|
الظروف الاستثنائية في الدستور السوري والفرنسي
أبو جاد قسوم
الحوار المتمدن-العدد: 8117 - 2024 / 10 / 1 - 10:40
المحور:
دراسات وابحاث قانونية
مقدمة يسود في مجال القانون العام مبدأ هام يهدف لتحقيق التوزان بين حقوق الأفراد وحرياتهم وما للدولة من سلطات، وهو مبدأ المشروعية، ومقتضى هذا المبدأ أنه يجب على كل سلطة من السلطات العامة في الدولة أن تتقيد في تصرفاتها بالقانون، حيث يستند النظام القانوني العام في الدولة إلى الدستور الذي تتميز قواعده بالسمو الشكلي والموضوعي، ولكن ذلك فقط في الظروف العادية، أما عندما تتعرض الدولة لخطر جسيم يهدد كيانها فإن الأمر يصبح مختلفاً، إذ غالباً ما ينظم الدستور آلية للتعامل مع الظروف الاستثنائية الغير عادية وأساليب درئها بأقل نسبة تضحية بمبدأ المشروعية ولأقصر مدة زمنية متوقعة لاستمرار هذه الظروف، ومن أهم تلك الآليات إيقاف العمل ببعض النصوص الدستورية والقانونية لأمد محدود أو عدم التقيد بها بصورة مؤقتة حتى زوال الظروف الاستثنائية. إن الظروف الاستثنائية من شأنها إضفاء الصفة المشروعة على تصرفات السلطة المختصة بالتصدي لهذه الظروف، فإذا كان يجب على الحكّام أن يجعلوا من مبدأ المشروعية موضع احترامهم وتقديرهم ومحل لالتزامهم، إلا أنه يجب من ناحية أخرى التسليم بضرورة ملائمة القانون للواقع وروح التطور ومواكبة الظروف والمتغيرات، فالاستمرار بالتشريعات المعدة للأوقات العادية المألوفة في جميع الظروف والأحوال من شأنه أن يجعل القانون متخلفاً ومنفصلاً عن الواقع، فمن المؤكد أن الحياة في أي دولة لا تسير على وتيرة واحدة، وإنما تطرأ ظروف غير عادية تهدد أمن الدولة أو تعرض سلامة النظام العام للخطر، الأمر الذي من شأنه الترخيص للسلطة التنفيذية ولرئيس الجمهورية بشكل خاص باتخاذ إجراءات استثنائية وعدم التقيد بقواعد المشروعية من أجل مواجهة هذه الظروف، لذلك حرصت العديد من الدول على تضمين دستورها نصوصاً تخول لرئيس الجمهورية سلطات استثنائية لا يملكها في الأوقات العادية تساعده على التحكم في الواضع الحرج والمحافظة على كيان الدولة وسلامتها، وبالرغم من أن هذه الحالة تعفي رئيس الجمهورية من الالتزام بالقواعد الدستورية والقانونية الواجبة إلا أن ذلك لا يفلت من الرقابة القضائية، لأنه ملزم عندما يباشر هذه السلطات الاستثنائية ألا يكون خروجه عن مبدأ المشروعية إلا بالقدر الذي يتطلب مواجهة هذه الظروف، لأن السلطات الاستثنائية تنطوي على خطورة كبيرة بالنسبة للحقوق والحريات العامة وقد تتحول تلك السلطات إلى سلطات استبدادية ما لم توضع ضوابط وقيود ورقابة على ممارستها. مفهوم نظرية الظروف الاستثنائية قد تتعرض حياة الدولة للخطر مما يهدد وجودها وكيانها، وهذا يستدعي أن يكون للسلطة التنفيذية صلاحيات استثنائية جديدة للقيام بواجبها في ضوء هذه الظروف، ونتيجة تعارض ذلك مع مبدأ المشروعية ابتدع الفكر القانوني نظرية الظروف الاستثنائية La théorie des circonstances exceptionnels، والتي اعتبرها الأستاذ De Laubadère نظرية قضائية أنشأها مجلس الدولة الفرنسي لمواجهة الظروف الخطيرة التي مرت بها فرنسا خلال الحرب العالمية الأولى وذلك من أجل حماية النظام العام واستمرارية خدمات المرافق العامة خلال تلك الظروف، ويرى جانب من الفقه أن الظروف الاستثنائية هي التي تجعل التصرفات غير المشروعة للسلطة التنفيذية في الظروف العادية مشروعة في الظروف الاستثنائية، بمعنى أن هذه النظرية من شأنها أن توسع مجال المشروعية العادية لتنشئ ما يسمى بالشرعية الاستثنائية مع بقاء الرقابة القضائية. تعريف نظرية الظروف الاستثنائية إن القضاء الإداري الفرنسي هو الذي أصّل نظرية الظروف الاستثنائية، ولكنه لم يضع تعريفاً محدداً لها نظراً لصفة المرونة التي تتمتع بها هذه الظروف حيث يمكن أن تستوعب صوراً عديدة من الأزمات التي تمر بها الدولة، وقد اعتد القضاء الإداري الفرنسي بنظرية الظروف الاستثنائية وإن كان قد أطلق عليها تسميات مختلفة مثل (نظرية الضرورة) أو (نظرية سلطات الحرب)، حيث بدأ الاهتمام من جانب القضاء بتقرير هذه النظرية مع بداية الحرب العالمية الأولى بالاستناد على فكرة الأزمةL’Etat de crise حيث يجوز للسلطة التنفيذية أن تتخذ إجراءات أو توقف تطبيق بعض القوانين كضرورة من الضرورات التي تحتمها الظروف الاستثنائية، أما من حيث إسناد هذه الصلاحيات فقد استند مجلس الدولة الفرنسي في إسناد الصلاحيات الاستثنائية إلى رئيس الجمهورية استناداً إلى دستور 1875 والذي يحمل رئيس الجمهورية في المادة 3 منه مهمة الإشراف على تنفيذ القوانين والسهر على حسن سير المرافق العامة دون توقف خاصة في زمن الحرب حتى ولو أدى ذلك إلى خرق بعض القوانين، وهكذا نستنتج أن القضاء الفرنسي اكتفى ببيان موقفه من الظروف الاستثنائية دون وضع تعريف لهذه الظروف، إلا أن بعض الفقهاء تصدى لنظرية الظروف الاستثنائية في محاولة لوضع تعريف للظروف الاستثنائية ومنهم: تعريف الأستاذ Vedel: عرفها بأنها: "وضع غير عادي وخطير يحتم ضرورة التصرف على وجه السرعة للمحافظة على المصلحة العامة مع عدم إمكان إعمال القواعد العادية"، وبتحليل هذا التعريف نجد أنه يحدد نموذجاً للظروف الاستثنائية بحيث يشمل على ثلاثة نقاط: وجود أوضاع غير عادية، وعدم إمكان إعمال قواعد الشرعية العادية، وضرورة التصرف السريع. تعريف الدكتور سليمان الطماوي: عرفها بقوله: "إن بعض القرارات الإدارية غير المشروعة في الظروف العادية يعتبرها القضاء مشروعة إذا ما لبثت أنها ضرورية لحماية النظام العام أو لتأمين سير المرافق العامة، وهكذا تتحلل الإدارة مؤقتاً بسبب حدوث ظروف استثنائية من قيود المشروعية العادية لتتمتع باختصاص واسع لم يرد به نص تشريعي"، وبتحليل التعريف نجد أنه ركز على أثر الظروف الاستثنائية وبين أنها تؤدي لتمتع السلطة التنفيذية بصلاحيات واسعة غير محددة بنص قانوني. تعريف الفقيه Hauriou: يعتبر من أشد المتحمسين للمناداة بأن نظرية الضرورة هي نظرية قانونية تخول السلطة التنفيذية إصدار لوائح الضرورة استناداً لحق الدفاع الشرعي فهو يرى أنه: "حين تتغير الظروف العادية وتطرأ حوادث مفاجئة تهدد كيان الدولة وأمنها، فإن للدولة أن تدافع عن نفسها، وأن تواجه الأزمة بإجراءات استثنائية، وهي حين تضطر في مثل هذه الظروف القاسية إلى الخروج على أحكام القانون فإن سلوكها يكون مبرراً ومشروعاً". أساس نظرية الظروف الاستثنائية اختلف الفقه في تحديد أساس الظروف الاستثنائية وظهر عدة اتجاهات منها: فكرة الاستعجال: نادى جانب من الفقه إلى تأسيس نظرية الظروف الاستثنائية على أساس فكرة الاستعجال، وذلك وفق ما نادى به الفقيه Vedel والذي درس هذه النظرية ضمن نظرية سلطات الحرب، إلا أننا نرى أن هذه الفكرة لا تصلح أن تكون أساساً لنظرية الظروف الاستثنائية لأن الاستعجال هو طبيعة العمل الذي تأتيه الإدارة لمواجهة الظروف الاستثنائية وليس أساسه. فكرة الأعمال الحكومية: يرى الفقيه جاكلان أن الأعمال الصادرة من الحكومة في ظل الظروف الاستثنائية هي من طرف أعمال السيادة والهدف منها سلامة الوحدة الوطنية وتحقيق الدفاع الشرعي الوطني على النحو الذي نادى به الفقيه Hauriou، إلا أننا لا نتفق مع هذا الرأي لأنه يتعارض مع إخضاع نظرية الظروف الاستثنائية لرقابة القضاء، ومن المعلوم أن أعمال السيادة لا تخضع له. فكرة الواجبات العامة للإدارة: وهو رأي الفقيه De Laubadère حيث يرى أن إعمال القوانين المعدة للأوقات العادية يعرقل الإدارة العامة عن أداء واجباتها مما يستدعي تحريرها بصفة مؤقتة من هذه القوانين، وهذا الرأي يؤيده فيه الفقه العربي كالدكتور سلمان الطماوي بقوله: "قد يبدو لأول وهلة أن نظرية الظروف الاستثنائية ما هي إلا تطبيق عادي لفكرة الضرورة، ولكن الحقيقة أن مجلس الدولة الفرنسي لا يرجع الظروف الاستثنائية إلى هذا الأساس وإنما إلى أساس آخر أيسر شروطه ومداه من فكرة الضرورة وهو واجبات السلطة التنفيذية"، إلا أننا لا نتفق مع هذ الرأي لأنه يسلط الضوء على الغايات التي تهدف إليها النظرية وهو سير المرافق العامة أو الواجبات العامة للسلطة التنفيذية وليس أساسها، ويبقى هذا الرأي محل نظر باعتبار أن سير المرافق العامة أثر من آثار تطبيق النظرية. نظرية الضرورة: وهي الحالة من الخطر الجسيم الحال التي يتعذر تداركها بالوسائل العادية مما يدفع السلطات القائمة إلى أن تلجأ إلى الوسائل الاستثنائية لدفع الخطر ومواجهة الأزمة، والرأي الراجح أن أساس نظرية الظروف الاستثنائية هو نظرية الضرورة، حيث يقصد بوجود الضرورة وجود مخاطر جسيمة وحالة تهدد موضوعات دستورية مثل: سلطات الدولة، والنظام الاجتماعي والسياسي للدولة، والأمن الوطني والنظام القانوني للحقوق والحريات، ووحدة التراب الوطني وكيان المجتمع، وفكرة الضرورة تقوم على ركنين: ركن موضوعي: يتمثل بوجود خطر جسيم وحال يهدد مصلحة جوهرية معتبرة قانوناً. ركن شكلي: يتمثل في تجاوز أحكام القانون. إن نظرية الضرورة تعني إضفاء المشروعية على عمل هو في الظروف العادية غير مشروع، ومن ثم فإن أساس الظروف الاستثنائية هو نظرية الضرورة وحدها، بمعنى أن الظروف الاستثنائية تمثل حالة شاذة لا تسعف القواعد المشروعية في معالجتها لكون ما ولدته من أخطار تهدد النظام العام أو المرافق العامة تجعل من الإجراءات الدستورية غير كافية لمواجهة هذه الظروف، وهذا المعيار في القانون الدستوري خطير باعتباره يهدد موضوعات وقيم دستورية بالغة الحيوية للدولة والمجتمع مثل موضوعات الأمن الوطني بالمفهوم السياسي والعسكري والوحدة الوطنية والترابية، وحسن سير مؤسسات الدولة الدستورية ونظامها السياسي والاقتصادي والاجتماعي، والمخاطر الجسيمة قد يكون مصدرها خارجي كإعلان الحرب أو محاولة حصار الدولة أو نتيجة لكارثة طبيعية، وقد يكون مصدرها داخلي كالفتن الكبرى والعصيان المسلح والتمرد المدني أو العسكري، أو إضراب شامل يشمل جميع مرافق الدولة، أو محاولة تخريب وتعطيل مؤسسات الدولة ومنعها من السير بانتظام واضطراد. سلطات رئيس الدولة في الظروف الاستثنائية في الدستور الفرنسي والسوري يجمع التشريع الدستوري في سورية وفرنسا على أن رئيس الدولة هو الذي يضطلع بسلطة اتخاذ كافة الإجراءات الاستثنائية التي تفرضها الظروف الاستثنائية وذلك وفق ما يلي: الدستور الفرنسي: تضمن الدستور الفرنسي لسنة 1958 نصاً هاماً هو المادة 16 لمواجهة الأزمات التي قد تمر بها الدولة، فالدستور الفرنسي منح رئيس الجمهورية صلاحيات واسعة تسمح له بمواجهة الأوضاع الاستثنائية، ومن خلال دراسة هذا النص نستنتج ما يلي: 1-شروط الحالة الاستثنائية: بما أن تقرير الحالة الاستثنائية يمكن رئيس الجمهورية من ممارسة سلطات، فقد حرص المشرع الدستوري الفرنسي على أن يحدد شروط لتقرير الحالة الاستثنائية بدقة، فلم يكتف في هذا الصدد بمجرد قيام ظروف استثنائية بمفهومها العام، بل حدد الحالات التي تسمح بتقرير هذه الحالة وضوابطها دون التعسف في تقريرها، وباستقراء المادة 16 نجد أنها تتضمن شروطاً شكلية وشروطاً موضوعية: الشروط الشكلية: يشترط الدستور الفرنسي أن على رئيس الجمهورية قبل اتخاذ قرار بإعلان الحالة الاستثنائية أن يستشير رئيسي غرفتي البرلمان والمجلس الدستوري، والاستشارة هي قيد شكلي لكنه إجباري حتى ولو كان الرأي عنها غير ملزم في حد ذاته بحيث إذا استغنى عنها رئيس الجمهورية كان عمله غير دستوري إلا إذا تعذر القيام بذلك لقوة قاهرة، فلو تعذر على رئيس الجمهورية الفرنسية استشارة تلك الشخصيات بسبب تواجدها في الخارج وكان من شأن انتظار عودتهما إلى أرض الوطن تفاقم الخطر على نحو يتعذر معه تداركه فإن قراره بتقرير الحالة الاستثنائية يعد مشروعاً. الشروط الموضوعية: نصت المادة 16 على ضرورة توافر الشروط الموضوعية التي تسمح بتقرير الحالة الاستثنائية والتي تتوقف على: وجود خطر داهم أو حال، ويجب أن يهدد هذا الخطر مؤسسات الدولة أو استقلالها أو سلامة ترابها، حيث قد اشترط المؤسس الدستوري الفرنسي صراحة في المادة 16 على أن يكون الخطر جسيماً وحالاً، والخطر الجسيم هو الخطر الذي يتجاوز في شدته المخاطر المعتادة والمألوفة، أما الخطر الحال فيقصد به الخطر الذي بدأ فعلاً تحققه ولم ينتهي أو كان تحققه في المستقبل أكيد، أما الخطر المحتمل فلا يعد من قبيل الأخطار التي تسمح بتقرير الحالة الاستثنائية. وقد كان المشرع الدستوري الفرنسي دقيقاً في تحديد الشرط الثاني والمتمثل بأن يهدد هذا الخطر المؤسسات الدستورية للبلاد أو استقلال البلاد أو سلامة ترابها، فلا يكفي في فرنسا أن تكون مؤسسات الدولة أو استقلال الأمة أو سلامة إقليمها أو تنفيذ التزاماتها الدولية مهددة بخطر جسيم بل لا بد أن يترتب على ذلك إعاقة السير العادي المنتظم للسلطات العامة الدستورية عن أداء مهامها. 2-نطاق السلطات الممنوحة لرئيس الجمهورية: لم تحدد المادة 16 من الدستور الفرنسي نطاق السلطات الاستثنائية التي تخول لرئيس الجمهورية لمواجهة الأزمة التي تتعرض لها الدولة، حيث نصت المادة 16 على أن رئيس الجمهورية: "يتخذ الإجراءات التي تقتضيها الظروف"، لكن المؤسس الدستوري في فرنسا ربط هذه السلطات الاستثنائية بالغرض إليها وهو في فرنسا يتمثل بـ: "تمكين السلطات العامة من مباشرة مهامها"، واستناداً لشروط تقرير الحالة الاستثنائية والغرض منها فقد حاول جانب من الفقه الدستوري الفرنسي أن يحدد مجال السلطات الاستثنائية المتخذة من قبل رئيس الجمهورية وذلك في المجال الدستوري أولاً، والمجال التشريعي ثانياً، ففي المجال الدستوري ذهب الفقه الدستوري في فرنسا إلى أنه يمكن لرئيس الجمهورية أن يوقف العمل ببعض نصوص الدستور، ذلك أن وقف العمل ببعض أحكام الدستور يعد بمثابة إجراء مؤقت وهو بهذا الشكل لا يعد اعتداء على اختصاص السلطة التأسيسية تماشياً مع الحالة الاستثنائية. أما في المجال التشريعي فإن المادة 16 نصت على أن يجتمع البرلمان بقوة القانون بعد تقرير الحالة الاستثنائية، ولكن إذا كان البرلمان يجتمع بقوة القانون في الظروف الاستثنائية فهل ذلك يعني أنه لا يحق لرئيس الجمهورية التدخل في المجال التشريعي؟ في الواقع لم تحتوي المادة 16 على إجازة تدخل رئيس الجمهورية في المجال التشريعي إلا أن جانب من الفقه يرى أنه بإمكان رئيس الجمهورية أن يتدخل في المجال المخصص للبرلمان على أساس أن المادة 16 جاءت لتمنح رئيس الجمهورية سلطة اتخاذ كافة الإجراءات التي تتطلبها الحالة الاستثنائية، فالفقه الفرنسي يذهب إلى اعتماد التفسير الواسع لتلك السلطات فيحق لرئيس الجمهورية أن يتخذ أي إجراء مهما كانت طبيعته ما دام أنه يؤدي في النهاية إلى عودة الحياة الدستورية إلى حالتها الطبيعية. 3-مدة سريان الإجراءات المتخذة أثناء الحالة الاستثنائية: لم تحدد المادة 16 من الدستور الفرنسي مدة لسريان تطبيق الإجراءات المتخذة في الحالة الاستثنائية، إلا أن الفقه الدستوري الفرنسي يرى أن تطبيق المادة 16 يجب أن ينتهي بمجرد زوال الظروف الاستثنائية التي أدت إلى تقرير الحالة الاستثنائية وعودة السلطات العامة إلى ممارسة اختصاصاتها بصورة منتظمة، ذلك أن الهدف من منح رئيس الجمهورية سلطات استثنائية واسعة وفق المادة 16 هو تمكين السلطات الدستورية من ممارسة وظائفها وعليه إذا تحقق هذا الغرض فإنه يجب على رئيس الجمهورية أن يمتنع عن استخدام سلطاته الواسعة. الدستور السوري: نص الدستور السوري النافذ سنة 2012 في المادة 114 منه على أنه: "إذا قام خطر جسيم وحال يهدد الوحدة الوطنية أو سلامة واستقلال أرض الوطن أو يعوق مؤسسات الدولة عن مباشرة مهامها الدستورية، لرئيس الدولة أن يتخذ الإجراءات السريعة التي تقتضيها هذه الظروف لمواجهة الخطر"، وبمقارنة هذه المادة مع المادة 16 من الدستور الفرنسي نجد ما يلي: 1-شروط الحالة الاستثنائية: تختلف الشروط التي وضعها المشرع الدستوري السوري لتقرير الحالة الاستثنائية عن تلك التي أقرها المشرع الفرنسي من حيث أن المشرع الدستوري السوري لم يضع أي شروط شكلية سواء كانت إجبارية أو شكلية، حيث لا يتطلب تقرير الحالة الاستثنائية وفق الدستور السوري أي استشارات، أما من حيث الشروط الموضوعية فقد اتفق الدستور السوري والفرنسي على شروط قيام الحالة الاستثنائية وهي الخطر الجسيم والحال، والذي يهدد الوحدة الوطنية أو سلامة واستقلال أرض الوطن أو يعوق مؤسسات الدولة عن مباشرة مهامها الدستورية. وتجدر الإشارة أن المشرع الدستوري الفرنسي نص على أن يخاطب رئيس الجمهورية الأمة الفرنسية ليعلمها بإعلان الحالة الاستثنائية، أما المشرع الدستوري السوري فقد أغفل ذلك. 2-نطاق السلطات الممنوحة لرئيس الجمهورية: اتفق المشرع السوري مع المشرع الدستوري من حيث عدم تحديد نطاق للصلاحيات التي تم منحها لرئيس الجمهورية في الظروف الاستثنائية، مما يؤكد على منح رئيس الجمهورية سلطات واسعة لاتخاذ ما يراه مناسباً من إجراءات أياً كان نوعها سواء كانت ذات طابع دستوري أو تشريعي، مع الإشارة أن المادة 16 من الدستور الفرنسي أكدت على اجتماع البرلمان بقوة القانون بمجرد تقرير الحالة الاستثنائية، أما في الدستور السوري فلم ينص على اجتماع البرلمان في حال تقرير الظروف الاستثنائية من قبل رئيس الجمهورية، وهذا يؤكد على أن صلاحيات رئيس الجمهورية في الدستور السوري ستكون أوسع مما هي عليه في الدستور الفرنسي، باعتباره أغفل النص على اجتماع البرلمان. كما أن المشرع الدستوري السوري نص على "الإجراءات السريعة" في حين أن المشرع الدستوري الفرسي أغفل ذلك. 3-مدة سريان الإجراءات المتخذة أثناء الحالة الاستثنائية: اتفق المشرع الدستوري السوري والفرنسي على عدم النص بمدة سريان الإجراءات الاستثنائية، ونرى أنها يجب أن تنتهي بمجرد زوال الظروف الاستثنائية التي أدت إلى تقرير الحالة الاستثنائية.
#أبو_جاد_قسوم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التعاون الإسلامي تدين استمرار جرائم الحرب التي ترتكبها إسرائ
...
-
خطر الموت جوعًا أو قتلا بالقصف يواجه عشرات آلاف السكان شمال
...
-
المفوضية السامية تكشف عدد اللاجئين السودانيين الذين استقبلته
...
-
المرصد الاورومتوسطي لحقوق الانسان: الاحتلال يستخدم روبوتات
...
-
-الأونروا-: الجيش الإسرائيلي قصف مدرسة تأوي عددا كبيرا من ال
...
-
الاتحاد الأوروبي يندد بالهجمات الإسرائيلية على بعثات الأمم ا
...
-
رغم تحذير نتنياهو.. الأمم المتحدة: قوات اليونيفيل لا تزال بج
...
-
شعار النازحين اللبنانيين، من خيامهم في المدارس..-رح نرجع مرف
...
-
مشاهد مرعبة لحرائق خيام النازحين بمستشفى شهداء الاقصى
-
اعتقال إسرائيليين.. خططا لاغتيال شخصية بارزة لصالح إيران
المزيد.....
-
التنمر: من المهم التوقف عن التنمر مبكرًا حتى لا يعاني كل من
...
/ هيثم الفقى
-
محاضرات في الترجمة القانونية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
قراءة في آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين وفق الأنظمة
...
/ سعيد زيوش
-
قراءة في كتاب -الروبوتات: نظرة صارمة في ضوء العلوم القانونية
...
/ محمد أوبالاك
-
الغول الاقتصادي المسمى -GAFA- أو الشركات العاملة على دعامات
...
/ محمد أوبالاك
-
أثر الإتجاهات الفكرية في الحقوق السياسية و أصول نظام الحكم ف
...
/ نجم الدين فارس
-
قرار محكمة الانفال - وثيقة قانونيه و تاريخيه و سياسيه
/ القاضي محمد عريبي والمحامي بهزاد علي ادم
-
المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي
/ اكرم زاده الكوردي
-
المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي
/ أكرم زاده الكوردي
-
حكام الكفالة الجزائية دراسة مقارنة بين قانون الأصول المحاكما
...
/ اكرم زاده الكوردي
المزيد.....
|