تذكر كذلك هذه الثورة بكل تعقيداتها.

ينبغي تعزيز مناهضة العنصرية وتجديدها دوماً. بعد مرور قرن، وفي حين نتصارع مع الضرر الذي تسببه العنصرية في السياسة الطبقية، يمكن أن تعلمنا تجربة عام 1917 كيفية ترسّخ الأفكار الرجعية، ولكن كذلك كيفية مواجهتها والنضال ضدها.



#بريندان_ماكغيفر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- البلاشفة ومعاداة السامية


المزيد.....




- لماذا تؤجل فرنسا الإفراج عن المناضل جورج عبد الله؟
- بيان حزب النهج الديمقراطي العمالي بجهة الجنوب
- الاعلام العبري: صفارات الانذار تدوي في قيسارية ومحيطها
- آلاف المحتجين في تيرانا يطالبون بإسقاط حكومة إدي راما وسط اش ...
- رسالة تعزية ومواساة ،من الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية ...
- بلاغ الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع
- زعماء دول رابطة الدول المستقلة يدعون إلى اعتبار جرائم النازي ...
- فرنسا.. الجمعية الوطنية ترفض مذكرة التحالف اليساري بحجب الثق ...
- صحف عالمية: تحديات هائلة أمام إسرائيل وليبراليوها يعيشون معض ...
- -حكومة اليمين المتطرف في إسرائيل تريد استغلال يوم 7 أكتوبر ل ...


المزيد.....

- الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) / شادي الشماوي
- هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي ... / ثاناسيس سبانيديس
- حركة المثليين: التحرر والثورة / أليسيو ماركوني
- إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا ... / شادي الشماوي
- كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر ... / عبدالرؤوف بطيخ
- رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع ... / شادي الشماوي
- كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات ... / شادي الشماوي
- المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب - ... / شادي الشماوي
- ماركس الثورة واليسار / محمد الهلالي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - بريندان ماكغيفر - البلاشفة ومعاداة السامية