|
هكذا ينبغي ان تكون وتبنى النفوس ليرتقي الجميع بأنفسهم ومجتمعاتهم :
خالد محمود خدر
الحوار المتمدن-العدد: 8217 - 2025 / 1 / 9 - 15:15
المحور:
المجتمع المدني
كم ينبغي أن تكون النفوس مفعمة بالروح الأخوية والمشاعر الإنسانية ملئها الاحترام والتقدير، بعيدًا عن الأحكام المسبقة والتمييز عند النظر أو التعامل مع الآخرين قريبين كانوا ام بعيدين بمختلف مسمياتهم الوظيفيه ، المجتمعية و المهنية طالما تجمعهم ككل الإنسانية بأسمى معانيها. هذه الروحيه في التعامل تجعل الفرد يضع نفسه مكان الآخر، ليدرك حاجاته ومشاعره، ويتعامل بمحبة ونبل يسموا على اي اعتبار آخر . ان بناء النفوس بهذه المبادئ يُسهم في الارتقاء بالنفس والأفراد إلى أعلى مستويات الإنسانية ، ليقود بالنتيجة هذه المجتمعات إلى التقدم والازدهار في بيئة يسودها التكامل و التفاهم والتكاتف .
ما اجمل الانسان ان يكون هكذا بسيطا مع من يتعامل معهم وان كان ذلك في لقاءاته العابرة ، لتجري فيها على لسانه كلمات ملؤها الود والتقدير بانسيابية بالغة تنساب معها معاني الاحترام و الشكر (والاسف ان تطلب الموقف) ليمنحهم بتلقائية صادقة معاني الاعتزاز بوجودهم ومكانتهم و عملهم مهما بدا ذلك بسيطا عند غيره ، ممن لا يعطي قيمة الا للمقامات حسب مقاساته الخاصة ، ليبدون هؤلاء له وكأنهم غير مرئيين تماماً ، بينما تجده منهمكا مبالغا في منحه كل معاني ذلك الاحترام والود لمن يراه من اصحاب الذوات دون غيرهم وفق حساباته ونظرته القاصرة تلك ، وان كان ذلك في قاعات افراحه او عزائه او حتى في دعواته الخاصة ودعوات غيره له غير مباليا حتى لأصول وأعراف المجتمع.
عندما يرى الإنسان في الجميع قيمة واعتزازا ، دون تمييز وفق مواقعهم او حجم أدوارهم ، سرعان ما يجد أن اشراقه على من حوله بانوار و معاني الاحترام والاعتبار ينعكس عليه بالمثل وأكثر بما يسارع في بناء جسور من المحبة مع الجميع دون تكلف.
كثيرا ما يجد هذا الإنسان الذي لا يغفل عن اهتمامه بالجميع بنظره واحده ، أنه يمنحهم شعورا بمكانتهم الحقيقية ، مثلما يمنحهم اعتزازا يليق بمكانتهم أمام الجميع ، سواء كان ذلك في مواقع العمل ، مشاغل الحياة والمناسبات التي تجمعه معهم في أفراح أو أحزان او لقاءات الصدفة. إنه بهذا يُجسد قيم التواضع ، ويُعلم الجميع أن العظمة تكمن في القلوب الكبيرة التي تحتضن الجميع دون استثناء، وترى الجمال في كل دور من أدوار الإنسان في عمله أو مجتمعه ، مهما بدا ذلك بسيطًا في أعين الآخرين.ق يبقى الانسان الرائع ذلك الذي يتركَ أثراً في قلوب الجميع دون تفرقه على اساس جاه او ثروة او مقام رفيع ، وحسبه ان يتعاملقغف مع الكل على أنهم بشر مثله يساهموا بما يتمكنوا في خدمة المجموع.
من اعلاه يمكن استخلاص القول ان نظرتنا لأنفسنا لا نظرة الأخرين لنا هي التي تُحدد قيمتنا في الحياة. يقول الكاتب ادهم شرقاوي في مقال له (بتصرف) انه لفرق كبير بين من لا يرى من وظيفته او عمله او وظيفه وعمل غيره الا الأجر الذي يجنيه ( او الجاه الذي يجلبه ذلك العمل برؤية الآخرين) وبين من يرى الأثر الذي تتركه تلك الوظيفه او ذلك العمل في حياة غيره وواقع مجتمعه.
نعم فرق كبير ، ذلك ان كل عمل مهما كان بسيطا يترك أثرًا في هذا العالم، ونحتاج فقط أن ننظر إلى هذا الأثر لندرك قيمة صاحبه ، و يمكن هنا تناول حالات تمثل نماذج مجتمعية تصادف اي انسان في حياته اليومية. لنبدأ بهذا الرجل الذي نلاحظه مرارا أثناء عمله الذي يطلق الكثير عليه خطأ بالزبال او الكناس وهو بحقيقته ليس زبالا كما ينظر له الكثير مع أن الزبالة اتت منهم ، وهو ايضا ليس مجرد منظف للطرق والاحياء السكنية من مخلفات الناس هذه ، بل هو شخص يُجمّل وجه مدينته ككل ويمنحها قيمه اضافية . انه لشخص يصح لنا او يتوجب علينا ان نطلق عليه مهندس جمال ، او مهندس نظافه مثلما يطلق عليه الشعب الياباني ، وهو بهذا اعطاه حقه و ابرز دوره كجزء أساسي في تشكيل جمال المدينة و حياة الناس اليومية. هذه النظرة ترفع من قيمة المهنة وتجعلها جزءًا من ثقافة الاحترام المتبادل. ولهذا أوكل النظام التعليمي الياباني لأطفال مدارسه منذ الصغر مهمة النظافة والعمل الجماعي، ليتولوا يوميا بعد الدرس السابع الاخير مهام تنظيف مدارسهم وفق جدول خاص يمليه معلميهم عليهم ويشاركونه فيه. ان هذا الأسلوب يغرس في نفوس الاطفال قيم احترام العمل مهما كان صغيرًا، ويجعل النظافة عادة طبيعية وأساسية في حياتهم تمهّد الطريق لبيئة صحية تدعم التطوير والإبداع في المجالات الأخرى.
الشخص المنهمك في محله لعمل الابواب والمنافذ ، فهو ليس مجرد حداد نجار ، بل هو إنسان يحمي البيوت من الشمس والريح والمطر ، مكملا بتفانيه هذا مهمة ذلك البناء الرجل المبدع الذي يحني قامته مع كل طابوقه يضيفها للجدار ، لتكتمل معالم الدار الذي سيصبح هوبة وعنوانا لصاحبه. عليه فهذا الرجل ليس مجرد بنًاء ، بل هو في حقيقته مهندسا معماريا يتمتع برؤية فنية مبدعه مقرونة بهمة كبيرة تعمرت بها البلدان وبان منها مردود ازدهار الحضارات ورموز وعناوين نهضتها.
وهذا الذي تلمحه من بعيد منهمكا بماكينة خياطته ، ليس مجرد خياط ، بل من يهب الناس لمسة أناقة.
اما ذلك المعلم الخارج للتو من مدرسته متعبا ، فهو ليس مجرد معلما كما يراه البعض ، بل هو مربي و صانع رجال ومعدا لقاده يتولون لاحقا مهمة تحقيق مستقبل أفضل لبلدهم.
وهذا المنشغل مع العمال والفنيين وكأنه أحدهم وهو ببدله العمل ليس مجرد مهندس جسور فحسب بل منشئ الوصل بين الناس.
و ذلك المنهمك مع مراجعيه في ردهته بالمستشفى ليس مجرد طبيب، بل منقذ حياة و مخفف آلام واوجاع يعانون منها احيانا حد الموت.
و أما تلك السيدة الفاضلة التي تلمحها عفوا من نافذة مطبخها البعيدة ، فهي ليست مجرد ربة بيت ، بل هي أهم شخص في هذا العالم، نعم هي واهبة هذا الكوكب الأرضي قاطنيه من بني البشر ، هي أول مُربِ وأهم مُرب ، فليس هناك صناعة أعظم من صناعة الإنسان وليس هناك عمل اسمى من تربية الانسان عبر اعداد اسس تلك المهمة وركائز تلك التربية. وهنا يكمن معنى لغه الأم ، اول لغه يتعلمها الانسان على يد هذه الأم المربية بمدرستها الصغيرة وتربيتها الكبيرة.
وبامكاننا جميعا ان نسترسل و نقول نفس الشيء عن كل مهنة اخرى قد لا تملأ عيون البعض من الذين لهم مقاساتهم القاصرة ممن اشرت لهم. ان كل مهنة مهما كانت بسيطة لها أهميتها ودورها كما صاحبها ليساهم بها في بناء المجتمع.
النجاح يبدأ من أبسط الأشياء على مستوى الفرد والمجموع ، ليكون معه استثمار البساطة في بناء حضارة حقيقية يبدأ من احترام الأساسيات واهمية الترابط بين الأدوار المختلفة لكل الأفراد ، ليُبرز معها أهمية كل فرد في المجتمع مهما كان دوره ، وعندما نحترم كل عمل وندرك أهميته في المجتمع نضع أساسًا قويًا لتحقيق التقدم والازدهار لذلك المجتمع.
عظمة الإنسان تكمن في قلب يحتضن الجميع دون استثناء، وفي عطاء للآخرين دون انتظار مقابل ، ليبقى الأشخاص الذين ينظرون إلى أثر أعمالهم على المجتمع هم الذين يساهمون في تغييره الايجابي وتطوره الحقيقي. التقدير الحقيقي لأي مهنة يكمن في فهم رسالتها وأثرها، لا في ما يترتب عنها من مقابل مادي أو مكانة اجتماعية.
هكذا فان الذي لا يرى في عمله او عمل الأخرين إلا الأجر الذي يتقاضاه و الجاه الذي يترتب عليه بحساباته فقط، هو إنسان أعمى لا يرى.
يمكن من الأمثلة اعلاه فهم أن اهمية اي عمل لا تقتصر فقط على مضامينه او مردوده ، بل في إدراك أنه بعمله هذا يحمل رسالة يترك فيها بصماته على الارض.
تبقى قيمة الإنسان الحقيقية هي بالطريقة التي ينظر بها إلى الاخرين وقبلها الى نفسه لا بالطريقة التي ينظر بها إليه الآخرون برؤية مريضة. نعم لا أحد يستطيع تقليل قيمة الاخربن ، مثلما لا احد يستطيع رفع قيمة نفسه ، ما لم يكن هو يشعر بقيمة نفسه هذه.
تبنى النفوس وتضاء بما ينيره هؤلاء الطيبون وهم في طريقهم الى عملهم ( او التزاماتهم المجتمعية وغيرها ) لقلوب غيرهم لتتنور معها كل النفوس وتتعافى وتبنى بالنتيجة كل المجتمعات.
هكذا يمكن فهم قيمة الإنسان من منظور إنساني وأخلاقي بحت، بما يؤدي إلى نبذ التمييز الاجتماعي والنظرة المادية التي تحصر قيمة الإنسان في المال أو المنصب ، فهم لقيمة الإنسان يركز على أهمية احترام جميع الأدوار والمهام، مهما كانت بسيطة في الظاهر، فهي معا تُشكل أساس التقدم والرقي في المجتمع.
#خالد_محمود_خدر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كن منشدا للسلام لتببني جسوراً من الفهم المتبادل لردم الخلافا
...
-
محبتك للناس تبدأ بمحبتك لنفسك ليسهل انتدابها للأعمال الجليلة
-
عش كل يوم من ايام حياتك كيوم جديد وسيكون هكذا
-
قراءة لدروس الحياة في محطاتها
-
الأخلاق في الميزان بين المنصب و العلم والمال
-
وقفة تأمل مع الساعات الأخيرة التي تسبق حلول رأس السنة الميلا
...
المزيد.....
-
مندوب فلسطين بالأمم المتحدة: ضرورة تقديم مساعدات إنسانية لغز
...
-
الأمم المتحدة: الأونروا لديها نحو 13 ألف شخص يعملون في قطاع
...
-
العراق.. اعتقال -تيك توكر- شهير بتهمة المحتوى الهابط
-
مؤسسات بشمال غزة تناقش واقع الوضع الإنساني بعد وقف إطلاق الن
...
-
تفاصيل وترتيبات عودة النازحين إلى شمال غزة عبر شارعي الرشيد
...
-
ترامب يوقع أمرا تنفيذيا لوقف عبور المهاجرين عبر الحدود الجنو
...
-
أوكرانيا: اعتقال مسؤول سابق في وزارة الدفاع وقائد في القوات
...
-
الأمم المتحدة: 13 ألف شخص يعملون لدى أونروا في غزة
-
وقف إطلاق النار في غزة: من هم أبرز المعتقلين الفلسطينيين الم
...
-
إفراج إيطاليا عن مسؤول ليبي متهم بـ-جرائم حرب- يثير الجدل
المزيد.....
-
أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|