|
خطافات...
عبد الغني سهاد
الحوار المتمدن-العدد: 8175 - 2024 / 11 / 28 - 23:52
المحور:
الادب والفن
(قصة من الواقع)
في قبة البرلمان احدهم من ممثلي الشعب في المغرب العميق.. والذي سماه هو( بالعالم القروي) .كان.. .يتحدث في موضوع النقل.. وتكلم بالدارجة المغربية وقال في سؤاله لوزير النقل مما قال ما معناه (.. سيدي سيدي الوزير انها العتاقات.. وليست الخطافات...!!!).. وكنت اتابع جلسة مندهشا تلك الاسئلة عن النقل عموما في اقليم شيشاوة.. الذي يصنف من الاقاليم المهمشة والمعزولة والمنكوبة هو واقليم ازيلال.. ليس فقط على الصعيد الوطني ولكن العالمي كذلك.. فجل المنظمات الدولية والاممية التي تعني بالتنمية البشرية تعرف عنها (هذه الاقاليم من المغرب..).. ماذا كان يعني هذا الممثل للشعب عند كلامه عن الخطافات.. او العتاقات.. ومعظم متتبعيه لا يدركون كثيرا عن هذه الظاهرة التي تعرفها اريافنا البعيدة التي لا تعرف قيد انملة عن التحضر والتمدن.. فقط لانها جهات من الوطن مغضوب عليها او انها معزولة لذنب ارتكبته لا يعلمه الا التاريخ.. الخطافات هي سيارات من نوع (بوجو 204..) في غالبيتها زرقاء او صفراء.. اللون لا تتحرك بالبنزين او المازوط.. لكون سعره غال على سكان هذه القرى. تتحرك بين الدواوير والمداشر المتباعدة في هذا الاقليم.. مستعملة قنينات الغاز.. (تمشي بالبوطاكاز).. وفيه مافيه من اخطار على الناس.. تخترق المسالك الترابية.. الى داخل القرى.. وتقطع المسافات.. البعيدة.. كان اهتمامي بالموضوع لصلته ببحث ميداني قمت به تحت عنوان ( البعد عن المدرسة واثره في الهدر المدرسي..!!).. لاجل الحصول على الاقرار في منصب اداري بنواة ثانوية في قرية سيدي المختار.. (قلت نواة.. لانها لا تتوفر على شروط ثانوية.. فهي لا تتوفر لا على مرحاض.. للطلبة والطالبات.. ولا على مستودع لخلع ملابس الطلبة والطالبات عند اداء حصص التربية البدنية..).. لهنيهة نترك موضوع الخطافات.. ونتكلم قليلا عن المخطوفين..!! او(العتاقات والمعتوقين والمعتوقات.. بحسب ممثل الشعب صاحبنا..).. من ضمن التلميذات اللواتي كن تحت اشرافي الاداري تلميذة نجيبة ذكية.. تسكن بدوار تخربين.. شمال قرية سيدي المختار كانت تستعمل البيكالا للوصول الى (النواة الثانوية).. كانت تصل الى باب النواة.. قبلي بنصف ساعة.. اول تلميذة تقف على باب المدرسة كانت هي.. تردف محفظتها على الدراجة ومعها كيس من البلاستيك فيه حداء مطاطي اسود(بوط).. في وقت سقوط المطر كنت استدعيها للجلوس بقربي في مكتب الحراسة.. وعلمت منها انها لا ترتدي حدائها.. الا حين تصل الى باب المدرسة..!!! كانت نجيبة وذكية.. وتحصل على المرتبات الاولى في جميع المواد.. واختارها مدير المؤسسة (او مايشبه المؤسسة) لتكون عضوة في برلمان الطفل.. لكنها بلباقة وادب رفضت..!! كنت اسئلها عن النقل مابين الدوار (تخربين) والمؤسسة.. فقالت ليا مهما حكيت لك لن يفيدك حكيي.. ما عليك استاذ الا ان تعاين بنفسك عن طريق الجولان لتعرف الكوارث.. والمحن.. التي يعرفها النقل القروي.. في هذا.. وكنت حينها اعكف على خريطة طبوغرافية اطمع ان انجز منها مسحا للدواوير التي هي روافد للنواة.. اي الثانوية..!!.. كان معظم تلاميذ تلك الدواوير ينقطعون عن الدراسة او يتمدرسون بطرق متقطعة..!! ويتغيبون كثيرا..!!.. ولا توجد امكانيات للتواصل مع اسرهم..!!.. في احد ايام الربيع.. نفذت نصيحة تلميذتي.. استقظت مبكرا.. وقطعت الطريق الترابي الى باب السوق الاسبوعي.. وانتظرت قليلا قدوم خطافة.. توصلني الى الدوا ر..( تخربين).. ركبت جنب السائق.. فوق كرسي مهترئ.. بجواري فلاح من القرية.. وبدأ الركاب يتوافدون بالتدريج.. امتلات بالركاب.. ولا زال سائقها ينتظر.. (قال.. اصبر علينا شويا اوستاذ.. حتى تعمر القجقالة.. راه غادي نديك.. ونجيبك.. غير اصبر معانا..!).. قلت له.. (هاني صابر.. والله يحضر السلامة.. لكن راه عمرتي.. القجقالة..).. رد علي.. (باقي ماعمرات..!).. واخد الركاب يصعدون فوق سيارة( البوجو 204)..معهم سلعهم وبضائعهم التي اقتنوها من السوق.. اكياس.. ودواجن.. وماعز.. وحملان.. ظهر الخطافة يتسع لكل شيء.. عندما اراد الخطاف ان يغلق الابواب لم ينجح الا بعد دفع وظغط اجساد الناس الى داخلها.. ثم انطلق مسرعا الى لحام على الطريق.. هبط ورافقه السودور (اللحام).. وقاما معا بلحم ابواب الخطافة..وصعد الخطاف. وادار المحرك.. بصعوبة.. حينها لم اندهش لكني ارتعبت.. وبردت اطرافي حين تذكرت ان الخطافة خطافة تسير بالبوطاكاز..!! اذا ما حدث عطب سينفجر الجميع.. انطلقت الخطافة تخترق الغبار.. وتتدحرج يمينا وشمالا.. في صمت مطبق للركاب..قد يكون بعضهم يفكر في الوصول الى عشته بما اشتراه من السوق ليفرح به عياله.. واخر يردد ورده ويكرر السبع المثاني.. واخر يفكر في غنزته التي على ظهر الخطافة تحت اقدلم الناس وكان عدد الراكبين والراكبات تجاوز العشرات.. من شيوخ وشبان ونساء وشيوخ.. سبق تفكيري في حدوث الكارثة وازداد يقينا كلما اهتزت في شعبة او سيل.. واستغرقت الرحلة وقتا طويلا كنت احسبه يوما اسودا في حياتي المهنية.. حين قال الخطاف.. ما بقي والو ونوصلو سيدي (الكاتب العام..).. كانو يسمون الحارس العام بالكاتب العام.. حينها وصلنا فقفز ركاب ظهر الخطافة هابطين بسرعة.. وانحرف الخطاف بخطافته الى دكان من طين عميق مفتوح.. وخرج من الخطافة مناديا على شخص كان يحمل في يده.. عمودا من حديد ومطرقة.. وعكفا معا على ازالة اللحام من الابواب.. قال الخطاب.. (على السلامة استاذ..!!).. لم ارد.. كنت منشغلا باكتشاف منازل الدوار.. واصبت حينها بدوار حقيقي.. ارتفع صغط دمي.. وسالته (ومتى ستعود..!!).. قال لي.. (سانتظرك.. وما تخافش.. راه غادي نرجع خاوي...!!).. ابتعدت قليلا عن الحيطان المبنية من طين وحجر.. وقطعت في الاراضي الجرداء بعط الخطوات.. لا شيء من النبات.. كانت الارض قاحلة.. والحرارة مفرطة..!!.. وما بين البناء والبناء الخلاء.. لا تسمع في المجال رفرفة طير ولا تغاء.. الريح تصفر.. والعرق يتصبب على جبهتي.. اردد مع نفسي.. لاباس لم تحدث الكارثة.. رغما اني استشعر بعض اللحظات انها ستعود.. لا باس لابد من الغناء والمشقة لمن يريد انجاز بحثه الميداني في هذه الجهات.. حينها فهمت جيدا معنى (المغرب العميق..) والمغرب غير النافع.. وتيقنت من صواب تفكير تلميذتي النجيبة التي بفطرتها تجنبت الخطافة وادمنت على البيكالا..!!.. فكرت فيها وتاملت في معاناتها وهي تقطع هذه المسافات (20)كيلومترا..كل يوم فهي تتغدى في مطعم (النواة..) بالفول واللوبيا والعدس..!!!.. ساتكلم فيما بعد (قصة( دار الطالبة) التي دشنتها السلطة..) ولم تفتح ابوابها ابدا.. وسرقت كل تجهيزاتها بعد التدشين... تمر الايام واسأل عن تلميذتي وسمعت انها ولجت الجامعة شعبة القانون العام فرنسي.. وفيما بعد فرحت لها.. عند ما اخبروني. انها اصبحت مستشارة في محكمة الاستناف بالمدينة.. حمدت الله حينها على فرجه.. و رحمته بالفقراء...
#عبد_الغني_سهاد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بلا شيء.....
-
لن تستقيم.. الا بالحب...!!!
-
هو والحناش
-
فرار...
-
شعراء..
-
في تلك الايام...!!
-
نقطة.... الى السطر..!
-
وهم الانتصارات...
-
على قيد الحياة...
-
تعلم النسيان...!!!
-
خوان كويستيلو الابن البار لساحة (جامع الفنا)
-
التاريخ والاساطير.. (1)
-
في يوم الزيارة والعرس..
-
الفيضان.. (7)
-
الفيضان. (5_6)
-
الفيضان... (1-2-3-4)
-
البقار.. ونهاية العالم..
-
مدرسة الاموات (1) (البلاء المسلط...!!!)
-
هذا الإنسان... (الملعون)
-
حارس كلب الشاه..
المزيد.....
-
بيرزيت.. إزاحة الستار عن جداريات فلسطينية تحاكي التاريخ والف
...
-
عندما تصوّر السينما الفلسطينية من أجل البقاء
-
إسرائيل والشتات وغزة: مهرجان -يش!- السينمائي يبرز ملامح وأبع
...
-
تكريم الفائزين بجائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي في د
...
-
”أحـــداث شيقـــة وممتعـــة” متـــابعـــة مسلسل المؤسس عثمان
...
-
الشمبانزي يطور مثل البشر ثقافة تراكمية تنتقل عبر الأجيال
-
-رقصة الغرانيق البيضاء- تفتتح مهرجان السينما الروسية في باري
...
-
فنانون يتخطون الحدود في معرض ساتلايت في ميامي
-
الحكم بسجن المخرج المصري عمر زهران عامين بتهمة سرقة مجوهرات
...
-
بعد سحب جنسيتها .. أنباء عن اعتزال الفنانة نوال الكويتية بعد
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|