خالد خليل
الحوار المتمدن-العدد: 8337 - 2025 / 5 / 9 - 14:53
المحور:
الادب والفن
كأنّي
غبارُ فكرةٍ لم تخطر على عقلِ نجم.
نسيتُ اسمي في أول انعطافةِ ضوء،
وصرتُ… التفاتةَ الفراغِ إلى نفسه.
كأنّي هواءٌ تساقطَ من الحنين،
ينفُضُ صوته عن الريح،
ويكتبكِ
بأنفاس الشك.
أراكِ،
ولا أعرف إن كنتِ ماءً،
أم الظمأ وقد تشكّل.
أمدّ يدي إلى ظلّي،
فأعثرُ على صدى
يصفقُ وحده
في هواء بلا جمهور.
كأنّي أراكِ…
في ملامح من غادروني،
في أصواتِ مَن لم يولدوا بعد،
في خيالي الذي لا يعرفني حين أُحدّق فيه.
كأنّ الحب سؤالٌ نادم،
والزمن ساعةٌ لا تجرؤ أن تلتفت خلفها.
أحاول أن أقولكِ،
فأرتبك:
كيف تُقال مرايا لا تعرف وجها؟
كيف يُقال الضوء؟
كيف يُشرح ما لا يقبل المعنى؟
أحبكِ…
لا لأنكِ أنتِ،
بل لأنكِ احتمالُ نَفْسي أن تُشفى من اسمي.
أحبكِ كأنّ المعنى ضيفٌ تائه
أخطأ بيتَ اللغة،
فدخل روحي.
كلّ ما فيّ
يتمشى حافيًا في ليلِ اللغة.
الكلمات…
طيورٌ تنكر أسماءها
حين أُنادِيها.
من أنا؟
سؤالٌ مشطوب على جبينِ الوقت،
كلّ مرّة أُجيب،
أُخطئُ القصة،
وأُصيب الصمت.
الأشياء تنظر إليّ بدهشة:
“أأنتَ من كنتَ تُدعى؟”
أهزّ رأسي،
ولا أجد إلا صدىً
ينكمشُ في صدري.
العالم؟
ظنٌّ قديمٌ
بأنّ الحلمَ واقعٌ نائم.
والموت؟
ربّما عودةُ المعنى
إلى رحمِ اللاشيء.
رأيتُ الله مرّةً
في دمعة نملة،
وفي يأسِ غيمةٍ
لم تمطر.
رأيتُ نفسي كثيرًا
ولم أتعرف عليّ.
كلّ ما أكتبه الآن
محاولةٌ لأن أقول
“أنا هنا”
بطريقة لا تموت.
في آخرِ الحلم،
لم أجد أحدًا يكتبني.
فكتبتُ الفراغَ
بمدادٍ من عُمر.
كلُّ الأصواتِ
كانت تهمسُ بلهجةٍ أعرفها،
لكن لا وطن لها
سوى جسدي المتردّد.
مضيتُ…
ولم تكن الطرقات سوى
أضلاع سؤالٍ مُحنّط،
وكنتُ أنا
ريحًا تتنكر في هيئةِ خطوة.
قلتُ:
يا أيّها الليل،
علّمني كيف أنامُ في مرآتي
ولا أوقظ ظِلّي.
فأجابني العدم:
لا أحد ينجو من اسمه.
…
ها أنا ذا،
بلا جهة،
بلا حدود،
بلا انتماءٍ إلا للحيرة.
قصيدتي؟
ليست كلمات،
إنها شرفةٌ تطلّ على
ما لا يُقال.
تسلّلتُ إلى حلمي
كمن يدخلُ بيتًا نسيَ أنه غادره.
هناك…
رأيتُ القصيدة تمشي على عكّازين من ندم،
تُقَبِّل الغيابَ
وتضحكُ كأنّ البكاءَ لغةُ الطيور حين تنسى أعشاشها.
سألتُها:
هل من نداءٍ يشبهني؟
فأشارت إلى نجمةٍ مذعورة
تختبئُ في دمي،
وقالت:
“كُن سؤالاً،
واترك الجوابَ ليبكيك”.
وفي آخر المسافة
بين اسمي وظلّي،
جلستُ على شرفة القصيدة،
أحدّقُ في صمتٍ
يشبه صوتَ الله حين يتنهّد.
كلّ ما مضى
صار حبرًا يتبخّر من جرحِ المعنى،
وكلّ ما سيأتي
مجرد ارتباكٍ في نبضِ الريح.
لم أعد أريد يقينًا،
يكفيني
أن أكون مرآةً
ينعكس فيها الغيابُ
كأنه آخر شكلٍ للوجود.
#خالد_خليل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟