أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم

الصفحة الرئيسية - الارشيف الماركسي - عبدالرحيم قروي - من أجل ثقافة جماهيرية بديلة - فريدريك أنجلز-أصل العائلة و الملكية الخاصة والدولة 11















المزيد.....



من أجل ثقافة جماهيرية بديلة - فريدريك أنجلز-أصل العائلة و الملكية الخاصة والدولة 11


عبدالرحيم قروي

الحوار المتمدن-العدد: 8146 - 2024 / 10 / 30 - 15:53
المحور: الارشيف الماركسي
    


الحلقة الحادية عشر

ـ7 العشيرة عند السلت والجرمان

إن نطاق هذا البحث لا يسمح لنا بأن ندرس بالتفصيل مؤسسات النظام العشائري التي لا تزال قائمة حالياً عند شتى الشعوب المتوحشة و البربرية بشكل متفاوت النقاوة، أو آثار هذه المؤسسات في تاريخ الشعوب المتمدنة الآسيوية القديم. فهذه و تلك موجودة في كل مكان. حسبنا بعض الأمثلة. فقبل معرفة ماهية العشيرة، كان ماك-لينان، الذي بذل من الجهود أكثر مما بذله أي آخر لأجل تشويه معنى هذه الكلمة، قد أثبت وجودها و وصفها على العموم وصفاً صحيحاً كما كانت عليه عند الكلميك و الشركس و الساموييد* وعند ثلاثة شعوب هندية –الفارلي و الماغار و المانيبوري (127). و مؤخراً، اكتشفها كوفاليفسكي و وصفها عند البشاف و الخفسور و السفان و غيرها من القبائل القفقاسية (128). و نكتفي هنا ببعض الملاحظات الوجيزة حول وجود العشيرة عند السلت و الجرمان.
إن أقدم القوانين السلتية التي وصلت إلينا تبين لنا العشيرة في أوج حيويتها، وفي إرلنده، لا تزال العشيرة حية في ضمير الشعب في أيامنا هذه، بصورة غريزية على الأقل، بعد أن دمرها الإنجليز بالقوة، و في اسكتلنده، كانت لا تزال في ذروة ازدهارها في أواسط القرن الماضي، و هنا أيضاً لم يقض عليها إلا بسلاح الإنجليز و قوانينهم و محاكمهم.
إن قوانين بلاد ويلس القديمة، المكتوبة قبل الفتح الإنجليزي (129) بقرون كثيرة، آخرها القرن الحادي عشر، تدل على أن قرى بكاملها كانت تحرث الأرض بصورة مشتركة، و أن بصورة بقايا استثنائية من عادة كانت من قبل شاملة. كان لكل عائلة خمسة إكرات لأجل حراثتها في صالحها وحدها. و إلى جانب ذلك، كانت هناك قطعة تحرث بصورة مشتركة، و يُقتسم محصولها. و لا ريب أن هذه المشاعات الريفية كانت عبارة عن عشائر أو عن أقسام عشائر، و هذا ما يثبته التشابه بين إرلنده و اسكتلنده، حتى و إن لم تؤكد دراسة جديدة لقوانين ويلس، لا وقت عندي للقيام بها،(إن مقتطفاتي تعود إلى عام 1869 (130)) صحة هذا القول مباشرة. و لكن المصادر الويلسية، و معها المصادر الإرلندية تثبت مباشرة أن الزواج الأحادي لم يكن بعد في القرن الحادي عشر قد حل عند السلت محل الزواج الثنائي. و في بلاد ويلس، لم يكن الزواج يصبح قابلاً للحل أو بالأصح قابلاً للفسخ بناء على طلب أحد الطرفين إلا قبل انقضاء سبع سنوات على عقده. و حين لا يبقى لاكتمال هذه السنوات السبع إلا ثلاث ليال، كان في وسع الزوجين أن ينفصلا. و آنذاك تجري قسمة الأموال: كانت الزوجة تقسم، و الزوج يختار قسمه. و كانت المفروشات و الأدوات المنزلية تقسم حسب قواعد واضحة محددة، طريفة جداً. فإذا كان الزوج هو الذي يفسخ الزواج، فقد كان عليه أن يعيد إلى زوجته بائنتها و بعض الأشياء الأخرى، و إذا كانت الزوجة، فقد كانت حصتها أقل. و كان الزوج يأخذ من الأولاد اثنين و الزوجة واحداً، هو الأوسط بينهم. و إذا تزوجت الزوجة مرة أخرى بعد الطلاق، و شاء الزوج السابق الحصول عليها من جديد، فقد كان يتعين عليها أن تتبعه، حتى و إن كانت قد وطأت بقدم واحدة الفراش الزوجي الجديد. و لكن إذا عاش الرجل و المرأة معاً طوال سبع سنوات، فإنهما يصبحان زوجاً و زوجة حتى و إن لم يعقدا زواجهما من قبل حسب الأصول. و لم تكن بكارة المرأة قبل الزواج موضع مراعاة دقيقة و طلب صارم، فالقواعد في هذا المضمار ذات طبيعة عابثة جداً، و لا تتفق إطلاقاً مع الأخلاق البورجوازية. إذا خانت الزوجة زوجها، كان من حقه أن يضربها (و هذه حالة من ثلاث حالات كان يحق له فيها ضربها، أما في الحالات الأخرى، فكان يتعرض للعقاب)، و لكنه، بعد ذلك، لم يكن يحق له أن يطالب بأي ترضية أخرى لأنه:
"يجب أن يكون، لقاء الجرم نفسه، إما تكفير و إما ثأر، و لكن لا الاثنان في آن واحد" (131).
إن الأسباب التي كان يحق بموجبها للزوجة أن تطلب الطلاق دون أن تفقد أياً من حقوقها عند قسمة المقتنيات، كانت متنوعة جداً: فقد كانت رائحة فم الزوج الكريهة تكفي لهذا الغرض. إن الفدية المدفوعة لزعيم القبيلة أو للملك تعويضاً عن حق الليلة الأولى (gobr merch، و من هنا الكلمة القروسطية marchet و بالفرنسية marquette) تضطلع بدور كبير في مجموع القوانين. و كان للنساء حق التصويت في الجمعيات الشعبية. أضف إلى هذا أنه قد أقيم البرهان على وجود مثل هذه النظم في إرلنده أيضاً، و على أن الزواجات لفترة معينة من الزمن كانت أمراً عادياً تماماً، و أنهم كانوا يضمنون للزوجة في حال الطلاق فوائد كبيرة محددة بدقة، و حتى تعويضاً عن خدماتها البيتية، و أنه كانت توجد هناك "زوجة أولى" إلى جانب الزوجات الأخريات و أنه لم يكن هناك أي تفريق عند قسمة الإرث بين الأولاد الشرعيين و غير الشرعيين. و هكذا نرى أمامنا لوحة عن الزواج الثنائي يبدوا تجاهها شكل الزواج القائم في أميركا الشمالية صارماً، و لكن ذلك لم يكن في القرن الحادي عشر ليثير الدهشة عند شعب كان لا يزال في زمن قيصر يمارس الزواج الجماعي.
إن وجود العشيرة الإرلندية (sept "السبط")، و كانت القبيلة تسمى clianne-"كلان") لا تؤكده و تصفه كتب القانون القديمة و حسب، بل يؤكده و يصفه أيضاً رجال القانون الإنجليز من القرن السابع عشر الذي أرسلوا إلى إرلنده لتحويل أراضي "الكلانات" إلى ممتلكات لملك إنجلترا. و حتى ذلك الوقت، كانت الأرض ملكاً عاماً "للكلان" أو للعشيرة إذا لم يكن الزعماء قد حولوها إلى ملك خاص لهم. و عندما كان يتوفى أحد أعضاء العشيرة، و بالتالي عندما كانت تزول إحدى الاستثمارات البيتية، كان الزعيم (و قد سماه رجال القانون الإنجليز caput cognationis) يعمد إلى تقسيم الأرض كلها من جديد بين الاستثمارات البيتية الباقية. و كان هذا التقسيم الجديد يجري، على الأرجح، و بوجه عام، حسب القواعد السارية المفعول في ألمانية. و في الوقت الحاضر أيضاً، توجد هنا و هناك في القرى حقول تدخل فيما يسمى نظام rundale (روندال)، و كانت كثيرة جداً منذ أربعين أو خمسين سنة. إن الفلاحين، المستأجرين الفرديين للأرض التي كانت تخص من قبل العشيرة كلها و التي استولى عليها الغزاة الإنجليز، يدفع كل منهم بدل إيجار عن قطعته، و لكنهم يجمعون جميع حقول و مروج قطعهم في كل واحد، و يقسمونها تبعاً لموقعها و نوعية تربتها إلى "قطاعات" ("Gewann")، كما يسمونها على ضفاف نهر الموزيل و يمنحون كلاً منهم حصة في كل "قطاع". أما المستنقعات و المراعي، فكانوا يستخدمونها بصورة مشتركة. و منذ نحو خمسين سنة، كان يجري تقسم جديد بين الفينة و الفينة، و أحياناً كل سنة. إن خريطة القرية التي يسري فيها نظام روندال rundale تظهر مماثلة تماماً لخريطة أي مشاعة ريفية ألمانية (Gehöferschaft) في منطقة الموزيل أو في منطقة خوخفالد. كذلك لا تزال العشيرة تعيش في factions* أيضاً. فإن الفلاحين الإرلنديين ينقسمون أحياناً كثيرة إلى أحزاب يتميز بعضها عن بعض بعلائم تبدو في الظاهر سخيفة و باطلة تماماً، بعلائم غير مفهومة أبداً بالنسبة للإنجليز، و يخيل أنها لا تبتغي أي هدف غير المشاجرات التي تنشب بين هذه الأحزاب في أيام الأعياد و التي تطيب لها جداً. إنها بعث مصطنع للعشائر البائدة، و بديل عنها ظهر بعد زوالها، و شاهد أصيل على حيوية الغريزة العشيرية المتوارثة. ناهيك بأن أعضاء العشيرة لا يزالون في بعض الأماكن يعيشون معاً في أرضهم القديمة، ففي الثلاثينيات، مثلاً، لم يكن للأغلبية الكبيرة من سكان كونتية موناخان سوى أربع كنيات، و هذا يعني أنهم كانوا يتحدرون من أربع عشائر أو "كلانات"** .
في اسكتلنده، يطابق زوال النظام العشائري قمع انتفاضة 1745 (133). يبقى لنا أن نبين أي حلقة بالضبط من هذا النظام تمثل "الكلان" الاسكتلندية، و لكنه لا ريب في أنها حلقة منه. ففي روايات فالتر سكوت، نرى هذه "الكلان" من جبال اسكتلنده حية أمامنا. إن هذه "الكلان"، -كما يقول مورغان-
"نموذج ممتاز للعشيرة من حيث تنظيمها و من حيث روحها، و مثال باهر على سلطان نمط الحياة العشيري على أعضاء العشيرة ... ففي مشاجراتهم و في ثأرهم الدموي، و في توزيع الأراضي حسب "الكلانات"، و في استغلالهم للأرض بصورة مشتركة، و في وفاء أعضاء "الكلان" للزعيم و لبعضهم بعضاً، نجد سمات المجتمع العشائري الثابتة في كل مكان ... كان الأصل يحسب بموجب الحق الأبوي، و هكذا كان أولاد الرجال يبقون في "الكلان"، بينا أولاد النساء ينتقلون إلى "كلانات" آبائهم"(134).
و لكن الواقع التالي، و هو أن التسلسل الوراثي كان يجري في سلالة "البيكت" الملكية حسب حبل النسل النسائي (135)، كما يقول بيدا، يثبت أن الحق الأمي كان هو السائد من قبل في اسكتلنده. بل أن بقية من العائلة البونالوانية بقيت سواء عند الويلسيين أم عند السكوتيين، حتى القرون الوسطى بصورة حق الليلة الأولى الذي كان بوسع زعيم "الكلان" أو الملك، بوصفه الممثل الأخير للأزواج المشتركين سابقاً، أن يستخدمه حيال كل عروس إذا لم يُفْدَ.
***
و لا سبيل إلى الريب في أن الجرمان كانوا منظمين في عشائر قبل هجرات الشعوب. و لم يكن من الممكن، على ما يبدو، أن يكونوا قد شغلوا الأرض الواقعة بين أنهر الدانوب و الراين و الفيستول و البحار الشمالية إلا قبل الميلاد ببضعة قرون. و آنذاك كانت هجرات السمبر cimrbes و التوتونيين teutons لا تزال في أوجها، بينا لم يجد السوييف suèves مقامات مستقرة إلا في عهد قيصر. و يقول قيصر عن هؤلاء الأخيرين بكل وضوح أنهم أقاموا حسب العشائر و حسب الجماعات العرقية التي تربط بينها صلة القربى (gentibus cognationibusque)(136).و لكلمة genibus هذه على لسان روماني من gens Julia* معنى دقيق لا جدال فيه. و هذا القول ينطبق على جميع الجرمان. بل أن الجرمان كانوا، على الأرجح، يسكنون عشائر عشائر في الأقاليم الرومانية المحتلة. و يؤكد "الحق الألماني"(alaman) أن الشعب في الأرض المحتلة جنوبي نهر الدانوب يقيم عشائر عشائر (genealogiae)(137). و كلمة genealogia تستعمل هنا تماماً بنفس المعنى الذي استعملت به فيما بعد المشاعة-المارك أو المشاعة الريفية. و مؤخراً عرض كوفاليفسكي رأياً مفاده أن هذه genealogiae كانت عبارة عن مشاعات منزلية كبيرة كانت الأرض مقسمة فيما بينها، و لم تنشأ و تتطور منها المشاعة الريفية (138) إلا فيما بعد. و في هذه الحال، يمكن قول الشيء نفسه أيضاً عن fara (فارا)، و هذه الكلمة كانت عند البورغوند و اللومبارد- و بالتالي عند قبيلة قوطية و قبيلة هرميتونية أو ألمانية عليا- تعني تقريباً، إن لم يكن تماماً، ما تعنيه كلمة genealogia في "الحق الألماني". و يجدر بنا أن نواصل البحث و الدراسة لنعرف ما إذا كنا بالفعل أمام العشيرة أو أمام المشاعة البيتية.
إن الآثار اللغوية لا تفيدنا بصورة واضحة عما إذا كانت هناك عند جميع الجرمان كلمة مشتركة لتسمية العشيرة، و ما هي هذه الكلمة بالذات. فمن حيث علم الاشتقاق، تقابل الكلمة اليونانية genos ("جينوس")، و اللاتينية gens ("جنس") الكلمة القوطية kuni ("كوني") و الكلمة الألمانية –العليا الوسطى künne ("كوّنه")، و هذه الكلمة تستعمل بالمعنى نفسه. و مما يدل على زمن الحق الأمي أن الكلمة التي تعني المرأة تتفرع من الجذر ذاته: باليونانية gyne، بالسلافية zena، بالقوطية qvino، بالسكاندينافية القديمة kona، kuna. – و عند اللومبارد و البورغوند، نجد، كما قيل أعلاه، كلمة fara التي يشتقها غريم من الجذر الفرضي fisan-وَلَد. و أني أميل إلى الانطلاق من أصل أوضح، هو faran* - ذهب راكباً، ترحل، عاد- لتسمية جزء معين من جماعة مترحلة لا تتألف، بطبيعة الحال، إلا من أقارب. و هذه التسمية أخذت شيئاً فشيئاً، أثناء الهجرات خلال قرون و قرون، أولاً إلى الشرق، ثم إلى الغرب، تعني الجماعة العشيرية.-ثم هناك الكلمة القوطية sibja الأنجلو-ساكسونية sib، و الألمانية العليا القديمة sippia،sippa- الأقارب **. و في اللغة السكاندينافية القديمة لا نجد غير الجمع sifjar- الأقارب، و لا نجد المفرد إلا لاسم الآلهة سيف (Sif). –و أخيراً، نجد أيضاً في "نشيد هيلديبراند" (139) كلمة أخرى، و ذلك على وجه الضبط في المقطع الذي يسال فيه هيلديبراند هادوبراند:
"من هو أبوك بين رجال هذا الشعب ... أو من أي عشيرة أنت؟" "eddo huêlîhhes cnuosles du sîs".
و لئن كانت قد وجدت على العموم كلمة ألمانية مشتركة لتعيين العشيرة، لكان لفظها، على الأرجح، قريباً من لفظ الكلمة القوطية kuni، و يدل على صحة هذا القول، ليس فقط التشابه مع التعبير المناسب في اللغات المتقاربة، بل أيضاً كون كلمة kuning* -الملك- مشتقة منه و تعني في الأصل شيخ العشيرة أو القبيلة. أما كلمة sibja (الأقارب) فيبدو أنه لا يجوز أخذها بعين الاعتبار، لأن sifjar، على الأقل، لا تعني باللغة السكاندينافية القديمة الأقارب بالدم و حسب، بل تعني أيضاً الأقارب بالمصاهرة، أي أنها تشمل أعضاء عشيرتين اثنتين على الأقل، و لهذا لم يكن من الممكن أن تكون كلمة sif ذاتها اسماً لتعيين العشيرة.
و كما عند المكسيكيين و اليونانيين، كذلك عند الجرمان، كان ترتيب الصفوف القتالية في فصيلة الخيالة و في طابور المشاة الإسفيني الشكل يجري حسب مجموعات العشائر. و إذا كان تاقيطس يقول: حسب العائلات و حسب الجماعات المتقاربة (140)، فإن هذا التعبير غير الواضح يفسره كون العشيرة كانت في زمنه قد زالت من الوجود في روما منذ وقت بعيد بوصفها وحدة أهلاً للحياة.
يوجد عند تاقيطس مقطع يتسم بأهمية حاسمة، هو المقطع الذي يقول أن أخ الأم يعتبر ابن أخته كابنه، بل أن بعضهم يرى أن رابطة الدم بين الخال و ابن الأخت أقدس و أوثق من الرابطة بين الأب و الابن، و هكذا عندما يتطلبون الرهائن، يعتبرون ابن الأخت ضمانة أثبت من ابن الرجل الذي يراد تقيده بهذه العملية. و هنا نجد بقية حية من العشيرة المنظمة تبعاً للحق الأمي، أي العشيرة البدائية، ناهيك بأنها عشيرة تشكل سمة خاصة يتميز بها الجرمان* . فإذا قدم أحد أعضاء مثل هذه "العشيرة" ابنه ضمانة لتعهد قطعه على نفسه أمام الملأ، و إذا ما مات الولد ضحية لحنث والده بتعهده، فإن هذا كان شأن الوالد وحده. و لكن إذا كانت الضحية ابن الأخت، فإن هذا كان مخالفة لأقدس قوانين العشيرة. فإن أقرب قريب للصبي أو للفتى ملزم أكثر من غيره بحمايته، يصبح مسؤولاً عن موته، و قد كان على هذا القريب، إما ألا يجعل منه رهينة، و إما أن ينفذ تعهده. و حتى إذا لم نكتشف أي آثار أخرى عن النظام العشائري عند الجرمان، فإن هذا المقطع وحده يكفي.
و هناك بقية أخرى من الحق أمي الذي زال للتو، هي ذلك الاحترام الذي يكنه الجرمان للنساء، و الذي كان بالنسبة للرومانيين غير مفهوم تقريباً. كانت البنات من عائلة نبيلة يعتبرن أوثق الرهائن عند عقد المعاهدات مع الجرمان. فإن فكرة أن زوجاتهم و بناتهم قد يقعن في الأسر و العبودية هي بالنسبة لهم فكرة رهيبة، و تثير شجاعتهم في القتال أكثر من أي عامل آخر، و هم يرون في المرأة شيئاً ما مقدساً و نبوئياً، و هم يستمعون إلى نصيحتها، حتى في أهم القضايا: فان فيليدا، كاهنة قبيلة البروكتر على ضفة نهر ليب، مثلاً، كانت روح انتفاضة الباتافيين كلها التي زعزع أثناءها زيفيليس على رأس الجرمان و البلجيكيين السيادة الرومانية في عموم بلاد الغال (145). و يبدو أن سيادة المرأة في البيت أمر لا جدال فيه. صحيح أن جميع الأعمال البيتية ملقاة على عاتقها و على عاتق الشيوخ و الأطفال، أما الزوج فيطارد أو يشرب، أو يتكاسل. هكذا يقول تاقيطس. و لكن بما أنه لا يذكر من ذا الذي يحرث الحقل، و بما أنه يعلن بصراحة أن العبيد كانوا يدفعون أتاوات و حسب، و لا يقومون بأي عمل من أعمال السخرة، فإنه كان لا بد، أغلب الظن، لسواد الرجال الراشدين، أن يقوموا مع ذلك بالقليل من العمل الذي كانت تقتضيه حراثة الأرض.
كان شكل الزواج، كما قيل أعلاه، الزواج الثنائي المقترب شيئاً فشيئاً من الزواج الأحادي. و لم يكن ذلك بعد زواجاً أحادياً صرفاً، لأن تعدد الزوجات كان مسموحاً للأعيان. و على العموم، كانت بكارة الفتيات موضع مراقبة و مطالبة صارمة، (خلافاً لما هو الحال عند السلت)، و يتحدث تاقيطس كذلك بحرارة خاصة عن حرمة الرابطة الزوجية عند الجرمان. و لا يورد غير زنى الزوجة سبباً للطلاق. و لكن روايته في هذا الصدد تشوبها ثغرات كثيرة، ناهيك بأنه يقصد منها بفائق الوضوح التلويح بمرآة الفضيلة أمام الرومانيين الفاسدين. هناك أمر لا ريب فيه، لئن كان الجرمان في غاباتهم فرساناً للفضيلة لا نظير لهم، فقد كفاهم أقل تماس مع العالم الخارجي حتى ينحطوا إلى مستوى الأوروبيين المتوسطين الآخرين، و في بيئة العالم الروماني زال آخر أثر لصرامة الأخلاق بأسرع بكثير مما زالت اللغة الجرمانية. حسبا أن نقرأ غريغوريوس التوري. و بديهي أنه لم يكن من الممكن أن يسود في الغابات الكثيفة في جرمانيا، كما في روما، الإفراط و التفنن في التمتع الجنسي، و في هذا المضمار أيضاً، يبقى إذن للجرمان ما يكفي من التفوق حيال العالم الروماني، حتى و لو لم ننسب إليهم تلك العفة الجسدية التي لم تكن يوماً في أي مكان ما قاعدة عامة لشعب بكامله.
و من التنظيم العشائري، نجم واجب وراثة ما كان للوالد أو للأقارب من علاقات صداقة و علاقات عداوة على السواء. كذلك، كانت تورث wergeld (فرغلد)، و هي غرامة يفدى بها الثأر في حال القتل أو الإصابة بجراح. إن هذه "الفرغلد" التي كان يعتبرها الجيل الماضي مؤسسة ألمانية صرف، قد أقيم الدليل الآن على وجودها عند مئات الشعوب. فهي شكل عام لتخفيف الثأر الناجم عن النظام العشائري. و نحن نجدها كذلك، فيما نجدها، عند الهنود الحمر الأمريكيين مثلها مثل الضيافة الإلزامية. إن الوصف الذي يعطيه تاقيطس لعادات الضيافة ("جرمانيا"، الفصل 21) يطابق تقريباً، حتى في التفاصيل، الوصف الذي يعطيه مورغان للضيافة عند هنوده الحمر.
إن النقاش الحار الذي لا نهاية له حول معرفة ما إذا كان الجرمان في زمن تاقيطس كانوا يتقاسمون نهائياً حقولهم أم لا و حول تفسير المقاطع التي تتعلق بهذه المسألة، غدا الآن طي الماضي. و يكاد لا يجد التذكير بذلك بعد أن أقيم الدليل على أن جميع الشعوب تقريباً قد عرفت حراثة الأرض بصورة مشتركة من قبل العشيرة أولاً، ثم فيما بعد من قبل الرابطات العائلية الشيوعية التي كانت موجودة أيضاً عند السوييف Suèves (146)، كما أفاد قيصر، و على أن هذا الوضع قد عقبه توزيع الأرض بين مختلف العائلات، و إعادة توزيعها بصورة دورية، و بعد أن أقيم الدليل أيضاً على أن هذا التوزيع الدوري للأرض المحروثة دام في بعض الأنحاء من ألمانيا ذاتها حتى أمامنا هذه . و لئن كان الجرمان في حقبة الـ 150 سنة التي تفصل بين قصة قيصر و شهادة تاقيطس قد انتقلوا من حراثة الأرض بصورة مشتركة- التي ينسبها قيصر بكل وضوح إلى السوييف (فهو يقول أنه لا توجد عندهم على الإطلاق حقول مقسمة أو خاصة)- إلى حراثة الأرض من قبل العائلات كلا بمفردها مع إعادة توزيع الأرض كل سنة، فإن هذا هو حقاً تقدم كبير. فإن الانتقال من حراثة الأرض بصورة مشتركة إلى الملكية الخاصة الكاملة للأرض خلال مثل هذه الحقبة القصيرة من الزمن و بدون أي تدخل من الخارج مستحيل حقاً و فعلاً. و لهذا لا أقرأ عند تاقيطس إلا ما يقوله بوضوح و إيجاز: إنهم يغيرون (أو يتقاسمون من جديد) كل سنة الأرض المحروثة، ناهيك بأنه يبقى أيضاً ما يكفي من الأرض المشتركة (147). و هذا طور من الزراعة و الاستفادة من الأرض يناسب بالضبط التنظيم العشائري عند الجرمان في ذلك العهد.
إني أترك المقطع السابق حسبما ورد في الطبعات السابقة، دون أن أدخل عليه أي تعديل. ففي هذه الحقبة من الوقت، سارت الأمور في مجرى آخر. فبعد أن أثبت كوفاليفسكي (راجع أعلاه) أن المشاعة البيتية البطريركية كانت منتشرة على نطاق واسع، إن لم يكن في كل مكان، بوصفها درجة متوسطة بين العائلة الشيوعية المؤسسة على الحق الأمي، و بين العائلة المنفردة العصرية، لم يبق المقصود معرفة ما إذا كانت ملكية الأرض مشتركة أو خاصة، كما كان القصد من النقاش بين مورير و فايتس، بل معرفة شكل الملكية المشتركة. بلا ريب أبداً في أن الملكية المشتركة للأرض لم تكن وحدها قائمة عند السوييف في زمن قيصر، بل كانت هناك أيضاً الحراثة المشتركة للأرض بالجهود المشتركة. و لا يزال من الممكن النقاش طويلاً لمعرفة ما إذا كانت الوحدة الاقتصادية هي العشيرة أم المشاعة البيتية أم جماعة شيوعية ما متوسطة بينهما تجمعها رابطة القربى، أو لمعرفة ما إذا كانت هذه الجماعات الثلاث موجودة جميعها تبعاً لأحوال الأرض. و الحال، يؤكد كوفاليفسكي أن الأوضاع التي يصفها تاقيطس لا تفترض وجود مشاعة-مارك ما أو مشاعة زراعية ما، بل تفترض مشاعة بيتية. و من هذه المشاعة البيتية وحدها، نشأت و تطورت بعد زمن طويل المشاعة الريفية نتيجة لنمو عدد السكان.
و بموجب هذا الرأي، كانت مقامات الجرمان في الأراضي التي كانوا يشغلونها في عهد روما، و كذلك في الأراضي التي انتزعوها فيما بعد من الرومانيين، لا تتألف من قرى، بل من مشاعات عائلية كبيرة كانت تشمل بضعة أجيال و تأخذ رقعة من الأرض للحراثة تبعاً لعدد أعضائها، و تستعمل مع جيرانها الأراضي البور المحيطة، بوصفها ماركاً مشتركة. و لهذا يجب إذن أن نفهم على صعيد الأساليب الزراعية المقطع الذي يقول فيه تاقيطس أنهم يغيرون الأرض المحروثة: فكل سنة كانت المشاعة تحرث رقعة أخرى من الأرض، بينا تريح الرقعة المحروثة في السنة الماضية أو تتركها بوراً تماماً. و نظراً لضعف كثافة السكان، كان يبقى من الأرض البور ما يكفي للحيلولة دون قيام أي نزاع حول ملكية الأرض. و بعد قرون، عندما نما عدد أعضاء المشاعات البيتية إلى حد أن إدارة الاستثمارة المشتركة أصبحت أمراً مستحيلاً في ظل ظروف الإنتاج السائدة آنذاك، بعد ذاك فقط، انحلت هذه المشاعات. و أخذت الحقول و المروج التي كانت حتى ذاك ملكاً مشتركاً تصبح موضع قسمة تبعاً للأسلوب المعروف بين الاستثمارات البيتية المنفردة التي كانت تتشكل آنذاك، أولاً لفترة من الوقت، ثم بصورة نهائية، بينا بقيت الغابات و المراعي و المياه ملكاً مشتركاً.
و يبدو فيما يتعلق بروسيا أن التاريخ قد قدم البرهان الكامل على مجرى التطور هذا. أما فيما يتعلق بألمانيا، و في المقام الثاني، بسائر البلدان الجرمانية، فلا يمكننا أن ننكر أن هذه الفرضية تعطي، في كثير من النواحي، تفسيراً أفضل للوثائق و المصادر، و تحل المصاعب بصورة أسهل مما تفعله وجهة النظر السائدة حتى الآن و التي تعيد وجود المشاعة الريفية إلى زمن تاقيطس. فإن أقدم الوثائق، من Codex Laureshamensis (148) مثلاً،تُفسر على العموم بواسطة المشاعة البيتية بصورة أفضل بكثير مما بواسطة المشاعة-المارك الريفية. و لكن هذا التفسير يثير بدوره مصاعب جديدة و مسائل جديدة لا يزال يترتب حلها. و لا يمكن هنا أن يأتي بالحل النهائي غير البحوث و الدراسات الجديدة. بيد أني لا أستطيع أن أنكر أن وجود المشاعة البيتية بوصفها درجة متوسطة في ألمانيا و سكاندينافيا و إنجلترا أيضاً هو أمر محتمل جداً.
و بينا كان الجرمان في عهد قيصر قد أقاموا للتو جزئياً في مقامات دائمة أو كانوا جزئياً لا يزالون يفتشون عن محل إقامة دائمة، كانوا في عهد تاقيطس قد أمضوا قرناً كاملاً في الحياة الحضرية. و هذا ما وافقه تقدم لا مراء فيه في إنتاج وسائل المعيشة. فهم يعيشون في بيوت من جذوع الشجر، و يرتدون ألبسة بدائية لا تزال تشبه ألبسة سكان الغابات أي المعاطف الخشنة الصوفية، و جلود الوحوش، أما النساء و الأعيان، فكانت لهم ألبسة تحتية من الكتان. و كان طعامهم يتألف من الحليب و اللحم و الثمار البرية، و من عصيد الشوفان (149) كما يضيف بلينوس (و حتى الآن، لا تزال هذه العصيدة نوعاً من المأكل القومية السلتية في إرلنده و اسكتلنده). و تتألف ثروتهم من الماشية، و لكن هذه الماشية رديئة النوع: الثيران و الأبقار صغيرة، هزيلة لا قرون لها، الأحصنة قزمة و لا تصلح للسباق. و كانت النقود رومانية بوجه الحصر، و قليلاً و نادراً ما كانت تستعمل. و كانوا لا يصنعون و لا يقدّرون المصنوعات من الذهب و الفضة، و كان الحديد نادراً، و يبدو أنه كان يُستورد كلياً تقريباً، على الأقل عند القبائل القاطنة على ضفاف الراين و الدانوب، و لم يكن يُستخرج في موضعه. و لم تكن الكتابة الرونية (المأخوذة عن الأحرف اليونانية أو اللاتينية) معروفة إلا ككتابة سرية، و لم تكن تستعمل إلا لأغراض سحرية دينية. و كانت عادة تقديم الضحايا البشرية لا تزال سارية المفعول. و بكلمة، نجد هنا أمامنا شعباً ارتقى للتو من طور البربرية الأوسط إلى طورها الأعلى. و لكن بينا كانت سهولة استيراد منتوجات الصناعة الرومانية تعيق تطور صناعة المعدن و النسيج بصورة مستقلة عند القبائل المقيمة مباشرة على الحدود مع الرومانيين، كان هذا الإنتاج قد نشأ و رسخ بشكل لا جدال فيه في الشمال الشرقي، على ساحل بحر البلطيق. إن أدوات التسلح التي وجدت في مستنقعات شليسفيغ مع النقود المعدنية الرومانية من أواخر القرن الثاني،- و هي سيف حديدي طويل، و درع، و خوذة فضية،الخ.،- و كذلك المصنوعات الألمانية التي انتشرت بفضل هجرة الشعوب، تبين نموذجاً خاصاً تماماً يتميز بمستوى عال نسبياً من التطور حتى عندما تقترب من النماذج الرومانية الأصلية. و إن الهجرة إلى الإمبراطورية الرومانية المتحضرة قد وضعت حداً نهائياً لهذا الإنتاج المحلي في كل مكان باستثناء إنجلترا. و إن المشابك البرونزية، مثلاً، تبين بأي وتيرة واحدة منتظمة نشأ هذا الإنتاج و تطور. و من الممكن أن تكون المشابك البرونزية التي اكتشفت في بورغونديا و رومانيا و على سواحل بحر آزوف قد خرجت من نفس المشغل الذي خرجت منه المشابك الإنجليزية و السويدية، و لا ريب أيضاً أنها جرمانية الأصل.
كذلك يناسب تنظيم الحكم الطور الأعلى من البربرية. ففي كل مكان، كما يقول تاقيطس، كان مجلس الشيوخ (principes) موجوداً، و كان يبت بأصغر القضاياـ، و يهيئ أهم القضايا لكي تبت بها الجمعية الشعبية. إن الجمعية الشعبية في الطور الأدنى من البربرية، و على الأقل حيث نعرف عنها، أي عند الأميركيين، لا توجد إلا من أجل العشيرة، لا من أجل القبلة أو من أجل اتحاد القبائل. و كان الشيوخ (principes) لا يزالون يتميزون كثيراً عن الزعماء العسكريين (duces) تماماً كما عند الإيروكوا. فالشيوخ يعيشون جزئياً بفضل الهبات الفخرية التي يقدمها أعضاء القبيلة من الماشية و الحبوب و خلافها. و ينتخبونهم بمعظمهم، كما في أميركا، من العائلة ذاتها. و الانتقال إلى الحق الأبوي ييسر، كما في اليونان و روما، تحويل المبدأ الانتخابي تدريجياً إلى حق وراثي، و ييسر بالتالي نشوء عائلة أريستقراطية في كل عشيرة. إن هذه الأريستقراطية القديمة المسماة بالأريستقراطية القبلية قد هلكت بأغلبيتها أثناء هجرة الشعوب أو بعدها بفترة وجيزة. و كان القادة العسكريون يُنتخبون بصرف النظر عن أصلهم، و حسب كفاءاتهم فقط. و لم تكن سُلطتهم كبيرة، و كان عليهم أن يؤثروا بمثالهم. و ينسب تاقيطس بكل وضوح إلى الكهان السلطة الانضباطية الصرف في الجيش. و كانت السلطة الفعلية مركز في الجمعية الشعبية. و الملك أو زعيم القبيلة هو الذي يرأس الجمعية، و الشعب يصدر قراره: السلبي بالدمدمة، و الإيجابي بهتافات الاستحسان و صليل السلاح. و الجمعية الشعبية هي أيضاً بمثابة محكمة، فإليها تقدم الشكاوي، و فيه تصدر القرارات بهذه الشكاوي، و فيها تصدر الأحكام بالموت، مع العلم أن عقوبة الموت لا تطبق إلا في جرائم الجبانة و خيانة الشعب و في العيوب المخالفة للطبيعة. و داخل العشائر و فروعها، تبت المحكمة في جميع القضايا بصورة مشتركة برئاسة الشيخ، و كما في كل محكمة و طرح الأسئلة. و دائماً و في كل مكان كانت الجماعة كلها هي التي تصدر الحكم عند الجرمان.
و منذ عهد قيصر، تشكلت اتحادات القبائل، و كان عند بعضها ملوك. و كما عند اليونانيين و الرومانيين كان القائد العسكري الأعلى يطمح آنذاك إلى السلطة المستبدة، و كان أحياناً يحصل عليها. و لكن هؤلاء المغتصبين المحظوظين لم يكونوا حكاماً مطلقين، بيد أنهم شرعوا يحطمون قيود النظام العشائري. و بينا كان العبيد المعتقون يشغلون على العموم مركزاً متدنياً لأنه لم يكن بوسعهم الانتساب إلى أي عشيرة، كان أحظياء الملوك الجدد من بيئة العبيد المعتقين يتوصلون أحياناً إلى المناصب العالية و الثروة و الوجاهة. و قد حدث الأمر نفسه بعد الاستيلاء على الإمبراطورية الرومانية بالنسبة للقادة العسكريين الذين تحولوا إلى ملوك في بلدان شاسعة. و عند الفرنج، اضطلع عبيد و معتقو الملك بدور كبير أولاً في البلاط ثم في الدولة. و منهم يتحدر قسم كبير من الأريستقراطية الجديدة.
و قد أسهمت مؤسسة في نشوء السلطة الملكية هي فصائل المتطوعين (Gefolgschaften). و قد سبق و رأينا عند الهنود الحمر الأميركيين كيف تنشأ، على هامش النظام العشائري، رابطات خاصة لأجل خوض غمار الحرب على عهدتها و مسؤوليتها. و قد أصبحت هذه الرابطات الخاصة عند الجرمان اتحادات دائمة. فقد كان الزعيم العسكري الذي أحرز شهرة، يجمع حوله فصيلة من الشبان المتحرقين إلى الغنائم، و يلتزمون تجاهه بالوفاء الشخصي كما يلتزم تجاههم. و كان الزعيم يعيلهم و يكافئهم و ينظمهم طبقاً لدرجات و مراتب. و كانوا يخدمونه في الحملات الصغيرة كفصيلة حراسة و قوات مستعدة دائماً للقتال، و في الحملات الكبيرة كهيئة جاهزة من الضباط. و مهما كان لا بدّ لهذه الفصائل أن تكون ضعيفة، و مهما ظهرت بالفعل ضعيفة فيما بعد، كما عند أودواكر، مثلاً، في إيطاليا، فقد كانت تنطوي على جنين انحطاط الحرية الشعبية القديمة، و هذا الدور بالذات هو الذي اضطلعت به أثناء هجرة الشعوب و بعدها. و ذلك أولا لأنها يسّرت نشوء السلطة الملكية، و ثانياً، كما أشار تاقيطس، لأنه لم يكن يمكن الاحتفاظ بها ككل منظم إلا عن طريق الحروب الدائمة و الغزوات اللصوصية. و أصبح النهب هدفاً. و حين كان رئيس الفصيلة لا يجد ما يفعله في الجوار، كان يمضي مع رجاله إلى شعوب أخرى كانت تدور عندها رحى الحرب و كانت تتوفر عندها احتمالات الظفر بالغنائم. ثم أن القوات المعاونة الجرمانية التي تقاتل بأعداد كبيرة تحت الراية الرومانية حتى ضد الجرمان أنفسهم، كانت تتألف أحياناً من مثل هذه الفصائل. و هنا نرى المعالم الأولى لنظام الجنود المرتزقة-عار الألمان و لعنتهم. و بعد الاستيلاء على الإمبراطورية الرومانية، شكلت فصائل الملوك هذه، إلى جانب خدم البلاط من عبيد و رومانيين، القسم الثاني من الأقسام الرئيسة للأريستقراطية المقبلة.
و هكذا كان على العموم للقبائل الجرمانية المتحدة في شعوب نفس التنظيم للإدارة الذي تطور عند اليونانيين في العهد البطولي و عند الرومانيين في زمن من يسمون بالملوك: الجمعية الشعبية، مجلس شيوخ العشائر، القائد العسكري الساعي وراء السلطة الملكية الحقيقية. و كان ذلك أرقى تنظيم للإدارة كان يمكن على العموم أن يتكون في ظل النظام العشائري. و كان التنظيم النموذجي في الطور الأعلى من البربرية. و ما أن تخطى المجتمع الإطار الذي كان فيه هذا التنظيم للإدارة يفي بغايته، حتى حلت نهاية النظام العشائري، فانهار و مكانه قامت الدولة.
الهوامش:
(128) M. Kovalevsky. "Tableau des origines et de l évolution de la famille et de la propriété". Stockholm 1890. (مـ. كوفالفسكي. "بيان عن أصل و تطور العائلة و الملكية". ستوكهولم، 1890).
(129) أنجز الإنجليز عملة استيلائهم على منطقة ويلس في عام 1283. و لكن ويلس ظلت بعد ذلك محتفظة بالحكم الذاتي. و قد ضمت نهائياً إلى انجلترا في أواسط القرن السادس عشر.
(130) في 1869 و 1870، عمل إنجلس على كتابة بحث كبير في تاريخ ارلنده، و لكنه لم ينجزه. و لمناسبة دراسة تاريخ السلت درس إنجلس قوانين ويلس القديمة أيضاً.
(131) يستشهد إنجلس بكتاب: "Ancient Laws and Institutes of Wales" Vol. I, 1841 ("القوانين و المؤسسات القديمة في ويلس". المجلد الأول، عام 1841).
(132) في أيلول 1891 قام إنجلس برحلة إلى اسكتنلده و ارلنده.
(133) في 1745 و 1746، قامت الكلافات (العشائر) الجبلية في اسكتلنده بانتفاضة ضد عمليات التضييق و انتزاع الأراضي، التي كانت تجري في مصلحة الأريستقراطية العقارية الأنجلو-اسكتلندية و في مصلحة البورجوازية الأنجلو-اسكتلندية. قاتل الجبليون من أجل الاحتفاظ بالتنظيم العشائري القديم. إلا أن قسماً من نبلاء اسكتلنده الجبلية ممن لهم مصلحة في الحفاظ على النظام الكلاني البطريركي الإقطاعي استغل استياء الجبليين و أعلن أن هدف الانتفاضة هو إعادة سلالة ستيوارت إلى العرش الإنجليزي. في البدء، أحرز جيش المنتفضين نجاحات قصيرة الأجل، و لكنه هزم في نهاية المطاف. بعد قمع الانتفاضة، قضي على النظام العشائري في اسكتلنده الجبلية ، و تمت تصفية بقايا الملكية العشائرية للأرض. و اشتدت و تسارعت عملية طرد الفلاحين الاسكتلنديين من الأراضي، و ألغيت المحاكم العشائرية ، و منعت بعض العادات العشائرية.
(134) L. H. Morgan . "Ancient Society". London,1877. (ل. هـ. مورغان. "المجتمع القديم" لندن، 1877).
(135) Beda Venerabilis "Historia ecclesiastica gentis Anglorum" (بيدا الملقب بالبار. "تاريخ الإنجليز الكنسي". الكتاب الأول، الفصل الأول.
(136) يوليوس قيصر. "مذكرات عن حرب الغال". الكتاب السادس. الفص الثاني و العشرون.
(137) "الحق الألماني"، مجموعة من قوانين العرف و العادة عند حلف الألمان (alamans) القبلي الجرماني الذي كان يشغل منذ القرن الخامس أراضي الإلزاس و سويسرا الشرقية و ألمانيا الجنوبية الغربية حالياً . تعود المجموعة إلى أواخر القرن السادس و بداية القرن السابع و إلى القرن الثامن. و هنا يستشهد إنجلس بالقانون 81 (84) من "الحق الألماني".
(138) المقصود هنا مؤلفا كوفاليفسكي. "الحق البدائي. الطبعة الأولى. العشيرة" موسكو، 1866 و مؤلف "Tableau des origines et de l évolution de la famille et de la propriété". Stockholm 1890.
(139) "نشيد هيلديبراند"، قصيدة بطولية ، أثر من الشعر الملحمي الألماني القديم من القرن الثامن، بقيت منها مقاطع.
(140) تاقيطس. "جرمانيا"، الفصل السابع.
(141) ديودوروس الصيقلي. "المكتبة التاريخية". الكتاب الرابع. الفصل الرابع و الثلاثون.
(142) "Völuspâ" ("رؤيا النبية") – نشيد من "أيدا الكبرى" (راجعوا الملاحظة رقم 28).
(143) المقصود هنا المؤلفان التاليان:
Völuspâ og de sibyllinske orakler" 1879 A.Ch. Bang. " (أ. ك. بانغ. "رؤيا النبية و تكهنات العرافة"، 1879)، S. Bugge. "Studier over de nordiske Gude- og Heltesagns oprindelse". Kristiania , 1881-1889. (س. بوغه. "لمحات في مسألة أصل الساغات السكاندينافية عن الآلهة و الأبطال". كريستيانا، 1881-1889).
(144) G. L. Maurer. " Geschichte der Stadt-Verfassung in Deutsch-land " Bd I, Erlangen, 1869.
(145) انتفاضة القبائل الجرمانية و الغالية بقيادة زيفيليس ضد السيادة الرومانية بسبب تزايد الأتاوات، و استفحال عمليات التجنيد في الجيش، و استهتار الموظفين الرومانيين جرت في 69-70 ( في 69-71 ، كما يقول بعض المصادر الأخرى). شملت الانتفاضة قسماً كبيراً من بلاد الغال و المقاطعات الجرمانية الخاضعة لروما، و هددت روما بخطر خسارة هذه الأراضي. بعد النجاحات في البدء، مني المنتفضون ببضع هزائم و اضطروا إلى عقد الصلح مع روما.
(146) يوليوس قيصر. "مذكرات عن حرب الغال". الكتاب الرابع. الفص الأول.
(147) تاقيطس. "جرمانيا"، الفصل السادس و العشرون.
(148) "Godex Laureshamensis" ("سجلات لورش") ، مجموعة من نسخ امتيازات دير لورش و من شهادات الهبات له. تأسس الدير في النصف الثاني من القرن الثامن في دولة الإفرنج، غير بعيد عن مدينة ورمس و كان عبارة عن ملكية إقطاعية كبيرة في ألمانيا الجنوبية الغربية. تم جمع المجموعة في القرن الثاني عشر، و هي من أهم المصادر في تاريخ ملكية الأرض الفلاحية و الإقطاعية في القرنين الثامن و التاسع.
(149) بلينوس. "التاريخ الطبيعي في 37 كتاباً". الكتاب الثامن عشر، الفصل السابع عشر.
يتبع



#عبدالرحيم_قروي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بين -الخصوصية- كمغالطة تحريفية و-التحليل الملموس للواقع المل ...
- من أجل ثقافة جماهيرية بديلة - فريدريك أنجلز-أصل العائلة و ال ...
- في الحياة ما يستحق 17
- من أجل ثقافة جماهيرية بديلة - فريدريك أنجلز-أصل العائلة و ال ...
- من أجل ثقافة جماهيرية بديلة - فريدريك أنجلز-أصل العائلة و ال ...
- من أجل ثقافة جماهيرية بديلة - فريدريك أنجلز-أصل العائلة و ال ...
- من أجل ثقافة جماهيرية بديلة - فريدريك أنجلز-أصل العائلة و ال ...
- في الحياة ما يستحق 15
- في الحياة ما يستحق الذكرى 16
- من أجل ثقافة جماهيرية بديلة - فريدريك أنجلز-أصل العائلة و ال ...
- من أجل ثقافة جماهيرية بديلة - فريدريك أنجلز-أصل العائلة و ال ...
- من أجل ثقافة جماهيرية بديلة - فريدريك أنجلز-أصل العائلة و ال ...
- من أجل ثقافة جماهيرية بديلة - فريدريك أنجلز-أصل العائلة و ال ...
- 1من أجل ثقافة جماهيرية بديلة - فريدريك أنجلز-أصل العائلة و ا ...
- فيسبوكيات 5
- في الحياة ما يستحق الذكرى 15
- مسؤولية المثقف في التطور الحضاري
- بين حركة التحرر وحق الشعوب في تقرير مصيرها
- مساهمة المثقف العضوي في التغيير
- ليس للسارق انسب من اطفاء كل الاضواء لنهب ما حلو له


المزيد.....




- عدسة (المدى) توثق مهرجان -طريق الشعب- على حدائق شهريار في اب ...
- صوفيا ملك// دائما نفس الانتخابات دائما نفس الشعارات دائما نف ...
- عاجل: سفينة محملة بشحنات من الأسلحة نحو الكيان الصهيوني تحاو ...
- الجبهة المغربية ضد قانوني الإضراب والتقاعد FMCLGR تدعو للاحت ...
- إعلام غربي: العلاقات بين بريطانيا وأوكرانيا تدهورت في ظل حزب ...
- الحرية لشريف الروبي
- مصر.. وفاة قيادي بارز في التيار اليساري وحركة -9 مارس-
- ‌الخطوة الأولى هي فضح الطابع البرجوازي للنظام وانتخاباته في ...
- إخفاقات الديمقراطيين تُمكّن ترامب اليميني المتطرف من الفوز ب ...
- «الديمقراطية»: تعزيز صمود شعبنا ومقاومته، لكسر شوكة العدو، ي ...


المزيد.....

- مقدمة في -المخطوطات الرياضية- لكارل ماركس / حسين علوان حسين
- العصبوية والوسطية والأممية الرابعة / ليون تروتسكي
- تحليل كلارا زيتكن للفاشية (نص الخطاب)* / رشيد غويلب
- مَفْهُومُ الصِراعِ فِي الفسلفة المارْكِسِيَّةِ: إِضاءَةِ نَق ... / علي أسعد وطفة
- من أجل ثقافة جماهيرية بديلة 5 :ماركس في عيون لينين / عبدالرحيم قروي
- علم الاجتماع الماركسي: من المادية الجدلية إلى المادية التاري ... / علي أسعد وطفة
- إجتماع تأبيني عمالي في الولايات المتحدة حدادًا على كارل مارك ... / دلير زنكنة
- عاشت غرّة ماي / جوزيف ستالين
- ثلاثة مفاهيم للثورة / ليون تروتسكي
- النقد الموسَّع لنظرية نمط الإنتاج / محمد عادل زكى


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الارشيف الماركسي - عبدالرحيم قروي - من أجل ثقافة جماهيرية بديلة - فريدريك أنجلز-أصل العائلة و الملكية الخاصة والدولة 11