|
الجمال والعنف
كاظم لفته جبر
كاتب وباحث عراقي
(Kadhim Lafta Jabur)
الحوار المتمدن-العدد: 7800 - 2023 / 11 / 19 - 09:42
المحور:
الادب والفن
يعبر مفهوم الجمال عن كل ما يوفر الراحة والسرور واللطف في نفس الإنسان ، بعكس مفهوم العنف الذي يمثل سلوك مؤذي للإنسان جسمانيا ونفسيا .كما أنه يمثل اعتقاد ونزوع بشري للدفاع أو التعدي أو التملك . يرتبط الجمال بالعنف من خلال الألم الذي يحدثه في كل نفس ، ويخضع هذا الترابط لدوافع نفسية ، سواء كانت مرضية أو ترتبط بالإثارة واللذة أو التطهير بحسب ارسطو . لذلك كل عنف ذو معنى ، الا عنف الطبيعة فيكون خللاً في النظام . فالجمال راحة والعنف ألم ، وترتبط الراحة مع الألم من خلال إشباع اللذات ، والأهواء والرغبات ، فكل رغبة غير محققه تصبح ألما في نفس الإنسان ، وعند إشباعها تتولد الراحة ، لذلك يلجأ أرسطو لوضع نظرية ( الكاثرسيس) التطهير للنفس من خلال مشاهدتها للعنف والرغبات والقتل على خشبة المسرح قديماً ، فينقل الرغبات من ظلمة اللاوعي إلى خشبة المسرح ليكون ظاهراً ومتحققا وتتطهر النفس من ادران انفعالاتها الغير سوية . كما يرتبط الالم بالجمال من خلال الغاية ، فعند المرض يكون الألم منبه للعلة من أجل الصحة ، وعند إجراء العمليات الصحية يكون الألم مفتاحاً ومرحلة من مراحل التشافي ، فكل ألم يدل على وجود الحياة ، فغيابه يكون اما بموت الجسد ، أو المشاعر والأحاسيس . فوجود الألم دليل على إمكانية التعافي . ويرتبط مفهوم العنف مع الجمال من خلال المرض النفسي ، إذ يجد المريض النفسي ضالته في استخدام العنف اتجاه الآخرين سواء كان جسدياً أو نفسياً حتى يشعر بالراحة. والعكس ممكن أيضا من خلال البعض الذين يميلون للعنف والتمتع به . فالعنف ظاهرة ليست شاذة عن دوافع الإنسان ، بل جزء من حاجات ورغبات النفس المدفونة في صندوق اللاوعي . فالعنف رغبة ، وقد يصبح حاجة عند ما يستلزم على الإنسان ذلك ، فخريطة اللاوعي تخضع لدوافع ورغبات ، واذا أصبحت الدوافع جزء من حياة الإنسان ، أصبحت حاجات ، فمثلما يكون هناك حاجة للإنسان للجمال ، كذلك تصبح هناك حاجة للألم . فالجمال والعنف مفاهيم تخضع لبيئة المجتمع وتمظهراته وعاداته وصيرورة الزمان والمكان ، فما كان جميلاً قد يكون عنفاً في مجتمع آخر ، والعكس ايضا ممكن ، أو ما كان عنفاً وقبحا في زمنا ما يكون جميلاً في زمان آخر ، فالجمال والألم مفاهيم يخضعان لمفهوم الصيرورة ( التغيير) بلغة هيرقليطس ، وهذه الصيرورة تتحكم بها طبيعة الإنسان والمجتمع . لذلك تخضع طبيعة هذه المفاهيم لعوامل منها :خارجية منها المجتمع ، والدين ، والاقتصاد ، والسلطة السياسية ، أو داخلية نفسية باطنية ، وهذه العوامل الأولى تكمل معها الأخرى لتنتج لنا إنسان سوي أو غير سوي جمالياً . فالعنف يتداخل مع الجمال اما ان يكون جزءاً منه ، او نداً له ، ففي الفن يكون جزءاً من رسالة الفن السامية ،لتخليص النفس من اهواءها ورغباتها ، من خلال خلق عالم خيالي موازي لعالمنا على خشبة المسرح والتلفزيون والسينما ، لكون مهمة الفن بحسب الكاتب والروائي الفرنسي (مارسيل بروست ) بأنه خلق لعوالم غير متناهية ، وما هذه العوالم الا عوالم اللاوعي وناسها الرغبات . أما مع الدين فيكون قد يكون على الأغلب نداً له في الجانب المادي ، وجزءاً منه في الجانب الروحي . أما من الناحية السياسية فتعتمد على أيديولوجيا السلطة اما ان تكون دينية فترفض كل أشكال الجمال وتعنفه وتنفيه ، أو مدنية تؤمن بالجمال كجزء من أجزاء المعرفة الإنسانية والحضارية . أما من الناحية الاقتصادية فتكون الثروة أساس للبناء الجمالي وتقبله . أما مع المجتمع فيخضع الجمال للعادات والتقاليد التي يؤمنون بها . أما من الناحية النفسية فتعتمد بنائها التذوقي بشكل عكسي للعوامل الخارجية ، فما كان مرفوض في الخارج ، فهو مرغوب بالداخل . وهذا سر التداخل بين الجمال والعنف . فالثقافة الجمالية مهمة وأساسية لكل مجتمع يريد بناء ذاته والتقدم لوطنه . وعليه كل مجتمع يرفض الجمال فهو مجتمع معاق ، ومقيد بقيود سلطة القبح والشر التي تستولي على الفرد والمجتمع .
#كاظم_لفته_جبر (هاشتاغ)
Kadhim_Lafta_Jabur#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المجتمع العراقي بين الضمير الحي والمصطنع
-
علم الجمال الطبي
-
المواطنة وحق الاحتجاج
-
المواطنة والعقيدة
-
المواطنة والثقافة
-
الفرد الايديولوجي (بين السياسي والديني )
-
الجمال الطبقي
-
ممارسة اللاوعي
-
هل اصبح الدين متوحداً في ضل تقدم العقل الإنساني
-
هل اصبح الدين متوحداً في ظل تقدم العقل الإنساني
-
السلطة بين العقل والعاطفة
-
التمذهب والوطنية
-
الفن والطقوس الدينية
المزيد.....
-
إيران ودول منظمة معاهدة الأمن الجماعي تؤيد تأسيس -الأوسكار ا
...
-
-منشور قديم- يكشف عن العلاقة بين براد بيت وابنه بالتبني
-
أبوابٌ تُفتحُ لمرّةٍ واحِدة --
-
-الإمارات في معجم العين- معرضٌ للمصور البحريني عبد الله الخا
...
-
الشارقة للفنون تُعلِن المشاريع الفائزة بمنحة النشر 2023
-
-أدب الروبوتات- هل يعد إبداعا حقيقيا أم تكتب الخوارزميات أنم
...
-
أبوابٌ تُفتحُ لمرّةٍ واحِدة ...
-
اطبع نتائج السادس الاعدادي 2023 الدور الثالث موقع ملازمنا كا
...
-
نور الرياض 2023: قمرًا على رمال الصحراء
-
رمز الحرية اليوناني يتجهز لمغادرة لندن
المزيد.....
-
عد إلينا، لترى ما نحن عليه، يا عريس الشهداء...
/ محمد الحنفي
-
ستظل النجوم تهمس في قلبي إلى الأبد
/ الحسين سليم حسن
-
الدكتور ياسر جابر الجمَّال ضمن مؤلف نقدي عن الكتاب الكبير ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال وآخرون
-
رواية للفتيان ايتانا الصعود إلى سماء آنو
...
/ طلال حسن عبد الرحمن
-
زمن التعب المزمن
/ ياسين الغماري
-
الساعاتي "صانع الزمن"
/ ياسين الغماري
-
الكاتب الروائى والمسرحى السيد حافظ في عيون كتاب ونقاد وأدباء
...
/ السيد حافظ
-
مسرحية - زوجة الاب -
/ رياض ممدوح جمال
-
الكاتب الروائى والمسرحى السيد حافظ في عيون كتاب ونقاد وأ
...
/ مجموعة مؤلفين عن أعمال السيد حافظ
-
أنهارٌ من زنبق: النهر السادس
/ دلور ميقري
المزيد.....
|