أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زهير ياسين شليبه - اللغة البربرية في حوار مع البروفيسور الدنمركي كارل براسّه المتخصص باللغتين البربرية والعربية















المزيد.....



اللغة البربرية في حوار مع البروفيسور الدنمركي كارل براسّه المتخصص باللغتين البربرية والعربية


زهير ياسين شليبه

الحوار المتمدن-العدد: 8065 - 2024 / 8 / 10 - 06:48
المحور: الادب والفن
    


عزيزي البروفيسور كارل جي براسّه! إنه من الممتع للغاية بالنسبة لي أنا والقراء أن أجري حواراً معك لأنك أولاً وقبل كل شيء إنسان وأكاديمي رائع، يطيب لي دوماً الحديث معك عن اللغة والأدب هنا في منزلك. ويُسعدني أن أقول لك إنك مضياف وكريم ومتفتّح على ثقافات الآخرين، ولا بد أنك تركتَ أثراً طيباً لدى معارفك الجزائريين، الذين يتواصلون معك دوماً، ولا بد أن إقامتك في الجزائر أثّرت فيك. وأقول أيضاً إنك من أوائل العلماء الأكاديميين الدنمركيين الذين تعرفتُ إليهم في جامعة كوبنهاجن وحصلتُ منك على الدعم والاحترام، ووجدتُ فيك نعم الإنسان المتواضع الصادق، والمتخصص في مجالين صعبين، العربية والبربرية، لغتين موجودتين في نفس المنطقة، في العالم العربي، وفي دولة واحدة نشهد فيها هذه الأيام مع شعبها والعالم كله حدوث مشاكل ثقافية، سياسية ودينية كثيرة، خاصة في الفترة الأخيرة حيث قتل المطرب البربري ونّاس في الجزائر، ومع ذلك فإن آمالنا كبيرة في أن ينعم الشعب الجزائري الشقيق، الذي لا تتخيّل كم نحبّه في العراق، بالاستقرار والحرية والوحدة والسلام.

وهو أمر ممتع ومهم أيضاً بالنسبة لنا ان أحاورك لأنك اخترت دراسة اللهجة القاهرية في دراساتك اللغوية وما يثيره هذا الأمر من خلافات ونقاشات وهي لهجة يفهمها أكثر العرب، لكنها ليست بديلة للغتهم العربية ولا حتى لهجاتهم الأخرى.
ولهذا فأنا أفضل بدء الحوار بالحديث عن اللهجة العربية، وسأبدأه بسؤال تقليدي، لماذا اخترت هاتين “المهمتين” الصعبتين، العربية والبربرية؟
- أنا لغوي، متخصص في علم اللغات وعملت كل حياتي العلمية كلغوي ولم أشغل نفسي لا بالتاريخ ولا الدين ولا بأشياء من هذا القبيل.
أنا اهتممت بتحليل اللغات ومقارنة السامية منها والحامية ولهذا فقد كتبت في ايام دراستي موضوع الماجستير في مجال علم المصريات.
- متى كان ذلك؟
- كان ذلك في الخمسينات وقد حصلت على “الكونفيرانس” في عام 1956 وهو نوع من الماجستير في الآداب ولكن على مستوى أعلى قليلا، وهو ما يعادل شهادة الدكتوراه في الخارج.
- هل كان ذلك في كوبنهاجن؟
- نعم.
- في معهد كارستين نيبور؟
- نعم، كان المعهد يسمى آنئذ بمعهد العلوم المصرية، وكان هذا الاختصاص مقسما عندنا على خمسة أو ستة معاهد مختلفة ولكنها جُمعتْ فيما بعد.
- ماذا كتبت في رسالة الماجستير؟
- كتبت عن تركيب الأسماء باللغة البربرية. كان هذا البحث الذي عملته خاصا جدا. كان المفروض أن أعرف تلك اللغات المصرية القديمة المكتوبة بالهيروغليفية والقبطية المكتوبة بنوع من الحروف اليونانية ولكني دخلت في التاريخ والآثار وكان علي في المقابل أن أعرف مجموعة كبيرة من اللغات السامية الأخرى مثل العربية القديمة واللهجة المصرية والإثيوبية. إضافة إلى ذلك فإني أجريت إمتحانا في العبرية ولهذا فإني كنت أجد نفسي حقا في اللغات السامية.
- وكيف الحال مع البربرية؟
- بدأت في الوقت نفسه الاهتمام باللغة البربرية، التي درستها لمدة عام في باريس على يد بروفيسور كبير في السن اسمه أندريه باسييت. كان ذلك في عام 53-54 ولهذا كتبت بحثي الكبيرعن تركيب الأسماء البربرية.
كان هذا “الكونفيرانس” مناسباً جدا لي كأنها بدلة مفصلة على مقاسي فلا يمكن للمرء في أيامنا الحالية أن يحصل على مثل هذا “الكونفيرانس”.
- وأين تعلمت العربية؟
- تعلمت اللهجة المغربية في باريس حيث كنت أشارك في دورة تعلم المغربية والدمشقية هناك ولكني وجّهت اهتمامي الأكبر للهجة العربية المغربية لأنها أمور مهمة جدا بالنسبة للمتخصص بالبربرية وعليه أن يتعلمها. هناك العديد من الكلمات المستعارة من العربية في البربرية وأنها “الكلمات الدخيلة” تكون في بعض اللهجات أكثر من 50% وركزت اهتمامي على البربرية.
- هل تعلمت البربرية في مناطقها الأصلية حيث ينطقها أهلها مثل الجزائر ومناطق أخرى؟
-أنا كنت في الجزائر في واحة تامنغسَّت/تامنراسيت/ وحُقَّار لأدرس لهجة الطوارق.
- متى كان ذلك؟
- في عام 1958
- كيف كانت انطباعاتك؟ ألم يكن من الصعب عليك كأجنبي أن تقيم هناك في تلك الأيام؟
-لا، لقد كان ذلك أثناء الحكم الفرنسي، ولم تكن هناك حرب أهلية في المنطقة التي كنت أقيم فيها. كانت الأمور هادئة هناك في واحة تامانراسيت وعملت أولا وقبل كل شيء مع عائلة طوارقية تعمل بالحدادة، وكنت ألتقي بزبائنهم وأتكلم معهم.
- وهل تعلمت اللهجات البربرية المختلفة كما هو الحال مع العربية؟
- لقد ركزت على لهجات ثلاث: قبل كل شيء الطارقية طبعا حيث كتبت بحثي عنها لأنها هي اللهجة الأقدم ولهذا فهي اللهجة الفضلى لمقارنتها بالعربية واللغات السامية الأخرى. إضافة إلى ذلك فإني تعلمت اللهجة القبائلية واللهجة السوسية أو التاشلحيت “الشلحة” في جنوب المغرب ولكني لم أكرس وقتا كثيرا لهذه الأمور.
- وماذا عن اللهجة الريفية ولهجات البرابرة في المغرب ؟
- لا، لم أركز عليهما إلا أني اطلعت على كل ما أمكن من هذه اللهجات.
- طيب ماهي استنتاجاتك عن العلاقات اللغوية بين البربرية والعربية؟
- كلاهما لغتان من الحامية السامية وهي لغات كبيرة جدا وتتكون من 4 أو 5 فروع واللغة السامية هي مجرد فرع يشمل العربية والعبرية والآشورية والإثيوبية وغيرها.
- وماهي اللغات الباقية التي تنتمي إلى الفروع الأخرى؟
- مثل المصرية القديمة واللغات الكوشية مثل الصومالية واللغة البربرية واللغات التشادية مثل الهاوسا.
- وماذا عن اللغة السومرية؟
- إنها ليست لغة سامية! ولا حامية.
- وأية لغة إذن هي؟
- لا نعرف عنها شيئاً. إنها لغة مفصولة وليس لها علاقة بهذه اللغات التي نحن بصددها. ولكن إضافة إلى اللغات السامية فهناك المصرية الهيروغلوفية القديمة فهي فرع رقم 2 والبربرية فرع رقم 3 واللغة الكوشيه أو الهاوسا في الحبشة مثل الصومالية ولغة أورومو التي تكون الفرع رقم4 وأخيرا اللغات التشادية في غربأفريقيا مثل الهوسا، هل سمعت بها؟
- نعم.
- أين سمعت بها؟
- كان طلابنا يدرسونها، فقد عملت في كلية اللغات الأفريقية وكان لدينا أقسام للهوسا والفلّاني والسواحيلي.
- هذا امر جميل للغاية ان تُدرّس هذه اللغات في العالم العربي.
- هلا حدثتني عن الاختلافات وأوجه الشبه بين العربية والبربرية؟
- يمكن للمرء أن يقول إن البربرية هي فرع من الحامية السامية وهي أقرب للسامية من المصرية والكوشية. نظام الأفعال البربري يشبه إلى حد كبير نظام الأفعال العربي والاختلاف في تشكيل بين صيغة الماضي والمضارع ولكنهما يصرفان بملحقاتٍ.
- هلا أعطيتنا مثالاً على ذلك
- مثل فعل إكرِسْ هو فعل أمر يعني إربطْ، يِكر‎ ِسْ هوصيغة مضارع و يِكْرَسْ بحرف العلة أ هو ماضي تام إلا أنه يوجد في اللغة البربرية زمن ثالث من الفعل يِكْر‎ ِس وهو: يكَرّسْ وهذا مضارع مكثف ويعني هنا أنه بدأ بالربط، وهذا شكل موجود في اللغة الآشورية ولكن ليس في العربية.
- ماهو الفعل الذي يقابل يكَرَّسْ في اللغة الأكادية؟
- يبَرَّسْ iparras الذي يعني : يقررَ أو : يحسمَ
- هل هذا يشبه الفعل العربي كما يلفظه الناس في العامية: إيقرّر، أي يُقرّر؟ أنا أعتقد هذا موجود ايضا في العربية وخاصة في المحكية فالناس يقولون: إيربّط أو يربّط أو يربطُ بمعنى أنه مستمر في الربط، فماذا تقول؟
- أختارُ لفعل ربط العربي في العامية والفصحى ما يقابله بالبربرية: يبرّك - يبرُك وله نفس المعنى.
أما بالنسبة لنظام الأسماء فإنه يوجد في البربرية أيضا جمع تكسير ولكن فقط للنوع الذي فيه حرف: أ في المقطع الأخير فإذا كان لدى المرء كلمة مثل آروف، التي تعني في الطارقية خروفٌ فإن صيغة جمعِها هي: إِتراف مثل: كَلب كِلاب في العربية.
- عفواً على مقاطعتك، كلمة "آروف" البربرية تشبه "خاروف" خَروف، و"إتراف" تشبه خِراف، أليس كذلك؟
- صحيح، ويوجد في الطارقيه أيضا جمع تكسير ينتهي ب “ آن “مثل إيكَبَر وتعني كوخ وجمعُها: إِيكبران، مثل قميص قمصان. ولكن لا يوجد جمع تكسير ينتهي بحرف: و، مثل بيت بيوت كما هو الحال في العربية.
- هل هناك أصوات في الطارقية خاصة بها وغير موجودة في العربية؟
- نعم، لنأخذ مثلاً حروف العلة، فإنه يوجد في النظام اللغوي الطارقي خمسة حروف علة طويلة “ممدودة” هي:A, I, U, E, O آ، إي، أُو، أَيِ، أَو وحرفا علة قصيران: , Ã أَ، إِ فإن لديهم نفس النظام في اللغة العربية مع ثلاثة حروف علة ممدودة و ثلاثة قصيرة: أ، ي، و، وإضافة إلى ذلك فهناك E , O اللذان يعدان ثانويين في اللغة البربرية وهذه الظاهرة نعرفها من اللهجات العربية.
يوجد أيضا في اللهجتين المصرية والسورية E , O طويلتان/ ممدودتان ولكن ليس لهما نفس الأصل كما هو الحال في اللغة الطارقية.
- وماهو الاختلاف بين أصلهما في اللهجتين المصرية والسورية واللغة الطارقية؟
- .....
_ وكيف الحال بالنسبة للكتابة البربرية؟
- الشائع هوأن يكتب المرء الكتابة بالحروف اللاتينية، التي اخترعها الأوروبيون وهي الطريقة الأفضل للغة الطارقية والبربرية لأن أنظمة حروف العلة فيهما تعمل بطريقة أخرى تختلف عما هي عليه في اللغة العربية.
- هل يمكن أن نقول إنك ترى أنه من الأفضل استخدام طريقة الكتابة بالحروف اللاتينية لكونك أوروبيا وإنه من السهل على الأوروبيين استخدامها؟ كيف سيمكن كتابة حروف مثل ش، ص، غ، ق، ض، ظ، وغيرها من الأصوات الموجودة أصلا في البربرية واللغات السامية الأخرى، وغير موجودة في اللغات الأوروبية؟ هل من المستحيل استخدام الحروف العربية في الكتابة البربرية؟
- طبعا استخدام الحروف العربية في الكتابة البربرية أمر غير مستحيل ولكنه صعب، فإذا أخذت مثلا حرف العلة  في الطارقية، فكيف ستكتبه بالعربية؟ قد يكون من الممكن إيجاد حل لمثل هذا الأمر ولكن كيف ستكتب حرفي العلة E , O , وتميزهما عن I, U في اللغة الطارقية مستخدما الحروف العربية؟ طبعا يستطيع المرء أن يجد شيئا إذا كان ذلك ضروريا، إلا أن هذا لن يطبق إطلاقا وأنه لا توجد مثل هذه التقاليد في تغيير الحروف العربية كما نفعل نحن الأوروبيون بحروفنا ونكتشف مجموعة كبيرة من العلامات المميِّزةِ.
- تصور لو أني أقوم بدراسة اللغة الدنمركية وأُدخلُ اصطلاحات فيها، وأعمل للهجاتها المختلفة علاماتٍ خاصةً مأخوذة من الحروف العربية وأستعين بها، كأن أستخدم حرف غ العربي بدلا من R لأنه في حقيقة الأمر غالبا ما يلفظ كحرف الغين العربي، أو حرف الذال ذ العربي بدلا من الدال الدنمركي D المخفف وأكتب المقاطع كما تلفظ وليس كما تنص عليه قوانين الكتابة الدنمركية المعمول بها والتي يعاني منها أغلب الأطفال والشباب، فهي في حقيقة الأمر كتابة صعبة جدا ومختلفة عن اللفظ. وهناك من يرى “وأنا أتفقُ معهم قليلا” أنها ميتة لأنهم لا يتقنونها!
أعتقد ان هذا سيؤدي إلى فوضى لغوية في المجتمع الدَنمركي وسيرفضها السياسيون بالتأكيد أما المتحمسون القوميون فسيشهرون السلاح ضدي بالتأكيد!

هذا مجرد تصور وهو ممكن التحقيق لأن الاختلافات بين بعض العلامات الصوتية وحروف العلة نسبية والتعلم عليه منذ الصغر أمر ممكن جدا. انا طبعا أؤمن بتطوير الحروف العربية، بل زيادتها إن أمكن وإدخال علامات جديدة لأصوات قد تكون موجودة في اللهجات وغير موجودة في العربية الفصحى ولكن مع الحفاظ عليها وتبسيطها، كذلك أرى من الضروري إدخال كل ما يمكن إدخاله من المفردات العربية الدارجة في قاموس اللغة العربية الفصحى المعاصرة والإعتراف بها من قبل المجامع اللغوية العربية.
- .........
- هل الكتابة البربرية بالحروف اللاتينية منتشرة بين البربر؟
- نعم، أنا أعتقد أن بعض الكتاب القبائليين يكتبون بالحروف اللاتينية. القبائليون هم أكثر من كتب بالحروف اللاتينية ولكن جرت محاولة الكتابة بالحروف العربية في الماضي. قبل 200 - 300 سنه كان البربر يكتبون بالحروف العربية ونعلم أن القرآن ترجم إلى البربرية من العربية إلا أنها دمرت كلها ولن نحصل عليها ابدا.
- ألا يمكن الحصول على تراجم القرآن إلى البربرية في فرنسا مثلاً؟
- لا، لأنها تراجم تعود لمئات عديدة من السنوات، أثناء حكم المراودين والمرابطين. أنا اطلعت على قاموس بربري مغربي بالحروف العربية لمؤلفه محمد شفيق، الذي صدر عام 1989 عن الأكاديمية الأمازيغية في المملكة المغربية ورأيت ايضا شعرا طارقياً بالحروف العربية.
- إلى أي فترة تعود هذه الأشعار؟
- إلى عدة قرون مضت وتوجد بضعة مخطوطات قديمة تم الاحتفاظ بها.
- إلا أننا نلاحظ رغم كل ذلك أن كاتبا بربريا مشهورا مثل كاتب ياسين لم يكتب بالبربرية مستخدما الحروف اللاتينية، مفضلا الفرنسية. وإن هذا حدث لأنه لم يعتد الكتابة بالبربرية “الملتننه” إن جاز التعبير أو اللاتينية.
- أنا أستطيع أن أُريكَ روايةً قبائلية، مكتوبة بالبربرية اللاتينية، إضافة إلى ذلك فقد جرت محاولة ثالثة مختلفة تماما وأعني بها الكتابة بالحروف الليبية القديمة، التي يستخدمها الطوارق في ليبيا والجزائر والنيجر حتى وقتنا الحالي. يسمي الطوارق هذه الأبجدية الليبية تيفيناغ. نعم إنه كنوع من إتحاد للهوية البربرية.
وبهذه الطريقة يحصل البربر على أبجديتهم الخاصة بهم. في مالي والنيجر، حيث أغلب السكان من البربر تم الاتفاق على أن تعتمد أبجديتهم على الحروف اللاتينية لأنه من الضروري أن يكون لهم أبجدية واحدة وأسلوب واحد للكتابة المتشابهة في كل المناطق.
- كيف تم الاتفاق على ذلك؟
- كان ذلك إلهاما من منظمة اليونيسكو.
- وكيف الحال بالنسبة للجزائر؟
- إنهم لم يتخذوا مثل هذا القرار، لم يرغبوا الاشتراكَ في هذا البرنامج، ولكن في السنوات الأخيرة جرى حديث عن موافقة تدريس اللغة والتقاليد البربرية في المدرسة.
- لماذا رفضت الحكومة هذه البرامج؟
- بسبب الحفاظ على الوحدة الوطنية، وهي مشكلة كبيرة في كل الدول العربية، التي تعتبر اللغة العربية الفصحى اساسا ولكنها لغة قائمة بحد ذاتها، لا يتحدث بها أحد لأن كل الشعوب العربية تتحدث باللهجات، ولهذا فإن الأطفال في حقيقة الأمر يتعلمون لغة جديدة عليهم عندما يبدأون الدراسة في المدرسة.
- ولكن هناك أيضا من يعتقد أن “لتننة” البربرية واستخدام البربرية “الملتننة” سيكون مشكلة معقدة بالنسبة لحاضر الأجيال الجزائرية ومستقبلها، التي حصلت على دراساتها وشهاداتها باللغة العربية والفرنسية لأنه سيكون من الصعب عليها الاستغناء تماما عن العربية والبدء بالعمل والدراسة فقط باللغة البربرية “الملتننة”. إن هذا يعني أنهم يبدأون من جديد، من الصفر في حالة تخليهم أو رفضهم العربية والاعتماد كليا على اللغة الجديدة البربرية “الملتننة”. سيكون من الصعب الحصول على الكتب التعليمية والمصادر العلمية بهذه اللغة الجديدة، وطبعا ليس من السهل تجنب العربية والفرنسية أو الاستغناء عنهما، لكنه أمر غير مستحيل إذا أصر المرء على عمل ذلك، لكنه مكلف ماديّاً ومعنوياً لأنه قرار غير متفق عليه من قبل الجميع وسيسبب الفوضى السياسية.

اللغة العربية أصبحت مهمة جدا وتعلمها يغني الإنسان بالوصول إلى العديد من المصادر وإلغائها يعني خسارة كبيرة بالنسبة لأولئك الذين يستخدمونها ويقرأون بها الكتب. إضافة إلى ذلك فإن هناك من يشعر بصعوبة فهم أن يتعلم قسم من الشعب لا يشكل الأغلبية لغةً جديدة ويهمل لغة القسم الأكبر الذي يشكل الأغلبية، لا سيما وأن هذا القسم الصغير لا يعيش فقط في مناطقه الخاصة به لوحده، بل منتشر أيضاً في عدة أماكن. منظمة اليونيسكو مثلا بذلت جهودا كبيرة في توحيد اللهجات البربرية وتكوين أبجدية لاتينية للغة بربرية جديدة موحدة، بينما هناك من يقترح على العرب تكوين لغات جديدة اعتمادا على اللهجات العربية. إنه موقف متناقض.

هناك من يعتقد بأنه سيكون من الصعب تدريس البربرية محل العربية كبديل عنها، وقد يكون من المناسب أن أذكر لهجات جزيرة جوتلاند أو بورنهولم الدنمركيتين مثلا يمكن أن تكوّنَ لغةً جديدة بحد ذاتها، يا ترى ماذا سيكون لو استغنى سكان بورنهولم عن الدنمركية تماما وركزوا على لغتهم الجديدة؟ وماذا سيكون الأمر لو أنهم، لنفرض مثلا، اتخذوا بعض الحروف العربية أو الكيريلية أبجدية جديدة لهم؟ طبعا ستتعدد اللغات في الدنمرك وستظهر صعوبات في التفاهم بين الناس والأجيال الجديدة إن لم يتعلموا لغة واحدةً إضافة إلى لغتهم الأصلية التي يستخدونها في البيت.
قبل ايام وانا أكتب هذه المقابلة قال لي أحد معارفي الدنمركيين الذين يدرّسون اللغة الدنمركية للأجانب: هل يمكن لك أن تتصور ماذا يمكن أن يحدث لو أنّ سكان جزيرة جوتلاند مثلا يرفضون أن يتعلموا الدنمركية ويقرروا دراسة لهجاتهم فقط في المدارس والجامعات؟
ثم أردف ضاحكا وماذا سيحدث لو أن الأجانب المقيمين في الدنمرك سيجبرون على تعلم لهجات الجزر التي يسكنون فيها بدلاً من الدنمركية الواحدة؟ أجاب زميلي نفسه على هذا السؤال قائلا: طبعا ستحدث فوضى يخسر فيها الجميع أكثر مما يربحون. سيخسر الناس المصادر الرائعة المكتوبة باللغة الدنمركية وسيجد الطلبة والناس صعوبةً في إعادة التأهيل بلغة جديدة إذا لم يتعلموا اللغة الدنمركية.
وسيلاقي الطلبة الدنمركيون المقيمون في جزيرة جوتلاند أو بورنهولم أو فُوين مثلا مشاكل كبيرةً في تعلم لغتهم الأم إذا ما اقتصرت دراستهم على لغة أهل الجزيرة فقط. هذا افتراض لكنه قابل للتحقيق إذا ما خصصت المؤسسات الأممية له الأموال والمصادر.
- لا توجد لدينا نصوص مكتوبة بلغة جزيرة جوتلاند، كان ذلك موجودا في السابق ولكن ليس في الوقت الحاضر.
- إذن فقد يرى بعض الناس بأنه من الضروري تدريس لهجات أو لغات الجزر الدنمركية في المدارس الدنمركية. هناك من يرى أن هذا سيؤدي إلى إهدار الوقت خاصة إذا كانت اللهجات محلية وغير ضرورية للآخرين.
- أنا تعلمت قسما من هذا في المدرسة الثانوية، وبالذات قرأت أشعارا قديمة لشاعر من جزيرة جوتلاند اسمه ستين ستينسن بليخَر.
- متى كان ذلك؟
- كان ذلك من1945 حتى 1948
- هل تعني بأنك تعلمتَ الجوتلاندية كلغة بحد ذاتها؟
- لا، كان من الضروري أن نطلع عليها مثلما كان علينا أن نطلع على اللغات السويدية والنرويجية والألمانية.
من الضروري أن أقول إن المرء ليس له المصادر الكافية لكي يبدأ بمثل هذا المشروع. إنه مشروع يتطلب أموالاً طائلةً لتعليم الكتّاب كيفية كتابة الكتب المدرسية وتأليفها بهذه اللغة، إضافة إلى ذلك فإنه لا توجد في الجزائر رغبة سياسية حقيقية لتحقيق ذلك. وهذا يترك ثرا كبيرا. في مالي والنيجر تسير الأمور أفضل قليلا، ولكن في المقابل فإنهما من أفقر بلدان العالم، واعتقد أن النيجر أفقر بلد في العالم.
- هل يستلمان مساعدات من اليونيسكو؟
- لا، لا يستلمان مساعدات من اليونيسكو، إلا انهما يحصلان عليها من منظمة دي. أس. إي DSEالألمانيه، حيث لديها مشروع بدأت به وتقوم بتعليم مؤلفي الكتب المدرسية. وأنا معهم في مجموعة المشروع الزراعي وسط النيجر، حيث سيتم التعليم في مدرسة تجريبية بالطارقية والفلّانية والهَوسا ثم وبالتدريج يتم الانتقال إلى اللغة الفرنسية، لغة الحكومة الرسمية.
- ولكن يعتقد بعض الاختصاصيين ان مثل هذا الأمر يمكن أن يربك الأطفال والتلاميذ، بالضبط مثل الأطفال الأجانب في الدنمرك مثلا إذا ما بدأوا تعليمهم بلغاتهم الأم. السياسيون الدنمركيون لا يشجعون كثيرا بل لايهتمون بتعليم الأطفال الأجانب لغاتهم الأم ساعة أو ساعتين في الأسبوع، فكيف لو اقترح بعضهم تطبيق طريقة النيجر في المدارس الدنمركية؟ سيزداد عدد اللغات وستختفي لغة مهمة تعين الأطفال في التحصيل العلمي وسيكون مستوى معرفتهم للغات التي يتعلمونها سطحيا كما هو الحاصل عند بعض الأطفال الأجانب مثلاً حسب رأي المتخصصين الدنمركيين.
بعض الاختصاصيين الدنمركيين يعتقد بأن الأطفال الأجانب في الدنمرك يجب ان يتعلموا الدنمركية مثل أترابهم الدنمركيين بدءاً من دخولهم رياض الأطفال لكي لا يواجهوا مشاكل تعلمها في المدارس. وبعض المسؤولين الدنمركيين يرفض تعليم الأطفال الأجانب لغة الأم وقسم آخر لا يعارض.

المدرسون الدنمركيون يشكون من المدارس التي يكوّن ألأطفال الأجانب فيها نسبةً كبيرةً بحجة أن مستواهم ضعيف رغم أنهم، أو أغلبهم يتحدثون الدنمركية بطلاقة وبدون لكنة كبيرة، فماذا يمكن أن يحدث وماذا سيكون رد فعل المدرسين الدنمركيين لو أن هؤلاء الأجانب طالبوا بتعليم ابنائهم بلغاتهم الأم ولهجاتهم في السنوات الثلاث الأولى؟
- أنا أعتقد أنه يجب على المرء أن يتعلم لغة الأم قبل البدء بالتعلم بالدنمركية.
- لنرجع إلى كتبك. ماذا عن كتبك عن اللغة البربرية؟ هل يمكن استخدامها كمواد تعليمية في مالي والنيجر؟
- لا أعلم بذلك. أغلب كتبي عن البربرية مكتوب باللغة الفرنسية. هم بحاجة إلى كتب اولية لدراسة البربرية.
- لكنك ألّفتَ كتبا أوليةً لتعليم اللهجة العربية القاهرية.
- نعم، هذا صحيح لأن طلابي أرادوا أن يتعلموا اللهجة القاهرية ولهذا فقد بدأت في الخمسينات بتجميع المواد وأعددت في السبعينات بعض النصوص التي استخدمتها، ولكن في الحقيقة أني أصدرتها لأول مرة في الثمانينات.
- ألفتَ كتبك عن اللهجة القاهرية، هل تتمنى أن يتعلم كل الأطفال العرب هذه اللهجة بدلاً من العربية الفصيحة؟
- لا، فقط في مصر.
- لكنك تعلم جيدا بأن أطفال الصعيد مثلا يتحدثون لهجةً أخرى، لماذا إذن عليهم أن يتعلموا لهجة أخرى؟
- اللهجة القاهرية مفهومة في كل مصر وخاصة الشمال. ولكن أقول مرة ثانية هذا ضد السياسة العربية لأنهم مهتمون باللغة العربية المكتوبة والنتيجة هي أن هؤلاء الأطفال المساكين يصبحون مربكين عندما يبدأون تعلم هذه اللغة الميتة في المدارس.
- دعني أقول لك إنه يبدو للناس بأن تعليم اللهجات العربية بدلاً من اللغة العربية الفصحى في المدارس العربية حتى يومنا هذا مثل الحلم، لأنها مسألة معقدة للغاية وتؤدي إلى خسائر معنوية علمية ومادية وضياع أجيال عديدة، حصلت على تعليمها بالفصحى. إنه من الصعب جداً شطب الفصحى والبدء من جديد بتعلم اللهجات والاعتماد عليها في التعليم بدلا من العربية.
بالتاكيد هناك اختلافات بين اللهجات العربية، إلا أن هذا لا يحدث بسبب الفرق بين العامية والفصحى فحسب، بل أيضا بسبب السياسة العربية التعليمية السيئة والمتخبطة وطبعا عدم وجود الاستقرار والتعاون بين المؤسسات التعليمية والسياسية.
- أنا أعني بأن الأطفال يمكن لهم بعد ثلاث سنوات من دراسة اللهجة أن ينتقلوا لتعلم اللغة العربية الفصحى وبالتدريج وبسهولة لأنهم يعرفون اللهجة، التي يجب أن يعتمدوا عليها في التعليم.
- أعتقد أنه لا خلاف حول الفرق بين العامية والفصحى في أغلب اللغات بما فيها العربية، لكنها نعمة كبيرة بالنسبة للعرب أنهم يتكلمون لهجات من أصل واحد أو على الأقل يقرأون ويكتبون لغةً واحدةً. أما بالنسبة للأطفال فهم في حقيقة الأمر يستمتعون بتعلم اللغة العربية الفصحى في المدارس العربية رغم سوء أساليب التعليم حسب رأي الكثيرين والاختلاف الكبير بين الفصحى والمحكية.
وأرى أنهم يواجهون طبعا صعوبات كبيرة في هذا المجال لكنها على اية حال تذكرنا بتلك التي يلاقيها الأطفال الذين يدرسون اللغة الدنمركية المكتوبة وخاصة التهجئة. لقد سنحت لي الفرصة ان أطلع على المدارس العربية في أكثر من بلد عربي ولاحظت أن الأطفال لديهم قابلية الفهم والحفظ طبعا ليس بدون متاعب.

ووجدت بعضهم يجيد الفصحى لأن محطات التلفزيون تنقل لهم أفلام الرسوم المتحركة بالعربية فقط والمسلسلات المدبلجة. بل إن رغبة الناس في متابعة المسلسلات المدبلجة والأغاني بالفصحى يشير أيضا إلى عدم نفورهم منها، بل تعلقهم بها. لقد اصبح في السنوات العشر الأخيرة من الممكن والعادي مناقشة موضوع العلاقة بين الفصحى والعامية على كل الأصعدة، إلا أنها لم تصل إلى مستوى تغيير العربية وإجراء الإصلاحات عليها كما هو الحال مع النرويجية مثلاً وأغلب الناس يرون أنه من الضروري المحافظة على الفصحى وقواعدها وتسهيلها ولكن مع ضرورة تعلّم اللهجات وتعديلها أو تنقيتها وإدخال بعض كلماتها في قاموس الفصحى.
ويجب أن نأخذَ بنظر الاعتبار بأن التعليم والإعلام والتنظيمات السياسية والمؤسسات الاجتماعية تلعب دورا كبيرا في التقريب بين اللهجات العربية والفصحى.
يرى بعض الاختصاصيين بأن المواطن العربي أصبح أكثر قدرة على استخدام الفصحى أو اللهجة المفصحة وأكثر قابلية على فهم ما يُقال لهم وما يسمعون بالفصحى. لقد عملت الفضائيات العربية على التقريب بين اللهجات العربية من جهة وتسهيل الفصحى أو تبسيطها من جهة أخرى.
المشكلة طبعا كبيرة بالنسبة لبعض الأجانب المتخصصين بالعربية، الذين إما لا يفهمون كل اللهجات العربية أو لا يفهمون الفصحى أو لا يجيدون الكلام بالعربية معتمدين على القراءة فقط، ولهذا فإن هؤلاء لا يستطيعون أن يروا الفرق بين مستويات الحديث بالعربية، فالعربي المتعلم أصبح اليوم يتحدث لغةً عربيةً "وسط"، تقع بين الفصحى والعامية. طبعا هناك بعض الاختصاصيين الأجانب ممن يجيدون الفصحى العربية ويشاركون في بعض الندوات التلفزيونية ويشتركون في مناقشة مختلف القضايا.
يرى بعض الاختصاصيين بأن تطور التعليم والمؤسسات الاجتماعية يمكن أن يلعب دورا كبيرا في خلق لغة عربية حية بالاعتماد على القواعد العربية المبسطة ولكن ليس على لهجة معينة لأنه أمر مرفوض اليوم وصعب التحقيق والمنال ويؤدي إلى خسائر أكثر من الفوائد.
وتشير أغلب الآراء إلى أن تعلم النحو العربي المبسط أمر أكثر منطقية من تأسيس قواعد للهجات العربية ومن ثم تعلمها لأن الاختلافات فيها نسبية ومتنوعة جدا من منطقة إلى أخرى وهذا يشمل المورفولوجيا “نظام الصرف” والأصوات وغيرهما من أنظمة اللغة.
ولهذا فإن تسهيل العربية وتبسيط تعليمها وخلق ما يسمى باللغة العربية المعاصرة أفضل بكثير من التخلي عنها أو إهمالها واللجوء إلى لغات أخرى. إن مصطلح اللغة العربية المعاصرة غير متداول كثيرا في الأوساط اللغوية العربية. علماء اللغة الروس مثلاً يستخدمون كثيرا مصطلح اللغة الروسية المعاصرة، وإذا اردنا أن نطبق هذا المصطلح على اللغة العربية مثلا فعلينا ان نجري إصلاحات في عدة جوانب سبق وأن تحدثنا عنها، قد يكون قسم منها مشابهاً لتلك الإصلاحات التي يمكن إجرائها على اللغة الدنمركية من حيث الكتابة فكما قلنا سابقا إن هناك اختلافا كبيرا بين اللفظ والكتابة.
- بالنسبة للأطفال فأنا أعتقد بأنه من الأفضل لهم تعلم لهجاتهم.
- كلام رائع! لقد استخدمتَ الكتابة بالحروف اللاتينية في كتبك عن اللهجة القاهرية، هل تريد أن يتعلم الأطفال المصريون لغتهم بالحروف اللاتينية؟ وإذا كان هذا هو ما تريده فإن النتيجة ستكون أنهم سيفقدون الحروف العربية.
- إذا كان الأطفال العرب أو المصريون هم الذين سيتعلمون اللهجة القاهرية، فإنهم من الطبيعي يجب أن يتعلموها بالحروف العربية لكي يسهل الانتقال إلى الفصحى. أما الكتابة بالحروف اللاتينية فهي لمجرد مساعدة الأوروبيين في دراسة اللهجة وتعلمها وهي “كتابة الكلمات العربية بالحروف اللاتينية” طبعا طريقة دقيقة جدا ومضبوطة إذا ما اراد المرء أن يكتب بحوثا في هذه اللغة لأنه لا يمكن للمرء كتابة العلامات المضبوطة بالحروف العربية.
- أعتقد أنه من الصعب كتابة العلامات أو الأصوات العربية حسب اللهجة القاهرية أو اللهجات الأخرى وحسب الأسس التي إعتمدتها في كتبك عن اللهجة القاهرية، سيكون من الصعب عمل ذلك بالحروف العربية الكلاسيكية، ولهذا لا بد للمرء من استعارة بعض الحروف من لغات أخرى.
أنت اخترت اللاتينية والرموز بالنسبة للأوروبيين، لكن هناك أمورا كثيرة يمكن نقاشها والاختلاف عليها، أما بالنسبة للعرب والمصريين فإن الموضوع يحتاج إلى نقاش طويل. فمثلاً أنك استخدمت كلمة “التانيه” بدلا من “الثانية” لأنها لا تلفظ بهذا الشكل في مصر، بينما كتبت كلمة “نقول” كما في الفصحى وليس “نئول” كما تلفظ بالمصرية ونفس الشيء يقال بالنسبة للجيم المصرية مثل”جغرافيه”حيث كتبتها كما في الفصحى وليس كما تلفظ.
هناك بعض الكتاب العرب الذين كتبوا في هذه المناسبة أو تلك عن ضرورة “لتننة” اللغة العربية كما هو الحال في التركية، أنا أقصد أنهم فكروا بكتابة اللهجات العربية باللاتينية، وأن سعيد عقل له محاولات في هذا الميدان.
- أنا لم أسمع ولم ألتقِ أبدا بباحث ما يريد أن يقوم بمثل هذه المهمة، لكن طبعا كانت هناك بعض الآراء في الدول العربية بأنه من الضروري استخدام اللاتينية، إلا أن نظام حروف العلة عندهم، بل كل نظام اللغة يختلف عن العربية.
- لقد غير الأذربيجانيون حروفهم إلى الروسية بعد ثورة البلاشفة، ولكنّ قسماً منهم يُريدُ في الفترة الأخيرة الانتقال إلى الحروف اللاتينية بسبب عدائهم للغة الروسية "الإمبريالية".
أما الأتراك فإنهم غيروا حروفهم رغبة منهم في الاندماج بأوروبا والغرب ولم يساعدهم هذا حتى وقتنا الحاضر، بل بالعكس عقّد هذا الحل الوضعَ لدى الشخصية التركية وهويتها وهذا ما أكدته وتؤكده الأحداث السياسية والدينية في هذه البلاد.
أما من الناحية اللغوية فإن الحروف اللاتينية ليست أفضل حل بالنسبة للغة التركية ولا تزال هناك مشاكل لغوية حتى الآن وفقدوا حروفا عربية كانت موجودة عندهم مثل الغين والعين وغيرها ولهذا فإن التركماني العراقي مثلا أقدر من التركي في لفظ كلمات مثل علي وعباس وغريب مثلا لأنه يعرف التركية كما هي وليس التركية اللاتينية.
اعتقد أنها سياسة لغوية سيئة تلك التي، تعتمد على التعصب والتطرف والتحيز حسب تقلّب الأوضاع السياسية وتغييراتها لأنها قد تقود الأجيال إلى إرباكات لغوية كبيرة. أرى أنه من المفيد ان أذكر على سبيل المثال أن الأرمن والجيورجيين لم يغيروا حروفهم إلى الروسية واحتفظوا بأبجدياتهم التاريخية القديمة.
اللغة العبرية كادت أن تصبح محدودة لولا إحيائها والاهتمام بها. إذا قامت كل الشعوب بإزالة أبجدياتها الأصلية والاستغناء عنها واستبدالها بأبجديات أخرى تحت مختلف الذرائع، فإن هذا يعني أنها ترمي التاريخ في سلة المهملات إن لم نقل في المزبلة.
- أهم شيء هو أن تكون هذه الأبجديات مناسبة لها كما هو الحال مع الحروف العربية التي تناسب اللغة العربية بشكل جيد.
- وكيف الحال بالنسبة للغة الفارسية، هل تناسبها الحروف الأبجدية العربية؟
- لا، لأن نظام حروف العلة عندهم لا يتطابق مع العربي لكن لا توجد مشكلة مع الحروف الساكنة في الفارسية.
- إذا أردنا أن نبدأ بتأسيس لغة بغدادية فسيكون من الصعب عمل ذلك بسبب اختلافات اللفظ بين سكانها، وإذا أردنا ان نلتزم بحذافير اللهجات العراقية كلها في الشمال والجنوب والوسط فإننا سنحصل على صعوبات كبيرة للغاية والنتيجة هي مشاكل الناس في تعاملهم فيما بينهم. وهذا الأمر ينطبق على أغلب الدول العربية، بل أغلب لغات العالم بما فيها الدول الأوروبية.
- الوضع في مصر يختلف طبعا لأن اللهجة القاهرية تم استخدامها كثيرا في الراديو والتلفزيون، لدرجة أن الشعب المصري كله يعرفها، ولكن طبعا أن اللهجة في جنوب مصر تختلف عن القاهرية، حيث يتكلم الناس هناك بلهجة تشبه العربية السودانية.
- المتعلمون العرب مثلا لا يلاقون كما أسلفت مشكلة في الحديث بمحكية "مفصحة"، تقع بين الفصحى والعامية، ولهذا فإن اللهجة اخذت "تتراجع" وتصبح ثانوية في بعض مناطق الدول العربية التي يحصل أهلها على تعليم جيد وأساليب إعلامية بالمستوى المطلوب ومشاركة حقيقية في المؤسسات السياسية والاجتماعية.
لقد شهدت بنفسي في إحدى الدول العربية كيف تعلم الناس العاديون أن يمسكوا بالسمّاعة ويتكلموا بصوت عالٍ لفترات طويلة باللغة الفصحى أو بمحكية قريبة من الفصحى. لكني أقول لك إن الحالة اللغوية العربية لا يمكن وصفها من حيث الفوضى. يكفي أن أقول إن عدد مدرسي اللغة الدنمركية للأجانب مثلا قد يفوق مدرسي اللغة العربية للأجانب بالأضعاف. وإن الإعلانات وقطع العناوين والأسماء والمصطلحات العربية تُكتب خطأ والخ من المظاهر اللغوية المتخلفة. وهذا دليل على الإهمال والتخبط مما لا يمكن لك أن تراه في الدنمرك أو الدول المستقرة الأخرى.
لقد حصلت اللغة الروسية تطورا خياليا في العهد السوفييتي، لدرجة أن محمد علي كلاي قال عنها عندما زار موسكو: “لم أقرأ أي شيء باللغة الإنجليزية، كل شيء باللغة الروسية”. لقد كان مستوى الناس العاديين والأطفال اللغوي عاليا جدا، إلا أن الحال اليوم ليس كذلك بسبب الغزو الثقافي الغربي وسوء الأحوال.
- من الضروري عمل لهجة مقبولة، كما هو الحال بالنسبة للطوارق، الذين لديهم سبع لهجات مختلفة.
- تم اختيار لهجة واحدة للطوارق لكي يمكن توحيدهم وليس لتفرقتهم، والعرب لا يريدون الإقرار باللهجات لأنها يمكن أن تفرقهم وتنسيهم لغتهم العربية ولكنهم يستخدمون اللهجات في الحوارات الروائية والقصصية والمسرحيات العربية.
- نعم، في الروايات العربية المعاصرة فإن أكثر الحوارات تكتب باللهجات أو بنوع من الترجمة الكلاسيكية من اللهجة، وإضافة إلى ذلك فإن المصريين كتبوا مسرحيات كثيرة بالعامية.
- لم يكن مقبولا نظريا قبل الخمسينات كتابة حوارات الروايات بالعامية، وأول من قام بذلك وبشكل شائع هم الكتاب الواقعيون بعد الخمسينات.
- في مصر كان من الممكن في الثلاثينات كتابة المسرحيات باللهجة المصرية.
- صحيح، أنا أفهم هذا جيدا، ويمكن العثور على أعمال أدبية مكتوبة حواراتها أو نصوصها بالعامية أو بلغة ذلك الزمان، التي تقرب من العامية في كل الدول العربية في العشرينات والثلاثينات، إلا أني أعني أن فكرة استخدام اللهجة كمبدأ أو كمقومة مهمة من مقومات العمل الأدبي بدأت عند الواقعيين في الأربعينات والخمسينات. أنت تعلم أن العامية عُدّت من قبل المحافظين لغة واطئةً، ولا زال العديد منهم من يرفضها وينكر وجودها ولا يستسيغها. الكتاب العرب الأوائل كتبوا قصصهم بلغة فصحى ولكنها لغة ايام زمان مليئة بالعامية، وأنها لغة تختلف عن لغة الناس اليومية في وقتنا الحالي.
- نعم، لايزال الكتاب في مصر حتى الآن يكتبون المسرحيات الكوميدية بالعامية بينما الفصحى للأعمال الجدية.
- هل ترى أنه من الضروري تعليم العرب اللهجة المصرية لكي يفهموا المسرحيات الكوميدية؟
- لا، لا أعتقد ذلك. المغاربة يفهمون اللهجة المصرية ولكن المصريين لا يفهمون اللهجة المغربية،
- هل يجب ان يتعلم المصريون اللهجة المغربية؟
- طبعا لا، لكن يوجد في المدن المغربية الكبيرة مثل الدارالبيضاء أو الرباط لهجة واحدة ومعروفة يمكن أن يتم اختيارها كلهجةٍ عامة للجميع في المغرب.
- هل صدرت قبل كتابك عن اللهجة المصرية كتب أخرى باللغة الدنمركية؟
- لا، إنه في الحقيقة أول كتاب باللغة الدنمركية عن اللهجة المصرية واضافة إلى ذلك فقد أصدرتُ مجموعة نصوص وحكايات شعبية من القاهره مثل “الحاج درويش وأم اسماعيل” وهما شخصيتان من القاهره يحكيان قصصاً حياتية وجُمعت في كتاب وقمتُ بكتابتها بالحروف اللاتينية. واريد في الوقت الحاضر إصدار خمسة نصوص مسرحية كمقدمة للمسرح المصري.
- أنا أعلم جيدا بأنه هناك العديد من الكتب عن اللهجة المصرية صدرت باللغات الأوروبية الأخرى، هل لديك وجهات نظر مختلفة عنهم؟
- ليس تماما. أنا لدي طريقتي الخاصة في الكتابة باللاتينية. هذه الطريقة قريبة جدا من الكتابة العربية بحيث يكون من السهل معرفة الكلمات والحصول عليها في القاموس العربي.
- أنا أعلم أن الروس والمستشرقين السلافيين يستخدمون بعض حروفهم الكيريليه مثل الخاء والشين والقاف العراقية والصعيدية والفارسية والجيم الشامية والكردية والتشيم الفارسية والتركية والعراقية وغيرها في كتابة الحروف الموجودة في العديد من اللهجات العربية فتسهل مهمتهم، هل هناك اختلافات مثلاً بينك وبين المتخصصين الأوروبيين الآخرين في هذا المجال؟
- لا، ليس كذلك. يوجد في الوقت الحالي اتفاق تام حول نظام اللهجات ولكن يمكن أن تحدث خلافات حول اللهجات المغربية والتونسية فهي تتطلب عملا كثيرا حتى وقتنا الحاضر.
- بروفيسور كارل براسه، شكرا جزيلا على الحوار المفيد وشكرا لأنك خصصت قسماً من وقتك لنا رغم إنشغالك.
- شكراً لك أيضاً عى جهودك في الترجمة من الدنمركية للعربية وتحياتي إلى قراء العربية الذين أعتز بهم.



#زهير_ياسين_شليبه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اللغة البربرية في حوار مع البروفيسور الدنمركي كارل براسه الم ...
- بمناسبة الذكرى الرابعة والثلاثين لرحيل الكاتب العراقي غائب ط ...
- بمناسبة الذكرى الرابعة والثلاثين لرحيل الكاتب العراقي غائب ط ...
- الغرباء وغسل العار
- موعد ترجمه
- موعد ترجمة
- مسودَن العراق
- حمام الدار للكويتي سعود السنعوسي: المضمون والبنية وطرق السرد


المزيد.....




- “المؤسس يواصل الحرب”.. موعد مسلسل قيامة عثمان الموسم السادس ...
- المسرح الجزائري.. رحلة تاريخية تجمع الفن والهوية
- بفعاليات ثقافية متنوعة.. مهرجان -كتارا- للرواية العربية ينطل ...
- حديقة مستوحاة من لوحة -ليلة النجوم- لفان غوخ في البوسنة
- عودة الأفلام الرومانسية إلى السينما المصرية بـ6 أعمال دفعة و ...
- عائلات وأصدقاء ضحايا هجوم مهرجان نوفا الموسيقي يجتمعون لإحيا ...
- كيف شق أمريكي طريقه لتعليم اللغة الإنجليزية لسكان جزيرة في إ ...
- الحلقة 2 الموسم 6.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 166 كترجمة على ...
- مهرجان نوفا للموسيقى: قصص لم تُروَ من قبل ناجين من هجوم حماس ...
- لأول مرة.. الكشف عن مخطوطات قديمة من مكتبة خان القرم


المزيد.....

- إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ / منى عارف
- الخلاص - يا زمن الكلمة... الخوف الكلمة... الموت يا زمن ال ... / السيد حافظ
- والله زمان يامصر من المسرح السياسي تأليف السيد حافظ / السيد حافظ
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال ... / مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
- المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر ... / أحمد محمد الشريف
- مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية / أكد الجبوري
- هندسة الشخصيات في رواية "وهمت به" للسيد حافظ / آيةسلي - نُسيبة بربيش لجنة المناقشة
- توظيف التراث في مسرحيات السيد حافظ / وحيدة بلقفصي - إيمان عبد لاوي
- مذكرات السيد حافظ الجزء الرابع بين عبقرية الإبداع وتهمي ... / د. ياسر جابر الجمال
- الحبكة الفنية و الدرامية في المسرحية العربية " الخادمة وال ... / إيـــمـــان جــبــــــارى


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زهير ياسين شليبه - اللغة البربرية في حوار مع البروفيسور الدنمركي كارل براسّه المتخصص باللغتين البربرية والعربية