|
سنة سوريا وشيعة العراق ورفض الدولة الحديثة
اسماعيل شاكر الرفاعي
الحوار المتمدن-العدد: 8280 - 2025 / 3 / 13 - 08:20
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
1 ) واحدة من أجمل اللحظات التي عشتها في حياتي : كانت متابعتي لفرحة الشعب السوري بسقوط عائلة آل الاسد . تابعتُ تلك النشوة الجماعية النادرة في حياة الشعوب العربية عبر قنوات بث تلفزيونية : عربية وإنجليزية ، وكنتُ أتقصى حقيقة مشاعر الناس بمتابعة كتابات بعض معارفي السوريين الذين عشتُ بين ظهرانيهم ثلاثة أعوام في القرن المنصرم … 2 ) تابعتُ بانتباه شديد كل ما كان يكتبه اصدقائي على وسائل التواصل الاجتماعي ، مستمتعاً بوصفهم لاحتفالات الفرح الجماعي في الحارات بعد دخول الفصائل الإسلامية دمشق بسرعة : اذ قطعت المسافة الكائنة بين إدلب ودمشق مروراً بحلب وحمص وحماه : كما لوكانت تطير ، وكل القوى على جغرافية سوريا تنظر اليها باستسلام : جيش الدولة ، حزب الدولة ، مخابرات الدولة ، حكومة الدولة ، رئيس الدولة ، شعب الدولة وحتى حلفاء الدولة من ميليشات شيعية عراقية ولبنانية وتكنولوجيا روسية ، ونظريات إيرانية عن سعادة الدارين لمن يخلص الولاء للولي الفقيه : المرشد الأعلى الإيراني … 3 ) كانت كتابات اصدقائي : واضحة لا يلفها الغموض ، وغير ملغزة ، ولا تحتاج إلى مَن يفك شفراتها . لقد عبروا بتلقائية وبعفوية شديدة ، وبالكثير من الشفافية ( وبالقليل من التعصب الإيدلوجي ) عما كان يجري : دون ان تتمكن واحدة من قوى نظام آل الاسد الكثيرة من الوقوف بوجه قوّة الأعصار التي يحملها . وكانوا وهم يكتبون عن الحدث الذي لا يعرفون كيف سينتهي : تتسلل مختلف المشاعر إلى كتاباتهم ؛ انهم يعيشون لحظة المكاشفة ( بغياب الحضور الخانق لسلطة آل الاسد التي بدت عليها علامات الوهن وعدم تكامل حضور السلطة الزاحفة ) فتأخذ كتاباتهم شكل رسائل موجهة إلى حبيب طال غيابه حق في سجون النظام او في الهجرة او حبيب مفقود ، أو رسالة في الاعتذار ، أو الندم ،. واحياناً تشعر بوجود نوع من جلد الذات والأسف على التضحيات . فيشعر القاري بانهم كانوا يكتبون : لكل الناس أو إلى لا احد . ويمكن للقاريء ان يستشف من تلك الكتابات : القلقة ، المضطربة احياناً : بان كتابها كانوا يلهثون للالتحاق بأحداث سريعة الإيقاع ، تحمل بعمق طابع المفاجأة ، وانهم مذهولون لامتناع جيش آل الاسد عن التصدي للفصائل المسلحة المتقدمة صوب دمشق … 4 ) وقد ذكر بعضهم عرضاً ، وهو يصف ما يجري ، ملاحظة اجتماعية هامة : عن علاقة السلوك الفردي بالسلوك الجماعي : ذكرتني بكتاب : " سيكولوجية الجماهير " لغوستوف لوبون : اذ ذكر بعضهم : ان الاحداث في تتابعها السريع ، دفعت الناس للخروج من بيوتها ، كما لو بدأوا يشعرون بالاختناق ، أو كما لو ان ثمة قوّة مغناطيسية لا يقاوَم تأثيرها سحبتهم اليها : فأسلسوا لها القياد ، وأطاعوا نداءها فتجمعوا " وتجمعنا معهم " وشاركناهم الفرح العام ( وهو فرح تحسبه عيون السلطة الجديدة تأييداً لها ) وحين شاركوا الجماهير فرحتها : لم يكونوا يعرفون بالضبط مواقف احزابهم ومرجعياتهم السياسية والفكرية ( كانوا ينتمون إلى تيارات سياسية مختلفة : اليسار ، عضوية الحزب القومي السوري الاجتماعي ، وبعضهم من حزب بشار الاسد نفسه ) لقد شعر هؤلاء الكتاب ، وهم يخرجون من بيوتهم ، بأنهم ذاهبون لتأدية واجب اجتماعي : تفرض التقاليد المشاركة فيه : وحين تنتهي التزامات المشاركة في " العرس " او في " الفاتحة " يمكن العودة إلى المرجعيات : الى احزابهم ومعرفة رأيها في ما جرى 5 ) جرى تغيير النظام السياسي من غير معارك طاحنة ودماء غزيرة ، وهو شيء لم يحدث في سوريا ، ولا في العراق : ( ولم يحدث في العالم العربي : مصر ، ليبيا ، اليمن ، لبنان ،،إلخ ) من غير عنف وعنف مضاد ، وحرائق لمؤسسات الدولة ، وتحويل الأحياء السكنية إلى خرائب وأنقاض . في سوريا تكررت مشاهد العنف هذه : على شكل حروب اهلية منذ 2011 . لكن التغيير السياسي الذي قادته فصائل إسلامية مسلحة بقيادة أبو محمد الجولاني كانون الاول 2024 ، حَمَلَ دلالة كبيرة ذات معنى عميق : لم تتمكن هيئة تحرير الشام والفصائل المتحالفة معها من التقاط معناها ( وهذا ما ساعد على تفجير الصراع الطائفي في الساحل ) فبعد ان استتب الأمر لها : لم يصدر عنها ما يشير إلى أنها بصدد الارتفاع بموقف الجيش السوري - في امتناعه عن خوض الحرب : إلى مستوى القانون الذي سينظم الصراعات الاجتماعية وينعطف بها من مسار الصراع المسلح والحروب الاهلية إلى مسار الصراع السلمي عبر دورية الانتخابات . كل ما فعلته سلطة المسلحين الإسلاميين الجديدة هو : الإعلان عن تاكتيكات عريضة يعوزها الوضوح والشفافية كالتوصية بعقد مؤتمر للحوار الوطني ( تم عقده وانتهى من غير ان إقرار مباديء عملية ملحة وضرورية في التطبيق السريع : ولو فعل المؤتمر ذلك لَما حدث الانفجار الطائفي في الساحل ) وكالتوصية بحل الفصائل المسلحة ( لم يتم تنفيذ هذه التوصية ، لرفض الفصائل تسليم سلاحها ، ولأن سلطة الشرع قامت بتعيين ثلاثة آلاف اجنبي غير سوري في مناصب عسكرية رفيعة : اصبحوا قوة ذات تأثير رفضت تطبيق هذا القرار ، واندفعت قوة الأجانب هذه للاشتراك في احداث الانفجار الطائفي في الساحل باضطهاد أهل الللاد الأصليين . وباشتراك هؤلاء في استعمال سلاحهم ضد المدنيين العلويين في الساحل : أثاروا واحدة من اكبر اشكاليات التنظيمات الاسلامية المسلحة " متعددة الجنسيات " في عصر الدول القومية والأوطان .، فهؤلاء مارسوا القتل وإعدام المواطنيين في الشوارع من غير محاكمة حتى تجاوزت أعداد الضحايا الألفين ضحية ، كما ذكر ذلك : المعارض السوري البارز هيثم المناع في مقال له نقله الروائي العراقي : احمد السعداوي … 6 ) هل يحق للشيشاني اتهام السوري بالخيانة الوطنية على ارض سوريا ، وقتله من غير الرجوع إلى قانون الدولة ومحاكمها ؟ لقد جاء الشيشاني ومعه جنسيات كثيرة أخرى ، إلى سوريا ليس لمعاقبة السوري على خيانته لبلاده ، انما جاء إلى إدلب مدفوعاً بتأويل ديني طائفي لنصرة اخوانه في المذهب ( أهل الجماعة والسنة ) ضد كل أعضاء الديانات الأخرى وكل أعضاء المذاهب الدينية الإسلامية غير السنيّة التي عليها الانصياع لارادة فقهاء المسلمين السنة في ان يرحبوا بحكمهم ، ويتشرفوا بدفع ضريبة الرأس والزكاة عليهم ، ومثل هذه المسائل لا تصلح لها تهمة الخيانة الوطنية ، وإنما تهمة الكفر والالحاد والخروج على احكام الدين " الصحيح " ) لقد عادت السلطة الجديدة إلى العمل بمفهوم الامة القديم الديني الذي يجمع في سلة واحدة : المسلم السني السوري والشيشاني والأذربيجاني والمصري وسواهم من مسلمي الدول والقارات : متجاوزين مفهوم الامة الحديث الذي يشير إلى اشتراك الجماعة القومية بمشتركات اللغة والأرض والتاريخ والعرق والاقتصاد ، ولا تعد الدين هو أساس تشريع قوانين الامة ، في حين ان ما يسمى بالنهضة الإسلامية قامت اساساً على إلغاء هذه العناصر جميعاً ، والعودة إلى مفهوم الأمة بمعناه الديني الذي تتشكل فيه الامة من مجاهدين مهمتهم في الحياة نشر عبادة الدين عن طريق الغزوات والحروب . يجوز في مفهوم الامة الديني : للشيشاني والأذربيجاني ان يحكم السوري ويعاقبه ، وقد سبق للمتطرفين من شيعة العراق ( قبل السنة من هيئة تحرير الشام ) : منح الفارسي شرعية التحكم باهل البلاد الأصليين ، ومنحت الكثير منهم الجنسية العراقية : فالتطرف المذهبي لدى الشيعة والسنة لا يعترف بالوطن ولا بمفهوم المواطنة ، وإنما بالمفهوم الملي الطائفي للدولة المنطلق من مفهوم : التعصب المذهبي : الولاء والبراء ، الولاء للطائفة الدينية والبراء من كل المذاهب الأخرى …
#اسماعيل_شاكر_الرفاعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من يوميات صائم في ولاية لويزيانا
-
وفاز دونالد ترامب بالرئاسة : الجزء الثاني
-
وفاز دونالد ترامب بالرئاسة ؛ الجزء الاول
-
الرسالة الجوابية الثانية على سؤال احد قرائي
-
ادونيس : يعيد نشر قصيدة الطوفان
-
هذه رسالة إلى قاريء وتليها أخرى إلى قاريء آخر
-
احمد عدوية والتغيير
-
هل يقبل احمد الشرع الحلقة التلفزيونية التي اعدها الإعلامي اح
...
-
وتستمر الهزيمة : ثانياً
-
أَنا اخترتُ
-
ورحل طاغية آخر
-
تداول السلطة على الطريقة السورية
-
موقف التيار الصدري : موقفاً صحيحاً
-
وتستمر الهزيمة
-
بعض مفاهيم المقاومة الإسلامية
-
المقاومة والمقاومة الإسلامية
-
أنا إنسان
-
أنا حزين
-
ضاحية بيروت
-
ترجم الموروث الديني والأدبي
المزيد.....
-
تصعيد إسرائيلي في غزة ولبنان.. وتحركات دبلوماسية لاحتواء الت
...
-
جرحى في 12 غارة أميركية جديدة على صعدة شمال اليمن
-
الجزيرة تدين اغتيال الاحتلال حسام شبات مراسل الجزيرة مباشر ب
...
-
عاجل | بوليتيكو عن مسؤول أميركي: مساعدان رفيعا المستوى في ال
...
-
انتهاء محادثات الرياض بين روسيا وأميركا.. وبيان خلال ساعات
-
محكمة فرنسية تنظر في صلاحية مذكرة توقيف بحق الأسد
-
أردوغان يصف المحتجين بـ -إرهابيي الشوارع-
-
خلافات وسرية غائبة.. ماذا كشفت تسريبات البيت الأبيض؟
-
الإمارات تعلن التصدي لهجمات سيبرانية استهدفت مئات الجهات الح
...
-
مسؤول أمريكي: نشهد تقدما في محادثات الرياض حول أوكرانيا
المزيد.....
-
الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف
/ هاشم نعمة
-
كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟
/ محمد علي مقلد
-
أحزاب اللّه - بحث في إيديولوجيات الأحزاب الشمولية
/ محمد علي مقلد
-
النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان
/ زياد الزبيدي
-
العولمة المتوحشة
/ فلاح أمين الرهيمي
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
المزيد.....
|