أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علم الدين بدرية - قراءة نقديّة لديوان ((أشبه لا أحد))















المزيد.....


قراءة نقديّة لديوان ((أشبه لا أحد))


علم الدين بدرية

الحوار المتمدن-العدد: 8243 - 2025 / 2 / 4 - 17:51
المحور: الادب والفن
    


يمثّل ديوان "أُشبه لا أحد" للشّاعر وسام حلبي ،باكورة أعماله الشّعريّة والأدبيّة وتجربة فريدة ومميّزة في هذا المضمار تتجاوز الشكل وترقى بالمضمون ،لتعكس حالة وجدانيّة راقية لها وقعها الخاص أدبيًا وإبداعيًّا وتُجسد تَطورًا واضحًا واثراءً لغويًّا وفكريًّا وثقافيًّا في المسيرة الأدبيّة والإبداعيّة للشّاعر ، أُشبه لا أحد هو الإصدار الأول للشّاعر ، يقع في مئة وخمس وسبعين صفحة من الحجم المتوسط واشتمل على خمسة أبواب اِحتوت على أكثر من خمسين قصيدة، صدرت المجموعة عن دار الحديث للإعلام والنشر لصاحبها الشّاعر فهيم أبو ركن الذي أشرف على التّصميم الداخلي، تقديم الكاتبة حنان جبيلي عابد ،مراجعة وتدقيق لغوي للدّيوان المعلّمة والباحثة لورين أسعيد ،بينما صمّمت الغلاف الخارجي الفنّانة ملكة زاهر بلوحة الفنّان حكمت خريس.
الأدبُ يُكرَّمُ بمبدعيّه وروَّاده والثّقافةُ ترتقي وتتألّق بأعلامها، وتكريم الإنسان المبدع إنما يعني الاحتفاء بالإبداع أولاً وبالموقف الإنساني ثانيًا.
لكلّ إنسانٍ نصيبٌ من اسمه والشّاعر وسام حلبي هو وسام من العطاء ووسام في المعرفة ، يمتلك الثّقة بالنفس والحسّ الأدبي المرهف ، بارع في اختيار المفردات وصياغتها في قالبها الفني والجمالي الوسيم ، ويخطو بخطوات راسخة وثابتة في باكورة أعماله الأدبيّة ونتاجه الإبداعي "أُشبه لا أحد" وهو صوت ينبضُ بالتفرّد له بصمته الخاصة أسلوبًا وتعبيرًا وهذا لا ينفي تأثّر الشّاعر بكبار الشعراء ، لكننا هنا امام عمل ابداعي مميّز ومشهد من الإثراء والتّجديد ، عندما يتكامل النص الأدبي ، ويصل إلى درجة من النضوج والوعي ، يتّخذ من اللغة وتطورها محوراً له ، ومن العمل الإبداعي متعة روحيّة ، وحاجة إنسانيّة جماليّة تتداخل وتتعامل فيها العناصر الفنيّة والثقافيّة تُكمل بعضها عبر تاريخ الفن والإنسان .
العطاء هو نشاط إنساني، والنّشاط الإيجابي بحد ذاته فن، والفن هو عمل وإنتاج يصل ذروته في أرفع الصّور عندما يكتمل في شكل محدد من أشكال الثّقافة والوعي الاجتماعي، ولكل صورة من صور الثّقافة روحيّة كانت أم فنيّة، فكريّة أو أدبيّة، استقلال نسبي ونوعيّة مختلفة مميّزة وقوانين تطوّر ذاتي تستجيب لحاجات جماليّة في واقع تاريخي اجتماعي محدد، وهي جزء من بناء ثقافي عام يُعبّر عن مرحلة اجتماعيّة من مراحل تطوّر المجتمع، وهي تستجيب للمثل العليا، الفكريّة والروحيّة، والذوقيّة الجماليّة والفلسفيّة. وهكذا نجد أنفسنا أمام عملٍ إبداعي، تجتمع فيه مقوّمات الصورة الثّقافيّة والحاجة الجماليّة والوعي الاجتماعي والواقع التاريخي، المعاناة والانصهار الإنساني ...
يقول شاعرُ العيون الكرمليّة في مقدمة الديوان: جئتُ إلى العالم لأقول كلمتي.. جئتُ لأحرّرَ القصيدةَ من كلّ ما اعتادت عليه.. جئتُ لكي أكونَ قصيدةً ولتكونَ القصيدةُ ما لَمْ يردْ لها أحدٌ أن تكون.. أُشبه لا أحد. إنهُ الثّائر المتمرّد السّاعي لتحرير القصيدة من قيودها وأصفادها القديمة لتكونَ بعيدة عن الحصر والعبوديّة والاختزال..
"أُشبه لا أحد" مجموعةٌ من القصائد المبتكرة لها إِيقاعها الخاص يُبحر بها شاعرُنا برموزها ودلالتها اِستعارةً وتشبيهًا، شكلاً ومضمونًا ليرسمَ لوحةً من الأبداع، رسمة لا تُشبه أحد.. لتكونَ تأشيرةَ صعود وتصريح دخول لعالم الأدب الشّعري من أوسع أبوابه.
لقد أدركَ شاعرُنا الحداثي أنّ للّغة طاقة فكريّة عميقة وخصبة وللشّعر إيقاعاته اللّفظيّة والدلاليّة من استعارة وتشبيه يستطيع بها الإفلات من معايير الفهم الخاطئ للمتعارف عليه، نهض نافضًا ركود المياه الآسنة في منابع اللّغة، جاعلاً من الحروف كلمات لها دلالات تعوم في فضاءات تأويليّة رحيبة لا محدودة، مُتحررة من القوالب الجاهزة والقيود الكلاسيكيّة، موصلاً فكرته عبر نصّه الشّعري بسياقات لغويّة جديدة ومبتكرة فنسمعه يقول بقصيدة "الذاكرة":
لَنْ تَلْتَهِمَ الذَّاكِرَةُ مُوسِيْقَى الصَّمْتِ.. / لَنْ تَعْرِفَ النَّايُ عَويْلَ الذِّئَابِ.. / لَنْ تَنْصُتَ حُبْلىَ لِرَحْمِ عَاقِرٍ.. / لَنْ يَصْطَادَ شَاعِرٌ في مِيَاهِ غَيْمَةٍ.. / أوْ بِئْرٍ تَسْقُطُ إلى فَوْقٍ وَتَصْعَدُ إلى تَحْتٍ.. يتمرّدُ الشاعر على النفاق والواقع الرمادي، يرفضُ الاستكانة، يعرف أن للذاكرة تاريخ وللموسيقى صدى لا يُلتهم ولا يَصمت حتى ولو كان صمتًا، الذئابُ لا تصغى لعزف الناي والشّاعر لا يُبدع في اكفهرار غيمة ولا يبحث عن كلماته في بئر نسي قواعد الفيزياء ومَنْ تنتظر مولودًا، سيخرج حتمًا من رحم مدرار يزرعُ الحياةَ ويُثري الوجودَ بالخلق والرِّفاء ...
اِستوقفتني قصيدة أخرى " في الضباب ":
لِلضَّبَابِ عَيْنَانِ وَاحِدَةٌ تَبْكِي وَأُخْرَى تَضْحَكُ.. / لِلضَّبَابِ لاَ مُنْتَصَفَ، لاَ فَوْقَ.. لاَ تَحْتَ لِلضَّبَابِ أَنَا وَأنْتِ..
وسام.. يستخدمُ الثنائيّة والتّضاد مُستعملاً الرّمزَ كدلالة فيعيش اغترابًا عن الذّات ليقولَ في مقطع آخر من القصيدة: تُعَلّمُنِي أَنّ السَّيْرَ في الضَّبَابِ، فِيْهِ مَا يَكْفِي رُوح الشَّبَابِ.. / تُعَلّمُني كَيْفَ أَخْتَبِئُ جَيْدًا في الْكَلِمَاتِ.. هي ثورةُ إنسانٍ يرفضُ الضبابيّة واللّون الرّمادي، حزين على التّخفي وراء الكلمات، هذا المزج بين الشكل والجوهر والتنافر بين ثنائيّة المحبّة والكره، حوّل الوجعَ إلى قصيدة.. تُعَلّمُني أَنّ تَحْتَ الشَّمْسِ لاَ شَمْسَ.. هَذهِ الدُّنْيَا يَا وَلَدي، عَلىَ مَا فِيْهَا مِنْ ضَبَابٍ وَاضِحَةٌ مُشْمِسَةٌ.. يبحثُ شاعرُنا عن الوضوح، عن البساطة في زمن أصفر رديء لكنه لا يفقد الأمل رغم الغُربة والاغتراب، حيث يقول في إحدى مقاطع قصيدة "أُشْبِهُ لاَ أَحَدَ" وهي القصيدة التي حمل عنوانها الديوان:
غَريْبٌ.. / أُشْبِهُ لاَ أَحَد.. / لاَ الرِّيَاحَ الْبَعِيْدَةَ فَتَقْتَرِبَ.. / لاَ الْغُيُومَ السَّاكِنَةَ فَتَنْقَلِبَ.. / لاَ يَسُوعَ.. وَهَلْ لاَيَزَالُ صَلْبِي يُوجِعُهُ؟ في المقطع الأخير من القصيدة يقول: تَنَبَّأتْني قَصِيْدَةٌ تَصْرُخُ: أَنْتَ ضَمِيْرٌ وَمَا دُمْتَ مُؤتَمَنًا، لاَ زَمَانُكَ يَأْتِي وَلاَ الزَّمَانُ يَقْرَأُنِي.. إنّهُ الألم العصي على الفهم، إنّهُ المصلوب الذي ينتظر الخلاص.. ينتظر يسوعَ الذي لا يأتي...!
اكتفي بهذا العرض المصغّر لبعض القصائد، أترك الباقي لك عزيزي القارئ، وأعطي المتلقي فسحة كبيرة من التخيّل، أكثر شموليّة وعمقًا واتساعًا للتّحليق في فضاء النص، لسبر هذه القصائد المميّزة للشّاعر وسام حلبي..
أبارك للشّاعر باكورة أعماله في هذا الإصدار الراقي الجميل، متمنيًّا له المزيد من النجاح، العطاء والإبداع والارتقاء في التّجربة الشعريّة إثراءً وإبداعًا.



#علم_الدين_بدرية (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رحلة روح
- قراءة نقدية لديوان ((في منتصف الحب))
- قَالَتْ وَقَال 5
- تأَمُّلات خَرِيفيَّة
- اكفهرارُ الصّقيع بحضن الرّماد
- بين النقد والإبداع في الشعر الحديث
- تجلّيات من الإبداع وصلاة من العشق فوق بواسق السّحاب
- تعتعات على أوتار الرحيل
- الجنة
- أَشْجَارٌ وَظِلاَل
- وَمِيْضٌ عَلَى شَوَاطِئِ الاغْتِرَابْ
- مَوْعِدٌ وَانْتِظَار
- هايكو بعدسة مكبّرة
- عَلَى أَعْتَابِ الْخَرِيْف
- حَجَرُ الرُّحَى
- نَبَضَاتٌ عَلَى جَسَدِ الْقَصِيْدَةِ
- رِسَالَةٌ إِلىَ أَبِي
- حَاضِرٌ لاَ يَغِيبْ
- حَنِيْنُ مُهَاجِرٍ
- عَلَى جِدَارِ ذَاكِرَةٍ


المزيد.....




- التشدد في ليبيا.. قمع موسيقى الراب والمهرجانات والرقص!
- التلاعب بالرأي العام - مسرحية ترامبية كلاسيكية
- بيت المدى يؤبن شيخ المخرجين السينمائيين العراقيين محمد شكري ...
- مصر.. الحكم بحبس مخرج شهير شهرين
- مصر.. حكم بحبس المخرج محمد سامي بتهم -الاعتداء والسب-
- مصر.. حكم بحبس المخرج محمد سامي شهرين لهذا السبب
- الكويت توزع جوائز الدولة وتحتفي باختيارها عاصمة للثقافة العر ...
- حتى المواطنون يفشلون فيها.. اختبارات اللغة الفرنسية تهدد 60 ...
- محاضرة في جامعة القدس للبروفيسور رياض إغبارية حول الموسيقى و ...
- سلطنة عمان تشارك في حفل انطلاق فعاليات مهرجان الكويت عاصمة ا ...


المزيد.....

- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علم الدين بدرية - قراءة نقديّة لديوان ((أشبه لا أحد))