|
-نهج حقوق الإنسان: هل هو الإطار المثالي لتحقيق العدالة الاجتماعية؟-
خليل إبراهيم كاظم الحمداني
الحوار المتمدن-العدد: 8084 - 2024 / 8 / 29 - 02:47
المحور:
حقوق الانسان
- يشكل نهج حقوق الإنسان إطارًا شاملًا وعمليًا لتحقيق التنمية البشرية، ويستند إلى المبادئ الأساسية للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ويؤكد على شمولية الحقوق وعدم قابليتها للتجزئة. ينطلق هذا النهج من مبدأ أن جميع الأفراد متساوون في الكرامة الإنسانية ولديهم الحق في التمتع بحياة كريمة وخالية من التمييز. - في هذه الورقة ، سنقوم بتسليط الضوء على مفهوم نهج حقوق الإنسان وأهميته، ثم سنتناول تطبيقاته العملية في مجالات الصحة والتعليم وسياسات التشغيل، بالإضافة إلى مناقشة كيفية دمجه في قضايا الأشخاص ذوي الإعاقة. 1 مفهوم نهج حقوق الإنسان وأهميته في السياق الدولي 1.1 تعريف نهج حقوق الإنسان: - نهج حقوق الإنسان هو أكثر من مجرد مجموعة من المبادئ الأخلاقية؛ إنه إطار عمل عالمي يُستخدم لتوجيه السياسات والبرامج التنموية والسياسية والاجتماعية. يشمل هذا النهج مجموعة من القيم والمبادئ التي تركز على الكرامة الإنسانية، والحرية، والمساواة، والعدالة الاجتماعية، مما يجعله أداة قوية لتعزيز حقوق الإنسان في مختلف السياقات. يتجاوز هذا النهج كونه مجرد آلية قانونية أو أخلاقية ليصبح آلية عملية تُستخدم لتفعيل حقوق الإنسان على أرض الواقع. 1.2 التركيز على الأفراد: - يعتبر نهج حقوق الإنسان الأفراد أساس كل عملية تطوير أو إصلاح اجتماعي. بدلاً من أن يُنظر إليهم كمستفيدين سلبيين من برامج التنمية، يضع هذا النهج احتياجاتهم وتطلعاتهم في قلب السياسات والبرامج. يشجع هذا النهج على تصميم السياسات والبرامج التي تركز على رفاهية الإنسان من خلال تقييم تأثير هذه السياسات على حقوق الأفراد. لذا، يصبح الأفراد شركاء فاعلين في صنع السياسات بدلاً من أن يكونوا مجرد متلقين لها. 1.3 المساءلة والشفافية: - يمثل مبدأ المساءلة والشفافية حجر الزاوية في نهج حقوق الإنسان. فالحكومات والمؤسسات مسؤولة عن احترام حقوق الإنسان وتعزيزها. يعزز هذا النهج من أهمية الشفافية في عمليات صنع القرار وتنفيذ السياسات، مما يضمن أن تكون العمليات مفتوحة للمراجعة والتقييم. يتيح هذا النهج الفرصة للمواطنين والمجتمع المدني لمراقبة أداء الحكومات والمؤسسات، ويطالبها بتحقيق معايير حقوق الإنسان. 1.4 المشاركة والتمكين: - يشجع نهج حقوق الإنسان على المشاركة الفعالة والتمكين. يُعترف للأفراد، وخاصة الفئات المهمشة، بحقهم في المشاركة في اتخاذ القرارات التي تؤثر على حياتهم. يعزز هذا النهج من قدرات الأفراد على المطالبة بحقوقهم والدفاع عنها، مما يضمن أن تكون السياسات والبرامج شاملة وتعكس احتياجات وتطلعات الجميع، وليس فقط الفئات الأكثر قوة أو نفوذًا. 1.5 عدم التمييز والمساواة: - إن مبدأ عدم التمييز والمساواة هو أحد الأسس الرئيسية لنهج حقوق الإنسان. يلتزم هذا النهج بحماية حقوق جميع الأفراد بدون تمييز بناءً على العرق أو الدين أو الجنس أو الوضع الاجتماعي أو أي عوامل أخرى. يعمل نهج حقوق الإنسان على إزالة العوائق التي تمنع بعض الأفراد من الوصول إلى حقوقهم الأساسية، ويشجع على إيجاد بيئة متساوية لجميع الأفراد للمشاركة في الحياة الاجتماعية والسياسية. 2 أهمية تبني نهج حقوق الإنسان: - يساهم تبني نهج حقوق الإنسان في تحقيق مجموعة واسعة من الأهداف التي تعزز من تطور المجتمعات وتضمن استدامتها. يتمحور هذا النهج حول المبادئ التي تساهم في تعزيز العدالة الاجتماعية، التنمية المستدامة، والسلام والأمن، مما يجعل تبنيه ضرورة ملحة في عالم اليوم. 2.1 تحقيق العدالة الاجتماعية: - يعد تحقيق العدالة الاجتماعية من أهم نتائج تبني نهج حقوق الإنسان. من خلال ضمان وصول جميع الأفراد إلى حقوقهم الأساسية، يتم تقليل الفوارق الاجتماعية والاقتصادية، مما يتيح للجميع فرصة متساوية لتحقيق طموحاتهم وتطلعاتهم. يعمل نهج حقوق الإنسان على معالجة جذور الظلم الاجتماعي من خلال تحسين الوصول إلى الخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة والعدالة، مما يضمن أن يتمتع جميع الأفراد بحقوقهم بشكل متساوٍ. 2.2 تعزيز التنمية المستدامة: - إن احترام حقوق الإنسان يعد ركيزة أساسية في بناء مجتمعات مستقرة ومزدهرة. يعتبر نهج حقوق الإنسان أداة فعالة لتحقيق التنمية المستدامة من خلال تعزيز المساواة والعدالة الاجتماعية. يساهم هذا النهج في إنشاء بيئة مواتية تتيح للجميع المشاركة في الحياة العامة والسياسية والاقتصادية على قدم المساواة. كما أنه يعزز من قدرة المجتمعات على التكيف مع التحديات المستقبلية من خلال بناء أسس متينة تقوم على احترام حقوق الإنسان. 2.3 تعزيز السلام والأمن: - من خلال تبني نهج حقوق الإنسان، يمكن تعزيز ثقافة السلام والأمن على المستوى الدولي. يعتمد هذا النهج على تعزيز الحوار والتفاهم المتبادل بين مختلف الأطراف، مما يساهم في منع نشوب النزاعات وتعزيز التعايش السلمي بين المجتمعات. يعمل نهج حقوق الإنسان على بناء جسور من الثقة والتعاون بين الحكومات والشعوب، مما يعزز من الاستقرار والسلم الاجتماعي. 3 تطبيقات عملية لنهج حقوق الإنسان: - لتبني نهج حقوق الإنسان تأثيرات مباشرة وملموسة على كيفية تصميم وتنفيذ السياسات والبرامج. يجب على الحكومات والمؤسسات المختلفة العمل على دمج هذا النهج في كافة جوانب عملها، من خلال: أ) التشريعات والسياسات العامة: ضمان أن تكون جميع التشريعات والسياسات العامة متوافقة مع معايير حقوق الإنسان الدولية، وتعزيزها بما يحقق المساواة والعدالة. ب) التعليم والتوعية: نشر الوعي بين المواطنين بحقوقهم وواجباتهم من خلال التعليم والتثقيف، بما يعزز من قدرتهم على المطالبة بحقوقهم والمشاركة في صنع القرار. ج) المراقبة والتقييم: وضع آليات فعالة لمراقبة وتقييم تنفيذ السياسات والبرامج بما يتماشى مع نهج حقوق الإنسان، لضمان المساءلة والشفافية. - يعد نهج حقوق الإنسان أداة قوية لتحقيق تغيير اجتماعي وسياسي واقتصادي شامل. من خلال التركيز على الأفراد، وتعزيز المساءلة والشفافية، وتشجيع المشاركة والتمكين، وضمان عدم التمييز والمساواة، يساهم هذا النهج في بناء مجتمعات أكثر عدالة واستدامة. لذلك، يتعين على الحكومات والمؤسسات الدولية والمحلية تبني هذا النهج بشكل كامل لضمان تحقيق أهداف التنمية المستدامة وتعزيز السلم والأمن على المستوى العالمي. 3.1 نهج حقوق الإنسان والحق في الصحة: 3.1.1 الحق في الصحة: - يُعدّ الحق في الصحة من الحقوق الأساسية التي نص عليها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ويعني التمتع بأعلى مستوى من الصحة البدنية والعقلية يمكن بلوغه. يشمل هذا الحق عناصر اساسية وكما يلي: أ) التوافر: أساس الرعاية الصحية الفعالة وهو الركيزة الأولى لضمان الحق في الصحة. يتطلب توفير عدد كافٍ من المرافق الصحية الفعالة والسلع والخدمات لجميع الأفراد دون استثناء. يشمل ذلك المستشفيات، والعيادات، والمرافق الصحية الأخرى التي يجب أن تكون موزعة بشكل عادل بحيث تغطي احتياجات جميع السكان. لضمان التوافر، يجب إجراء تحليلات دقيقة للبيانات المصنفة وفقًا لعدة عوامل مثل السن، والجنس، والموقع الجغرافي، والوضع الاجتماعي والاقتصادي. تتيح هذه التحليلات فهم الفجوات في التغطية الصحية والكشف عن التفاوتات التي قد تعيق حصول بعض الفئات على الخدمات الصحية. تساهم هذه البيانات في تحديد النقاط الحرجة التي تتطلب تدخلات عاجلة لتوسيع نطاق الرعاية الصحية. ب) إمكانية الوصول: إمكانية الوصول إلى الرعاية الصحية هي عنصر محوري لضمان أن تكون الخدمات متاحة للجميع. وتتضمن أربعة أبعاد رئيسية:
1. عدم التمييز: يتطلب الوصول إلى الرعاية الصحية أن تكون متاحة للجميع بغض النظر عن العرق، أو الجنس، أو الدين، أو الإعاقة، أو أي وضع آخر. يجب أن تعمل السياسات الصحية على القضاء على أي شكل من أشكال التمييز التي قد تعوق حصول الأفراد على الرعاية. 2. إمكانية الوصول المادي: يشمل هذا البعد توافر المرافق الصحية بشكل جغرافي مناسب، بحيث تكون قريبة من أماكن سكن الأفراد وتوفر وسائل النقل اللازمة للوصول إليها. ينبغي أن تكون المرافق الصحية مهيأة لاستقبال الجميع، بما في ذلك الأشخاص ذوي الإعاقة. 3. الإتاحة الاقتصادية (القدرة على تحمل التكاليف): يجب أن تكون الخدمات الصحية متاحة لجميع الأفراد بغض النظر عن قدرتهم المالية. ويتطلب ذلك وضع سياسات تضمن توفير الرعاية الصحية بأسعار معقولة، وتوفير برامج دعم للفئات الأكثر ضعفًا. 4. الوصول إلى المعلومات: ينبغي أن يكون لدى الأفراد القدرة على الوصول إلى المعلومات الصحية التي يحتاجونها لاتخاذ قرارات مستنيرة بشأن صحتهم. ويشمل ذلك المعلومات حول الخدمات المتاحة، وكيفية الحصول عليها، والمخاطر الصحية، وحقوق المرضى. - يتطلب تقييم إمكانية الوصول تحليل العوائق المادية والجغرافية والمالية وغيرها التي قد تعيق الفئات المهمشة من الحصول على الرعاية الصحية. كما يستلزم تطوير وتطبيق معايير واضحة في القوانين والسياسات لضمان إزالة هذه العوائق وتعزيز إمكانية الوصول. ج) المقبولية: احترام التنوع الثقافي والجنسي ، تتعلق المقبولية بمدى احترام الخدمات الصحية للمعايير الأخلاقية والثقافية، والتزامها بالمبادئ الأساسية لأخلاقيات مهنة الطب. يجب أن تكون الرعاية الصحية متوافقة مع الاحتياجات والتوقعات الثقافية للمجتمعات المختلفة، وتراعي التنوع الجنساني بما يضمن أن تكون الخدمات الصحية ملائمة لجميع الفئات. من الضروري أن تركز المرافق والسلع والخدمات الصحية على الإنسان، بحيث تراعي احتياجات الفئات المختلفة من السكان وتلتزم بالمعايير الدولية المتعلقة بالخصوصية والموافقة المستنيرة. يتطلب ذلك تدريب العاملين في المجال الصحي على التعامل مع التنوع الثقافي والجنسي وضمان أن تكون الرعاية المقدمة محترمة لكرامة الإنسان وحقوقه. د) الجودة: الركيزة الأساسية لتغطية صحية شاملة ، الجودة هي المكون الرابع والمحوري لضمان التغطية الصحية الشاملة. تشمل الجودة جميع الجوانب التي تجعل الخدمات الصحية فعالة وآمنة وقادرة على تلبية احتياجات الأفراد. ويجب أن تكون الخدمات الصحية معتمدة علميًا وطبياً، وتوفر بيئة صحية تحتوي على مياه مأمونة وصرف صحي مناسب. - لضمان الجودة، يجب أن تكون الخدمات الصحية: أ) مأمونة: تتجنب تعريض الأفراد لأي ضرر أثناء تلقيهم الرعاية الصحية.
ب) فعالة: تستند إلى الأدلة العلمية وتلبي احتياجات الأفراد بناءً على معايير طبية مثبتة. ج) متمحورة حول الناس: تركز على تقديم الرعاية التي تتناسب مع الاحتياجات الفردية للأشخاص. د) في التوقيت المناسب: تضمن تقديم الرعاية في الوقت المناسب لتجنب أي تأخير قد يؤدي إلى تفاقم الحالة الصحية. ه) منصفة: تضمن أن تكون الرعاية الصحية متساوية في الجودة للجميع، بغض النظر عن السن، أو الجنس، أو الإثنية، أو الإعاقة، أو الموقع الجغرافي، أو الوضع الاجتماعي والاقتصادي. و) شاملة: تقدم مجموعة كاملة من الخدمات الصحية التي تغطي مختلف مراحل الحياة من الطفولة إلى الشيخوخة. ز) ذات كفاءة: تضمن الاستفادة القصوى من الموارد المتاحة وتجنب الهدر، مما يعزز استدامة النظام الصحي. - ان الحق في الصحة هو حق أساسي يتطلب نهجًا شاملاً يجمع بين التوافر، وإمكانية الوصول، والمقبولية، والجودة. يتطلب تحقيق هذا الحق التزامًا دوليًا ومحليًا بتطوير سياسات وبرامج تضمن حصول جميع الأفراد على الرعاية الصحية التي يحتاجونها، بغض النظر عن ظروفهم الشخصية أو الاجتماعية. تحقيق هذه المكونات الأربعة يساهم في بناء نظام صحي قوي وفعال قادر على تحقيق التغطية الصحية الشاملة وضمان العدالة الصحية للجميع. 3.1.2 أمثلة على تطبيق نهج حقوق الإنسان على الحق في الصحة: • توفير التأمين الصحي الشامل: يساهم توفير التأمين الصحي الشامل في ضمان حصول جميع الأفراد على الرعاية الصحية الأساسية، بغض النظر عن قدرتهم على الدفع. • برامج مكافحة الأمراض المعدية: تُعد برامج مكافحة الأمراض المعدية، مثل فيروس نقص المناعة البشرية والسل والملاريا، من الأمثلة الناجحة لتطبيق نهج حقوق الإنسان في الصحة. • تعزيز صحة الأم والطفل: تساهم برامج صحة الأم والطفل في تحسين صحة النساء والأطفال، من خلال توفير خدمات الرعاية الصحية قبل الولادة وأثناءها وبعدها، بالإضافة إلى برامج التغذية والتطعيم. 3.2 نهج حقوق الإنسان في الحق في التعليم: 3.2.1 الحق في التعليم: يُعدّ الحق في التعليم من الحقوق الأساسية التي تساهم في تمكين الأفراد وتنمية قدراتهم. يشمل هذا الحق: • التعليم الابتدائي الإلزامي والمجاني: ضمان حصول جميع الأطفال على التعليم الابتدائي دون تمييز. • التعليم العالي: توفير فرص متكافئة للجميع للحصول على التعليم العالي، بغض النظر عن خلفياتهم الاجتماعية أو الاقتصادية. • جودة التعليم: ضمان حصول جميع المتعلمين على تعليم عالي الجودة يلبي احتياجاتهم ويساعدهم على تطوير مهاراتهم. 3.2.2 أمثلة على تطبيق نهج حقوق الإنسان في التعليم: • برامج محو الأمية: تساهم برامج محو الأمية في تمكين الأفراد من المشاركة الكاملة في المجتمع. • برامج التعليم الشامل: تهدف برامج التعليم الشامل إلى ضمان حصول جميع الأطفال، بمن فيهم الأطفال ذوو الإعاقة، على تعليم جيد. • برامج المنح الدراسية: تساهم برامج المنح الدراسية في توفير فرص متكافئة للطلاب من ذوي الدخل المنخفض للحصول على التعليم العالي. 3.3 نهج حقوق الإنسان في سياسات التشغيل: 3.3.1 الحق في العمل: - يُعدّ الحق في العمل من الحقوق الأساسية التي تساهم في ضمان العيش الكريم للأفراد وأسرهم. يشمل هذا الحق من بين امور اخرى : أ) فرص متكافئة في الحصول على العمل: ضمان حصول جميع الأفراد على فرص متكافئة في الحصول على العمل، دون تمييز على أساس العرق أو الدين أو الجنس. ب) ظروف عمل عادلة: ضمان حصول العمال على ظروف عمل عادلة وآمنة، بما في ذلك أجر عادل وساعات عمل محددة. ج) حرية تكوين النقابات: حماية حق العمال في تكوين النقابات والانضمام إليها للدفاع عن حقوقهم. 3.3.2 أمثلة على تطبيق نهج حقوق الإنسان في سياسات التشغيل: أ) قوانين الحد الأدنى للأجور: تساهم قوانين الحد الأدنى للأجور في ضمان حصول العمال على أجر عادل يضمن لهم العيش الكريم. ب) برامج التدريب المهني: تساهم برامج التدريب المهني في تحسين فرص حصول الأفراد على وظائف لائقة. ج) قوانين مكافحة التمييز في العمل: تحظر قوانين مكافحة التمييز في العمل التمييز على أساس العرق أو الدين أو الجنس في جميع مراحل عملية التوظيف. 3.4 نهج حقوق الإنسان في قضايا الأشخاص ذوي الإعاقة:
- إن نهج حقوق الإنسان في قضايا الأشخاص ذوي الإعاقة يستند إلى المبادئ الأساسية التي تؤكد على كرامة الفرد، المساواة في الحقوق، وعدم التمييز. هذا النهج يتمثل في التأكيد على أن الأشخاص ذوي الإعاقة هم أصحاب حقوق، وليسوا مجرد مستفيدين من الرعاية أو الحماية. يُعزز هذا النهج من خلال الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، التي تشكل الأساس القانوني لحماية وتعزيز حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة على المستوى العالمي. - اللجنة المعنية بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة (CRPD) تلعب دورًا حيويًا في تفسير وتنفيذ هذه الاتفاقية، حيث تقدم إرشادات وتفسيرات تتعلق بكيفية تطبيق مبادئ حقوق الإنسان على قضايا الأشخاص ذوي الإعاقة في مختلف السياقات. 3.4.1 الإطار القانوني لنهج حقوق الإنسان في قضايا الأشخاص ذوي الإعاقة - تستند الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة إلى مجموعة من المبادئ الأساسية التي تشكل الإطار القانوني لنهج حقوق الإنسان في التعامل مع قضايا الأشخاص ذوي الإعاقة. هذه المبادئ تشمل: أ) الكرامة المتأصلة: الاعتراف بأن الأشخاص ذوي الإعاقة يتمتعون بنفس الكرامة والحقوق مثل أي فرد آخر، ويجب احترام هذه الكرامة في جميع السياسات والبرامج. ب) عدم التمييز: التأكيد على ضرورة القضاء على جميع أشكال التمييز ضد الأشخاص ذوي الإعاقة، سواء كانت على أساس العرق أو الجنس أو النوع الاجتماعي أو أي وضع آخر. ج) المساواة في الفرص: ضمان أن يتمتع الأشخاص ذوي الإعاقة بفرص متساوية في الوصول إلى التعليم، والعمل، والصحة، والمشاركة في الحياة العامة. د) المشاركة والإدماج الكامل: تشجيع المشاركة الكاملة للأشخاص ذوي الإعاقة في جميع جوانب الحياة، بما في ذلك في صنع القرارات التي تؤثر على حياتهم.
3.4.2 التفسير الفقهي لنهج حقوق الإنسان في قضايا الأشخاص ذوي الإعاقة - تفسر اللجنة المعنية بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة نهج حقوق الإنسان من خلال التركيز على ثلاثة جوانب رئيسية: أ) الحق في التساوي أمام القانون: يُعد الاعتراف بالحق في التساوي أمام القانون مبدأً جوهريًا في نهج حقوق الإنسان. وفقًا للفقه القانوني للجنة، يجب أن يتمتع الأشخاص ذوي الإعاقة بالحق الكامل في التساوي أمام القانون، بما في ذلك الحق في الوصول إلى العدالة، والحق في التعاقد، والحق في اتخاذ القرارات الخاصة بهم. يجب أن تُلغى جميع القوانين أو السياسات التي تحرم الأشخاص ذوي الإعاقة من ممارسة هذه الحقوق بسبب إعاقتهم. ب) الإدماج الاجتماعي والاقتصادي: تؤكد اللجنة أن الإدماج الاجتماعي والاقتصادي للأشخاص ذوي الإعاقة هو حجر الزاوية في تحقيق المساواة. يتطلب هذا الإدماج إزالة الحواجز التي تعيق مشاركة الأشخاص ذوي الإعاقة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية، مثل الحواجز المعمارية، ونقص الوصول إلى التكنولوجيا والمعلومات، والتمييز في التوظيف. يجب أن تتبنى الدول سياسات فعالة لضمان أن يكون الأشخاص ذوي الإعاقة جزءًا لا يتجزأ من المجتمع، وأن يتمتعوا بفرص متساوية في العمل، والتعليم، والخدمات الصحية. ج) التمكين والحق في اتخاذ القرارات: تُشدد اللجنة على أهمية التمكين الذاتي للأشخاص ذوي الإعاقة، مما يعني أن يكون لديهم الحق في اتخاذ القرارات المتعلقة بحياتهم. يشمل ذلك الحق في الحصول على المعلومات بشكل يمكن فهمه، والحق في الموافقة الحرة والمستنيرة على جميع الإجراءات المتعلقة بصحتهم أو رفاههم. يجب على الدول توفير الدعم اللازم للأشخاص ذوي الإعاقة لممارسة هذا الحق، بما في ذلك توفير مترجمين أو مساعدين شخصيين إذا لزم الأمر. 3.4.3 تطبيق نهج حقوق الإنسان في قضايا الأشخاص ذوي الإعاقة: التحديات والفرص - على الرغم من التقدم الكبير الذي أحرزته العديد من الدول في تطبيق نهج حقوق الإنسان على قضايا الأشخاص ذوي الإعاقة، لا تزال هناك تحديات كبيرة تواجه تحقيق المساواة الكاملة. هذه التحديات تشمل: أ) نقص الوعي والتثقيف: لا يزال نقص الوعي بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة عقبة رئيسية أمام تحقيق المساواة. يتطلب التغلب على هذه العقبة جهودًا متواصلة في مجال التثقيف والتوعية، سواء بين العامة أو في أوساط صانعي السياسات. ب) الحواجز القانونية والسياسية: تستمر بعض الدول في تبني قوانين أو سياسات تمييزية تحرم الأشخاص ذوي الإعاقة من ممارسة حقوقهم بشكل كامل. يجب أن تعمل الدول على مراجعة وتعديل هذه القوانين لضمان توافقها مع معايير حقوق الإنسان الدولية. ج) التحديات الاقتصادية: يواجه العديد من الأشخاص ذوي الإعاقة تحديات اقتصادية تجعل من الصعب عليهم تحقيق الاكتفاء الذاتي أو المشاركة الكاملة في المجتمع. يتطلب ذلك سياسات اقتصادية تدعم فرص العمل والتعليم للأشخاص ذوي الإعاقة. د) ومع ذلك، توفر هذه التحديات أيضًا فرصًا للتغيير الإيجابي. يمكن للدول، من خلال تبني نهج شامل ومتكامل، أن تضمن تحقيق الإدماج الكامل للأشخاص ذوي الإعاقة في المجتمع، مما يسهم في تعزيز حقوق الإنسان للجميع. - إن نهج حقوق الإنسان في قضايا الأشخاص ذوي الإعاقة ليس مجرد إطار قانوني أو سياسي، بل هو رؤية شاملة تهدف إلى خلق مجتمع يتمتع فيه الجميع، بغض النظر عن إعاقتهم، بحقوق متساوية وفرص عادلة. من خلال الالتزام بتفسيرات اللجنة المعنية بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، يمكن للدول أن تحقق تقدمًا ملموسًا في تعزيز حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وضمان مشاركتهم الكاملة في المجتمع. يتطلب ذلك تبني سياسات وإجراءات تستند إلى احترام الكرامة الإنسانية، وتعزيز المساواة، وإزالة الحواجز التي تعيق الإدماج الاجتماعي والاقتصادي. إن تحقيق هذه الأهداف ليس فقط ضرورة قانونية، بل هو أيضًا خطوة حاسمة نحو بناء مجتمع أكثر عدلاً واستدامة. الخاتمة: يُعدّ نهج حقوق الإنسان إطارًا شاملًا وعمليًا لتحقيق التنمية البشرية وضمان العيش الكريم للجميع. يتطلب تبني هذا النهج التزامًا حقيقيًا من الحكومات والمؤسسات والأفراد بالعمل سويًا من أجل بناء مجتمعات عادلة وشاملة، حيث يتمتع جميع الأفراد بحقوقهم الأساسية على قدم المساواة.
#خليل_إبراهيم_كاظم_الحمداني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وعدٌ مُلزمٌ أم حبرٌ على ورق؟ دوافع انضمام الدول لمعاهدات حقو
...
-
الصوت العربي في تشكيل إطار حقوق الإنسان مساهمات في صياغة الإ
...
-
برئاسة عربية لمجلس حقوق الانسان .. قرارات استثنائية لقضايا ع
...
-
فلسطين الأم الحالمة وبشارات وداع رمضان
-
العنف ضد المرأة ... والعناية الواجبة
-
الوثائق المتعلقة بحقوق الانسان .....محنة التوافق واختباء الم
...
-
ملفات حقوق الانسان الساخنة.. لا تصلح في المناطق الدافئة مطال
...
-
الحق في الحياة.. الحق في جودة الحياة محنة الكشف ودهشة الاكتش
...
-
الانتهاكات التي يتعرض لها المدافعون عن حقوق الانسان
-
حقوق الانسان المتأصلة.. حقوق الانسان العالمية ضد فكرة المنحة
...
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
-
نساء ساهمن في تشكيل عالمنا الحقوقي نون النسوة وصياغة المعايي
...
-
الدورة العادية الخمسين لمجلس حقوق الانسان صراع أولويات الاهت
...
-
حقوق النساء والفتيات في العراق والاليات الدولية لحماية حقوق
...
-
الالتفاف على آليات الحماية الدولية لحقوق الإنسان .... آلية ا
...
-
مؤشر التشريعات الجندرية ...وصفة جاهزة للرقابة والرصد
-
الطفولة في البلدان العربية ... مؤشرات حقوق الطفل بين الاستبا
...
-
السياسة وحقوق الإنسان.. ورطة العرب في ضياع بوصلة الفصل بين ا
...
-
الدورة الأخيرة لمجلس حقوق الانسان في عام كورونا.. نظرة حول ا
...
-
العلاقة بين اهداف التنمية المستدامة والقانون الدولي لحقوق ال
...
المزيد.....
-
مندوب الجزائر بالأمم المتحدة: -اسرائيل- توسّع وحشيتها لتشمل
...
-
لبنان: بعد شروعهم بسرقة منازل النازحين من الحرب.. شبان في ال
...
-
انتخاب قطر لعضوية مجلس حقوق الإنسان الأممي
-
السعودية تفشل في الحصول على مقعد في مجلس حقوق الإنسان التابع
...
-
مندوب ليبيا بالأمم المتحدة يؤكد ضرورة إنهاء المراحل الانتقال
...
-
لازاريني: غزة هي المكان الاكثر خطورة بالنسبة للعاملين في مجا
...
-
الأمم المتحدة: تعيين الدبلوماسي البريطاني السابق فليتشر وكيل
...
-
الأمم المتحدة تحذر من هشاشة الوضع السياسي في ليبيا وتدعو لات
...
-
الخارجية الأميركية: نشعر بقلق بالغ إزاء الوضع الإنساني في غز
...
-
اعتقال إسرائيلي في الضاحية الجنوبية بتهمة التجسس
المزيد.....
-
مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي
/ عبد الحسين شعبان
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة
/ زهير الخويلدي
-
المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا
...
/ يسار محمد سلمان حسن
-
الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نطاق الشامل لحقوق الانسان
/ أشرف المجدول
-
تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية
/ نزيهة التركى
-
الكمائن الرمادية
/ مركز اريج لحقوق الانسان
-
على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
المزيد.....
|