|
خداع النفس .. والصورة الخيالية !!
اسعد الامارة
الحوار المتمدن-العدد: 8394 - 2025 / 7 / 5 - 19:15
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
أول خداع عرفه الإنسان هو في مرحلة الطفولة – مرحلة المرآة حينما يرى الطفل ذو الستة أشهر - الثمانية عشر شهرًا من عمره صورته أمام المرآة. وجد علماء النفس أن قوة الصورة نفسها كشكل نهائي محمل بالمعنى ، قادر على الحفاظ على هوية الطفل ، لقد أراد بالأساس أن يتتبع آثار الخيالي في تكوين الأنا والجسد والعلاقة مع الشبيه المرآوي ، لكن قدم " جاك لاكان " مفهوم " الآخر" ، وجاءت مرحلة المرآة لتشير كيفية عمل الدور التأسيسي لنظرة الآخر في تشكيل الجهاز العقلي للذات ، وبعد ذلك أتخذ لاكان المرآة بمثابة استعارة لنظرة الآخر "" جاك لاكان ، اعداد هبة صبري ، مرحلة المرآة " . نحن من نحدد ما نريد قبوله ، أو رفضه ، فهو فينا ونحن مسؤولين عن تكوينه ، نخادع أنفسنا بأن ذلك مقبول ، وذلك غير مقبول ، أو أن يتخيل أحدٌ اشخاصًا آخرين ما هي صفاتهم أو من يكونون ، يعني من ثم ما يتخيله هو عن نفسه عما هي صفاته ، أو من يكون هو وذلك عند التواصل والتفاعل " كما ذكره أدريان جونستون في فلسفته عن لاكان ، في موقع حكمة" ، أو حينما ندخله في مدورة الشريعه والحلال والحرام فيبدو الفقه فيه من دواخل أنفسنا وإن أختلفنا فيه ، ومنه يكون الافتاء لما تدلنا عليه نفسنا ، النفس آمارة بالسوء ، في قلوبهم مرض ، فزادهم الله مرضا " هذه نصوص قرآنية" وغيرها في النصوص الدينية الآخرى في تعاليم السيد المسيح ، أو في العهد القديم ، هي النفس في تأويل النص ، في رفضه أو قبوله .. وهو خداع للنفس لنفسها في حالة قبول ما تشتهي وتريد ، وليست ما هي الحقيقة ، نأول النص ، أو الفكرة ، أو حتى الكلمة لنقبلها وإن خدعنا أنفسنا . نتساءل : أليس هذا خداع في النفس ، ومن النفس ، وإلى النفس.. حتى يصبح واقع ؟ هذا جزء يسير من خداع النفس فما بالك في فكرة القتل المشروع ، والتعذيب المشروع ، واغتصاب المرأة المشروع ، والعنف الموجه لأقلية ما بحجة تفسير الفقيه ، أو المفتي – من يقوم بإطلاق الفتاوى ، فما بالك وهو إنسان يفتي بما تحمله نفسه من حقد دفين على نفسه ضد من حمله هذا الحقد : سلطان الأب ، سلطان الأم ، سلطان الأخ الكبير ، سلطان القيم السائدة " الجانب الرمزي " عند جاك لاكان بما يمثله القانون ، المجتمع .. الخ ، فَتكونَ وأصبح بنية تشكل شخصية أي منا مستندًا إلى أعظم ما يتميز به الإنسان هو التخييل. لا نستثني أي مخلوق من البشر من الخيال – التخييل لأنه غذاء النفس في اغناء فكره ما ، أو فعل سيتحقق ، فالخديعه ، خديعة النفس لنفسها ، وجودنا خدعة نتعايش معها ونقتنع بها ، ونحاول أن نخدع الأخر مهما كان قربه منا الزوجة ، الأبن ، الأبنة ، القريب الطيب ، إلى أن تخرج هذه الخدعة إلى المجتمع الأوسع في المدرسة ، في المهنة ، في العلاقات بين الناس ، ويصاحب كل خدعة تخييل نفسي ، يكون محترف أحيانًا ، ويحمل بين طياته تمثل " والتمثل في التحليل النفسي هو تصور أو مجموعة التصورات التي تثبت الرغبة خلال تاريخ الشخص كما تقول الدكتورة نيفين زيور " . فالخدعة على النفس هي أفتقار ، والأفتقار هو الذي يولد الرغبة ، لإن الإنسان دائمًا يسعى وراء ما لا يستطيع امتلاكه بالكامل كما يقول " لاكان" ، فخداع النفس هو تخييل واعي وبنفس الوقت لاواعي – لاشعوري ، وهو الطريقة التي يحاول بها الإنسان تنظيم رغباته في مواجهة نقصه ، وهو ما يشكل جزءًا أساسيًا من هويته النفسية كما عبر عنه " جاك لاكان". الخداع قناعة الإنسان بما ينتجه فكره من خيالات . خداع النفس يمكننا القول بأنه مطاردة الإحساس بالتمزق ومحاولة الإمساك به ، حينما تجد النفس نفسها في مواجهة رغباتها غير المقبولة ولا تستطيع المواجهة لهذه الرغبات فتدنو نحو القبول لأنها هي أساسًا مرحلة من العجز والتكامل أو بمعنى أدق الهدم والبناء . فتظهر الاضطرابات النفسية وما أكثرها ، إبتداءً من القلق السوي ثم القلق المرضي حتى تقع في حضن الاضطراب النفسي بأسره " توهم المرض أو الوساوس ، أو المخاوف المرضية – الفوبيا – أو الاضطرابات النفسجسمية ومنها البهاق أو قرحة المعدة أو الثعلبة ، أو القولون العصبي وغيرها ، وبرانويا العظمة بكل دقتها وتفاصيلها لأن المعرفة البرانوية تكتسب من خلال علاقتها الخيالية بالآخر كخطأ بدائي في التعرف على الهوية ، أو اعتراف ذاتي وهمي بالاستقلالية والسطرة والقدرة مما يؤدي إلى القلق الاضطهادي والاغتراب الذاتي " كما دونه لاكان في مرحلة المرآة . أننا محمين بعصابنا " امراضنا النفسية " لأنها تدرء عنا الوقوع في عالم الذهان " المرض العقلي من الفصام بهلوساته ، وضلالاته ، وتخيلاته .. الخ ، أما البرانويا بشقيها العظمة والاضطهاد فهي منبع التخييلات وأنواع الخداع النفسي وبالأخص في برانويا العظمة ، " لا نقول أن خداعنا لإنفسنا يحمينا بقدر ما هو سور ينهار في أية لحظة ، أو هو حصن لا يقينا من مضاعفات نتائجه، وأقلها الاضطرابات بنوعيها النفسسية والعقلية .. ولا ننسى كيف تلعب آليات – ميكانيزمات الدفاع في عملية خداع النفس لغرض تطمينها ولو لحين من القدرة على المواجهة ، والامر ذاته عند بعض النظريات المعرفية في معرفة أساليب التعامل الشعورية مع مواجهة ضغوط الحياة الخارجية وتأثرها في النفس ، إذا ما كانت النفس تحمل في طياتها الإستعداد – التهيؤ للمرض . خداع النفس هو القوة المرتكزة على العجر أذا صح تعبيرنا عنه ، وهو في الآن نفسه يتحدث عندئذ بما يلي هل أحب أمي ، أم أمقتها " إنموذج الاكتئاب بشقيه النفسي والعقلي " وهو الامر نفسه عند الفصامي ولكن بنقيضه ، أكرهها لأنها كانت ترضعني سم ، ولو تناولنا الحالتين لوجدنا التساؤل التالي : إنها تفرض علي ما تعتقده خيرًا لي !!؟؟ ولكني أخدع نفسي برفضه ، أو قبوله بمضض لما قَدمتهُ لي حتى ولو كان ذلك لا يناسب ما أرغبه بأي وجه من الوجوه ، وماذا عن ما تحمله نفسي من بنية – بناء تشكلت من داخلي ، رغم ان أمي على يقين إنها تفرض عليَّ اخلاصها ، وتفرض عليَّ مساعدتها ، وأنا ملزم بأن أتحمل كل شيء تحت طائلة اللوم والغضب أو الاصرار على فعل مغاير لما ترغب هيَّ ، فلو أني حاولت أن أُفَهمها بأن لذوقي أهمية أيضًا لما خدعت نفسي وخدعتها، ولكني لا أملك هذا القرار لأنني طفل لم أبلغ بعد القدرة على القرار بقبوله ، أو رفضه ، وهذا ما يتعبني إلى أقصى حد في البلوغ . هي الأسرة – الأم ، الأب ، الأخ الكبير ، أو من ينوب عنهم ، أما تصنع منك إنسانًا أو كومة عقد . لا نبخس حق من يكون الأب المثالي ، أو الأب الواقعي، أو الأب الرمزي في تشكيل بنيتنا السوية إن وجدت ، أو القريبة للسواء النفسي وهو التمني على الأقل . يقودنا الخداع النفسي " أقصد خداع النفس بنفسها " قول الطفل عند " لاكان " في مرحلة المرآة : أنا أصف وأَشكل نفسي بالطريقة التي يصفني بها الآخرون ، هكذا أتشكل أمام عيني – أرى نفسي – بالطريقة التي أفترض أن الآخر يراني بها . وقاد هذا إلى مشكلة العصر وهي الحرية الجنسية عند البعض بعد أن توحد بها – تماهى معها – تعين فيها تعيينًا نفسيًا ، أو تقمص من شَكلَ له هذا الخلل النفسي – الجسمي – الجنسي وقول " سيجموند فرويد " مؤسس التحليل النفسي في كتابه ثلاث مقالات في نظرية الجنسية ، ص 37 ، أن أنطباعًا فعالا مبكرًا قد ترك أثرًا باقيًا في صورة ميل جنسي مثلي . وقوله أيضًا.. وأنه لدى كثير غيرهم ، يمكن تحديد ظروف خارجية من ظروف الحياة كان لها تأثير معطل ، أدت عاجلا أو آجلا إلى تثبيت الانحراف. خداع النفس في قبول الشيء ونقيضه معًا هي أنه لا يخلص الفرد لنفسه في ما يراه ، أنه تَكونْ في شخصية أميل فيها إلى انحرافها عن المعيار السائد بين الصحة والمرض ، رغم أن معرفتنا ترى أن الصحة النفسية هي جماع بين التكيف والتطور ، وبين التقبل والرفض ، وبعبارة أخرى الجمع بين الأضداد في إطار واحد " كما عبر عنه محمد شعلان" . ويمكننا القول بأنه مصاب بهوس إجبار الآخرين بهدوء على قبول كل شيء يفعلوه وحدهم تمامًا ، ولديه الإحساس بأن الغير عاجز تماما عن أن يفعل شيء ناجح ، فضلا عن أن الشخص الذي يخدع نفسه يشعر بالحاجة إلى كسب الاعتراف بالجميل الذي يعزز أمنه الداخلي ، ولم ولن يجده إطلاقًا ، لأن كل العملية هي خداع.. خداع للنفس .. ولنا جولة أخرى كيف يؤثر التخييل في تكوين سلوك خداع النفس وما الآليات التي يستخدمها .
#اسعد_الامارة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الوهم في النفس .. بين الحقيقة ونقيضها !!
-
الكلمة وما ترمز إليه .. ديالكتيك دائم !!
-
ثقافتنا هي .. كلام اللاوعي – اللاشعور
-
اللغة معرفة باعماق النفس
-
النفس مرآة لدواخلنا !!
-
فينا - بنا نحن - ولكن نراه في الآخرين
-
شخصياتنا من صنع والدينا
-
نحن وقول الحقيقة
-
من التحليل النفسي نتعلم .. ومن -جاك لاكان- نتعلم عمق اللغة ف
...
-
من بقايا اللاشعور – اللاوعي ( سلوكنا )
-
معهد لتعليم التحليل النفسي - من فرويد إلى لاكان -
-
دوافع التحرر عند الإنسان الكردي
-
ومن التفكير.. ما قَتَلْ !!؟؟
-
الفروق الفردية في الجلسات العلاجية و- التحليل النفسي-
-
التفكير وترسباته !!.. ؟
-
عندما يناضل الإنسان ضد أفكاره - العصاب القهري إنموذجًا-
-
اللغة .. هي اللاشعور - اللاوعي
-
بعضٌ من أعراض عصاب الحرب
-
النفس وبنية النقد من الداخل .. ما لا نراه.. ولكنه يؤثر فينا
-
النفس .. وما تُخفيه !!
المزيد.....
-
خبير يبين لـCNN ما وراء تكثيف موسكو لضرباتها في أوكرانيا ودف
...
-
انتشار فيروسي لفيديو بزعم أنه لـ-فتاة مسّتها روح شيطانية في
...
-
قتال عنيف في مدينة الفاشر بين الجيش السوداني وقوات الدعم الس
...
-
تقرير: الرئيس مسعود بزشكيان أصيب خلال الحرب مع إسرائيل
-
إسبانيا: أمطار غزيرة في إقليم كاتالونيا تتسبب بفقدان شخصين و
...
-
وفاة عامل مكسيكي في كاليفورنيا إثر عملية دهم لإدارة الهجرة
-
حزب أسكتلندي يدعو الحكومة البريطانية للاعتراف -فورا- بفلسطين
...
-
الجيش الأوكراني: أكثر من مليون قتيل وجريح روسي منذ بداية الح
...
-
باكستان تنفي تعرضها لضغوط أميركية للاعتراف بإسرائيل
-
مشاهد توثق استهداف السرايا تجمعات للاحتلال وخطوط الإمداد بخا
...
المزيد.....
-
الآثار العامة للبطالة
/ حيدر جواد السهلاني
-
سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي
/ محمود محمد رياض عبدالعال
-
-تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو
...
/ ياسين احمادون وفاطمة البكاري
-
المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة
/ حسنين آل دايخ
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|