أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم

الصفحة الرئيسية - الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر - ثامر عباس - مصائر بلاد الرافدين : ماذا لو جفّت أنهار العراق ؟!














المزيد.....

مصائر بلاد الرافدين : ماذا لو جفّت أنهار العراق ؟!


ثامر عباس

الحوار المتمدن-العدد: 7713 - 2023 / 8 / 24 - 15:53
المحور: الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر
    


لا يخفى أن غالبية المدن التاريخية ذات الباع الحضاري الطويل كانت قد أقيمت عند سواحل البحار أو على مجاري الأنهار ، وهو الأمر الذي جعل مصيرها التاريخي والحضاري مرتبطا"ومقترنا"بمصير تلك البحار والأنهار ، سواء فيما يتعلق بضمان أمنها الإقليمي والسكاني ، أو فيما يتصل بتأمين مصادر احتياجها الاقتصادي والتجاري . ولعل مدن العراق منذ عصور ما قبل التاريخ ولحد الآن تعد شاهدا"على مصداقية هذا الاستنتاج الانثروبو- ايكولوجي ، حيث تغيرت في العديد من الحالات مصائر الكثير من المدن التي شيدها الإنسان العراقي القديم على ضفاف نهري دجلة والفرات ، اثر التحولات الطوبوغرافية التي تعرضت لها مجاري النهرين على مدى مئات وآلاف السنين ، ناهيك عن تواتر ظاهرة الفيضانات الموسمية التي كانت من جملة عوامل اندراس تلك المدن واندثار حضاراتها .
وعلى الرغم من فداحة الأضرار التي ألحقها كل من النهرين المذكورين (دجلة والفرات) بمدن العراق وسكانها ، سواء في حالة تحول مجراهما وتغير مسارهما ، أو في حالة ارتفاع مناسيب مياههما والتسبب بحصول فيضاناتهما المدمرة ، على مدى قرون ، للحدّ الذي ان آثار ذلك النفسية والسلوكية والفنية تغلغت عميقا"بين طيات الذاكرة التاريخية وضمن مخزون المتخيل الجمعي العراقي . بيد أن حرارة عشق العراقيين لهذين النهرين لم تفتر رغم تعاقب الحقب وتناوب الأجيال ، لا بل ان تغني الشعراء والأدباء بهما وتقريظ الجغرافيين والمؤرخين والآثاريين لهما - لاسيما حيال أهمية دوريهما في صيرورة الحضارة العراقية المؤمثلة ، وسيرورة تاريخ جماعاتها ومكوناتها المطلسمة - قد تضاعف وتعاظم مع مرّ الأيام وتوالي السنين . للحدّ الذي يبدو أن أي دراسة تتناول قضايا المجتمع العراقي - ماضيا"وحاضرا"- لا تضع باعتبارها تلك العلاقة العضوية والرابطة الجدلية بين ثالوث (الجغرافيا – الايكولوجيا – الانثروبولوجيا) ، سيكون مصيرها الفشل .
ولعل هذا التمجيد والتخليد المفرط لهذين النهرين متأت من واقعة استبطان الوعي الجمعي العراقي لحقيقة قد تبدو غير مدركة من قبل البعض مفادها ؛ ان مصير الكيان العراقي (أرضا"وشعبا"وحضارة) مرتهن ليس فقط بوجود النهرين جغرافيا"وطوبوغرافيا"فحسب ، وإنما مرتبط بضرورة تعافيهما الايكولوجي وغنائهما الإحيائي أيضا". ولكن ، وبالرغم من كل هذا الاحتفاء التقريظي الذي يبديه العراقيين حيال ما يزعمون من أهمية لدور النهرين المذكورين ، فان الأمر لا يخلو من المفارقات والتناقضات التي بات المجتمع العراقي (خبير) بإنتاجها وترويجها على نحو لا يحسد عليه .
إذ بقدر ما يبدو ان العراقيين حريصين على سلامة شرياني بلاد الرافدين وضمان تدفق نسغ الحياة فيهما (الماء) ، بقدر ما يبرهنون عمليا"وفعليا"على زهدهم بأهميتهما وتبخيسهم لقيمتهما ، عبر الكثير من الممارسات الضارة والفعاليات المدمرة التي لا تقتصر فقط على (الهدر) الاعتباطي لمياههما الشحيحة أصلا"فحسب . بل وكذلك تعمد الإساءات اليومية لحوضهما عبر تحويلهما الى مكب عام للنفايات ؛ سواء برمي الأنقاض والأوساخ فيهما ، أو بإقامة المشاريع السكنية والترفيهية العشوائية على دفتيهما ، دون تخطيط مديني مدروس أو اعتماد ضوابط حضرية ملزمة ، بحيث باتا يعانيان الاختناق في المسار الجغرافي والضيق في المجال الطوبوغرافي ، فضلا"عن استشراء مظاهر التلوث في صلاحية ماء النهرين للاستهلاك البشري مع القضاء على تنوعهما الإحيائي والايكولوجي .
وبدلا"من أن تهتم الحكومات (الوطنية) المتعاقبة بإنشاء السدود على مجاري تينك النهرين العظيمين وتحسين شبكات الري ، تحسبا"للظروف الطارئة والأوضاع الاستثنائية – كما هي الحال في الآونة الأخيرة – من جهة ، ولضمان نجاح الخطط والمشاريع التنموية في المجالات الصناعية والزراعية ، ومن ثم تحقيق الاكتفاء الذاتي في مضامير الأمن المائي والغذائي للعراق من جهة أخرى . فقد تماثلت مواقف تلك الحكومات (اللاوطنية) وتشابهت إجراءاتها فيما يتعلق بإهدار تلك الثروة والتفريط بقيمتها الحيوية ، على النحو الذي سمح لدول الجوار الجغرافي (تركيا وإيران) بممارسة الضغوط السياسية والاقتصادية عبر سياسات (التعطيش) المتعمدة ، كلما دعت الحاجة لإجبار العراق على الرضوخ لاملاءات هذا الطرف والاستجابة لشروط ذاك ، للحدّ الذي بات معه مستقبل بلاد الرافدين رهينة للمصالح الإقليمية والدولية التي لن يهمها ما سوف يحيق بمصير العراق من خراب حضاري ويباب إنساني ، لاسيما وأن مخاطر جفاف الأنهار ، ومظاهر التصحر ، والاحتباس الحراري ، والتغييرات المناخية ، باتت واقعا"قائما"لا تفتأ تهدد وجودنا بأية لحظة ! .



#ثامر_عباس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الاستحالة الحضارية : من الكنية الى الكينونة
- كبوة الوعي بين النسقية الثقافية والنسقية الايديولوجية
- ظاهرة الأريفة وتآكل المدماك الحضري
- حيرة الدراما العراقية في مسلسل حيرة !
- مشاكسات المطمور في اللاوعي الجماعاتي
- حصاد القارئ من بيدر القراءة
- هل للدين علاقة بالاغتراب ؟!
- الدولة العراقية وتعسّر كينونتها الحضارية
- الماضي وعلاقته بالدين
- الماضي وعلاقته بالاسطورة
- الوظيفة النقدية للخطاب الاعلامي
- انكفاء صيرورة (المواطنة) في وعي المواطن
- تفسير الأنماط الثقافية للشخصية العراقية
- الاسطوغرافيا العراقية والدعوة للتحول من الأعلى الى الأسفل
- المحنة العراقية : السلطة ضد الدولة
- مفارقات المثقف المؤدلج وفخ (الهجنة) الايديولوجية
- أرشيف الماضي وقاموس المعاني : قراءة في المقاصد والحدود
- السبق الحضاري في المجتمع المعطوب : فاعل عراقة أم عامل إعاقة ...
- الشخصية العراقية ورواسب الهجنة الايديولوجية
- القاع والقناع : احتباس الوعي بين التاريخ والايديولوجيا (حالة ...


المزيد.....




- الولايات المتحدة تدعو مواطنيها لعدم السفر لرواندا لتجنب الإص ...
- إسرائيل تُعلن مقتل قيادي بارز في حزب الله وتوضح دوره في -نقل ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن عن اغتيال أحد قادة حزب الله باستهدافه ...
- -رويترز-: ماسك يعتزم مواصلة دعم حملة ترامب الانتخابية في بنس ...
- جدل حاد في مصر بسبب صندوق مصر السيادي.. ومجلس النواب يتدخل
- -غلوبال ريتش- ترجح احتمال عمليات تبادل جديدة للسجناء بين موس ...
- -نتنياهو يتجاهل إدارة بايدن المستسلمة-.. تقرير يكشف كواليس م ...
- ترامب: المهاجرون غير الشرعيين يجلبون جينات سيئة لأمريكا
- متى ينتهي العمل بالتوقيت الصيفي في مصر؟
- مصر.. الدخان يغطي عدة مدن غرب القاهرة والسلطات تتحرك


المزيد.....

- ‫-;-وقود الهيدروجين: لا تساعدك مجموعة تعزيز وقود الهيدر ... / هيثم الفقى
- la cigogne blanche de la ville des marguerites / جدو جبريل
- قبل فوات الأوان - النداء الأخير قبل دخول الكارثة البيئية الك ... / مصعب قاسم عزاوي
- نحن والطاقة النووية - 1 / محمد منير مجاهد
- ظاهرةالاحتباس الحراري و-الحق في الماء / حسن العمراوي
- التغيرات المناخية العالمية وتأثيراتها على السكان في مصر / خالد السيد حسن
- انذار بالكارثة ما العمل في مواجهة التدمير الارادي لوحدة الان ... / عبد السلام أديب
- الجغرافية العامة لمصر / محمد عادل زكى
- تقييم عقود التراخيص ومدى تأثيرها على المجتمعات المحلية / حمزة الجواهري
- الملامح المميزة لمشاكل البيئة في عالمنا المعاصر مع نظرة على ... / هاشم نعمة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر - ثامر عباس - مصائر بلاد الرافدين : ماذا لو جفّت أنهار العراق ؟!