ضياءالدين محمود عبدالرحيم
مفكر وداعية اسلامي و اقتصادي، مطور نظم، مدرب دولي معتمد، وشاعر مصري
(Diaaeldin Mahmoud Abdel Moaty Abdel Raheem)
الحوار المتمدن-العدد: 8369 - 2025 / 6 / 10 - 00:35
المحور:
الادب والفن
كانت المدينة تُغلق عيونها الواحدة تلو الأخرى، كأن الليل سلكٌ شائك يلفها في قبضته. صوت المترو يتصاعد كأنه أنفاس وحشٍ خفي، والأرض تحت الأقدام ساخنةٌ كجمرٍ مُتّقد. في زاويةٍ مظلمة، وقفت "ليلى" تتلفت حولها، وكأنها تبحث عن شيءٍ ما، أو ربما تهرب من شيءٍ لا تراه.
"أعطني إشارةً ما"، همست لنفسها، وكأنها تتحدى الظلام. شعرت بنَفَسٍ حارّ يقترب من خلفها، لكنها لم تلتفت. كان هناك شيءٌ يطارِدها، شيءٌ يجعل قلبها يخفق كطبول الحرب.
كان "ياسر" يلمح ظلها من بعيد، يتسلل بين الحشود كنهر جائع. الأرض تحت قدميه كأنها تحترق، وكل خطوةٍ يخطوها تزيد من عطشه الذي لا يُروى. كان يشتم رائحتها في الزحام، كأنها عطرٌ ممزوجٌ بالخطر. "أنا قادمٌ إليك"، همس في الظلام، وصوته يذوب في همسات المدينة.
في الغابة الخرساء من الأبنية، لم يكن هناك مكانٌ للاختباء. تحت ضوء القمر، رأى ظلها يرتعش كفراشةٍ محاصَرة. "أشعر بحرارتك"، قال وهو يقترب، وصوته كخيوط حريرٍ تلفّ حول عنقها. كانت المسافة بينهما تقل، حتى لم يعد يفصل بينهما سوى أنفاسٍ متشابكة.
"أنا أتتبعك"، قال وهو يخطو على حافة الخط الفاصل بين الجنون والرغبة. فمه يعجّ بكلماتٍ حلوةٍ كالعسل، لكن عينيه تشتعلان كجمرٍ في ليلٍ بارد. "أنا جائعٌ كنهر"، همس، وصوته يذوب في عويل الريح.
ركضت ليلى بين الأزقة، لكن خطواتها كانت ثقيلةً كأنها تحترق. "لا يمكنك الهروب"، سمعت صوته يلاحقها كصدىً لا ينتهي. كل شيءٍ حولها أصبح ضبابياً، حتى الهواء نفسه كأنه نارٌ تأكل رئتيها.
في النهاية، وقفا وجهاً لوجه. أنفاسهما تتصادم كريحتين عاصفتين. "ما الذي تريده مني؟" سألت، وصوتها يرتجف كورقة خريف. نظر إليها بعينين تشبهان عيني نهر جائع، ثم قال: "أريدكِ أن تشعري بما أشعر به. أريدكِ أن تعرفي ما يعنيه العطش".
وفي تلك اللحظة، أدركت ليلى أنها لم تكن تهرب منه، بل كانت تهرب من نفسها. من ذلك الجزء منها الذي يعرف جيداً ما يعنيه أن تكون جائعاً كنهر. نظر اليها ياسر بعينين شاكرتين وأردف لنتزوج اذا.
النهاية.
#ضياءالدين_محمود_عبدالرحيم (هاشتاغ)
Diaaeldin_Mahmoud_Abdel_Moaty_Abdel_Raheem#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟