غالب المسعودي
(Galb Masudi)
الحوار المتمدن-العدد: 8047 - 2024 / 7 / 23 - 02:22
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
موضوع فلسفي يتناول فكرة تجربة الوجود الحاضر والعلاقة بين الماضي والمستقبل بشكل عام، ترحيل الزمان يشير الى كيفية ان تكون التجربة الزمكانية استرجاعية ماضوية للتاريخ وكيفية تفاعلنا معها سياقيا. من خلال هذا المفهوم نتساءل عن طبيعة الوجود البشري وامتداداته بين الماضي والحاضر والمستقبل, الحاضرية الوجودية تركز على أهمية الحاضر وتجربة الوجود في اللحظة الراهنة, هذا المنظور الفلسفي يشدد على أن الحياة تتشكل في الحاضر والحياة الحقيقية تحدث في اللحظة الراهنة, يضاف الى ذلك هناك أفكار ورؤى متعمقة ومناقشات طويلة في هذا الموضوع عبر التقاليد الفلسفية المختلفة, كان لأفكار فلاسفة مثل هايدغر وسارتر تأثيرا كبيرا على هذه المفاهيم , ترحيل الزمان يثير أسئلة مهمة حول طبيعة الوجود البشري والعلاقة بين الماضي والحاضر والمستقبل, إنها موضوعات عميقة وتتطلب نقاشًا مطوّلاً, كون التركيز على الحاضر بدلاً من الماضي والمستقبل له آثار فلسفية مهمة, وهي أن الحياة تتشكل في اللحظة الراهنة وأن الوجود يتجسد في التجربة المباشرة في اللحظة الحالية, هذا ينفي النظرة إلى الحياة كمجرد انعكاس للماضي. عندما نركز على الحاضر، ندرك أننا مسؤولون عن اختياراتنا وأفعالنا في اللحظة الراهنة، بدلاً من الانغماس في الندم على الماضي أو القلق بشأن المستقبل. هذا يؤكد على حرية الإرادة والمسؤولية الشخصية. التركيز على الحاضر يدفعنا إلى الاستمتاع بالتجربة الحالية والتعامل معها بكامل انتباه وتقدير، بالتالي يؤدي إلى زيادة الشعور بالرضا والسعادة، عندما ننظر إلى الحياة من منظور الحاضر بدلاً من الماضي أو المستقبل نتجنب النظرة الحتمية التي ترى أن المستقبل محدد مسبقًا. والتي لا تتيح للفرد القدرة على التأثير على مسار حياته. بشكل عام، التركيز على الحاضر يعزز الشعور بالحرية والمسؤولية الشخصية وتقدير اللحظة الراهنة، وينأى عن النظرة التشاؤمية والقدرية للحياة، كل هذا له آثار فلسفية مهمة على فهمنا للوجود البشري.
على مر التاريخ حاول الانسان إعادة تمثيل الواقع التاريخي الماضي، كانت تلك محاولة منه للتعبير عن التواصل مع الماضي وإحياء أحداثه بشكل واقعي وإبراز جوانبه التاريخية والاجتماعية والثقافية، من الوسائل الشائعة لذلك، إنتاج أعمال فنية (مثل اللوحات والنحت) التي تعكس الحياة في تلك الفترات التاريخية، إقامة متاحف ومعارض تاريخية تعرض أدوات وأثاث وملابس من الماضي، إعادة تمثيل المواقع التاريخية وإحياء الطقوس والتقاليد القديمة، كتابة الروايات والقصص والسير الذاتية التي تروي قصصًا تاريخية. لكن مفهوم "ترحيل الزمان" فلسفيا يشير إلى محاولة تخطي الحواجز الزمنية والسفر إلى الماضي عبر الخيال والتصور، تم ذلك من خلال كتابة الاساطير النشأ كونية في الحضارات القديمة، كما يتم ذلك ايضا في الأعمال الفنية والأدبية والتقنية التي تتجاوز الحدود الزمنية العادية، لذا فإن مزج هذه المفاهيم في عمل فني أو أدبي قد ينتج إبداعات تمزج بين الماضي والحاضر والمستقبل، وتبرز تجارب الوجود الإنساني في ظل هذه المتغيرات الزمنية.
كان هناك جدل فلسفي حول ما إذا كان إعادة تمثيل الواقع التاريخي هو نوع من إعادة صياغة الأحداث بطريقة طوباوية، توجد وجهتي نظر متنافسة في هذا الشأن:
وجهة النظر الأولى ترى أن إعادة التمثيل التاريخي هو في الواقع نوع من إعادة الكتابة الطوباوية للأحداث الماضية. الحجة هنا هي أن المؤرخين والفنانين عندما يقومون بإعادة بناء الماضي، فإنهم غالبًا ما يميلون إلى تزيين الأحداث أو حذف الجوانب غير المرغوب فيها لتقديم صورة مثالية أو مرغوبة للواقع التاريخي. وبالتالي، فإن هذه الإعادة للتمثيل تنطوي على نوع من الطوباوية.
من ناحية أخرى، وجهة النظر المعارضة ترى أن إعادة التمثيل التاريخي لا يجب بالضرورة أن يكون طوباويًا. الحجة هنا هي أنه من الممكن إعادة بناء الماضي بموضوعية وواقعية من خلال البحث العميق في الوثائق والأدلة المتاحة. وبالتالي، فإن إعادة التمثيل التاريخي قد يكون وسيلة لفهم الماضي بشكل أفضل وأكثر دقة، بدلاً من مجرد إنشاء صورة مثالية له.
الموقف الفلسفي تجاه هذه القضية يعتمد على المنهجية والنوايا التي يتبعها المؤرخون والفنانون عند إعادة تمثيل الواقع التاريخي. فإذا كان الهدف هو إنشاء صورة مثالية للماضي، قد يكون ذلك نوعًا من إعادة الكتابة الطوباوية. أما إذا كان الهدف هو فهم الماضي بشكل أكثر دقة وموضوعية، فقد يكون إعادة التمثيل التاريخي وسيلة مفيدة لتحقيق ذلك. هل يمكن للمؤرخين والفنانين تجنب الطوباوية في إعادة تمثيل الواقع التاريخي...؟ هناك بعض الطرق التي يمكن للمؤرخين والفنانين اتباعها لتجنب الطوباوية في إعادة تمثيل الواقع التاريخي:
الالتزام بالموضوعية والدقة في البحث
المؤرخون والفنانون يجب أن يعتمدوا على الأدلة والوثائق التاريخية الموثوقة بدقة، يجب تجنب التفسيرات المتحيزة أو المنحازة للأحداث التاريخية، البحث عن وجهات نظر متعددة والاستماع إلى أصوات مختلفة عند إعادة تمثيل الماضي.
تجسيد التعقيد والتناقضات التاريخية
الاعتراف بأن الماضي كان معقدًا وأن الأحداث والشخصيات التاريخية غالبًا ما كانت متناقضة، تجنب تبسيط الأحداث أو إخفاء الجوانب المربكة أو غير المرغوب فيها.
التركيز على السياق التاريخي
فهم الظروف الاجتماعية والثقافية والسياسية التي أحاطت بالأحداث التاريخية، إدراك كيف شكلت هذه السياقات الماضي وساعدت على تشكيل الأحداث.
الاعتراف بحدود المعرفة التاريخية
الاعتراف بأن بعض الحقائق والتفاصيل التاريخية قد تكون مفقودة أو غامضة، تجنب ملء الفجوات بالافتراضات أو التخمينات غير المدعومة.
الشفافية والمسؤولية الأخلاقية
الاعتراف بالافتراضات والتفسيرات الشخصية عند إعادة تمثيل الماضي، تحمل المسؤولية الأخلاقية عن الطريقة التي يتم بها إعادة تمثيل الواقع التاريخي. بإتباع هذه الاستراتيجيات، يمكن للمؤرخين والفنانين تجنب الطوباوية وتقديم صورة أكثر موضوعية وواقعية للماضي. هناك عدة تحديات رئيسية تواجه المؤرخين والفنانين عند إعادة تمثيل الماضي بموضوعية:
نقص المعلومات والوثائق التاريخية
الكثير من الوثائق والأدلة التاريخية قد ضاعت أو دمرت عبر الزمن، هناك فجوات في السجلات التاريخية، مما يصعب إعادة إنشاء الأحداث بدقة.
التحيز الشخصي والثقافي
المؤرخون والفنانون قد يكونون متأثرين بمعتقداتهم الذاتية وخلفياتهم الثقافية، هذا قد ينعكس على تفسيرهم للأحداث والشخصيات التاريخية.
التبسيط المفرط والرومانسية
الميل إلى تبسيط الأحداث التاريخية المعقدة أو تجميلها بشكل مفرط، الرغبة في خلق صور رومانسية أو إيديولوجية للماضي.
التناقضات والتفسيرات المتضاربة
وجود روايات متضاربة حول نفس الأحداث التاريخية، صعوبة الجمع بين التفسيرات المختلفة والمتناقضة للماضي.
المحدودية الزمنية والميزانية
المؤرخون والفنانون محدودون بالوقت والميزانية المتاحة لإنجاز أعمالهم، هذا قد يحد من قدرتهم على إجراء بحث شامل والوصول إلى أدلة كافية.
الضغوط والتوقعات الاجتماعية
الضغوط من الجمهور والمجتمع لتقديم صورة معينة للماضي، السياسة والأجندات الاجتماعية قد تؤثر على إعادة تمثيل الأحداث التاريخية.
لذا يمكن اعتبار إعادة تمثيل الواقع التاريخي في بعض التوجهات الدينية نوعًا من إعادة صياغة الأحداث بطريقة طوباوية. هذا لا يتماشى مع الفلسفة الحاضرية الوجودية التي تركز على الواقع الحاضر والتجربة الفردية المباشرة، حسب هذه الفلسفة، الواقع التاريخي ليس مجرد سرد للأحداث، بل هو ما تختبره وتعيشه الذات الوجودية في الحاضر. وبالتالي، فإن إعادة تمثيل الواقع التاريخي في بعض التوجهات الدينية يمكن أن يعكس محاولة لإعادة صياغة هذا الواقع بما يتماشى مع رؤية دينية معينة دون إدراك للذات الوجودية في الماضي، هذا النوع من إعادة التمثيل قد يأخذ شكل أساطير أو روايات مثالية عن الماضي، تهدف إلى تعزيز الهوية الدينية أو الأيديولوجية للجماعة المعنية، بدلاً من التمسك بالحقائق التاريخية الموضوعية. وبذلك، فإنها تجسد نوعًا من الطوباوية في إعادة تشكيل الماضي بما يخدم التوجهات الأيديولوجية للجماعة المعنية في هذا السياق،اذ لا تتطابق إعادة تمثيل الواقع التاريخي مع المقاربة الحاضرية الوجودية التي ترفض النظرة غير الموضوعية للماضي، وتؤكد على دور الذات الحاضرة في إعادة صياغة وتفسير التاريخ وفقًا لتجربتها الوجودية الراهنة وهي تجربة غير مرحلة بإطار دوغماتي. هناك عدة آثار سلبية محتملة لإعادة صياغة الماضي بطريقة طوباوية في كل السياقات:
فقدان الموضوعية والحقيقة التاريخية
عندما يُعاد تمثيل الماضي بطريقة مثالية أو رومانسية، فإن الحقائق التاريخية والموضوعية قد تُهمَل أو تُشوّه. هذا يمكن أن يؤدي إلى نشر معلومات مضللة وتشويه فهم الماضي.
تعزيز الانقسامات والصراعات
إعادة صياغة الماضي بطريقة طوباوية قد تؤدي إلى تعزيز الروايات التي تخدم مصالح جماعة دينية معينة على حساب الآخرين. هذا يمكن أن يُؤجِج الصراعات بين الجماعات وتفاقم الانقسامات.
إعاقة الحوار والتسامح
إذا كانت الروايات الطوباوية للماضي هي المهيمنة، فإن قدرة المؤمنين على فهم وجهات نظر الآخرين وإجراء حوار بناء قد تُعاق. هذا يحد من التسامح والتفاهم بين المجموعات الدينية.
إعاقة التطور والتغيير
الإصرار على إعادة تمثيل الماضي بطريقة غير مثالية قد يحول دون إمكانية تعلم الدروس من الأخطاء السابقة والتكيف مع المتغيرات في المجتمع. هذا يعيق التطور والتغيير الإيجابي.
التضحية بالنزاهة الفكرية
إعادة صياغة الماضي وفقًا لأجندات دينية محددة قد تنطوي على التضحية بالنزاهة الفكرية والموضوعية العلمية. هذا يضعف مصداقية المؤسسات الدينية ويقوض ثقة الناس فيها.
يمكن القول بأن الطوباوية والحاضرية الوجودية هما نقيضان بالضرورة. في الواقع، هناك نقاط تقاطع كثيرة بينهما وتناقضات اساسية، ولذا لا يمكن للفرد أن يستفيد من مزايا كل منهما في تفسير تجاربه الترحيلية للزمان والمكان. الأمر يتعلق بالتوازن والاستخدام المناسب للحقائق التاريخية بنزاهة وتجرد دون ان توسيع الهوة الفكرية الروائية و الادلة الاركيولوجية.
#غالب_المسعودي (هاشتاغ)
Galb__Masudi#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟