|
لحفيدتي الغالية جود، يحفظها الله.
سمير محمد ايوب
الحوار المتمدن-العدد: 8239 - 2025 / 1 / 31 - 20:15
المحور:
الادب والفن
الانتقال من مرحلة لأخرى، ليس كالانتقال من عام الى آخر! يتجاوز الشغف بالحياة لدى كثيرين، وتقديس تبعاتها، حدود المعقول أحيانا، حتى أنهم يتوهمون الحياة كافية وحدها، لإشباع ما يتمنون وما به يحلمون. من دلائل هذا الشغف، التباهي بصغائرالإنجازات وكِبارِها، بل وحتى الذُّرى التي لم يبلغوها بعد. أقول هذا، وأنتِ الآن عند نقطة البداية في مرحلة عمرية جديدة، المسؤولية فيها على عاتقك أنتِ. وما القدر، الحظ، المصادفة إلا عابرون، والله وحدَه هو المُوفِّق. فليس أسهل على الفاشلين اللّعّانين، من تحميل المسؤولية عن قصورهم بالقول: أردنافعاندتنا الأيام، قررنا فخذلتنا الظروف، رغبنا فجاء الزمان بغير ما نشتهي. وربما لهذا أيضا، يستبشر بعض الناس، بإطلالة المراحل العمرية الجديدة في حياتهم. يفترضونها موعدا مع الحياة، للتجدد والخروج مما كانوا فيه، وفرصة لتحقيق الأماني المكبوتة، التي قصروا في العمل على إنجازها. وكأن العمر الجديد، هو الحل السحري لمشكلاتهم الذاتية. وهنا، قد يندفع واحد إلى طرح أسئلة وجودية من نوع: من يصنع الآخر، هل يصنع الإنسان قدره أم أن القدر هو من يصنع الإنسان؟ والى أي حد يستطيع الإنسان التحكم بظروفه، ومن ثم صياغة حياته على الوجه الذي يريد؟! عموما تشكل الأقدار ذريعة جاهزة لمن يريد أن يهرب من المسؤولية عما يقع له. من المألوف عند من عقولهم في اجازة مفتوحة، الدمج بين الزمن والقدر والحظ والمصادفة وإرادة الله جل جلاله، وأنهم مجبرون على تقبل النتائج خوفا من الاتهام في ايمانهم. تأملي يا ابنتي ناجحين حولك، وسترين منهم من صنع مصيره وفق خطط مدروسة، تحكمت بصُوَر مستقبله، وبالطرق التي أدت إليه. ففي عوالم النجاح الحق، يتضاءل دور المصادفات القدرية، ويشحب دور الحظ، ويتعلق كل شيء تقريباً بالإرادة وما تدفعه من عرق الجبين، وبالمحاسبة على التقصير، بعيدا عن محاباة الكسل أو الاوهام. المؤمنون يحفظون لربهم جلاله، فلا يجعلونه مسؤولاً عن أخطائهم، ولا يحمّلونه جريرة انهزامهم أو ضعفهم أو إهمالهم. أما الفاشلون فهم من يتهمون الله بانه مسؤول عن فشل خططهم في الانتصار، والرداءة في نتائجهم. فلا تتخذي من الله عذرا او ذريعة لاخلاء طرفك من المسؤولية، فالله سبحانه أجَلُّ مِن أنْ يكون موظفا لدى أحد. إنك اليوم في نقطة بداية جديدة، كثير من الناس غيرك، على استعداد لأن يشتروها بنصف أعمارهم. فبداية الشباب فرصة شرعية لمراجعة ما كان، في ما انقضى من اعمارهم، والتحرر من اثقالها، وإطلاق التمنيات حول ما ينبغي أن يكون، ومباشرة ما يكفي من العمل لإنجازها. في ظني يا ابنتي، ان كلا منا في هذه البداية، يخوض حياته غُرّاً بلا تجربة مسبقة، لا سلاح عنده إلا البراءة، وعلى كل منا ان يُقْبل على رحلته، إما مستعدًّا لألامها ومباهجها، أو غير مستعد. وأزعم أن براءتي هذه استمرت بعض الوقت، وإن بدأت حينها بوضع قدمي على أول الدرب الذي لم اكن ادريه، طويلا هو ام يطول! كلما سُئلت عن بداياتي الحمقاء، يحلوا لي القول بدقة: بأني دخلتها غِرَّاً من بابها الخلفي. كنت محتالا سابقت عمري وعدادات السنين. ولكني كنت متحليا بنزاهة عجيبة، والتزام اعجب. دخلت مضامير الحياة من كل باب اتيح لي. يعود أول عهدي بالحياة إلى تلك السنوات، التي قضيتها أتسلى بقراءة الحياة التي لم يختَرْها لي أحد، لا الأُسْرة ولا أساتذتي ولا بيئتي الصغرى ، ولا أدري ما الذي دفعني إلى تلك الخيارات، التي ظل معظمها بلا ترجمة. في مرحلةِ الكثيرِ من الشباب، تتراجع مكانة الطفولة، وتتغيَّرَ الملامح لا المعالم، تتتداخل الحدود وتتغير الرايات كما يغير احدنا قميصه. وقد انتهيتِ هذا اليوم من العيش في اطر الطفولة، وعناوينها وعباءاتها ومراياها. وبعد تغيُّراتٍ وتحولاتٍ كثيرةٍ باتت تؤثِّر في مسارات حياتك، سأهمسُ شيئا في عقلِك ولقلبِك الذين معا بوسعهما فهم أشياء كثيرة. إياك وتهجين المفاهيم الحياتية لتصبح مستساغة في عقلك. فلن يساعدك هذا التهجين في النهاية على الفهم، وهو الغاية الأساسية في الحياة الراشدة. مع أننا أحيانًا نستطيع بلوغ ذاك الفهم، باستخدام ما توفّر لدينا من ملَكاتِ النفس النقدية المختلفة. الحياة يا ابنتي ليست مجرد أحلام، بل عملٌ غنيٌّ بالمصاعب. لتَنجَحي إفتحي نوافذَ دائمة على قدُراتِك، إبقي مرتبطة بثقافة مجتمعك، النضج سعي وراء الحقيقة ومواجهة الصعاب بشجاعة. من خلال النضج والتغيرات التي تعتريك اكتشفي ما حولك من عوالم لا نهائية، الثابت الوحيد فيها هو التغيُّر، الذي هو جوهر الوجود، واشارة ضرورية لتعديل المساراتِ وطُرُقٍ وأبوابٍ جديدة، والمضي قدما عبرها. وأنت تعبرين في الزمان، ستعيشين تجارب متباينة الآفاق، لتتعرفي على معنى الحياة فيها، إمتلكي القدرة على التحولات، واستدعاء سِحْرَ ملَكاتِك ، والقبض على مهاراتك. وللوصول إلى أحلامك، إسترجعي طفولتك وتجاوزيها. فأفظع ما في الطفولة أنها أنه لا تُفْهَم، فيها يتصارع الرحمن مع أبالسة الشيطان، وفي قلب الإنسان تدور رحى هذا الصراع. اخلقي الجمال في كل شيء حولك وفيك، من الفوضى الخلاقة المبعثرة في أبسط التفاصيل هنا وهناك، ما يقع منها تحت البصر، وما وقر منها في السمع أو في القلب. كأنك وحدك في هذه الدنيا، او كأنك صنعتِ الدنيا على مزاجك، وأنت تنصتين بأيٍّ من حواسِّك، لا تهتمي بتصفيق الآخرين. إليك شيئا من أسراري يا ابنتي الغالية، شيءٌ في غاية البساطة، أنا لا ابصر عميقا إلا بالقلب. فالعيون وحدها لا تبصر الجوهري حولنا وفينا. فلا تقبلي سيطرة العقل حين يجب استفتاء القلب. كل عام وأنت بخير والى كل احلامك اقرب يا رب. هذا هو اجمل ما املكه لك من التمني، أما العمل، فعليك وحدك بالقطع، أعانك الله، ورزقك التوفيق والسعادة في كل دروب حياتك. انه سميع كريم جدك سمير محمد ايوب الاردن - 29/1/2025
#سمير_محمد_ايوب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سَلَفِيٌّ في الحب ...!!! احافير في الحب - النص الخامس
-
هل الحب رزق مقدر، أم سعي محسوب، أومصادفة؟! أحافير في الحب –
...
-
الجميلون لا يأتون من لا شيء - جدل البدايات والنهايات!!! أحاف
...
-
فاصل وواصل !!! أحافير في الحب – النص الثاني
-
هيا قُمْ، فدربُ الآلام في انتظار قيامتك!!! أحافير في الحب -
...
-
بعض نقاط وبعض حروف ... إضاءة سريعة على المَوْلِدْ في سوريا !
...
-
يا رب لوط، أقم قيامتك، سبحانك!!! إلتفاتة الى ما يجري في امة
...
-
التلمود اليهودي هو أصل الشر - وعد بلفور عتبة
-
الحساب المفتوح، مقاومة حتى النصر... إضاءة على المرحلة الحالي
...
-
ككل عام، عاد ...
-
الانتخابات النيابية - تداعيات وتبعات إضاءة على المشهد في الا
...
-
إلا أنت وأنا ... احافير في الحب
-
جُلُّ الأمصارِ غائبة يا غزة !!! أضاءة على ملحمة الطوفان ...
-
اللعنة على كل من يستحقها اضاءة على واقع الحال والمآل !
-
أعداء الحياة والربيع إضاءة على ملاحم الطوفان في فلسطين
-
سابع أخر في تموز جديد، لا تَمُتْ قبلَ الموت؟
-
أحجية اليوم التالي ... إضاءة على المشاهد غزة العزة
-
غطرسة الفقر نوافذ على بعض ما قد مضى من العمر - الثانية
-
نوافذ على بعض ما قد مضى من العمر النافذة الاولى
-
الندية والدونية في الصراع الوجودي إضاءة على المشهد في فلسطين
...
المزيد.....
-
الفاروق عبد العزيز: السينما كانت نافذتي للعالم والرقابة أوقف
...
-
فيديو: بجوار جده.. الآغا خان الرابع يوارى الثرى في مصر ضمن م
...
-
نجوى كرم تتعرض لموقف محرج على المسرح خلال حفلها في أمستردام
...
-
مطالب بحماية حقوق المبدعين في قمة باريس العالمية حول الذكاء
...
-
وفاة الفنانة السورية الشابة إنجي مراد في ظروف مأساوية
-
مع تصاعد نجاحات أفلام التيار المحافظ.. هل تضطر هوليود لتغيير
...
-
كتبت رسالة مؤثرة قبل رحيلها.. وفاة الفنانة السورية إنجي مراد
...
-
نجوى كرم تثير تفاعلا بسبب العلم السوري وتعثرها على المسرح في
...
-
تركي آل الشيخ يشوق متابعيه بالمزيد من كواليس فيلم -Seven Dog
...
-
وفاة فنانة سورية شابة بعد تعرضها لأزمة صحية (صورة)
المزيد.....
-
أدركها النسيان
/ سناء شعلان
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
المزيد.....
|