أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مازن كم الماز - عن صعود دولة الميليشيا















المزيد.....

عن صعود دولة الميليشيا


مازن كم الماز

الحوار المتمدن-العدد: 8065 - 2024 / 8 / 10 - 00:14
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


هذا ليس رثاء لدولة الاستبداد ، هذا رثاء لمجتمعاتنا

ندخل بتسارع في مرحلة جديدة من أزمة أنظمة و مجتمعات ما بعد الاستقلال مع ظهور و ترسخ دولة الميليشيا كبديل وحيد يظهر في كل مرة تنهار فيه هذه الأنظمة … و يرتبط ظهور دولة الميليشيا عادةً بمحاولات تحررية أو بحراكات شعبية كما في الاردن 1968 و لبنان 1975 و أخيرا سوريا و ليبيا و اليمن بعد 2011 … أول ظهور لدولة الميليشيا كان في الاردن بعد 1968 لكن دولة الاستبداد كانت ما تزال قوية و قادرة على الدفاع عن نفسها مع كل جدية التهديد الذي تعرضت له و الذي استدعى طلبها لدعم خارجي لمواجهة خصمها الميليشياوي … الظهور التالي لدولة الميليشيا كان في لبنان 1975 ، لكن خلافًا للنظام الاردني كان النظام الشهابي هنا في تراجع و فقد الكثير من قوته بينما تكالب عليه الجميع من كل الأطراف للقضاء عليه … كشفت الحرب الأهلية اللبنانية تشابه دول الميليشيا على اختلافها ، شاهدنا التشابه الكبير بين ممارسات و "مؤسسات"دويلة أبو عمار و دويلة بشير الجميل المتحاربتين و كشفت لنا تلك الحرب أن دولة الميليشيا ذات قدرات هائلة على الاستمرار حتى وسط أفظع الظروف بل و يمكن القول أن النظام اللبناني هو اليوم امتداد لدول الميليشيا التي كانت مسيطرة و نتيجة مباشرة لتطورها و منحها شرعية دولتية لدرجةٍ أنه و بعد كل الخراب الذي جره على لبنان لكن الصراع الحقيقي ليس ضده بل داخله ، بين زعماء الميليشيات أنفسهم الذين تحولوا إلى أركان هذا النظام تتنافس و تتصارع على غنائمه و رغم تعرض النظام لحراكات شعبية و نخبوية متكررة لكنه لم يصمد فقط ، لقد انهارت كل تلك الحراكات و تلاشت بينما بقي هو رغم كل ما يشاع عن غضب جماهيري عارم ضده و رغم الخراب العام الذي هو من أهم منجزاته … عادت دولة الميليشيا للظهور في العراق بعد سقوط نظام صدام و مرةً أخرى في ليبيا و سوريا و اليمن بعد 2011 … شاهدنا كيف جاءت دولة الميليشيات العراقية بذات الخراب اللبناني و كيف تمكنت من مواجهة كل المحاولات الشبابية لتحديها و من الاستمرار في ظروف داخلية صعبة تفرضها على الجماهير و في ظروف صراع إقليمي معقد و كيف جاء التحدي الحقيقي الوحيد لها فعليًا من ميليشيا أخرى هي داعش … قيل الكثير عن الموجة الثانية من ثورات الربيع العربي و عن استفادتها من الدروس المؤلمة للموجة الأولى لكن السودان انزلق بسرعة إلى نفس المستنقع السوري و الليبي و دخل دوامة عنف عبثية بلا هدف و بلا نهاية يبدو أن أحدًا غير قادر على إيقافها و لا ندري ماذا كان يمكن أن يكون مصير الحراك الجزائري لولا مسارعة النخبة الحاكمة للملمة أمورها و التخلص من حمولة تفليقة الثقيلة و لولا ذكريات العشرية الدموية التي ما تزال حاضرة في الأذهان … صحيح أن دول الميليشيات اليوم كلها "إسلامية" مع صعوبة تعريف تلك الصفة إلا بهوية الميليشيات التي تسيطر عليها لكن شاهدنا كيف أنتجتها في السابق تيارات قومية و يسارية و حركات تحرر وطني الخ ؛ و شاهدنا كيف أن دول الميليشيات قادرة على الاستمرار وسط ظروف داخلية بالغة القسوة و في ظروف صراعات اقليمية معقدة و أنها رغم انسحابها من جميع مهام "الدولة الحديثة" ( الذي كانت قد بدأته أنظمة الاستبداد منذ التسعينيات ) و اعتمادها على النهب المباشر العاري لبيئتها الحاضنة قبل بيئة خصومها تتمتع بعلاقة مستقرة نسبيًا مع تلك البيئة بطريقة لا تختلف كثيرًا عن تلك التي تمكن بها صدام و الأسد و القذافي من تطبيع مجتمعاتهم مع حكمهم المطلق … و شاهدنا أيضًا تطبيع النخب المثقفة و المشتغلة بالتحليل و التنظير السياسي مع تلك الدول ( لم يكتف اليسار اللبناني وقتها بدعم دويلة أبو عمار بل اقام دويلته هو أيضًا و لو أن ميليشاته كانت أقل فسادًا بما لا يقاس من دويلة أبو عمار أو خصومه في الشرقية ) و نشاهد أيضًا استسلام الخارج أي الدول الفاعلة و الرئيسية في النظام العالمي لسيطرة تلك الميليشيات ما دامت لا تشكل خطرًا مباشرًا عليها … لدى تلك القوى المتسيدة تجارب مؤلمة من لبنان إلى الصومال و افغانستان و العراق و لهذا نجدها اليوم تدخل في حالة من التعايش القلق مع دويلة طالبان في افغانستان و أشباهها في شمال سوريا و ليبيا و مع دويلة الحوثيين في اليمن بل نشاهد كيف تسعى هذه القوى الفاعلة لدعم تلك الميليشيات بشكل غير مباشر أحيانًا كبديل أفضل من الفوضى و ما عدا تلك الميليشيات التي اختارت ان تشكل خطرًا مباشرًا عليها كما كان الحال مع داعش و حركة الشباب الصومالية توقفت تلك القوى عن استهداف هذه الميليشيات من طالبان الى تحرير الشام و وحده حادث كالذي وقع في السابع من أكتوبر وضع حماس تحت مرمى الاستهداف المباشر بينما نرى كيف أن مواجهتها و ضرباتها ضد ميليشيات "معادية" كالحوثيين و حزب الله جراحية و لا تهدف للقضاء عليها بل إلى الحد من خطرها و إعادة فرض قوة و حدود الردع عليها من جديد … هذا يعني أنه بانتظار تطورات ما تبدو بعيدة اليوم و نتائجها لا يمكن تقديرها سلفًا فإن صعود و سيطرة دول الميليشيا هو مصيرنا في قادم الأيام … ظهرت الدولة الوطنية في أوروبا بعد مخاض طويل شهدت فيها صراعات دامية أحيانًا داخل مجتمعاتها و بينها أمًا تاريخنا الحديث فقد عرف الدولة الحديثة أولا كمبادرة من جزء من النخبة الحاكمة لمواجهة تأخر دولتها أمام أوروبا الصاعدة بزخم متسارع و انقسمت النخبة المثقفة يومها بين متحمس و معارض و يبدو أن تلك المهمة كانت صعبة و معقدة للغاية فقد فشل "التحديثيون" و "التقليديون" داخل النخبة الحاكمة في استعادة القوة المفقودة في مواجهة الخارج الذي تضخمت قوته إلى حدود غير مسبوقة ، فلا عبد الحميد و لا الاتحاد و الترقي تمكنوا من استعادة و لو جزء من قوة الدولة و لا تمكنوا من الحفاظ عليها من مواصلة سلسلة الهزائم و لا تمكنوا من منع سقوطها النهائي … يجب الإقرار بأن الدولة الحديثة قد استوردت و لكننا في نفس الوقت عجزنا عن تعربيها ، رغم كل محاولات جزء متنور من النخبة على مدار قرنين فإن مشروع بناء دولة حديثة متعثر و الهزائم كانت من نصيب الجميع و لا ينطبق على وضعنا اليوم أكثر من قول لينين خطوة إلى الأمام خطوتين إلى الوراء … و إذا اتسمت محاولات من سبقونا بجدية أكبر في محاولة فهم مجتمعاتنا و الغرب فإننا اليوم قد توقفنا حتى عن محاولة كهذه ، و مستوى التنظير السياسي لم يكن بهذه الضحالة كما هو اليوم و مؤشر التنظير و التحليل السياسي يتراجع باستمرار و ينحط أكثر فأكثر حتى ضمن التيار الفكري و السياسي الواحد … لا يمكن أن يحدد المرء أيها أكثر تلفيقًا : محاولات استيراد شكل الدولة الحديثة دون مضمونها و خاصة دون مضمونها الثقافي و دون حاملها الاجتماعي أم محاولات استيراد و فرض "هوية" يتنافس دعاتها على تحديد أدق تفاصيلها من ماض مزعوم تعاد كتابته بعناي وفق سرديات لا تتفق مع بعضها البتة و ملفقة تاريخيًا و لا تشكل سوى مشروع للانقضاض على السلطة لأجل السلطة … تبدو دولة الميليشيا نتيجة منطقية لهزائم الأمس و اليوم و لكن أيضًا مقدمة لهزائم الغد ، أسوأ ما في دول الميليشيا ليس فقط تغذيها على مآسي شعوبها و مجتمعاتها و لا طفيليتها بل هو أن حروبها العبثية الممتدة إلى ما لا نهاية و بدون غاية تحمل في طياتها احتمال عودة ديكتاتوريات تبدو وحدها القادرة على وضع حد لهذا العنف العبثي



#مازن_كم_الماز (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رؤيتان عن -الهوية-
- الثابت و المتحول : من القوميين الى الاسلاميين
- ماذا نكتب و ماذا نفعل
- و لكنها تدور
- عندما قامت المعارضة السورية بتأميمنا
- عندما يتعرض السوريون البيض هم أيضًا للقمع و القتل و التعذيب
- لا يجب تبرئة سلطات الأمر الواقع من المسؤولية عن الوضع السوري
- هل علينا أن نعتذر
- نضال المعارضات العربية في سبيل الديمقراطية
- بالقذافي و صدام و الأسد و بدونهم ، نحن دول و شعوب فاشلة
- حوار مع اليسار الديمقراطي و المعادي للستالينية عن حماس
- قالها العفيف الاخضر
- تأملات في المستقبل
- عن العقد الاجتماعي للإدارة الذاتية في شرق و شمال سوريا
- حوار مع الرفيق محمود الحمزة
- غزة و فلسطين كإيديولوجية
- حماس و إسرائيل و الشعب الفلسطيني
- هل نسمع أنفسنا
- بعد ملحمة 7 أكتوبر و مستشفى الشفاء : انتصارنا وشيك , اقرب من ...
- عن السكان الأصليين و الغرباء و المحتلين و الإبادة الجماعية


المزيد.....




- مصر.. فيديو متداول لسائق سيارة -ميكروباص- أعلى كوبري مشاة.. ...
- هاريس أم ترامب: أيهما أفضل للمنطقة العربية شعوبا وحكومات؟
- الذكاء الاصطناعي يحلّ -لغز الحياة-: كيف يتصل الحيوان المنوي ...
- تكهنات بالانهيار - اجتماعات على مستوى عال لإنقاذ الحكومة الأ ...
- ليبيا.. تأجيل محاكمة رئيس الاستخبارات العسكرية في عهد معمر ا ...
- باللون الأحمر.. فالنسيا تجدد التحذيرات من عواصف رعدية وأمطار ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير مجمع لحزب الله وينشر ما وثقته كا ...
- الصحة اللبنانية تعلن حصيلة ضحايا -العدوان الإسرائيلي- على لب ...
- الصومال.. استقالة مسؤولين كبار في الحكومة 
- الغارديان: القوات الأوكرانية تنهار في دونيتسك وخاركوف


المزيد.....

- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .
- الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ / ليندة زهير


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مازن كم الماز - عن صعود دولة الميليشيا