أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمودة المعناوي - الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق؛ مَبَاحِث الْآكْسِيُّولُوجْيَا















المزيد.....



الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق؛ مَبَاحِث الْآكْسِيُّولُوجْيَا


حمودة المعناوي

الحوار المتمدن-العدد: 8279 - 2025 / 3 / 12 - 22:33
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


_ الْعَلَاقَةُ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْأَخْلَاق فِي الْآكْسِيُّولُوجْيَا

الْآكْسِيُّولُوجْيَا Axiologie، أَوْ عَلِمَ الْقَيِّم، هِيَ أَحَدُ الْفُرُوعِ الرَّئِيسِيَّة لِلْفُلِسَفَة الَّتِي تَبْحَثُ فِي طَبِيعَةِ الْقِيَمِ وَ الْمُثُلِ الْعُلْيَا وَ عَلَاقَتِهَا بِالْعِلْم وَخَصَائِص التَّفْكِير الْعِلْمِيّ. وَ تُعْتَبَرُ هَذِهِ الْعَلَاقَةِ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْأَخْلَاق مِنْ أَهَمِّ الْقَضَايَا الَّتِي تَنَاوَلَهَا الْفَلَاسِفَةُ وَ الْمُفَكِّرُونَ عَبْرَ التَّارِيخِ. بِدَايَة، مِنْ الْمُهِمِّ فَهِمَ أَنَّ الْآكْسِيُّولُوجْيَا تَرْتَبِطُ بِشَكْلٍ وَثِيق بِثَلَاث قَيِّم أَسَاسِيَّةً هِيَ: قِيمَةُ الْحَقِّ Logic (الَّتِي يَدْرُسُهَا عِلْمِ الْمَنْطِقِ)، وَ قِيمَة الْخَيْرِ Ethics (الَّتِي يَدْرُسُهَا عِلْمُ الْأَخْلَاقِ)، وَ قِيمَة الْجِمَالُ Aesthetics (الَّتِي يَدْرُسُهَا عَلِم الْجَمَّال). هَذِهِ الْقِيَمِ الثَّلَاث تُشْكِل الْأَرْكَان الرَّئِيسِيَّة لِلنَّشَاط الرُّوحِيّ لِلْإِنْسَان وَاَلَّتِي يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ جَدِيرَة بِإهْتِمَامِه وَإجْتِهَادِه. وَ عِنْدَ البَحْثِ فِي عَلَاقَةِ الْعِلْم بِالْأَخْلَاقِ مِنْ مَنْظُورٍ الْآكْسِيُّولُوجْيَا، نَجِدُ أَنَّ الفَلَاسِفَةَ قَدْ إنْقَسَمُوا إلَى ثَلَاثَةِ تَيَّارَات رَئِيسِيَّة. التَّيَّار الْأَوَّل: يُفَضِّلُ الْأَخْلَاقِ عَلَى الْعِلْمِ، وَ يَرَى أَنَّ الْأَخْلَاقَ هِي الْمِحْوَر الأَسَاسِيّ وَ إِنَّ الْعِلْمَ يَنْبَغِي أَنْ يَخْضَعَ لَهَا وَ يَسْتَمِدّ مِنْهَا تَوْجِيهًاتِه وَ ضَوَابِطِه. التَّيَّار الثَّانِي: يَفْضُل الْعِلْمِ عَلَى الْأَخْلَاقِ، وَ يَرَى أَنَّ الْعِلْمَ وَحْدَهُ هُوَ الْمَصْدَرُ الْحَقِيقِيُّ لِلْمَعْرِفَة وَالْحَقِيقَةِ، وَإِنْ الْأَخْلَاق مُجَرَّد تَقَالِيد وَتَوْجِيهَات إجْتِمَاعِيَّة لَيْسَ لَهَا أَسَاس مَوْضُوعَيْ. التَّيَّار الثَّالِث: يَرَى أَنَّ الْعِلْمَ وَالْأَخْلَاق يُكْمِلَان بَعْضُهُمَا الْبَعْضَ، وَإِنْ الْعِلْم يُمَهِّدُ الطَّرِيقَ لِلْأَخْلَاق وَ يُسَاعِدُهَا فِي الِإرْتِقَاءِ، بَيْنَمَا الْأَخْلَاق تَضَع الضَّوَابِط وَالْمَعَايِير لِلْعِلْمِ وَ تَوَجُّهُه نَحْوَ الْخَيْرِ وَالنَّفْع لِلْإِنْسَانِيَّة. وَمِنْ الْمَنْظُور الْآكْسِيُّولُوجِيّ، فَإِنْ التَّيَّار الثَّالِثُ هُوَ الْأَقْرَبُ إلَى الصَّوَابِ؛ حَيْثُ إنَّ الْعِلْمَ وَالْأَخْلَاق لَا يُمْكِنُ فَصْلُهُمَا أَوْ النَّظَرِ إلَيْهِمَا كَمَتَعَارِضَيْن، بَلْ هُمَا مُتَكَامِلَان وَمُتَرَابِطان بِشَكْلٍ وَثِيق. فَالْعِلْم بِحَاجَةٍ إِلَى الْأَخْلَاقِ لَتَضَع لَه الضَّوَابِط وَالْمَعَايِير الَّتِي تَحْفَظُ كَرَامَةُ الْإِنْسَانِ وَتَوَجُّهُه نَحْوَ الْخَيْرِ وَالنَّفْع، بَيْنَمَا الْأَخْلَاق بِحَاجَةٍ إِلَى الْعِلْمِ لِتَسَتمد مِنْهُ الْمَوْضُوعِيَّة وَالْمِنْهَجِيَّة وَالْقُدْرَةُ عَلَى تَفْسِيرِ الظَّوَاهِر وَحَلِّ الْمُشْكِلَاتِ. وَ يَتَجَلَّى هَذَا التَّكَامُل وَالتَّرَابُط بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْأَخْلَاق فِي الْعَدِيدِ مِنَ الْمَجَالَاتِ، كَمَا فِي عُلُومِ الطِّبّ وَالْبُيُولُوجِيَا وَالفِيزْيَاء وَالذَّكَاء الِإصْطِنَاعِيّ، حَيْثُ أَصْبَحَتْ الْأَخْلَاق ضَرُورِيَّة لِتَنْظِيم الْبُحُوث وَالتَّجَارِب الْعِلْمِيَّة وَضَمَان حِمَايَة حُقُوقِ الْإِنْسَانِ وَ كَرَامَتِهِ. وَعَلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ، فَإِنْ التَّطَوُّرَاتِ الْعِلْمِيَّةِ وَالتِّقْنِيَة أَدَّتْ إلَى ظُهُورِ قَضَايَا أَخْلَاقِيَّة جَدِيدَة تَحْتَاجُ إلَى مُعَالَجَةٍ عِلْمِيَّة دَقِيقِة. وَبِالتَّالِي، يُمْكِنُ الْقَوْلُ أَنَّ الْعَلَاقَةَ بَيْنَ الْعِلْمِ وَ الْأَخْلَاق فِي الْآكْسِيُّولُوجْيَا هِيَ عَلَاقَةٌ تَكَامُلِيٍّة وَتَفَاعُلِيَّة، بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ فَصْلُ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ. فَالْعِلْم بِحَاجَةٍ إِلَى الْأَخْلَاقِ لِتَوْجِيهِه وَوَضَع الضَّوَابِط لَه، وَالْأَخْلَاق بِحَاجَةٍ إِلَى الْعِلْمِ لِتَسَتمد مِنْهُ الْمَوْضُوعِيَّة وَالْحَقَائِق الَّتِي تُؤَسَّسُ عَلَيْهَا مَبَادِئُهَا وَقِيَمِهَا. وَهَذَا التَّكَامُل وَالتَّرَابُط أَسَاسِيّ لِتَحْقِيق التَّقَدُّمِ الْإِنْسَانِيِّ الشَّامِلِ فِي جَمِيعِ الْمَجَالَاتِ.

_ الْآكْسِيُّولُوجْيَا وَالْمَسَائِلُ الْعِلْمِيَّة

الْآكْسِيُّولُوجْيَا، أَوْ عِلْم الْقَيِّمِ، هُوَ مَبْحَث هَامَ فِي الْفَلْسَفَةِ وَ اَلَّذِي يَهْتَمّ بِدِرَاسَة طَبِيعَة الْقَيِّم وَأَصْنَافِهَا وَمَعَايِيرها. هَذَا الْمَبْحَثِ الْفَلْسَفِيّ يَرْتَبِط بِشَكْل وَثِيق مَعَ الْمَسَائِلِ الْعِلْمِيَّةِ، وَ ذَلِكَ مِنْ خِلَالِ ثَلَاثَ قِيَمٍ أَسَاسِيَّة: قِيمَة الْحَقِّ وَ قِيمَة الْخَيْرِ، وَ قِيمَة الْجِمَالُ. عِلْم الْآكْسِيُّولُوجْيَا يَسْعَى إلَى فَهْمِ كَيْفِيَّة إرْتِبَاطَ هَذِهِ الْقِيَمِ الثَّلَاث بِالْعِلْم وَبِالْخَصَائِص الْمَعْرِفِيَّة لِلتَّفْكِير الْعِلْمِيّ. ذَلِكَ أَنَّ الْمَعْرِفَةَ الْعِلْمِيَّة تُعَدُّ وَاحِدَةً مِنْ أَهَمِّ وَ أَرْقَى أَوْجُه النَّشَاطِ الْإِنْسَانِيِّ. لِذَلِك، تَسْعَى الْآكْسِيُّولُوجْيَا إلَى تَوْضِيحِ كَيْفَ يُمْكِنُ لِلْقَيِّم الْمُتَعَلِّقَة بِالْحَقِّ وَالْخَيْرِ وَالْجَمَال أنْ تَوَجَّهَ وَتَحَدُّد الْمُمَارَسَة الْعِلْمِيَّة. عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ، تَطْرَح الْآكْسِيُّولُوجْيَا تَسَاؤُلَات حَوْلَ كَيْفِيَّة تَحْدِيد الْقِيَمِ الْأَخْلَاقِيَّةِ الَّتِي يَنْبَغِي عَلَى الْعُلَمَاءِ إلْتِزَام بِهَا فِي بُحُوثِهِمْ الْعِلْمِيَّة. هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِمْ الِإلْتِزَام بِمَبَادِئ أَخْلَاقِيَّة مُحَدَّدَةٍ فِي تَصْمِيمِ التَّجَارِب وَالتَّعَامُلُ مَعَ الْمُشَارِكِين فِيهَا ؟ كَيْفَ يُمْكِنُ الْمُوَازَنَةِ بَيْنَ قِيَمِ الْبَحْثِ الْعِلْمِيِّ وَقِيَم الْمُجْتَمَع الْأَوْسَع؟ كَذَلِكَ تَنْظُرُ الْآكْسِيُّولُوجْيَا فِي كَيْفِيَّةِ إرْتِبَاط قِيمَة الْحَقّ بِالأسس الْمَنْطِقِيَّةِ وَ الْمَعْرُفِيَّة لِلْبَحْثِ الْعِلْمِيّ. مَاهِيَ الْمَعَايِير الَّتِي يَنْبَغِي عَلَى الْعُلَمَاءِ إتِّبَاعُهَا لِلْوُصُولِ إلَى الْحَقِيقَةِ الْعِلْمِيَّة؟ هَلْ هُنَاكَ قَيِّم مَوْضُوعِيَّة مُحَدَّدَة يَجِبُ إحْتِرَامُهَا فِي الْمُمَارَسَة الْبَحْثَيْة ؟ وَبِالنِّسْبَةِ لِقِيمَة الْجَمَّال، تَتَسَاءَل الْآكْسِيُّولُوجْيَا حَوْلَ الدَّوْرِ الَّذِي يُمْكِنُ أَنْ تَلْعَبَهُ الْجَوَانِب الْجَمَالِيَّة وَالْإِبْدَاعِيَّة فِي الْعَمَلِيَّةِ الْعِلْمِيَّة. هَلْ لِلْقَيِّمِ الْجَمَالِيَّة أَهَمِّيَّة فِي تَقْيِيمِ نَتَائِجِ الْبُحُوث وَ تَصَامِيم التَّجَارِبُ الْعِلْمِيَّة ؟ كَيْفَ يُمْكِنُ تَعْزِيز الْحَسَّاسَيَّة الْجَمَالِيَّة لَدَى الْعُلَمَاء وَرَبَطَهَا بِالْبَحْثِ الْعِلْمِيِّ. بِشَكْلٍ عَامٍّ، تَسْعَى الْآكْسِيُّولُوجْيَا إلَى تَقْدِيمِ رُؤْيَة شَامِلَة حَوْل كَيْفِيَّة إِرْسَاء قَيِّم الْحَقِّ وَالْخَيْرِ وَالْجَمَال كَأسْس لِلْمُمَارَسَة الْعِلْمِيَّةِ. فَهِي تُحَاوِل تَأْطُير الْمَسَائِلُ الْعِلْمِيَّة ضَمِن سِيَاق قِيَمِيّ أَوْسَع، بِمَا يُسَاعِدُ فِي تَوْجِيهِ الْبَحْثِ الْعِلْمِيِّ نَحْو الْأَهْدَافِ الْإِنْسَانِيَّةِ النَّبِيلَة. وَ بِذَلِكَ، لَا يَنْبَغِي النَّظَرُ إلَى الْآكْسِيُّولُوجْيَا بِإعْتِبَارِهَا مُجَرَّد مَبْحَث نَظَرِيّ بَعِيدٌ عَنْ الْوَاقِعِ الْعِلْمِيِّ. بَلْ عَلَى الْعَكْسِ، فَهِيَ تُعَدّ أَدَّاة فَكَرْية هَامَة لِتَطْوِير الْمُمَارَسَات الْبَحْثَيْة وَ أَعَادَة صِيَاغَتِهَا وَفْق قِيَمٍ إِنْسَانِيَّةٍ أَعْمَق ..؟ يُمْكِنُ الْقَوْلُ أَنَّ عِلْمَ الْآكْسِيُّولُوجْيَا يُقَدَّمُ إِطَارًا فَلْسَفِيًّا وَقِيمِيَّا مُهِمًّا لِفَهْم وَتَوْجِيه الْمَسَائِلِ الْعِلْمِيَّةِ، بِمَا يُسَاهِمُ فِي تَحْقِيقِ التَّوَازُنِ بَيْنَ الْمَعْرِفَةِ الْعِلْمِيَّة وَالْإِهْدَاف الْإِنْسَانِيَّةِ النَّبِيلَة. وَهَذَا يَتَطَلَّب مِنْ الْعُلَمَاءِ وَ المُؤَسَّسَات الْبَحْثَيْة الِإنْخِرَاط فِي نَقَاشات قِيَمِيَّةٌ وَأَخْلَاقِيَّة عَمِيقَة حَوْل مُمَارَسَاتهم وَتَوَجَّهَاتِهِمْ.

_ مَوْقِفُ الْآكْسِيُّولُوجْيَا مِنْ الْعَلَاقَةِ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْأَخْلَاق

أَنْ لِمَبْحث الْآكْسِيُّولُوجْيَا (عِلْمَ الْقَيِّم) مَوْقِفًا مَهْمَا وَمَرَّكزيا فِي فَهْمِ الْعَلَاقَةِ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْأَخْلَاق، وَذَلِكَ مِنْ خِلَالِ نَظْرَتَه الشَّامِلَة لِنِطَاق الْقَيِّمُ وَعَلَاقَتِهَا بِمُخْتَلَف جَوَانِب النَّشَاطِ الْإِنْسَانِيِّ. بِدَايَة، تَنْطَلِق الْآكْسِيُّولُوجْيَا مِنْ أَنَّ الْقَيِّمَ هِي مِحْوَر وَمَرْجِعِيَّة لِلسُّلُوك الْإِنْسَانِيّ، وَبِالتَّالِي فَإِنَّ الْعَلَاقَةَ بَيْنَ الْعِلْمِ وَ الْأَخْلَاق تُفْهَمُ مِنْ مَنْظُورٍ الْعَلَاقَةِ بَيْنَ الْعِلْمِ كَنَشْاط مَعْرِفِيّ وَ بَيْنَ الْقَيِّمِ الَّتِي تَحْكُمُ هَذَا النَّشَاطُ وَتَوَجُّهُه. فَالْآكْسِيُّولُوجْيَا تُدْرِكُ أَنَّ الْعِلْمَ لَيْسَ نَشَاطًا مَحَايدا قِيَمِيًّا، وَإِنَّمَا هُوَ نَشَاطٍ إِنْسَانِيٍّ يَتَأَثَّر بِالنَّسَق الْقِيَمِيّ السَّائِد فِي الْمُجْتَمَعِ، كَمَا يُؤَثِّرُ فِي هَذَا النَّسَقِ الْقِيَمِيّ وَيُشَارِكُ فِي تَحْدِيدِهِ. فَالْقَيِّم الْأَخْلَاقِيَّة وَالْجَمَالِيَّة وَالْحَقِيقِيَّة تُشْكِل الْإِطَار الْمَرْجِعُيّ وَالضَّابِطُ لِلنَّشَاط الْعِلْمِيّ وَتَوَجُّهُه نَحْو الْغَايَات الْمُرَادَة. كَمَا تَرَى الْآكْسِيُّولُوجْيَا إنْ هُنَاكَ تَفَاعُلًا وَتَكَامَلَأ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْأَخْلَاق، فَالْعِلْم يُسْهِمُ فِي تَطْوِيرِ وَتَنْمِيَة الْأَحْكَام الْأَخْلَاقِيَّة مِنْ خِلَالِ الْآفَاق الْمَعْرِفِيَّة الْجَدِيدَةِ الَّتِي يَكْشِفُ عَنْهَا، فِي حِينِ أَنَّ الْأَخْلَاقَ تُسْهِمُ فِي تَوْجِيهِ النَّشَاطَ العِلْمِيَّ نَحْو الْغَايَات الْإِنْسَانِيَّة الرَّفِيعَة وَحِمَايَة الْقِيَمِ الْإِنْسَانِيَّةِ الْأَسَاسِيَّة. وَ فِي هَذَا الْإِطَارِ، تُؤَكِّد الْآكْسِيُّولُوجْيَا عَلَى ضَرُورَةِ أَنْ يَكُونَ الْعِلْمُ مَسْؤُولًا أَخْلَاقِيًّا، بِمَعْنَى أَنَّ يَخْضَع لِقَوَاعِد الْأَخْلَاق وَمَعَايِيرها، وَأنْ يَسْتَخْدِم لِخِدْمَةِ الْإِنْسَانِ وَتَعْزِيز قِيّمَه الْأَخْلَاقِيَّة وَالْإِنْسَانِيَّة. وَ فِي الْمُقَابِلِ، فَإِنْ الْأَخْلَاق بِدَوْرِهَا تَثْرِي الْعِلْمُ مِنْ خِلَالِ الْأَسْئِلَة الْقِيَمِيَّة الَّتِي تَطْرَحُهَا وَاَلَّتِي تَحْفِز الْبَاحِثِين عَلَى الْبَحْثِ عَنْ إِجَابَات عِلْمِيَّة لَهَا. وَ بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ، تَرَى الْآكْسِيُّولُوجْيَا إنْ الْعَلَاقَة الصَّحِيحَةِ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْأَخْلَاقُ هِيَ عَلَاقَةٌ تَكَامُلِيٍّة وَ لَيْسَتْ تَعَارِضَيْة، فَالْعِلْمُ بِحَاجَةٍ إِلَى الْأَخْلَاقِ لِتَحْقِيق غَايَاتِه الْإِنْسَانِيَّة، وَالْأَخْلَاق بِحَاجَةٍ إِلَى الْعِلْمِ لِتَوْسِيع آفَاقِهَا الْمَعْرِفِيَّة. وَلَا يُمْكِنُ لِلْعِلْمِ أَنْ يَكُونَ كَامِلًا أَوْ لِلْأَخْلَاق أَنْ تَكُونَ فَاعِلَةً بِمَعْزِلٍ عَنْ بَعْضِهِمَا الْبَعْضِ. لِذَلِكَ، يَتَطَلَّب الْأَمْر تَعْزِيز هَذِهِ الْعَلَاقَةِ التَّكَامُلِيَّة بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْأَخْلَاق مِنْ خِلَالِ التَّأْكِيدِ عَلَى أَهَمِّيَّةِ الْبُعْد الْأَخْلَاقِيَّ فِي النَّشَاطِ الْعِلْمِيّ، وَإرَساء ضَوَابِطُ أَخْلَاقِيَّة صَارِمَة لَمُخْتَلِف الْمُمَارَسَات الْعِلْمِيَّة، وَكَذَلِك تَعْزِيز الْوَعْي بِالْقِيَم الْإِنْسَانِيَّة وَالْأَخْلَاقِيَّة لَدَى الْعُلَمَاءَ وَ الْبَاحِثِينَ. فَقَطْ بِهَذَا التَّكَامُل يُمْكِنُ أَنْ يُؤَدِّيَ الْعِلْم دُورَه الْحَقِيقِيِّ فِي تَحْقِيقِ الرُّقِيِّ وَالتَّقَدُّمِ الْإِنْسَانِيِّ.

_ أَهَمِّيَّةُ عِلْمَ الْقِيَمِ مِنْ الْمَنْظُور الْعِلْمِيّ

يُعَدّ عِلْمَ الْقَيِّم (الْآكْسِيُّولُوجْيَا) أَحَدُ الْمَحَاوِر الرَّئِيسِيَّةُ فِي الْفَلْسَفَةِ، حَيْثُ يُرَكِّزُ عَلَى دِرَاسَةِ طَبِيعَةِ الْقَيِّم وَمَعَايِيرها. وَ لِلْقَيِّمِ أَهَمِّيَّةٌ كَبِيرَةٌ مِنْ الْمَنْظُور الْعِلْمِيّ لِعِدَّة أَسْبَاب: يَرْتَبِط عِلْمَ الْقِيَمِ بِعِلْمِ الْمَنْطِقِ، الَّذِي يَضَعُ قَوَاعِد التَّفْكِيرِ السَّلِيمِ وُصُولًا إِلَى الْحَقِيقَةِ. فَالْحَقِيقَة الْعِلْمِيَّة لَيْسَتْ خَالِيَةً مِنْ الْقَيِّمِ، بَلْ تَنْطَوِي عَلَى قِيِّمِ مِثْل الْمَوْضُوعِيَّة وَالدِّقَّة وَالشُّمُولِيَّة. كَمَا يَرْتَبِط عَلِم الْقَيِّم بِعِلْمِ الْأَخْلَاقِ، الَّذِي يُحَدِّدُ قَوَاعِد السُّلُوكِ الْأَخْلَاقِيِّ. فَالْقِيَمِ الْأَخْلَاقِيَّة مِثْلَ الصِّدْقِ وَالْعَدَالَةِ وَاْلإِنْصَافِ هِي مُوَجِهَّات لِلسُّلُوك الْعِلْمِيّ. يَرْتَبِط عَلِم الْقيِّم بِعِلْم الْجَمَّالُ أَيْضًا، الَّذِي يُحَدِّدُ مَقَايِيس الْجَمَّال وَيُنَمِّي الذَّوْق الْجَمَالِيّ. فَالْجَوَانِب الْجَمَالِيَّة مِثْل الِإنْسِجَام وَالتَّنَاسُب وَالْإِبْدَاع هِيَ قِيَم مَرْغُوبَةٌ فِي الْعَمَلِ الْعِلْمِيِّ. إنْ الْقَيِّم الْعِلْمِيَّة كَالْمُوضِوعِيَّة وَالْحَقِيقَةُ وَالتَّجْرِيب تَعَدّ دَوَافِع لِإسْتِمْرَار الْبَحْثِ الْعِلْمِيِّ وَ السَّعْيِ نَحْوَ الِإكْتِشَافَات وَالتَّقَدُّم. فَالْعُلَمَاء يَسْعَوْن لِتَحْقِيقِ هَذِهِ الْقِيَمِ فِي سَبِيلِ تَطْوِير الْمَعْرِفَة الْعِلْمِيَّة. كَمَا تُشْكِل الْقَيِّم الْعِلْمِيَّة كَالنِّزَاهَة وَالِإسْتِقْلَالِيَّة وَالشَّفَّافِيَّة مُوَجِهَّات مُهِمَّةٌ لِسُلُوك الْعُلَمَاءَ وَالْبَاحِثِينَ وَتَحَدُّد مُمَارَسَاتهم الْبَحْثَيْة وَ تَفَاعُلَاتِهَم الْمِهَنِيَّة. كَذَا تُسْتَخْدَم الْقَيِّم الْعِلْمِيَّة كَالْدِقَّة وَ الِإتِّسَاق وَالْقَابِلِيَّة لِلتَّحَقُّق كَمَعَايِير لِتَقْيِيم صِحَّة وَمِصْدَاقُيَّة الْمَعْرِفَةُ الْعِلْمِيَّة الْمُنْتِجَة. فَالِإلْتِزَام بِهَذِهِ الْقِيَمِ هُوَ مَا يَكْسِبُ الْمَعْرِفَة الْعِلْمِيَّة مَصْدَاقِيتِهَا. أَنْ دِرَاسَة الْقَيِّم الْعِلْمِيَّة السَّائِدَةِ فِي مُجْتَمَعٍ مَا تُسَاعِدُ عَلَى فَهْمِ وَتَفْسِير السِّيَاق الِإجْتِمَاعِيّ وَ الثَّقَافِيّ الَّذِي يَنْشَأُ فِيهِ الْعِلْمُ وَيُمَارِس. فَالْقَيِّم تُظْهِّرُ الدَّوْرِ الَّذِي تَلْعَبَه الْبِيئَة الِإجْتِمَاعِيَّةِ وَالثَّقَافِيَّةِ فِي تَشْكِيلِ الْمُمَارَسَة الْعِلْمِيَّة. أَنَّ إسْتِيعَابَ الْقَيِّم الْعِلْمِيَّة وَالتَّحَلِّي بِهَا كَالْمُوضِوعِيَّة وَالنَّقْدُ الذَّاتِيّ وَالتَّفْكِير الْمَنْطِقِيّ يُسَاهِمُ فِي تَطْوِيرِ القُدُرَات الْعَقْلِيَّة لِلْبَاحِثَيْن وَتَحْسِين مُهَارَاتِهِمْ فِي التَّفْكِيرِ الْعِلْمِيِّ. فِي الْخُلَاصَةِ، يُعَدّ عِلْمَ الْقَيِّم مَهْمَا مِنْ الْمَنْظُور الْعِلْمِيّ لِإرْتِبَاطِهِ الْوَثِيق بِالْمَنْطِق وَالْأَخْلَاق وَالْجَمَال، وَكَوْنُه يُشْكِل دَوَافِع وَ مَعَايِير وَمُحَدِّدَات لِلْمُمَارَسَات وَالنِّتَاجَات الْعِلْمِيَّةِ. وَبِذَلِكَ فَهُوَ رَكِيزَةً أَسَاسِيَّةً فِي فَهْمِ وَتَطْوِير الْعِلْم.

_ التَّطَوُّرُ الْعِلْمِيُّ وَالْأَخْلَاقِيّ فِي سِيَاق الْآكْسِيُّولُوجْيَا

الْآكْسِيُّولُوجْيَا هِيَ مَبْحَث هَامَ فِي الْفَلْسَفَةِ الَّذِي يَهْتَمُّ بِدِرَاسَة طَبِيعَة الْقَيِّم وَأَنْوَاعِهَا وَمَعَايِيرها فَالْآكْسِيُّولُوجْيَا تَتَنَاوَلُ بِالْبَحْث وَالتَّحْلِيل مَسَائِلَ مِثْلَ مَا هِيَ الْقَيِّم الْأَسَاسِيَّةَ الَّتِي يَجِبُ أَنْ يَسْعَى الْإِنْسَانُ لِتَحْقِيقِهَا، وَمَا هِيَ طَبِيعَةُ هَذِهِ الْقِيَمِ وَأَصْلِهَا، وَمَا هِيَ الْعَلَاقَةُ بَيْنَ الْقَيِّمِ الْمُخْتَلِفَة كَالْحَقّ وَ الْخَيْر وَالْجَمَال. لَقَدْ شَكْل مَبْحَث الْآكْسِيُّولُوجْيَا أَحَدُ الْمَحَاوِر الرَّئِيسَة فِي الْفَلْسَفَةِ بِجَانِب الآنْطوَلُوجْيَا (علمَ الْوُجُودُ) وَ الآبْسِتمولُوجْيَا (نَظَرِيَّةٌ الْمَعْرِفَة). وَتَبْرُز أَهَمِّيَّة الْآكْسِيُّولُوجْيَا مِنْ كَوْنِهَا تُعْنَى بِالْمَسَائِلِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْقِيَم الْأَخْلَاقِيَّة وَ الْجَمَالِيَّة وَ الدِّينِيَّة الَّتِي تُشَكِّلُ الْأَسَاس لِلسُّلُوك الْإِنْسَانِيّ وَالْحَضَارَةُ الْإِنْسَانِيَّةُ عُمُومًا. وَ فِي ضَوْءِ التَّطَوُّرُ الْعِلْمِيُّ وَالتِّقْنِيّ الْهَائِلِ الَّذِي شَهِدَه الْعَالِمُ فِي الْعُقُودِ الْأَخِيرَةِ، بَات الِإهْتِمَام بِالْأبْعَاد الْأَخْلَاقِيَّة لِلْعِلْم وَالتِّكْنُولُوجْيَا أَمْرًا ملْحًا وَ مُتَزَايِدًا. فَقَدْ أُفْرزَتْ الْمُسْتَجَدَّات الْعِلْمِيَّة وَالتِّقْنِيَة، خَاصَّةً فِي مَجَالَاتِ الْهَنْدَسَة الْوِرَاثِيَّة وَالطِّبّ وَتِكْنُولُوجِيَّا الْمَعْلُومَاتُ، الْعَدِيدِ مِنَ التَّسَاؤُلَاتِ الْأَخْلَاقِيَّة الْمُهِمَّة. عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ، أَثَارَتْ التَّطَوُّرَات فِي مَجَالِ الْهَنْدَسَة الْوِرَاثِيَّة وَالتَّلَاعُب بِالْجِينَات الْبَشَرِيَّة قَضَايَا أَخْلَاقِيَّة حَوْل حُدُود التَّدَخُّلِ فِي الطَّبِيعَةِ الْبَشَرِيَّةِ وَمَا هُوَ مَقْبُولٌ وَمَا هُوَ غَيْرُ مَقْبُولٍ. كَذَلِك أَثَارَتْ تَطْبِيقَات الذَّكَاء الِإصْطِنَاعِيّ وَتِكْنُولُوجِيَّا الْمَعْلُومَاتُ قَضَايَا أَخْلَاقِيَّة حَوْل الْخُصُوصِيَّة وَالْأَمْن وَالْمَسْؤُولِيَّة. وَ فِي هَذَا السِّيَاقِ، بَرَز دُور الْآكْسِيُّولُوجْيَا كَمَجْال فَلْسَفِيّ بَارِزٌ فِي دِرَاسَةِ وَتَحْلِيل هَذِهِ الْقَضَايَا الْأَخْلَاقِيَّة الْمُسْتَجَدَّة وَالْبَحْثُ عَنْ الأَطْر الْقِيَمِيَّة وَ الْمعَيَّارِيَّة الْمُنَاسَبَةُ لِتَوْجِيه التَّقَدُّمَ الْعِلْمِيَّ وَالتِّقْنِيّ نَحْو الْأَهْدَافِ الْإِنْسَانِيَّةِ النَّبِيلَة. فَقَدْ أَصْبَحَ مِنْ الضَّرُورِيِّ تَطْوِير أَنْظِمَة قِيَمِيَّة وَأَخْلَاقِيَّة جَدِيدَة تَوَاكب المُتَغَيِّرَات الْعِلْمِيَّة وَ التِّكْنُولُوجِيَّة وَتَوَجَّه تَطْبِيقَاتِهَا بِمَا يُحَقِّقُ مَصَالِحَ الْإِنْسَان وَ رَفَاهِيَتُه. وَ عَلَى هَذَا الْأَسَاسِ، شَهِد حَقْل الْآكْسِيُّولُوجْيَا تَطَوُّرَات مَلْحُوظَةً فِي الْآونَةِ الْأَخِيرَةِ بِهَدَف إِيجَادُ الْحُلُولِ وَ الضَّوَابِط الْأَخْلَاقِيَّة اللَّازِمَة لِمُوَاجَهَةِ التَّحَدِّيَاتِ الَّتِي يَطْرَحُهَا التَّقَدُّمَ الْعِلْمِيَّ وَالتِّكْنُولُوجِيّ. وَفِي هَذَا الْإِطَارِ، بَرَز إهْتِمَام مُتَزَايِد بِفَرْع جَدِيد يُسَمَّى "الْبَيوأخلاقَيَّات" وَاَلَّذِي يُعْنَّى بِالْقَضَايَا الْأَخْلَاقِيَّة الْمُرْتَبِطَة بِالتَّطْبِيقَات الْحَيَوِيَّة وَالطِّبِّيَّة. كَمَا شَهِدَ حَقْل الْآكْسِيُّولُوجْيَا إهْتِمَامًا كَبِيرًا بِقَضَايَا أَخْلَاقِيَّات الْبَحْثُ الْعِلْمِيّ وَالْمَسْؤُولِيَّة الِإجْتِمَاعِيَّة لِلْعُلَمَاء وَالْخَبْرَاء التِّقْنِيَّين. وَ بِالتَّالِي، يُمْكِنُ الْقَوْلُ أَنَّ التَّطَوُّرُ الْعِلْمِيُّ وَالتِّقْنِيّ قَدْ فَرَضَ تَحَدِّيَات جَدِيدَةً عَلَى الْآكْسِيُّولُوجْيَا كَمَجْال فَلْسَفِيّ وَ أَخْلَاقِيّ، مِمَّا أَدَّى إلَى تَطْوِيرٍ مَنَاهِج وَأَطْر نَظَرِيَّة جَدِيدَة لِتَنَاوُل الْقَضَايَا الْأَخْلَاقِيَّة الْمُرْتَبِطَة بِالتَّقَدُّم الْعِلْمِيّ وَ التِّكْنُولُوجِيّ. وَهَذَا يُؤَكِّدُ عَلَى أَهَمِّيَّةِ الْآكْسِيُّولُوجْيَا وَدَوْرُهَا الْحَيَوِيّ فِي تَوْجِيهِ التَّطَوُّرُ الْعِلْمِيُّ وَالتِّقْنِيّ نَحْوَ تَحْقِيقِ الْأَهْدَافِ الْإِنْسَانِيَّةِ الأسْمَّى.

_ الْعَلَاقَةُ البِنْيَوِيَّة بَيْن الْآكْسِيُّولُوجْيَا وَ الْعِلْم

الْعَلَاقَةِ بَيْنَ الْآكْسِيُّولُوجْيَا (عِلْمَ الْقَيِّم) وَالْعِلْم هِيَ عَلَاقَةٌ وَطِيدَة وَتَأْثِيرُيَّة مُتَبَادَلَة. فَفَلْسَفَة الْعِلْمُ وَتَطَوُرُه التَّارِيخِيّ لَا يُمْكِنُ فَهْمُهَا بِمَعْزِلٍ عَنْ الْأبْعَاد الْآكْسِيُّولُوجْيَّة وَالْقِيميَّة الَّتِي تَحْكُمُ مَسَار الْبَحْثِ الْعِلْمِيِّ وَأَهْدَافِه. بِدَايَة، يُعْتَبَرُ عِلْمُ الْقَيِّم (الْآكْسِيُّولُوجْيَا) أَحَدُ الْمَحَاوِر الرَّئِيسِيَّةُ الثَّلَاثَة لِلْفَلْسَفَة، إلَى جَانِبِ الآنْطوَلُوجْيَا (عِلْمَ الْوُجُودُ) وَالآبْسِتمولُوجْيَا (نَظَرِيَّةٌ الْمَعْرِفَةِ). وَهُوَ يَبْحَثُ فِي طَبِيعَةِ الْقَيِّم وَمَعَايِير تَحْدِيدِهَا وَ تَصْنِيفِهَا، سَوَاء الْقَيِّم الْمُطْلَقَة كَالْحَقِيقَة وَالْخَيْر وَالْجَمَالِ، أَوْ الْقَيِّمُ النِّسْبِيَّة الْمُتَغَيِّرَة حَسَب السِّيَاقَات الِإجْتِمَاعِيَّةِ وَ الثَّقَافِيَّةِ. وَ تَرْتَبِطُ الْآكْسِيُّولُوجْيَا بِالْعُلُومِ الْأُخْرَى بِشَكْل وَثِيق، حَيْث تَرْتَبِط قِيمَة الْحَقّ بِعِلْمِ الْمَنْطِقِ، وَقِيمَة الْخَيْر بِعِلْمِ الْأَخْلَاقِ، وَقِيمَة الْجَمَّال بِعِلْم الْجَمَّال. وَبِالتَّالِي فَإِنَّ أَيَّ تَطَوَّرَ فِي مَجَالِ الْعُلُوم سَوَاء النَّظَرِيَّة أَوْ التَّطْبِيقية لَهُ إنْعِكَاسِات أَكْسَيُولُوجِيَّة وَقِيمية. مِنْ هَذَا الْمُنْطَلَقِ، فَإِنَّ الْبَحْثَ الْعِلْمِيِّ لَا يَنْطَلِقُ مِنْ فَرَاغِ، بَلْ يُحَكِّمَه مَنْظُور قِيَمِيٌّ وَأَخْلَاقِيٌّ مُعَيَّن. فَالْعُلَمَاء يَنْطَلِقُون مِنْ فَرْضًيات وَنَظَرِيَّات مَسْبُقة تَحْكُمُهَا رُؤْيَة أَكْسَيُولُوجِيَّة مُعَيَّنَةٍ، سَوَاءٌ كَانَتْ تِلْكَ الرُّؤْيَةِ صَرِيحَة أَمْ ضِمْنِيَّة. وَهَذَا مَا أَكَّدَهُ عَالِم الِإجْتِمَاع مِيشِيل فَوَكَّو Michel Foucault فِي دِرَاسَاتٌه حَوْلَ الْعَلَاقَة البِنْيَوِيَّة بَيْنَ الْعِلْمِ وَ الْفَلْسَفَةِ. كَمَا أَنَّ تَطْبِيقَات الْعِلْم وَأَهْدَافِه مَشْرُوطَة بِالسِّيَاق الِإجْتِمَاعِيّ وَالثَّقَافِيّ، وَالرّؤى الْآكْسِيُّولُوجْيَّة لِلْبَاحِثَيْن وَ المُؤَسَّسَات الْعِلْمِيَّة. فَالْعِلْمُ لَيْسَ قَيِّمًا مَحَايدا أَوْ مُجَرَّدًا، بَلْ هُوَ مُرْتَبِطٌ بِمَنْظُومة الْقَيِّم السَّائِدَةِ فِي الْمُجْتَمَعِ. وَفِي الْمُقَابِلِ، فَإِنْ الْعِلْمِ لَهُ أَيْضًا تَأْثِيرُ كَبِيرٌ عَلَى الْبِنْيَةِ الْآكْسِيُّولُوجِيَّة لِلْمُجْتَمَعِ. فَالتَّطَوُّرَات الْعِلْمِيَّةِ وَالتِّكْنُولُوجِيَّة تَفْرِض تَحَوُّلَات فِي الْمَنْظُومَةِ الْقِيمِيَّة وَالْأَخْلَاقِيَّة، وَتَطْرَح تَسَاؤُلَات جَدِيدَةٍ حَوْل قَيِّم الْحَقِّ وَالْخَيْرِ وَالْجَمَال. وَهَذَا مَا أَشَارَ إلَيْهِ الْفَيْلَسُوف إبِل Karl-Otto Apel فِي إنْتِقَادِهِ لِلْعَلَاقَةِ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْأَخْلَاق. وَهَكَذَا، فَإِنْ الْآكْسِيُّولُوجْيَا وَالْعِلْمُ يُشَكِّلَان عَلَاقَة جَدَلِيَّة مُتَبَادَلَة، حَيْثُ يُؤَثِّرُ كُلُّ مِنْهُمَا فِي الْآخَرِ، وَ يُشْكْلَان مَعًا الْبِنْيَة الْمَعْرِفِيَّة وَالْقِيميَّة لِلْمُجْتَمَعِ. وَهَذَا يَتَطَلَّب مُرَاعَاة الْأبْعَاد الْآكْسِيُّولُوجِيَّة فِي مُمَارَسَةِ النَّشَاطَ العِلْمِيَّ، وَ تَوْجِيهُه نَحْوَ تَحْقِيقِ الْقِيَمِ الْإِنْسَانِيَّةِ الْأَسَاسِيَّة كَالْحَقِيقَة وَ الْخَيْر وَالْجَمَال. يُمْكِنُ الْقَوْلُ أَنَّ الْآكْسِيُّولُوجْيَا وَالْعِلْمُ لَيْسَا مَجَالين مُنْفَصِلَيْن، بَلْ هُمَا مُتَشَابِكَان بِشَكْلٍ وَثِيق عَلَى الْمُسْتَوَى البِنْيَوِيّ وَالتَّأْثِيري. وَهَذَا مَا يَسْتَلْزِمُ مَزِيدًا مِنَ الدِّرَاسَاتِ وَالْبُحُوث الَّتِي تَسْتَكْشِف هَذِهِ الْعَلَاقَةِ وَالتَّفَاعُل الْمُتَبَادَل بَيْنَهُمَا.

_ مُسْتَقْبِلَ الْعِلْم وَالْأَخْلَاق مِنْ وِجْهَة نَظَر الْآكْسِيُّولُوجْيَا

الْعَلَاقَةُ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْأَخْلَاقُ هِيَ عَلَاقَةٌ مُعَقَّدَة وَحَيَوِيَّة. مِنْ وِجْهَة نَظَر الْآكْسِيُّولُوجْيَا (فَلْسَفَةُ الْقَيِّم)، يُشْكِل هَذَان الْمَجَالِان تَحْديا كَبِيرًا لِلْمُسْتَقْبَل الْإِنْسَانِيّ. الْعِلْمُ هُوَ نَشَاطٍ إِنْسَانِيٍّ هَادِف إلَى إكْتِشَافِ الْحَقَائِقِ الْمَوْضُوعِيَّة عَنْ الْعَالِمِ الطَّبِيعِيّ وَالِإجْتِمَاعِيّ. وَبَيْنَمَا يَسْعَى الْعِلْمِ إلَى الْحِيَاد وَ النَّزَاهَة، فَإِنْ تَطْبِيق الْمَعْرِفَة الْعِلْمِيَّة وَتَقَنِيَّاتِهَا يُثِيرُ قَضَايَا أَخْلَاقِيَّة مُعَقَّدَة. فَالتَّقَدُّم الْعِلْمِيّ وَالتِّكْنُولُوجِيّ السَّرِيعُ فِي مَجَالَاتِ مِثْلَ الْهَنْدَسَةِ الْوِرَاثِيَّة وَالذَّكَاء الِإصْطِنَاعِيّ وَالتَّحَكُّم الْبَيُولُوجِيّ وَغَيْرِهَا، قَدْ أَدَّى إلَى ظُهُورِ إشْكَالَيْات أَخْلَاقِيَّة كَبِيرَة تَتَعَلَّقُ بِحُقُوقِ الْإِنْسَانِ وَالْكَرَامَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ وَالْمَسْؤُولِيَّة الِإجْتِمَاعِيَّة. مِنْ هَذَا الْمُنْطَلَقِ، تَظْهَر الْآكْسِيُّولُوجْيَا كَمَنْهج فَلْسَفِيّ ضَرُورِيّ لِلتَّعَامُلِ مَعَ هَذِهِ التَّحَدِّيَات الْأَخْلَاقِيَّة. فَالْآكْسِيُّولُوجْيَا تَبْحَثُ فِي طَبِيعَةِ الْقَيِّم وَأَسَاسُهَا وَمَصَادِرِهَا وَ أَنْوَاعِهَا وَطُرُقِ تَطَوُّرها. وَتَنْطَلِقُ مِنْ مُسْلِمَةٍ أَسَاسِيَّة وَهِيَ أَنَّ هُنَاكَ قَيِّمًا أَخْلَاقِيَّة مَوْضُوعِيَّة يُمْكِن لِلْعَقْلِ الْبَشَرِيِّ الْوُصُولِ إلَيْهَا مِنْ خِلَالِ التَّأَمُّل وَالنَّقْد والْحِوَار. وَ فِي هَذَا السِّيَاقِ، يُطْرَح الْآكْسِيُّولُوجِيُون تَسَاؤُلَات حَوْلَ مُسْتَقْبِل الْعِلْم وَ الْأَخْلَاق: كَيْفَ يُمْكِنُ لِلْعِلْمِ أَنْ يَنْسَجِمُ مَعَ الْقِيَمِ الْأَخْلَاقِيَّةِ الْإِنْسَانِيَّةِ؟ وَكَيْفَ يُمْكِنُ تَوْجِيهُ التَّقَدُّمِ الْعِلْمِيِّ وَالتِّكْنُولُوجِيّ نَحْوُ تَحْقِيق الْخَيْرُ وَالْعَدْلُ لِلْبَشَرِيَّة؟ وَمَا هِيَ الْمَعَايِير الْأَخْلَاقِيَّةِ الَّتِي يَنْبَغِي أَنْ تَحْكُمَ مُمَارَسَات الْعُلَمَاءُ وَ الْبَاحِثِين ؟ هُنَاكَ إتِّجَاهًان رَئِيسِيًّان فِي تَنَاوُلِ هَذِهِ الْإِشْكَالية مِنْ مَنْظُورٍ أكْسِيُّولُوجِيّ: الِإتِّجَاهُ المِثَالِيّ وَالِإتِّجَاه الْوَاقِعِيّ. الِإتِّجَاه المِثَالِيّ يَرَى أَنَّ الْعِلْمَ وَالْأَخْلَاق يَجِبُ أَنْ يَكُونَا وَجْهَيْن لِعُمْلَة وَاحِدَة. فَالْعِلْمُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ حَيًّاديا تَمَامًا، بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَنْطَلِقَ مِنْ قِيَمٍ أَخْلَاقِيَّةٍ مُعَيَّنَة وَيَسْعَى إِلَى تَحْقِيقِ أَهْدَاف أَخْلَاقِيَّة. وَيَرَى أَصْحَابُ هَذَا الإتِّجَاهَ أَنَّهُ يَجِبُ وَضْعُ ضَوَابِط وَ قَوَاعِد أَخْلَاقِيَّة صَارِمَة لِتَوْجِيه مُمَارَسَات الْعِلْمُ وَالْبَحْثُ الْعِلْمِيّ نَحْوَ تَحْقِيقِ الْخَيْر وَالْعَدَالَة لِلْإِنْسَانِيَّة. أَمَّا الِإتِّجَاهُ الْوَاقِعِيّ فَيَعْتَرِف بِصُعُوبَة تَحْقِيق التَّوَافُق التَّامِّ بَيْنَ الْعِلْمِ وَ الْأَخْلَاق، وَيَرَى أَنَّ هُنَاكَ صِرَاعًا مُحْتَمِلًا بَيْنَهُمَا. فَالْعِلْم قَدْ يُفْضِي فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ إِلَى نَتَائِجَ تَتَعَارَضُ مَعَ الْقِيَمِ الْأَخْلَاقِيَّةِ السَّائِدَة، وَإِنْ الْبَاحِثِينَ قَدِ يُضْطَرُّونَ إِلَى التَّعَامُلِ مَعَ هَذِهِ التَّحَدِّيَات الْأَخْلَاقِيَّة بِحَذَر وَمَوْضُوعِيَّة. لِذَا يُؤَكِّد أَصْحَابُ هَذَا الِإتِّجَاهَ عَلَى ضَرُورَةِ إيجَاد تَوَازِن دَيْنٌاميكي بَيْنَ الْمَنْطِقِ الْعِلْمِيّ وَالْمَبَادِئ الْأَخْلَاقِيَّة. فِي الْمُحَصِّلَة، يَرَى الْآكْسِيُّولُوجِيُون إنْ مُسْتَقْبَلٌ الْعِلْم وَالْأَخْلَاق يَتَوَقَّفُ عَلَى قَدْرة الْمُجْتَمَعِ عَلَى بِنَاء مَنْظُومَة قِيَمِيَّة مُتَكَامِلَة تَوَجَّه التَّقَدُّمَ الْعِلْمِيَّ وَالتِّكْنُولُوجِيّ نَحْوُ تَحْقِيق الْخَيْر وَالْعَدَالَة لِلْإِنْسَانِيَّة. وَ هَذَا يَتَطَلَّب إِطَارًا فَلْسَفِيًّا وَأَخْلَاقِيًّا قَوِيًّا، يُمْكِنُ مِنْ التَّعَامُلِ بِحِمَكْة مَع التَّحَدِّيَات الْأَخْلَاقِيَّة الْمُسْتَجَدَّة فِي عَصْرِ الْعِلْمِ وَ التِّكْنُولُوجْيَا.

_ نَقْد أكْسِيُّولُوجِيّ لِلْعِلْمِ وَالْأَخْلَاق

هُنَاكَ عِدَّة جَوَانِب هَامَة يُمْكِنُ تَنَاوَلَهَا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالنَّقْد الْآكْسِيُّولُوجِيّ لِلْعِلْمِ وَالْأَخْلَاق. مِنْ مَنْظُور الْآكْسِيُّولُوجْيَا، فَإِنْ الْعِلْمِ لَا يَنْطَوِي فَقَطْ عَلَى قَيِّمِ مَعْرِفِيَّة تَتَمَثَّلُ فِي الْحَقِيقَةِ وَ الدِّقَّة وَالْمَوْضُوعِيَّة، وَلَكِنَّهُ أَيْضًا يَنْطَوِي عَلَى قَيِّمِ أُخْرَى ذَاتُ طَابَع أَخْلَاقِيّ وَجَمِالي. وَيُثِيرُ هَذَا التَّصَوُّرِ بَعْض التَّسَاؤُلَات الْمُهِمَّة. هَلْ لِلْعِلْم قِيَمٍ أَخْلَاقِيَّةٍ خَاصَّةٌ بِهِ؟ هَلْ يُمْكِنُ إعْتِبَارُ الْعِلْمِ نَشَاطًا أَخْلَاقِيًّا فِي ذَاتِهِ؟ هُنَاكَ مِنْ يَرَى أَنَّ سَعْيَ الْعُلَمَاء وَرَاء الْحَقِيقَة وَالْمَوْضُوعِيَّة يُشْكِل نَوْعًا مِنْ الِإلْتِزَامِ الْأَخْلَاقِيّ، وَ لَكِنْ هُنَاكَ مِنْ يَرَى أَنَّ الْعِلْمَ مَحَايد أَخْلَاقِيًّا وَأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُحْكَمُ عَلَيْهِ مِنْ مَنْظُورٍ أَخْلَاقِيّ. مَا هِيَ الْقيِّم الْجَمَالِيَّة لِلْعِلْم؟ هُنَاكَ مِنْ يَرَى أَنَّ هُنَاكَ جَمَالًا فِي نَظَرِيَّات الْعِلْمِ وَ فِي الطُّرُقِ الْمَنْهَجِية الَّتِي يَتْبَعُهَا الْعُلَمَاءُ فِي الْبَحْثِ وَالِإسْتِقْصَاء. وَ يَرَى الْبَعْضُ أَنَّ الْجَمَّالَ يَظْهَرُ أَيْضًا فِي الِإنْسِجَام وَالْبَسَاطَة وَ التَّنَاسُق الَّتِي تَتَمَيَّزُ بِهَا بَعْضُ النَّظَرِيَّاتِ الْعِلْمِيَّةِ الْكُبْرَى. هَلْ يُمْكِنُ لِلْعِلْمِ أَنْ يَكُونَ مَصْدَرًا لِلْقَيِّم الْأَخْلَاقِيَّة وَالْجَمَالِيَّة؟ هُنَاكَ مِنْ يَرَى أَنَّ الْعِلْمَ وَحْدَهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَصْدَرًا لِلْقَيِّم الْأَخْلَاقِيَّة وَالْجَمَالِيَّة، وَأَنَّه بِحَاجَةٍ إِلَى مَرْجِعِيَّةٍ فَلْسَفِيَّة أَوْ دِينِيَّةً أَوْسَع. وَلَكِنْ هُنَاكَ مِنْ يَرَى أَنَّ الْعِلْمَ مِنْ خِلَالِ نَتَائِجِه وَ مَعَارِفِه يُمْكِنُ أَنْ يُؤَثِّرَ عَلَى الْأَخْلَاقِ وَالْجَمَال وَيُسْهَم فِي تَشْكِيلَها. أَمَّا الْأَخْلَاق مِنْ مَنْظُورٍ الْآكْسِيُّولُوجْيَا، فَإِنْ الْأَخْلَاق تَمَثَّل نِظَامًا مِنْ الْقَيِّمِ الَّتِي تُحَدِّدُ مَا هُوَ صَوَابٌ وَمَا هُوَ خَطَأٌ فِي السُّلُوكِ الإِنْسَانِيِّ. وَ يَطْرَحُ هَذَا الْمَنْظُورِ بَعْض التَّسَاؤُلَات الْمُهِمَّة. هَلْ الْأَخْلَاق مُطْلَقَةً أَمْ نِسْبِيَّة؟ هُنَاكَ مِنْ يَرَى أَنَّ هُنَاكَ قَيِّمًا أَخْلَاقِيَّة مُطْلَقَة وَثَابِتَة، بَيْنَمَا يُرَى آخَرُونَ أَنَّ الْأَخْلَاقَ نِسْبِيَّة وَتَخْتَلِف مِنْ مُجْتَمَعٍ لِآخَر وَمِنْ ثَقَافَةِ إلَى أُخْرَى. مَا هِيَ الْمَصَادِر الشَّرْعِيَّة لِلْأَخْلَاق؟ هُنَاكَ مِنْ يَرَى أَنَّ الْمَصْدَرَ الشَّرْعِيّ لِلْأَخْلَاق هُوَ الدَّيْنُ أَوْ الْوَحْيِ الْإِلَهِيِّ، بَيْنَمَا يُرَى آخَرُونَ أَنَّ الْمَصْدَرَ الشَّرْعِيّ لِلْأَخْلَاق هُوَ الْعَقْلُ وَالتَّجْرِبَة الْإِنْسَانِيَّة. هَلْ يُمْكِنُ لِلْعِلْمِ أَنْ يَكُونَ مَصْدَرًا لِلْأَخْلَاق؟ هُنَاكَ مِنْ يَرَى أَنَّ الْعِلْمَ وَحْدَهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَصْدَرًا لِلْأَخْلَاق، وَ أَنَّه بِحَاجَةٍ إِلَى مَرْجِعِيَّةٍ فَلْسَفِيَّة أَوْ دِينِيَّةً أَوْسَع. وَلَكِنْ هُنَاكَ مِنْ يَرَى أَنَّ الْعِلْمَ مِنْ خِلَالِ نَتَائِجِه وَمَعَارِفِه يُمْكِنُ أَنْ يُؤَثِّرَ عَلَى الْأَخْلَاقِ وَيُسْهَم فِي تَشْكِيلَها. فِي مُجْمَلِ الْأَمْرِ، فَإِنْ النَّقْد الْآكْسِيُّولُوجِيّ لِلْعِلْمِ وَالْأَخْلَاق يَسْعَى إلَى فَهْمِ طَبِيعَةِ الْقِيَمِ الَّتِي تَنْطَوِي عَلَيْهَا هَذِهِ الْمَجَالَاتِ، وَكَذَلِك الْعَلَاقَةِ بَيْنَهَا. وَهُنَاك تَبَايُن وَاضِحٌ بَيْنَ وِجْهَاتِ النَّظَرِ حَوْلَ هَذِهِ الْقَضَايَا، مِمَّا يُؤَكِّدُ عَلَى أَهَمِّيَّةِ الْمَزِيدَ مِنْ الْبَحْثِ وَالنَّقَّاش الْمُتَعَمِّقُ فِي هَذَا الصَّدَد. الْبَحْث وَالتَّأَمُّلِ فِي هَذِهِ الْقَضَايَا الْآكْسِيُّولُوجِيّة الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْعِلْمِ وَالْأَخْلَاق يُمَثِّل مِسَاحَة خِصْبَة لِلْفِكْر الْفَلْسَفِيّ الْمُعَاصِر، وَاَلَّذِي لَا شَكَّ أَنَّهُ سَيَظَلّ مَوْضِع جَدَل وَنَقَاش مُسْتَمِرٌّ فِي الْمُسْتَقْبَلِ أَيْضًا.



#حمودة_المعناوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق؛ إشْكَالَيْات الْكُوسْمُّولُوجْيَا
- الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق فِي سِيَاقِ الثَّيُولُوجْيَا
- الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق؛ تَصَوُّرَات الِأنْطولُوجْيَا
- الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق؛ مُقَارَبَات الإِبِسْتِمُولُوجْيَّا
- الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق فِي الْفَلْسَفَةِ الْمَادِّيَّةِ
- الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق فِي الْفَلْسَفَةِ الْمِثَالِيَّةِ
- الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق سَطْوَة الْمَيِّتُافِيزِيقِيَا
- نَقْد فَلْسَفِيّ لِلْخِطَاب الْعِلْمِيّ و الْأَخْلَاقِيّ
- الْمَشْرُوع الْفَلْسَفِيّ الشَّامِل لِلْوُجُود الْإِنْسَانِي ...
- أَخْلَاقِيَّات الْعِلْمُ وَ عِلْمِيَّة الْأَخْلَاق
- حِوَارٌ مَعَ صَدِيقِي الشَّيْطَانُ الْأَكْبَرُ
- جَدَلِيَّة الِإنْتِمَاء و الِإنْتِسَاب
- جَدَلِيَّة التَّنْمِيط وَ التَّسْطِيح
- السُّؤَالُ عَنْ السُّؤَال
- إيلَون مَاسِك عَبْقَرِيّ أَمْ شَيْطَانِي
- سُّلْطَة المُثَقَّف أَمْ مُثَقَّف السُّلْطَة
- مَقَال فِي الأَسْئِلَةُ الْوُجُودِيَّة الْكُبْرَى
- ثَمَنِ قَوْلِ الْحَقِيقَةِ فِي مُجْتَمَعَاتٍ النِّفَاق وَالت ...
- جَدَلِيَّة الْفَلْسَفَة و التَّفَلُّسِف


المزيد.....




- الإمارات تعلن التصدي لهجمات سيبرانية استهدفت مئات الجهات الح ...
- مسؤول أمريكي: نشهد تقدما في محادثات الرياض حول أوكرانيا
- ليبيا.. النيابة العامة تصدر عفوا عاما عن 1759 سجينا بمناسبة ...
- رئيس الوزراء الفلسطيني يدعو إلى محاسبة إسرائيل على جرائمها
- تونس.. سجن مسؤول سابق بوزارة التجارة 4 سنوات
- ملك الأردن يؤكد على ضرورة وقف الهجمات الإسرائيلية على غزة وي ...
- الجزائر.. -تنظيم إرهابي- ينشط بالخارج وراء مقتل قاصر وطالب ج ...
- مصر.. بلاغ للنائب العام بإغلاق منصة -1XBET- للمراهنات الإلكت ...
- الحوثيون يعلنون استهداف مطار بن غوريون وحاملة طائرات أمريكية ...
- سلطات كولورادو تقرر إزالة صورة ترامب التي أثارت غضبه


المزيد.....

- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمودة المعناوي - الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق؛ مَبَاحِث الْآكْسِيُّولُوجْيَا