بن سالم الوكيلي
الحوار المتمدن-العدد: 8101 - 2024 / 9 / 15 - 00:17
المحور:
كتابات ساخرة
عندما كنت صغيراً، كانت أحلامي تتخذ من أوروبا ميلاذاً. كانت تلك القارة البعيدة بمبانيها المهيبة وشوارعها اللامعة، تجسد كل ما كنت أطمح إليه. كنت أتخيل نفسي وأنا أستمتع بكوب قهوة في أحد المقاهي الأنيقة، بينما الهواء المنعش يعبق برائحة الخبز الطازج، وكل همي في تلك اللحظات كان أن أعيش في عالم لا يعرف هموم البؤس والفاقة.
كبرت وتغيرت الأحلام، وتبدلت نظرتي إلى الحياة. جاءت السنوات واكتشفت سحر الحياة المغربية، بحكمتها وبساطتها. قيل لي إن "الكفاف والعفاف" هو السلاح المثالي ضد جنون العالم، وحمدت الله على القناعة التي أصبحت رفيقتي. كان الفكر أن العيش في المغرب، بعيداً عن المبالغة والتباهي، هو ما يلبي الروح ويعزز النقاء. كنت أرى فيه درباً إلى حياة أصيلة، تخلو من تعقيدات الرفاهية الأوروبية.
لكن الأيام، كعادتها، تأبى أن تظل على نفس المنوال. تحول الكفاف والعفاف إلى تجويع وجفاف. ما بين الأمس واليوم، تغيّرت الأوقات وكُشفت الحقائق. كأن القدر قرر أن يقدم لنا دروساً جديدة، محورها السخرية من أحلامنا القديمة. الحكومة التي كان من المفترض أن تكون راعية لمصالح الشعب، تحولت إلى حكومة تجار. وباتت قضايا الفقر والمجاعات أصدق تعبير عن حالنا، حيث يبتعد الغذاء عن الفقراء ويقترب من سلال الأغنياء.
لقد تحولت الأيام إلى مشهد عبثي، حيث يُحكى عن كفاف وعفاف في الوقت الذي تتعاظم فيه أزمات الأسعار، وتختفي المواد الأساسية من الأسواق، تاركة المواطنين يتخبطون في بحر من المتاعب. أما نحن، فنكتفي بالتندر على وضعنا، ونحاول أن نجد معنى للفجوة بين الطموحات الطفولية والواقع المعيش.
في النهاية، تجلّت الحياة، بسخرية قاسية، بأنها ليست أكثر من مسرحية طويلة. نحن، كبقية الناس، ننتقل من فصول إلى أخرى، نحاول التكيف مع المفاجآت، وأحياناً نكتفي بالتأمل في كيفية تحول أحلامنا إلى طلاسم سخرية وضحك.
أصبحنا، إذن، أبطال قصة تكتب بالدموع والابتسامات، نتقلب بين الأمل والواقع، بينما الحياة تستمر في تعليمنا دروسها عبر مشاهد من السخرية والمرارة.
#بن_سالم_الوكيلي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟