|
هواجس عامة أدبية سياسية فكرية ــ 305 ــ
آرام كربيت
الحوار المتمدن-العدد: 8116 - 2024 / 9 / 30 - 18:47
المحور:
قضايا ثقافية
أنا مقتنع تماماً لا يمكن للسوريين التأقلم أو التوافق مع رئيس مستقيم وغيور على بلده وشعبه. السوريين شعب مضطرب وقلق، ولا يعرف ماذا يريد.
إن بوتين كعادة الروس، كرجل شرقي المعيار الأول لثقله هو الشخصي قبل السياسي. الشخصنة في السياسة وفي العقل والتفكير هو المرض الخطير الذي يأكل الذات ويحول الدول والمجتمعات الشرقية إلى حطام. إن الشرق لم يقتل الله، لهذا فإن البالون سيبقى منفوخًا في عقولنا إلى أن يموت هذا الرمز القاتل. الشرق يعاني من أمراض عضال، وهذا السرطان هو الأقل قسوة من الأمراض العقلية والنفسية التي نعاني منها. أحدنا يعتقد أن رأسه أكبر من السماء ومن النجوم والمجرات الشمسية، وهناك من يبث في هذا الرأس الخربان كميات هائلة من جراثيم الجرب، ليحكه ثم يرطبه ثم يحكه.
يتساءل الكثير من الأصدقاء عن سبب الدور الأوروبي المتخاذل في القضية المصيرية المطروحة اليوم، اقصد الصراع اليوم حول الحرب الروسية ــ الاوكرانية، وأنا منهم: لماذا لا تدافع الحكومات الأوروبية عن مصالح شعوب بلادها؟ لماذا لا يختارون الحصول على الغاز الروسي بسعر رخيص ويلجأون إلى الولايات المتحدة، ويشترونه بعشرة أضعاف؟ الحرب هي مجرد منصة عائمة من أجل تدوير الصراع، ونهب المجتمع الأوروبي والدولة، وإعادته إلى الوراء، ليس إلا، ونهب العالم الثالث. نسيت أو تناسيت أن الأنظمة الأوروبية خاصة، والغربية عامة، استقالت عن وظائفها الوطنية والاجتماعية، وعومت الدولة من أجل مصلحة رأس المال. أضحت الدول الغربية وظيفية، دول لم تعد وطنية، أنها تنفذ أجندة قطاع البنوك والشركات اللاوطنية، وقطاع الخدمات والتكنولوجية المتطورة. لهذا نقول أن مصالح الحكومات والأنظمة متقاطعة مع رأس المال. كتبت مرات كثيرة، أن الصراع لم يعد بين الدول، موضوعيًا، أنما بين الدولة والمجتمع، من ينهب المجتمع أكثر، ويجرده من قدراته التي حصل عليها في فترة الخمسينات والستينات إلى حين انهيار الاتحاد السوفييتي. المجتمع في العالم كله عاري اليوم، لا يوجد له حماية، قطيع خراف في وسط قطيع من الذئاب الجائعة.
طرح أحد الأصدقاء علي هذا السؤال: هل يعتبر فوز اليمين المتطرف فى بعض الدول الاوروبية عودة ،او هى محاولة عودة، لاعادة الاعتبار للدولة الوطنية او القومية؟ وهل ان هذا اليمين ذاته خارج عن اللعبة الراسمالية المتوحشة والتى تزداد توحشا وامعانا فى اذلال شعوبها كل اشتدت الازمات وتواترت ؟ الإجابة: لنسميه العودة الى الدولة الوطنية. عودة اليمين إلى السلطة، هو نتاج ازمة سياسية اقتصادية اجتماعية وجودية. ايطاليا عليها تلريونين من الدولارات ديون، لديها عجز مالي هائل، تحتاج إلى دولة تستطيع أن تسيطر على مجالها الوطني في كل جوانب الحياة، خاصة الاقصاد. أول من أسس منظمة التجارة العالمية، ثم طعن بها، وتراجع عنها هي الولايات المتحدة. لقد حاولت ولا تزال تحاول تدمير الاقتصاد الاوروبي تحت حجج باطلة. اعتقد أن جميع دول أورويا ستعود الى اليمين، إلى الدولة الوطنية والاجتماعية، لأن من يسمونه الصديق، أضحى هو الخائن، اقصد امريكا. ما يحدث في أوروبا هو رد فعل على ممارسات الولايات المتحدة، واستغلالها لأوروبا بشكل واضح وفاضح، هو محاولة تدميرها من الداخل. إن ما يحدث هو رد فعل يرقى الى الفعل. أنا لست اوروبيا، لكني اتمنى ان تستقيل أوروبا عن القرار الامريكي الظالم. امريكا تسرقنا عبر الهيمنة. تصور أن موضوع التضخم في امريكا كذب في كذب، المصانع الامريكية تفتقد لليد العاملة بعد حرب اوكرانيا، وتدفق المال عليها هائل والدولار قفز عاليا فوق العملات. وهذه الحرب عبارة عن افتعال امريكي لأخذ أوروبا الى المقبرة. هي من خرب انابيب الغاز لإلزام أوروبا أن يشتروا الغاز الامريكي السيء والغالي جدا. وهذا المشروع قديم جدا، قالت فيه كوندليزا رايس وزيرة خارجية الولايات المتحدة في العام 2005، وقال فيه ترامب الرئيس الأمريكي السابق، وقال فيه بايدن قبل الحرب: ـ سنخرب نوردم ستريم واحد، ونورد ستريم أثنين. لا استبعد ان جوهر الحرب هو حرمان أوروبا العاجزة من الغاز، وتدمير مصانعها وحياتها أو ترحيل هذه المصانع الى امريكا. الدولة الوطنية هو الخيار الوحيد أمام أوروبا. طرح هذا النص قبل سنتين
موضوعيًا كل إنسان لديه استجابة للحب. إنه يحتاج إلى القليل من الإثارة، وبعض الإشارات البسيطة ليحفز ويخرج من القمقم، وينطلق إلى الحياة لملاقاة الحياة. الحب كالفن، كائن حي، يغني ويرقص ويعزف في الفضاء الرحب، يبحث عن من يبادله الرقص والغناء والعزف، وعن من يشبهه. الحب كائن جميل حر متواضع بسيط وشفاف ونقي ولا يحتاج إلى حسابات مادية أو سلطوية، ولا كبير في هذا الجمال والحرية. إنه يمنح أبناءه الحياة، بالرغم من جفاءهم. ويريد من هؤلاء الأبناء أن يمتثلوا له، أن يكونوا أمناء لظله الرحب، ليفرحوا بأنفسهم، وبه، بهذا الوجود الجميل.
نشرت الرواية، عرج الجوى، في مثل هذا اليوم من العام 2019 تدور أحداث الرواية حول حياة طفل وما يتعرض له في مدرسته، وما يعتريه من مشاعر إيجابية وسلبية نتيجة التأثيرات الخارجية، التي تجعله مسيراً خارج طبيعته وتحد من تطوره العقلي والنفسي كطفل. يقول الأديب السوري كرابيت في تصريح لـ “حرية برس” إن “الرواية تتحدث في جوانب منها عن عشق الطفل لصديقته في المدرسة، والأسلوب القاسي الذي اتبعه الأهل في معاملته بالإضافة للإدارة والكنيسة”. وحول اختياره لاسم الرواية “عرج الجوى”، أوضح كرابيت: “كنت أبحث عن اسم يناسب الرواية، وكان بين عرج الجوى أو ارتقاء العشق”. وجاء في عرض النص: في نهاية السنة استلم آفو الجلاء وقرأ في نهاية الصفحة كلمة راسب، بينما بقية التلاميذ نجحوا، شاهد كيف كانوا يضحكون ويرقصون ويتبادلون التهنئة، ويمشون معًا بسعادة وفرح. يشترون لبعضهم الراحة والبسكويت والشوكولا، أو يتبادلون مع بعضهم الهدايا الصغيرة، وارتدى أغلبهم أجمل الثياب والأحذية الصيفية الجديدة استعدادًا لهذه المناسبة الجميلة. والكثير من الأمهات أو الأباء جاؤوا مع أولادهم لحضور نجاح أطفالهم وتهنئتهم. وقسم آخر أخذ الجلاء ومضى يلوح به في الهواء وينطنط بسعادة وهو في طريقه مع والديه إلى الكنيسة لحضور القداس للصلاة، وإشعال الشموع والشكر لله”. رواية كرابيت الجديدة تسلط الضوء على الرضات النفسية والشروج العميقة التي يتعرض لها الطفل العربي في طفولته. تمارس المدرسة كجزء من مؤسسات الدولة وصايتها عليه وتدمره من الداخل. فالطفل يسير في الحياة وفق إرادة الأخرين وثقافتهم دون النظر إلى تكوينه النفسي وحيويته وعقله.. الأهل والمدرسة رسموا خرائط مستقبله وبنوا حساباتهم فوق جسده ووجوده، ووفق القوانين والمؤسسات التي تلجم ارتقاء الطفل ونهوضه وتطور حياته وعقله ونفسيته. إنهما مدمران له ممزقان لآلية تفكيره. إن النكوص والتمزق الداخلي الذي يعانيه الصغير ليس في حسبان الأهل. إنهم يريدون منه دون أن يسألوه ماذا يريد من نفسه. الطفل الذي في أيدينا، في الرواية موهوب ومملوء بالحيوية والنشاط، يتمنى الكثير، بيد أن الواقع مقيد ويقيده، يقول النص: فتح الطفل ديكران الصندوقَ وأخرج آلتَه، الأوكرديون، ووضعها على صدره وربطها خلف ظهره وبدأ يتمرّن عليها بتحريكِ مفاتيحها بأصابعه الجميلة المرنة. بعد نصف ساعة جاءت نورما، بيدها آلةُ الكمان, جميلةٌ كفرجة ربانية، كآيةٍ في الجمال، كجمال الزهور في الربيع, عليها تنّورةٌ قصيرةٌ صفراءُ اللون, وقميصٌ أحمرُ, وحذاءٌ أبيضُ, وجواربُ بيضاءُ. اعتذرت عن التأخير بأدبٍ جمّ. تشاورتِ المعلمة مع نورما وديكران على ماذا سيقدمان. اقترب والد آفو منه وهمس في أذنه: ـ ما رأيك بما يحدث؟ ـ إنهما ملائكةٌ هذا الديكران ونورما, شيء مثل الغسق، مثل ذوبان الشمس في ثنايا الأفق عندما ينشر اللون البرتقالي الفاتح حول أنحناء الكون. نحن أشبه بالسعادين المندهشة يا والدي، انظر إلى عيوننا المسمّرة على أطفال لا يشبهوننا في أيّ شيء, إنّهم جميلون وأنيقون وموهوبون, كنت اشتهي أن أكون هما أنا, بصراحة، أنا متماهٍ بهما إلى حدّ الذوبان. لقد فسح المجال لبعض الأطفال أن يطوروا قدراتهم لأنهم من منبت مميز اجتماعيًا وثقافيًا، بينما آفو، بطلنا المكسور من الداخل يتمزق داخليًا لعدم قدرة الأهل على تأمين حاجاته ليكون هو كما يريد. الرواية تأخذنا إلى عالم الإنسان العربي وكيف ينمو ويكبر في ظل الانكسارات المتعددة. وآرام كرابيت كاتب وروائي سوري ينحدر من مدينة القامشلي التابعة لمحافظة الحسكة، وألف رواية “في الأرض المسرة” في العام 2014، ورواية “الرحيل إلى المجهول” في عام 2009، والتي اختصر فيها 13 عاماً قضاها في معتقلات نظام الأسد، بالإضافة إلى الكتابة في مجال القصة القصيرة، وله العديد من المساهمات في مجال المقالات السياسية والفكرية التي تتناول الشأن السوري والدولي.
طالبان فرضت نفسها بالقوة على الدولة والمجتمع الأفغاني، بمعنى، لم يطلب منها أحد أن تأتي وتحكم باسمهم. هذه الحركة، لا تعرف أي شيء عن القانون أو المؤسسات أو حقوق الإنسان أو غيره. مجموعة من ال ه م ج، يستحقوا العيش في الادغال بين وحوش البراري. إنهم خطرين جدًا على الناس، لأنهم ليسوا من فصيلة البشر أو العقلاء. اليوم تم شنق أربع رجال في الساحة العامة، دون سؤال أو جواب، جابوهم وعلقوهم على الحبال. جموع المسلمين سعداء لهذا الإنجاز، يفتخرون بهم. أصوات حناجرهم تصدح في الفيس بوك وتويتر واليوتوب. هؤلاء الناس الذين يعيشون بيننا كيف يفكرون وإلى أي فصيل بشري ينتمون؟ أين القضاء، أين المحاكمة، من أخذ هكذا قرار، وكيف وصلوا إلى هذه النتيجة أن يعدموا كائنات حية مثلنا مثلهم دون أي تأكيد على أن الضحايا ارتكبوا فعل الجرم أو لا. من هو الوصي، ومن أعطاءه الحق في أخذ قرار الإعدام، وهل يستحق هؤلاء الجموع ال ب ر اب رة الذين يؤيدونهم أن يعيشوا في عصرنا؟
قبل ثلاث سنوات، صرح رئيس وزراء مصر، أن عدد سكان بلده زاد 25 مليونًا خلال السنوات العشر الأخيرة. شيء مثير للاستغراب أن يتزايد عدد السكان في بلد محدود الموارد الطبيعية بهذا الشكل المرضي. الموارد المائية ثابتة تقريبًا يقدر بثمانين مليار متر مكعب في السنة، والأرض المصرية محاطة بالصحراء على طول أطراف مجرى النيل على الجانبين، وفي زمن لم يعد بحاجة إلى اليد العاملة التقليدية، كما أن مصر ما زالت بلدًا زراعيًا تقليديًا، هذا يجعلنا نتساءل: في العام 1952 كان عدد سكان مصر عشرة ملايين، بينما اليوم أكثر من مئة مليون. أين وعي الناس في زمن التكنولوجية والأتمتة، أين تفكيرهم، ألا يشعرون بمصير القادمين الجدد، كيف سيعيشون ويعملون في وطن أشبه بسجن ضيق، لأنه أجرد من الأشجار والطبيعة الخضراء؟ لمن يقدمون أبناءهم في ظل وضع دولي غامض ومتقلب، وحياة في مهب الريح؟ ثم نقول، لماذا نوجع رؤوسنا بشأن هذا العالم الغريب والدوغما، وربما الشعوب الغريزية هكذا ترى الحياة أفضل، فلماذا نكون ملكيين أكثر من الملك.
الكاتب التركي: تانير أكشام اختبار تركيا للحضارة يمكن تلخيص قضية آيا صوفيا بأكملها بعبارات مثل "غير لائق" أو "عار". لكني أعتقد أن الجمهور الذي أخاطبه لا يمتلك الحساسية الثقافية ليجد هذه الكلمات ذات معنى. ولكن من الأفضل صياغة القضية بطريقة صريحة يمكنهم فهمها بسهولة أكبر: الفعل الذي يتم القيام به فيما يتعلق بآيا صوفيا هو عرض واضح للهمجية. إنه إعلان عن "افتقار تركيا للثقافة وتبنيها لسياسة التدمير" للعالم بأسره. كما أن اتحاد الرئيس وزعيم حزب العدالة والتنمية رجب طيب أردوغان وزعيم حزب الحركة القومية دولت بهجلي، هو التحالف السياسي الذي ظهر من خلاله هذا النقص في الثقافة والتدمير. لكن "لماذا؟". لأنه مع هذه الخطوة يقال للعالم أنه "على الرغم من أننا نعيش في القرن الحادي والعشرين، لا تزال عقليتنا عقلية 1453. حتى الآن، في القرن الحادي والعشرين، نحن لا نهتم تمامًا بالحفاظ على التراث الثقافي للبشرية. بيننا، لا يوجد إحساس بوراثة ثقافية أكبر من تلك التي تركت لنا؛ ليس لدينا ما نساهم به في كنوز الإنسانية الثقافية. نحن غير قادرين على خلق أي قيمة ثقافية جديدة بأنفسنا. نحن نستحوذ على الكنوز الثقافية للبشرية، نكسرها وندمرها". وهذا ما يتم فعله. هنا، الآن، في القرن الحادي والعشرين، سيتم "غزو" آيا صوفيا، أحد أهم المعالم الثقافية البشرية مرة أخرى، وسيتم تحويلها إلى مسجد، تمامًا مثل عام 1453. ما يجري هنا هو عمل تخريب ثقافي. ومن هنا سنتساءل: هل ستفهم شراكة أردوغان وبهجلي الأسباب التي يرى من خلالها الرأي العالمي صورة سلبية تمامًا لتركيا والأتراك؟ قام المفكر الروسي الشهير، نيكولاي دانيليفسكي، في القرن التاسع عشر بتقسيم المجتمعات البشرية إلى "مبدعي الحضارة" و "مدمري الحضارة". وقد أدرج أعظم عشر حضارات فريدة من حيث الترتيب الزمني: المصرية، الصينية، السامية القديم (الآشورية، بابل، الفونسية، الكلدية)، الهندية، الفارسية، اليونانية، الرومانية، السامية الجديدة (العربية)، والأوروبية، وقال عنهم الآتي "بجانب هذه الحضارات الإيجابية، ظهرت بشكل دوري في عصور البشرية بعض الجهات الفاعلة العابرة مثل الهون والمغول والأتراك، الذين شنوا الحروب فجأة ثم اختفوا بسرعة من التاريخ. وبعد الانتهاء من مهمتهم في التدمير، والمساعدة في اندثار الحضارات المحتضرة، يعودون إلى عدم أهميتهم السابقة ثم يختفون. قد نسميهم الجهات الفاعلة السلبية في التاريخ". ليس فقط بين المثقفين، ولكن في جميع أنحاء الغرب لم يكن هناك نهاية للقصص التي قيلت عن التخريب الثقافي للأتراك. "في شبه جزيرة البلقان، ومع كل خطوة، داس الأتراك تحت أقدامهم منتجات ثقافة آلاف السنين". "في أي وقت يرى التركي شجرة، يقطعها"؛ "لقد طمس الأتراك الثقافات في كل منعطف ولم يحفظوا تلك الأشياء التي يمتلكوها. لم يكونوا شعب مؤهل ثقافيا، وفشلوا في بناء ثقافة على الأسس الثقافية التي امتلكوها". "الأماكن التي وضع فيها العثماني قدمه لم تزدهر"، "الأماكن التي صعد فيها الأتراك ذبلت وماتت". "إن الحكام العثمانيين لم يفعلوا شيئًا مع الأماكن التي احتلوها سوى تدميرها". "حتى أن بعض المصادر ذكرت أن قسوة ووحشية الأتراك لم تكن فقط تجاه الأجانب. وحتى أن الحكام الأتراك "يخنقون شعبهم بوحشية ويقتلونهم إذا شعروا حتى بأقل قدر من الشك". إذا أردنا تكرار هذه العبارات اليوم، فهل سيتمكن أردوغان وبهجلي من الاعتراض عليها؟ دعونا نلقي نظرة على الحالة التي أوصلوا إليها البلاد. تقريبا كل من حاول التحدث علنا ضد السلطات تم تخويفه وقمعه وسجنه، ولم يظهر أي من هذه الأنظمة أي علامة على التخلي عن هذه الأفعال. لم يبق مقاوماً، لم يسحقه الثقل القمعي للدولة. لقد نال التراث الثقافي الموجود على هذه الأراضي، وما وراء ذلك، مثل الطبيعة، نصيبهم من هذا الدمار. الأشياء التي تم القيام بها، وتلك التي لا تزال قيد التنفيذ، هي نتاج لا يقل عن ممارسة السلطة غير المقيدة شهية مفتوحة للتدمير. وبالفعل، فإن شراكة أردوغان وبهجلي ليست سوى أحدث مظهر للهمجية وتقاليد الدمار التي تمتد جذورها عميقًا في هذه الأراضي. جغرافية الأناضول اليوم هي عبارة عن دمار وخراب. تمتلئ تركيا بالآلاف من الكنائس والأماكن المقدسة الأخرى التي استخدمت كإسطبلات أو مستودعات. تمثل شراكة أردوغان وبهجلي (ويمكننا بسهولة إضافة رئيس الحزب الوطني دوغو بيرينشيك) تقليد الدمار هذا الذي دمر الأناضول، والذي لم يقم فقط بترحيل وتصفية شعوب بأكملها، ولكن أيضًا دمر تراثهم الثقافي وحاول محو كل أثر لهم. واليوم، يسيطر التخريب والتدمير التركي على السلطة مثلما يسيطر عليها تحالف أردوغان-بهجلي-بيرينشيك. لذلك يجب على كل تركي أن يفهم أن معارضة هذا المحور هو في جوهره شن حرب من أجل الحضارة. ربما يكون سجن النظام لرجل الأعمال الخيري عثمان كافالا، الذي يرغب كمؤسس لمؤسسة "فاونديشن أوف أناتوليان كلتشر" في الحفاظ على التراث الثقافي والحضاري لهذه الأراضي، هو أكثر الأمثلة المؤثرة الشاهدة على هذا الصراع. تقف تركيا الآن على المحك من حيث مدى قدرة صمودها أمام اختبار الحضارة. وفي النهاية، ستنتصر الحضارة. ولكن أولئك الذين يعارضونها قد لا ينتصرون.
في مثب هذا اليوم قبل أربع سنوات، أرست الولايات المتحدة قاعدة جديدة في المتوسط، في كريت اليونانية، بهذا القاعدة ستستطيع أن تأخذ مكانة تركيا السياسية الاستراتيجية إلى حد كبير، وستشرف على المتوسط كله، شرقه وشماله وجنوبه وغربه ووسطه، وعلى أفريقيا وروسيا وجنوب شرق آسيا والدول العربية، وأوروبا وتركيا. الولايات المتحدة تحولت بفعل مخاوف اليونان وقبرص على أمنهما من تركيا إلى استدعاء هذه الدولة العملاقة لتصبح قارة صغيرة إلى جوار منطقة الشرق المتوسط. العجز السياسي الأوروبي وتناقضات مصالح دوله، وضعفه وتردده فسح المجال للغول الامريكي أن يأتي بكل ثقله السياسي والاستراتيجي دون أي رفض من أي طرف من العالم القديم. أردوغان ظن أو ما يزال يظن نفسه عملاقًا أو دولة عظمى ويتصرف على هذا الاساس. سلوكه وتصرفه الأرعن استدعى هذه القوة وأجلسها إلى جوار أنفه، ودولته العتيدة. والأنكى من هذا، مضى يعمل تدريبات عسكرية في المتوسط ردًا على القاعدة الجديدة القديمة في كريت.
علينا أن نقر بالصوت العالي أن كل من يشخصن السياسة ما زال طفلًا لم ينضج. الشخصنة مرض السياسة الخطير، خاصة عندما يشخصن الحاكم الدولة ويرسمها من الداخل والخارج على مقاسه، ومقاس عفونته وامراضه، ويتحول هذا الجربوع بقدرة قادر إلى الإله الأوحد، ويصبح أكبر من الدولة والمجتمع. تكون هذه الدولة جربانة عندما يشخصنها هذا الرئيس ويحولها إلى مطية يركبها هو وجماعته وزلمه وناسه وقرباطه وعاهراته. ومهما تقدمت هذه الدولة، خارج وداخل نفسها، نستطيع القول أن عجزها في بنيتها، في داخلها، وأنها آيلة إلى السقوط، إذا مش بكرة البعده أكيد. هذه الدول الشرقية المريضة سيستفحل مرضها مع الأيام أو يومًا بعد يوم، وستتفسخ من الداخل وسيتفسخ معها مجتمعها.
لولا الإشارات الإيجابية من روسيا بوتين لما تجرأ أردوغان أن يتكلم بهذه الصفاقة، وأنه جزء من الحل في ناكورني كارباخ. وإن وجوده في الحرب مشروع لأنه ينتمي إلى قومية أو ملة تشبه ملة الأذريين. طبعًا وكما هو معروف أن خطاب أردوغان ديماغوجي مبتذل، وتسويق تافه لسياساته. يدرك أردوغان أن الرئيس الروسي بوتين ليس على ما يرام مع الرئيس الأرمني، وأنه لم يقبل إلى هذه اللحظة أن يتحول إلى صبي في يده. إن بوتين كعادة الروس، كرجل شرقي المعيار الأول لثقله هو الشخصي قبل السياسي. الشخصنة في السياسة وفي العقل والتفكير هو المرض الخطير الذي يأكل الذات ويحول الدول والمجتمعات الشرقية إلى حطام. إن الشرق لم يقتل الله، لهذا فإن البالون سيبقى منفوخًا في عقولنا إلى أن يموت هذا الرمز القاتل. الشرق يعاني من أمراض عضال، وهذا السرطان هو الأقل قسوة من الأمراض العقلية والنفسية التي نعاني منها. أحدنا يعتقد أن رأسه أكبر من السماء ومن النجوم والمجرات الشمسية، وهناك من يبث في هذا الرأس الخربان كميات هائلة من جراثيم الجرب، ليحكه ثم يرطبه ثم يحكه.
إن مشروعية وجودنا على هذه المساحة من الأرض، وترابطنا النفسي والثقافي، وأخلاقنا وطريقة تفكيرنا وأسلوب حياتنا كله مبني على الرمز، الله والأنبياء والرسل. لنقلب الآية؟ ماذا لو أننا قتلنا الله لسبب من الأسباب أو تخلصنا منه أو دفناه أو مات ورحل لوحده دون أن يلتفت؟ ماذا سيبقى منّا وفينا في هذه الحالة، ماذا سنفعل بثقافتنا وقيمنا ومبادئنا؟ كيف سنفكر ونتوازن نفسيًا وأخلاقيًا؟ إغلبنا أدار ظهره للعصر والمنجزات الإنسانية الوضعية لهذا العصر، من قوانين وأفكار وأحلام ومبادئ ومنجزات عظيمة وهائلة، وقبعنا في الماضي وجلسنا فيه مرتاحين مبسوطين إلى حد النوم الكامل. ماذا نحن فاعلون عندما نستيقظ على صوت عجزنا على كل المستويات؟ هل فكرتم بهذا؟
ما زال النظام الدولي محشورًا في البناء السياسي القديم لتكوينه السياسي والأيديولوجي، بمعنى لم يخرج من عباءة العقل السياسي القديم الذي ساد آلاف السنين بالرغم من التطور الاقتصادي، وتطور مفهوم الدولة والمجتمع، وبالرغم من بروز مفاهيم جديدة تحث على تطوير الفكر السياسي والإنساني في مجال عمل الاجتماع وعلم النفس والاقتصاد والسياسة والمجتمع المدني. إن الآليات القديم، كالحروب او خلق الحروب، ما زالت هي الدوافع وراء البرامج السياسية العالمية، والذي يصب ثقلها على المجتمع والدول الصغيرة. العلم والثقافة والعقل يسير في جهة والسياسات التقليدية في جهة، وكأنك يا أبو زيد ما غزيت. لماذا لا يتعلم العالم السياسي من الدولة الصينينة: إن الصراع بالراحة، عبر الاقتصاد هو الأكثر جدية على كل الصعد، الا نرى كيف تسحب هذه الدولة العملاقة البساط من تحت أقدام الجميع؟ لماذا لا نتعلم أن التسلط أصبح عقد نفسية محلها في سلة المهملات؟
الحماقة أو الكراهية أو الحقد أيضا ثقافة. ولم تأت من عبث أو خطأ في الحسابات الآنية أو المباشرة. الحماقة بنية نفسية وسلوكية وأخلاقية تكرست على المدى الطويل في بنية العقل. جاءت نتيجة عمل وجهد طويلين، وتمت رعاياته جيلا بعد جيل، وعبر شحن منظم وتربية ذات بعد واحد وتفكير أحادي الكثير من الناس يفضل الموت على ترك الحماقة أو الحقد أو الكراهية. وهل من السهل أن يبدل المرء سيكولوجيته وبناءه النفسي وينتقل إلى الضفة الأخرى؟
لم يكن الاستعمار هو السبب الوحيد في تخلف بلداننا. ثقافتنا منتج حصري للتخلف والبقاء في الماضي، ثم هناك النظام السياسي العربي، والقوى الرديفة له المشاركة معه في نهب الثروات ونشر الفوضى والخراب والجهل ثم شيوخ الدين المسيحي والإسلامي. الاستعمار لم يقم مدة طويلة في بلادنا. وإن رمي كل عيوبنا عليه تبرير رخيص لأمراضنا السياسية والثقافية والاجتماعية. ربما فترة الاستعمار كانت الأقل سوءًا من كل الاحتلالات التي مرت علينا وأولها الاحتلال العثماني البغيض. معالجة أمراضنا تحتاج منّا أن نقف أمام أنفسنا ونعالجها بعمق حتى ننتقل إلى واقع اجتماعي سياسي آخر.
دعه هناك, لا داع أن توقظه, الغفوة اللذيذة تلفه. إنه في المكان الأمن, في رحم الزمن. الدفء يغمره, والفرح. لا شيء يثيره أو يؤذيه أو يهيج خاطره.
تحت راية السيف بني التاريخ والمجد والثقافة. وطمست آثار شعوب, وضاع تراث. وما وصلنا نعتبره مسلمات وحقائق, ونمشي مع التيار دون أي مكاشفة: من نحن, ومن أين ثقب من ثقوب التاريخ وفجواته نبع سليل دمنا. ومن تحت أية سطوة أو سيف ولدنا وكبرنا وضحكنا وفرحنا. ومن دم أي بريء انتزعنا انتصارنا وبقاءنا وتسيدنا. يا لبؤس الإنسان ما ارذله من كائن؟
رجال الدين في كل العالم مهووسيين بالجنس. وهذا مرض مزمن, يدل على الخصاء المزمن, ثقافيا وسياسيا واجتماعيا وسيكولوجيًا واخلاقيًا
إنني أرى أن الأوطان والهوية, والدولة, أضحت مفاهيم عارية, عم تذبل يوما بعد يوم, دون إنتاج مفاهيم جديدة تملأ الفراغ. هذا كتير ضروري أن يراه المثقفون والمفكرين, ليس على مستوى بلداننا وأنما على مستوى العالم. إن البشرية تتجه نحو الضياع, وربما الفوضى.
التجربة العراقية والسورية والأفغانية والليبية واليمنية وغيرهم, يثبت يوما بعد يوم, بعد انتهاء الحرب الباردة, أن المجتمعات عارية, لا قوى سياسية أو اجتماعية أو ثقافية يمثلونهم. لقد تحالفت الأنظمة والمعارضة موضوعيًا في العوم فوق المجتمع, فوق بلدانهم لمصلحة النظام الدولي عامة, وبلدان صنع القرار الدولي خاصة. تحولوا إلى أداة, مجرد أجراء لتمثيل مصالح الخارج. تحول المجتمع إلى مجرد مكان, رافعة لتعويمهما, ليتحولا إلى مجرد مرتزقة, يأخذان شهادة حسن سلوك من أسيادهم في الخارج.
الإعلام سلطة بيد من يعرف كيف يوظفه أو يسخره في خدمة موقفه السياسي أو الاجتماعي أو الإنساني أو الاقتصادي, أو لكشف الزيف والكذب أو لفضح الجرائم والقتل, بيد أن هذا كله لا يثمر إلا إذا نظم بعمل جماعي, كتلة اجتماعية, سلطة رأي عام, له مفعول قوة, يعبر عن مصالح المجتمع. أضحى لدى المجتمع في هذا العالم منابر إعلامية متعددة , مبعثرة, تحتاج إلى تنظيم, لتشكيل كتل اجتماعية فعالة في كل مكان.
هل هذا ما كنت أسعى إليه, أن أخرج غريبًا, منفصلًا عن ذاتي والعالم؟ ربما كان السجن غطاء وستر, على الأقل هناك أمل, أن وراء الجدران شمس وحرية, وامرأة وفرح, وجناحين يحلق بهما المرء خارج حدود المكان والزمان السجن يخلخل الإنسان، يخرب الطاقة الجمالية الكامنة في النفس, يقتل التوازن بين الحب والكره, الجمال والقبح يخلق السجين لنفسه عالمًا آخر, منفصلا عن العالم الحقيقي. يبدو حرًا, بيد أن الأمر ليس كذلك. انه ينفصل, يتحول إلى غريب.
أستطيع أن أقول بضمير مرتاح, أن القسم الأكبر من الناس, في عالمنا العربي والإسلامي, منغلق على نفسه والآخر, طائفيًا, مذهبيًا, قوميًا, دينيًا. وأن هذه الممارسات العنصرية لا يمكن لها أن تفسح المجال للمرء أن يرى هذا العالم بحيادية. ان التقوقع, لا يمكن ان يجعلنا احرار. ولا يمكن لنا ان نبني وطنًا. ولا يمكن أن ننتصر على الاطلاق.
#آرام_كربيت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هواجس متنوعة ومتعددة ــ 304 ــ
-
هواجس إنسانية وسياسية 303
-
هواجس ثقافية فكرية وأدبية 302
-
هواجس أدبية ــ 301 ــ
-
هواجس فكرية وأدبية ــ 300 ــ
-
هواجس وتأملات 298
-
هواجس فكرية ــ 298 ــ
-
هواجس عامة ــ 297 ــ
-
هواجس من كل حدب وصوب 296
-
هواجس ثقافية وسياسية وفكرية ــ 295 ــ
-
هواجس إنسانية وسياسية 294
-
هواجس سياسية وفكرية ــ 293
-
هواجس اجتماعية 292
-
هواجس أدبية وثقافية 291
-
هواجس عامة ــ 290 ــ
-
هواجس عامة 289
-
هواجس ثقافية وأدبية وفكرية ــ 288 ــ
-
هواجس ثقافية 287
-
هواجس ثقافية وسياسية وفكرية 286
-
هواجس ثقافية وإنسانية ــ 285 ــ
المزيد.....
-
-فشلت الخطة-..ماذا فعل ثنائي أمريكي لم يتحقق حلمهما بالتقاعد
...
-
من بيروت.. وزيرة قطرية تكشف عن -رسائل- من لبنانيين مع استمرا
...
-
من قرية خضراء إلى أنقاض متناثرة.. مشاهد تظهر ما حلّ ببلدة لب
...
-
-سانا-: مقتل شرطي سوري وإصابة آخر بغارة إسرائيلية على مدينة
...
-
مصر تضع اللمسات النهائية لافتتاح أعظم مشروع في القرن
-
هكذا أطفأ المصريون -نيران- الإسرائيليين -الثمينة-!
-
-سي إن إن-: جنرال في الناتو يضع قائمة بالأسلحة التي يمكن للو
...
-
إصابة مستشار سموتريتش في جنوب لبنان
-
الصحة اللبنانية تصدر تحديثا جديدا بعدد ضحايا الغارات الإسرائ
...
-
البوندستاغ يوافق على تخصيص 400 مليون يورو لدعم نظام كييف
المزيد.....
|