|
الترجمة في يومها العالمي... قل لي ما موقفك من الترجمة أقول لك من تكون
سعيد هادف
(Said Hadef)
الحوار المتمدن-العدد: 8117 - 2024 / 10 / 1 - 10:39
المحور:
قضايا ثقافية
«قل لي ما موقفك من الترجمة أقول لك من تكون»، هكذا تحدث الفيلسوف الألماني مارتن هايدغر.«وبما أن الترجمة علم يفيد من الكثير من العلوم اللسانية وغير اللسانية، فإن لعلم الترجمة أهميته الملحة في التعامل مع المصطلحات؛ بوصفه المرآة التي تعكس فهمالمصطلح في لسانه الأصلي، ثم تنقله إلى المتلقي في اللسان الهدف، وهو يحمل كافةالمفاهيم والمضامين التي يدل عليها في أصل وضعه».
وترتبط فكرة اليوم العالمي للترجمة بنشأة الاتحاد الأممي للمترجمين عام 1953، غير أن أول احتفال رسمي بهذا الحدث كان يوم 30 سبتمبر في عام 1991.وقد صادقت الجمعية العامة للأمم المتحدة في الرابع والعشرين من مايو 2017 على قرار يعلن 30 سبتمبر يومًا عالميًّا للترجمة، وهو قرار لتقدير دور الترجمة الاحترافية في الربط بين الأمم. وقد وقّع على مسودة القرار أحد عشر بلدا: أذربيجان، بنغلاديش، بيلاروسيا، كوستا ريكا، كوبا، الإكوادور، باراغواي، قطر، تركيا، تركمانستان، فيتنام، بالإضافة إلى الاتحاد الأممي للمترجمين.
ويوم 30 سبتمبر يصادف عيد القديس جيروم (347/420) الذي ترجم الكتاب المقدس. وقدكلفه البابا بإنجاز ترجمة للأناجيل من اللسانين اليوناني والعبري إلى اللسان اللاتيني، لسان الإمبراطوريا. وجاءت هذه الترجمة في سياق تاريخي كان له الأثر الكبير في أوروبا. يتعلق الأمر بالتحول الأيديولوجي الذي عرفته الإمبراطوريا الرومانية في عهدالإمبراطور قسطنطين (306–337م) حيث جعل من المسيحية الأيديولوجيا الخاصة بالإمبراطوريا. وبهذه الترجمة أصبح اللسان اللاتيني مقدسا، لكن مع سقوط القسطنطينية منتصف القرن الخامس عشر سقطت أوهام الكنيسة، وتهاوت البراديغما الكنسية، وأصبح الإنجيل مترجما إلى كل الألسنة الأوروبية.
بدأت الإصلاحات الدينية مع القسيس الألماني مارتن لوثر في القرن السادس عشر، ونشر لوثر ترجمته الألمانية للعهد الجديد عام 1522، ثمّ أنهى ومعاونيه ترجمة العهد القديم عام 1534، ليُتمّ بذلك ترجمة الكتاب المقدس كلّه، وانتشرت عدوى الإصلاح والترجمة في جميع أنحاء أوروبا كانتشار النار في الهشيم فأصبح الإنجيل معتمدا في كل بلد بلسان أهله، وزال مظهر القداسة عن اللسان اللاتيني.
هذه التحولات جاءت في سياق اشتهر بعصر النهضة الذي انبثق عنه عصر التنوير حيث راجت حركة الترجمة في نقل المعارف والعلوم من الشرق إلى الغرب أو ما عُرِف لاحقا بالاستشراق.
على المستوى العربي قديما، كان العامل السياسي حاسما في تشكيل اللسان العربي بالصيغة التي هو عليها اليوم، ونقصد بالعامل السياسي انتقال العرب من وضعية الحياة القبلية إلى وضعية الكيان السياسي الاتحادي، حيث اندمجت القبائل في دولة واحدة في إطار دستور ينظم حياتها (القرآن)، وتحت راية حاكم واحد. حدث ذلك في القرن السابع الميلادي إثر البعثة المحمدية. وهذا العامل غالبا ما يتم طمسه حين يتم اختزاله في الدين بمفهومه الضيق، كما لو أن العرب انتقلوا، فقط، من دين قديم إلى دين جديد، والواقع، إنما العرب انتقلوا من نمط سياسي قديم (قبلي) إلى نمط سياسي جديد (نمط الدولة)، وكان لهذا التطور أثر في تطور اللسان العربي.
هل ميزة اللسان العربي تكمن في كونه استوعب القرآن وأدى معانيه؟ أم أن ما ميّزه هو أنه ارتبط بالقرآن بوصفه أول كتاب وحّدَ العرب، بعد أن أسس للِسانٍ عربي واحد ودين واحد ودولة واحدة؟ فليس ثمة ميزة للّسان العربي عن الألسنة التي بادت بل الميزة في المشروع العربي الذي تأسس على أول كتاب عربي: ديني، أدبي، تربوي، روحي، قانوني، اجتماعي، وسياسي.
وبناء على ما تقدم، فمنذ أن انتظمه القرآن وهو أول كتاب عربي، فقد وجد اللسان العربي نفسه في امتحان دائم في سياق مغامراته السياسية والإدارية (أثناء تشكل الدولة)، ثم العلمية والفكرية والأدبية (أثناء الترجمة)، ثم انحط مع الانحطاط السياسي جراء انهزام دعاة العقل أمام دعاة النقل. ومع عودة العقل إلى العالم الأوروبي، وانبثاق عصر الأنوار الذي أسسته الشعوب الجرمانية، وانفتاح النخبة العربوفونية على النهضة الأوروبية تزامنا مع سقوط الإمبراطوريا العثمانية ونشوء الكيانات القومية بدأ الناطقون باللسان العربي يستوعبون حالة التحول التي مست الشعوب الناطقة به، ووجد اللسان العربي نفسه مرة أخرى أمام تحد كبير ورهان أكبر، وأمام المستجدات المادية والمعنوية التي أنتجها الفكر الغربي.
في طريق البحث الذي سلكته من أجل إشباع نزوع شخصي، وجدت، كما وجد غيري، عددا من المفاهيم المترجمة تحتاج إلى مراجعة وفحص. لقد اتضح لي أن الذين ظلوا يتداولون تلك المفاهيم في حقلهم السياسي والفكري، كانوا كمن يتعهد حقلا بالحرث والزرع، وعند كل موسم حصاد لا يجني سوى الخيبة، وهكذا دواليك عند كل موسم حرث وموسم حصاد، دون أن ينتبه أن بذوره التي يظنها قمحا هي مجرد زؤان لا يصلح لشيء.
#سعيد_هادف (هاشتاغ)
Said_Hadef#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لماذا عادت الروح النازية؟ وأين ستنتهي؟
-
في سياق يوم المرأة (وهران)، راهن الكتابة النسوية في الجزائر:
...
-
السادس عشر من أيار: الحق في السلام بين الأيديولوجيا والثقافة
...
-
اليوم العالمي للديمقراطيا (الجزء الثاني)
-
اليوم العالمي للديمقراطيا (الجزء الأول)
-
اليوم الأممي لحماية التعليم من الهجمات
-
الوضع الأمني المغاربي على كف عفريت: هل الحرب هي الحل؟ (الجزء
...
-
الوضع الأمني المغاربي على كف عفريت: هل الحرب هي الحل؟ (الجزء
...
-
الوضع الأمني المغاربي على كف عفريت: هل الحرب هي الحل؟ (الجزء
...
-
الوضع الأمني المغاربي على كف عفريت: هل الحرب هي الحل؟ (الجزء
...
-
الوضع الأمني المغاربي على كف عفريت: هل الحرب هي الحل؟ (الجزء
...
-
الوضع الأمني المغاربي على كف عفريت: هل الحرب هي الحل؟ (الجزء
...
-
تبون وماكرون وجها لوجه: هل ستكون العلاقة الفرنسية الجزائرية
...
-
مفدي زكريا: شاعر القومية الجزائرية
-
زيلنسكي إزاء بوتن: صراع النازيات
-
في معنى الشعبوية: هل قيس سعيد شعبوي؟
-
عندما تتشبع السياسة بروح الصداقة
-
تونس 25 يوليو: الرهانات والتحديات
-
الفضاء المغاربي في ضوء نظرية الألعاب
-
-فيتش-: دول في طريقها إلى الإفلاس
المزيد.....
-
-فشلت الخطة-..ماذا فعل ثنائي أمريكي لم يتحقق حلمهما بالتقاعد
...
-
من بيروت.. وزيرة قطرية تكشف عن -رسائل- من لبنانيين مع استمرا
...
-
من قرية خضراء إلى أنقاض متناثرة.. مشاهد تظهر ما حلّ ببلدة لب
...
-
-سانا-: مقتل شرطي سوري وإصابة آخر بغارة إسرائيلية على مدينة
...
-
مصر تضع اللمسات النهائية لافتتاح أعظم مشروع في القرن
-
هكذا أطفأ المصريون -نيران- الإسرائيليين -الثمينة-!
-
-سي إن إن-: جنرال في الناتو يضع قائمة بالأسلحة التي يمكن للو
...
-
إصابة مستشار سموتريتش في جنوب لبنان
-
الصحة اللبنانية تصدر تحديثا جديدا بعدد ضحايا الغارات الإسرائ
...
-
البوندستاغ يوافق على تخصيص 400 مليون يورو لدعم نظام كييف
المزيد.....
|