أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - fatna bendali - قصيدتي ...زهرة برية بين السرد والشعر















المزيد.....

قصيدتي ...زهرة برية بين السرد والشعر


fatna bendali

الحوار المتمدن-العدد: 8367 - 2025 / 6 / 8 - 23:16
المحور: الادب والفن
    


صدر هذا النص في مجلة إبداع1 للناقد محمد عبد الرضا شياع2، ويبدو أن النص مفتوح على مقومات أكثر من جنس أدبي ما بين النثر والشعر، حيث عبّر الكاتب عن غربته وتيهه متنقلا بين الدول في البحث عن دواء ناجع مكتويا بنار الغربة وعدم الاستقرار. لكن مقومات السرد والقصة مهيمنة فيه إلى جانب مقومات الشعر من صورة أدبية ووصف جميل وانزياحات لغوية رائعة، يظهر ذلك في عتبة العنوان " قصيدتي.. زهرة برية " فهو مشحون دلاليا بما يحيل إليه، إذ تدل القصيدة على نوع أدبي يفسح المجال للمبدع أن يعبّر عما يخالج نفسه من معاناة وعن ذاته المبدعة وعن واقعه المعيش من حل وترحال، وبناء عالمه الإبداعي الخيالي والرمزي، والقصيدة في الأدب العربي متعددة الأشكال متناسلة ومتولدة عن بعضها، وعن الشكل الأصلي القديم بنفس المقومات، كلها ذات موضوع أخاذ وإيقاع رائع يأسر المتلقي تستكنه النفسي والاجتماعي، ولعل المبدع هنا يصبو إلى ذلك العالم الخيالي المفعم بالمعاني والمحمّل بالدلالات عبر الأشكال المتخيلة الرمزية التي توحي له بجدوى الوجود، ولذلك قصر القصيدة عن نفسه فأضافها إلى ياء المتكلم، والإخبار عنها ب "زهرة برية" ذلك أن الزهرة عنوان الجمال والطيب، فواحة، وأما برية، فهي نسبة إلى البر ضد البحر، وربما أتى هذا الوصف من كثرة التجوال والسفر، وتبدو الزهرة فريدة فيما توحي به من معاني العفوية، و الجمال المادي والمعنوي، زيادة على الحرية المتمثلة في الشساعة التي تحيل إليها النسبة إلى البر. وهي بنفسجة تعتبر في أوربا رمزا للذكرى وبهذا المعنى تشير إلى زهرة الثالوث. إلا أن أنواع الزهور البرية كثيرة، وهي زهور تنمو في الأماكن الرطبة دون تدخل البشرية3، حرة في اختيار أمكنتها، ولعل المبدع الكاتب يوحي لنا بالتحول الذي انتاب القصيدة/ الزوجة من الوجود الدنيوي إلى اختيار الأرض التي تمد فيها جذورها.
إذا كان الأدباء القدامى لم يستطيعوا أن يحصروا إبداعاتهم الفنية في نطاق جنس أدبي صرف، على اعتبار أن العملية الإبداعية تتمرد - من تلقاء نفسها وفي استقلال عن إرادة الأديب ووعيه - على القوانين التي تحكم الجنس الأدبي وعلى الحدود التي تفصله عادة عن غيره. إذا كان الأمر كذلك بالنسبة للقدامى فإنه قد انضاف إليه، بالنسبة لبعض المحدثين، السعي الواعي إلى تحطيم الحدود والخروج عن المألوف في الكتابة4. ولا يستثنى هذا النص من ذلك، فهو يسعى إلى الغاء الحدود، بلغة " تتمرد على القوالب الجاهزة وتخرق ما هو متعارف عليه، وتسعى إلى ارتياد منطقة الدهشة والإشراق والغموض والسحر والبراءة.. المنطقة التي تمتزج فيها اللغة بعناصر الحياة الأولية، حيث لا شرخ بين الحالات والأشياء وبين الأسماء"5.
في هذا النص، يعيش الراوي / الكاتب حالة حزن عميق يبدو ذلك في محاورته للصورة التي تجمعه بأفراد أسرته، وقد التقطت يوم عيد ميلاد في بلاد الغربة حيث يستحضر أنفاس زوجته التي سماها "القصيدة"، فهي الحاضرة/ الغائبة وقد أججت الصورة مشاعره وعواطفه يقول:" أنام ليلا و أستيقظ صبحا متأملا في الصورة التي تشيد فضاء مكتبي، أراني ما زلت ممسكا بقميصها مثل طفل يخشى أن تتركه أمه في سفر." فيبدأ استرجاع شريط الأحداث ملخصا لها وهي غير مرتبة زمنيا، وبنية الحدث في النص تتكون من مقطعين أساسيين: الأول، هو القفل نهاية النص، وفيه يصف الكاتب غربته ووحشته في ذهول تام، إذ باءت جميع محاولات شفاء الزوجة بالفشل وغاب الأمل معها، وبقي الكاتب يعيش في غربة حقيقية يحكمها الغياب والافتقاد، يقول " هذه هي غربتك الآن أنت شاعر غادرته قصيدته وهو يشم عطرها زهرة برية " و" يقف على عتبات غيابها مذهولا". والثاني، هو مجموعة من الأحداث المسترجعة عبر الذاكرة التي يحكيها الراوي وهي بدورها مركبة متعددة غير مرتبة زمنيا، إلا في اتصال تام بالذاكرة، وتوالي الصور، ويمكن ان نقف فيها على ما يلي: المرحلة الأولى، وهي الخروج من الوطن إلى البلدان العربية، وصفها بالسفر نحو المجهول قال نحو "مديات مجنونة" طلبا وأملا في الخلاص. والمرحلة الثانية هي السفر في مفازات الصحراء، صحراء الدول العربية التي كانت بحثا عن الحرية قالت عنها القصيدة الزوجة " يا صديقي لقد كانت سنوات حلوة في ذلك المكان ". وانتهت بالوصول إلى العالم الجديد وحفلة عيد الميلاد في بلاد لغتها الإنجليزية الأمريكية.
الحدث الرئيس والأساس هنا هو السفر في العالم والتنقل من مكان إلى آخر حسب الظروف المحفّزة في البداية و الاضطرارية فيما بعد. والتي حكمت بغياب الزوجة الأم، وخلّفت بعدها حزنا عميقا في نفسية الراوي، بقي وحيدا يحدث نفسه قال : "أنصت إلى روحي." حالة نفسية متأزمة يتمثل فيها الراوي وضعيته في غربة حقيقية ورمزية، مشبها نفسه بشاعر غادرته القصيدة. ويظل الحلم في النص عند الراوي/ الكاتب الذي هو رب الأسرة، البنية الأولى التي تتدفق منها الدلالات والمعاني، يقول عن أحلامهما : "كانت أحلامنا ، قصيدتي وأنا أطول من نخيل بلادي". "وكنت أساعدها- القصيدة- في تطريز أحلامنا خيطا خيطا من نور وزهور"، وهو يسرد الأحداث بشكل شاعري ممزوج بمشاعره الفياضة، ويروي عن أسرته وتحركاتها، ويصف الزوجة الأم، أوصافا معنوية، منها : حكيمة آراؤها سديدة، نقية صفية اجتماعية" غالبا ما يزورها الأولياء والصالحون". يشعر الراوي دفء العالم في وجودها بين أفراد الأسرة يقول:" يحلّق حولنا أطفالنا وهم ينظرون في أكفهم، يحملون ماضيهم القريب." ويصف الجد بأنه في عمره المتأخر، في وجهه نور يضيء، ويُشم عطر القرنفل من جسده كلما عانقه، كما يشم من ثيابه رائحة ضفائر الجدة. إن فعل الذاكرة هنا فعل خصب ولّاد للصور المتذكرة عبر جميع المراتب والحالات، إذ يتذكر الجد ومن خلاله الجدة ورائحة ضفائرها .
زاوج الراوي في النص بين الحكي بضمير المتكلم وأحيانا بضمير الغائب كوصفه عيد الميلاد، ويظل الراوي بطل الأحداث، وساردا تارة برؤية من الداخل وأخرى من الخلف. كما يستغل تقنيات السرد والحكي فنجد الحوار بشكليه، أحدهما بينه وبين القصيدة/ يقول "أسالها ترد بصوت أرهف السمع لالتقاطه" حوار محكي شاعري عن العلاقة بينهما، وهي تضع رأسها على كتفه يتبادلان المشاعر، ويمكن اعتبار هذا المقطع شعرا لأسلوبه الشيق وعباراته الشفافة والأنيقة. وثانيهما حوار داخلي " مونولوج " بينه وبين روحه المتألمة يحادثها وينصت إلى حزنها في خاتمة النص.
أما زمن الأحداث فيبدأ بزمن السفر إلى المجهول الذي انتهى بالاستقرار في بلد تتكلم الإنجليزية الأمريكية، وهو زمن ماض يستحضره الراوي في محطات سفر سابقة، لكنه يظهر بوجه من المعاناة تغيب عنه السعادة والفرح إلا في فترة السفر الأولى، ونميز في النقطة الزمنية، التي يختارها الكاتب لتكون انطلاقة الكتابة، بين ما هو مسترجع وبداية القصة التي كان يحاور فيها الصورة والتي تعتبر حاضر الكتابة. ومع معاناته تظل بلاده تسكنه، فهي حاضرة في غربته كلما التقط أشياء أثارته إلا ويقارن حالتها بوجودها ببلاده والبلدان العربية، منها المقارنة بين بلداننا والبلد الذي استقر فيه على مستوى اللغة قال " يبتلعون الحروف كما تبتلع بلداننا الحقوق ". كما يقارن الوجوه التي يراها بوجه الجد، وكذلك ابتسامة الشابة التي تلتقط الصور بابتسامة المرأة في بلاده. ويبدي من حين لآخر ملاحظات دقيقة لها دلالتها الاجتماعية والفكرية، حيث يعيش مع الأشياء علاقة اتصال وطيدة جسدت شعوره وإحساسه، من هذه الأشياء الصورة التي لها الأثر الكبير على نفسيته، إذ يتأمل كل الأشياء من حوله، ويعطيها أبعادا أخرى، فيشبه قطار السفر بقطار الزمن وهو يبحث عن تحقيق الأحلام والتطلعات المستقبلية، وعن الزمان المضيء بعد أن غدره الزمان الأسود. وأما المحطات والأشجار المتحركة بسرعة القطار فشبهها بسنين العمر التي تجري دون توقف. وقد تأخذنا هذه الصور والانزياحات الأسلوبية إلى جمالية اللغة والاسلوب في النص وعلاقته بقواعد الشعرية، قال حكاية عن القصيدة :
انا روحك التي اشعرها تسري في عروقي/ مثل حبات الضوء المنثور على أوراق الياسمين التي أحبها/..أنت فجر ألحاني/ الذي عمّد عينيّ بنوره أيام الصبا/ قرأت فيه هديل حبك إيقاعا تكتبه عيناك/ التي تغبطني قصائد الشعراء عليهما./ أحب بريق عينيك ولكني أخشى الحديث إليهما/ هما جنتي/ بهما أسقي بساتين عشقي الآمنة/ .. لا غربة ولا اغتراب ما دمت أنظر فيهما.6
لغة شعرية شفافة بصور إبداعية تولد المعاني تدل على سعة أفق خيال المبدع، رومانسية حالمة، تحلّق بالقارئ بعيدا. ولعل الكاتب يبحث عن نص مطلق يخرق قواعد الحدود بين الأجناس الأدبية، وهذا التداخل بينها قد عرفه الأدب منذ زمن غير يسير، كما يشير الدكتور عبد العاطي بانوار إلى أن إلغاء الحدود الفاصلة بين الأجناس قد بدأ بكيفية واعية ومقصودة مع حركة الرومانسيين الألمان، في تنظيراتهم الغنية والمتعددة. حدث ذلك في غمار بحثهم الدؤوب عن "مطلق أدبي" يتجاوز المعايير الموضوعة ويخرق القواعد التي أرستها الشعرية القديمة، وفي سعيهم إلى صهر مختلف المكونات الأدبية والثقافية، ومختلف الأشكال أيضا في بوتقة واحدة هي بوتقة الشعر الرومانسي باعتباره مطلقا أدبيا7. وبهذا المعنى ففي كل سرد شعر كما في كل شعر سرد، وينم أسلوب الكاتب في بعض المقاطع عن شعرية فائقة يقول في حديثه عن الابتسامة:
"الابتسامة هي الموجة التي يلقيها بحر الروح على شفاه المرأة/ تشق بها نهر عسل/ لبلوغ المدائن الباحثة عن الراحلين/ فتبرق بالحياة/ ويتبدد الدجى/ الابتسامة حقول نايات/ تتنهد في مساء العاشقين/ وهي لهب الشمعة التي تحج إليها الفراشات والزهور/ فتتكاثر حبا ومعنى.8
معجم شعري حي يركب المجاز في تطور المعنى وتكثيفه، ويثير في المتلقي ايحاء ولذة شعورية. هكذا شكّل الكاتب محمد عبد الرضا شياع عالمه الإبداعي على تعالق بين السردي والشعري وبين القصة والسيرة الذاتية، معبّرا بأسلوبه الخاص عن عالم إبداعي مغاير يعمّق المعاني في أبعادها الاجتماعية والنفسية. بأساليب مجازية وصور أدبية أرخى فيها الكاتب العنان لخياله، معبّرا عن حالته النفسية. وهذا تيار الشعريين في السرد وهو تيار حديث "يتميز بسبر أغوار الذات وتدفق الأحلام والطابع الحسي، ويتداخل فيه الجزئي بالشمولي وتنهار فيه الحدود بين الظاهر والباطن، بين الشيء والإحساس به، وتتصف فيه اللغة بتفجر وحيوية وكثافة وشاعرية".9
الهوامش:
1-مجلة إبداع، الإصدار الرابع، ع42، فبراير 2023.
2- د. محمد عبدالرضا شياع ، عراقي الجنسية، حصل على الدكتوراه في الآداب ، من جامعة محمد الخامس بالرباط، له عدة دراسات منشورة.
3- أنواع الزهور البرية - https://planting.mawdoo3.com/p/
4- د.عبد العاطي بانوار، بنية الخطاب السردي و الخطاب الشعري في الرواية العربية، بورصة الكتب، القاهرة ، 2021، ص 11.
5- بنية الخطاب السردي، م س، ص 12
6- قصيدتي زهرة برية، مجلة إبداع ، ص 110.
7- بنية الخطاب السردي ، م س، ص7.
8- قصيدتي زهرة برية، مجلة الإبداع، ص111
9- بنية الخطاب السردي ، م س، ص14.
مراكش في 8-3- 2025.



#fatna_bendali (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- -فيلة صغيرة في بيت كبير- لنور أبو فرّاج: تصنيف خادع لنص جميل ...
- باللغة الفارسية.. شيخ الأزهر يدين استمرار الغارات الإسرائيلي ...
- “اخر كـلام “موعد عرض مسلسل المؤسس عثمان 195 الموسم السابع في ...
- فيلم -المخطط الفينيقي-.. كم تدفع لتصبح غنيا؟
- حرارة الأحداث.. حين يصبح الصيف بطلا صامتا في الأفلام
- -بردة النبي- رحلة كتاب روائي في عقل إيران الثورة
- تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك 2025 بتحديثه الجديد على النايل ...
- قصة الرجل الذي بث الحياة في أوليفر تويست وديفيد كوبرفيلد
- وزيرة الثقافة الروسية: زاخار بريليبين مرشح لإدارة مسرح الدرا ...
- “وأخيرا بعد طول انتظار” موعد عرض مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 1 ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - fatna bendali - قصيدتي ...زهرة برية بين السرد والشعر