أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود كلّم - غزّة... وأبو الحن في فخِّ المُساعدات!














المزيد.....

غزّة... وأبو الحن في فخِّ المُساعدات!


محمود كلّم
(Mahmoud Kallam)


الحوار المتمدن-العدد: 8393 - 2025 / 7 / 4 - 15:26
المحور: القضية الفلسطينية
    


عندما كنتُ طفلاً صغيراً، كنتُ مولعاً بصيد العصافير، وكان عصفور "أبو الحن" أكثرها سذاجةً وسلاماً، لا يقاوم دودةً وضعتُها له في فخٍّ صنعته بيدي. كنتُ أنصب الفخّ في صمت، أتنفّس بهدوء، وأراقب من خلف الأشجار ومن بين الأعشاب، وما إن يغطّ المسكين إلى الطُعم، حتى يُطبق عليه الفخّ بلا رحمة. كانت تلك هوايةً طفوليةً أتباهى بها أمام أصدقائي. أمّا "عصفور الدوري"، فكان منكحاً، صعباً، لا ينخدع بسهولة، ولا يأكل من يدٍ لا يثق بها.

مرّت السنوات، وكبرتُ، وكبر معي الشعور بالذنب. ذات يوم، وأنا أطعم الطيور في شرفتي، شعرتُ أنني أعتذر لتلك الكائنات التي خدعتُها يوماً باسم التسلية. أدركتُ أن الطُعم لم يكن عطاءً، بل خديعةً مميتة.

اليوم، وأنا أتابع ما يجري في غزة، يعود إليّ مشهد "أبو الحن" وهو عالقٌ في فخٍّ من صُنع طفل لا يعرف ما يفعل. لكن غزة لا يصطادها أطفال. إنها تُطارد بفخاخٍ مدروسة، موضوعةٍ بدقة، باسم "المساعدات الإنسانية".

تصل المساعدات الأميركية إلى غزة، فتُقدَّم للعالم على أنها عملٌ نبيل، وواجبٌ أخلاقي. عُلب الطعام تأتي في شاحناتٍ تحت عيون الطائرات المُسيّرة، والنتيجة غالباً واحدة: شهداء جُدد على أبواب الكيس الأبيض.

ما الفرق بين تلك الدودة الصغيرة التي وضعتُها في الفخّ لطائرٍ صغير، وبين "المساعدات" التي تُرمى لشعبٍ جائعٍ ومحاصر؟ كلاهما طُعم، وكلاهما وعدٌ بالحياة ينتهي بمصيدة. الفرق الوحيد أنني كنتُ طفلاً لا يفقه ما يفعل، أما هم، فبالغون يعرفون تماماً أن غزة ليست جائعةً فحسب، بل مستهدفةٌ في روحها وكرامتها وصمودها.

المساعدات التي تُقدَّم على وقع التصريحات الدبلوماسية الأميركية ليست بريئة. ليست فعل رحمة، بل أداة ضغط، ووسيلةً لإدامة الحصار وتطبيع الجوع. في كل مرة تُلقى فيها شحنة، تُسحب معها ورقةُ ضغطٍ جديدة: لا تتحدثوا عن وقف إطلاق النار، لا تقتربوا من المحكمة الجنائية الدولية، لا تُحمّلوا الاحتلال المسؤولية.

في كل كيس طحين أميركي، فخٌّ خفيّ: إمّا أن تأخذ وتموت صامتاً، أو ترفض وتُعاقب أكثر.

ما تحتاجه غزة ليس الطُعم، بل الحياة. ليس المساعدات، بل الكرامة. ليس الأكياس، بل رفع الحصار، ووقف القتل، وحرية الحركة، وقرارٌ سياسي يُعامِل الفلسطيني كإنسان، لا كعصفورٍ في شِباك.

لقد غفرت لي العصافير في يومٍ ما. أما غزة، فلن تغفر، إلا عندما تُكسر الفخاخ، وتُفتح المعابر، وتُحاكم الأيدي التي نصبتها باسم الإنسانية.

[محمود كلّم] كاتب فلسطيني يكتُبُ في الشَّأنين السِّياسيِّ والوجدانيِّ، وَيُعنَى بقضايا الانتماء والهُويَّة الفلسطينيَّة. يرى في الكلمة امتداداً للصَّوت الحُرِّ، وفي المقال ساحةً من ساحات النِّضال.



#محمود_كلّم (هاشتاغ)       Mahmoud_Kallam#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- غزّة... لا مفرّ: نُزُوحٌ من الموتِ إِلى الموتِ!
- من العدس إلى الشّهادة... الشهيد نزار بنات كما لم تعرفُوهُ!
- غزّة... تنزفُ في عرض البحر!
- غزّة تنزف بصمت... وأمريكا تُدير المجزرة!
- غزّة وحدَها... والعُروبةُ في غيبوبةٍ!
- سمعان ميشال حطّاب (أبو إيلي)... من الأشرفيّة إلى مخيم شاتيلا ...
- غزّة تُذبحُ... والأُمّةُ تتوضّأُ للصّلاةِ!
- ناجي العلي رسمها، ونزار بنات نطق بها: سيرةُ وطنٍ يغتالُ أبنا ...
- وصيّةُ الدّم... من نزار بنات إلى ابنته مارية بنت الأربعين يو ...
- الشهيد نزار بنات... حين يُغتالُ الصوتُ ولا تموتُ الحقيقة!
- خليل نزار بنات... يكبُرُ على وجعِ الوطنِ!
- نزار بنات... شهيدُ الكلمة والشّاهدُ الذي كتب وصيّتهُ بدمهِ!
- نزار بنات واليمن... قصّةُ حُبٍّ لا تعرفُ الخيانة!
- نزار بنات: شهيد الحقيقة في زمن الخيانة!
- حين بكى غسان... ونام نزار في تراب فلسطين
- جيهان ونزار... وحدهُما في حُضنِ الغيابِ!
- حين تُناديه الأُمُّ... ولا يُجيبُ!
- حين ينكسرُ قلبُ الأب… ولا أحدَ يسمع!
- مجزرة مدرسة صيدا الرسميَّة – المدخل الجنوبي: حين تحوَّل المل ...
- محمد نمر غضبان: ضميرُ الثورة الذي خذله الزمن!


المزيد.....




- المصمم اللبناني جورج حبيقة يكشف عن -النظام الجديد- في أسبوع ...
- قتلى وجرحى خلال غارات إسرائيلية بالقرب من نقطة طبية لعلاج ال ...
- رغم الجدل.. مسؤول أمريكي يُسرّع إقرار منحة لمؤسسة غزة الإنسا ...
- غزة: غارات إسرائيل تقتل أكثر من 36 شخصا واستهداف بوابة مركز ...
- الحصبة تعود إلى أميركا.. أعلى حصيلة منذ ثلاثة عقود وتحذيرات ...
- -عالمنا يحترق-.. البابا يدق ناقوس الخطر بسبب المناخ
- اليمن.. إنقاذ 10 من طاقم السفينة اليونانية وأنباء عن محتجزين ...
- أسواق طهران.. هل تأثرت بعد الحرب مع إسرائيل وكيف يرى الإيران ...
- -كايمك غاكو-.. جبنة تقليدية تُحيي التراث الثقافي في جنوب الب ...
- المجلس الأوروبي للأئمة يتبرأ من زيارة أئمة مزعومين لإسرائيل ...


المزيد.....

- ثلاثة وخمسين عاما على استشهاد الأديب المبدع والقائد المفكر غ ... / غازي الصوراني
- 1918-1948واقع الاسرى والمعتقلين الفلسطينيين خلال فترة الانت ... / كمال احمد هماش
- في ذكرى الرحيل.. بأقلام من الجبهة الديمقراطية / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- الأونروا.. والصراع المستدام لإسقاط شرعيتها / محمود خلف
- الأونروا.. والصراع المستدام لإسقاط شرعيتها / فتحي الكليب
- سيناريوهات إعادة إعمار قطاع غزة بعد العدوان -دراسة استشرافية ... / سمير أبو مدللة
- تلخيص كتاب : دولة لليهود - تأليف : تيودور هرتزل / غازي الصوراني
- حرب إسرائيل على وكالة الغوث.. حرب على الحقوق الوطنية / فتحي كليب و محمود خلف
- اعمار قطاع غزة بعد 465 يوم من التدمير الصهيوني / غازي الصوراني
- دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ ... / غازي الصوراني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود كلّم - غزّة... وأبو الحن في فخِّ المُساعدات!