|
تعهد الناتو بإنفاق 5%: خيانة فاضحة لاحتياجات العالم
ميديا بنجامين
الحوار المتمدن-العدد: 8394 - 2025 / 7 / 5 - 22:27
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
في قمة الناتو التي عُقدت هذا الأسبوع في لاهاي، أعلن القادة عن هدف جديد ومقلق: رفع الإنفاق العسكري إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي لكل دولة بحلول عام 2035. وقد تم الترويج لهذا القرار باعتباره استجابة للتهديدات العالمية المتصاعدة، خصوصًا من روسيا والإرهاب، ووُصف بأنه خطوة تاريخية. لكنه في الحقيقة يمثل تراجعًا كبيرًا — تراجعًا عن تلبية الاحتياجات العاجلة للبشر والكوكب، وتقدّمًا نحو سباق تسلح سيُفقر المجتمعات بينما يثري مقاولي الأسلحة.
هذا الهدف الفاضح لم يظهر من فراغ — بل هو نتيجة مباشرة لسنوات من الضغط والابتزاز السياسي الذي مارسه دونالد ترامب. خلال ولايته الأولى، وجّه ترامب مرارًا انتقادات شديدة لدول الناتو لعدم إنفاقها ما يكفي على جيوشها، وضغط من أجل بلوغ نسبة 2% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو هدف كان مثيرًا للجدل ومبالغًا فيه حتى أن تسع دول أعضاء في الناتو لا تزال دونه حتى اليوم.
والآن، ومع عودة ترامب إلى البيت الأبيض، انصاعت قيادات الناتو مجددًا، واضعة هدفًا مذهلًا بنسبة 5% — وهو حتى أعلى مما تنفقه الولايات المتحدة نفسها، التي تخصص أكثر من تريليون دولار سنويًا لجيشها. هذا ليس دفاعًا — بل هو ابتزاز على نطاق عالمي، يمارسه رئيس ينظر إلى الدبلوماسية باعتبارها وسيلة للابتزاز، والحرب كعمل تجاري مربح.
دول أوروبا وأمريكا الشمالية تُقشف خدماتها العامة بالفعل، ومع ذلك يُطلب منها الآن ضخ المزيد من أموال دافعي الضرائب في الاستعدادات الحربية. حاليًا، لا توجد دولة في الناتو تنفق على الجيش أكثر مما تنفق على الصحة أو التعليم. ولكن إذا وصلت جميع الدول إلى هدف الـ5%، فإن 21 دولة منها ستنفق على الأسلحة أكثر مما تنفق على المدارس.
إسبانيا كانت من القلائل الذين رفضوا هذا التصعيد، حيث أوضح رئيس الوزراء بيدرو سانشيز أن حكومته لن تضحي بالمعاشات والبرامج الاجتماعية من أجل تلبية هدف عسكري. كما عبّرت بلجيكا وسلوفاكيا عن تحفظاتهما، وإن كان ذلك بهدوء.
مع ذلك، استمر قادة الناتو في الدفع نحو هذا المسار، وسط هتافات الأمين العام مارك روته، الذي بالغ في إرضاء ترامب ومطالبه بشأن زيادة الإنفاق الدفاعي. بل إن روته وصف ترامب بـ"بابا"، وهو تصريح قيل إنه كان مازحًا، لكنه عكس حجم التبعية أمام النزعة العسكرية الأميركية. وتحت تأثير ترامب، يتخلى الحلف حتى عن ادعائه بأنه تحالف دفاعي، ويعتمد خطابًا ومنطقًا يقومان على الحرب الدائمة.
وقبيل انعقاد القمة في لاهاي، خرج المتظاهرون إلى الشوارع تحت شعار "لا للناتو". وفي بلدانهم، تطالب منظمات المجتمع المدني بإعادة توجيه الموارد نحو العدالة المناخية والرعاية الصحية والسلام. وتُظهر الاستطلاعات أن غالبية الأميركيين يعارضون زيادة الإنفاق العسكري، لكن الناتو لا يخضع للمساءلة من الشعوب، بل من النخب السياسية، وشركات السلاح، ومنطق الحرب الباردة الذي يرى كل تطور عالمي من خلال عدسة التهديد والسيطرة.
توسّع الناتو — سواء من حيث الإنفاق الحربي أو عدد الدول (من 12 دولة مؤسسة إلى 32 اليوم) — لم يحقق السلام. بل على العكس. فقد كان وعد الناتو بأن تنضم أوكرانيا إليه يومًا ما أحد العوامل التي دفعت روسيا إلى شن حربها الوحشية، وبدلًا من التهدئة، ضاعف الحلف تسليحه ورفض الحوار. وفي غزة، تواصل إسرائيل حربها بدعم أميركي مطلق، فيما تقدم دول الناتو المزيد من السلاح دون بذل أي جهد جاد من أجل السلام. والآن، يريد الحلف أن يستنزف خزائن الدول لتمويل هذه الحروب إلى ما لا نهاية. كما أنه يحيط خصومه، وعلى رأسهم روسيا، بمزيد من القواعد والقوات.
كل هذا يتطلب إعادة تفكير جذرية. بينما يحترق العالم — حرفيًا — يقوم الناتو بتخزين الحطب. في وقت تنهار فيه أنظمة الرعاية الصحية، وتُهمل المدارس، وتؤدي درجات الحرارة المتطرفة إلى جعل مساحات شاسعة من الكوكب غير صالحة للعيش، فإن فكرة تخصيص المليارات للأسلحة والحرب تُعد فاحشة. الأمن الحقيقي لا يأتي من الدبابات والصواريخ، بل من المجتمعات القوية، والتعاون العالمي، والتحرك العاجل لمواجهة أزماتنا المشتركة.
نحن بحاجة إلى قلب المعادلة. ويعني ذلك تقليص ميزانيات الجيوش، والانسحاب من الحروب اللانهائية، وفتح نقاش جاد حول تفكيك الناتو. فالحلف، الذي وُلد من رحم الحرب الباردة، أصبح اليوم عائقًا أمام السلام العالمي، ومشاركًا نشطًا في صناعة الحروب. وقمته الأخيرة لم تفعل سوى أن أكدت هذا الواقع.
الأمر لا يتعلق فقط بميزانية الناتو — بل بمستقبلنا. كل يورو أو دولار يُصرف على الأسلحة، هو يورو أو دولار لا يُصرف على مواجهة أزمة المناخ، أو انتشال البشر من الفقر، أو بناء عالم سلمي. ومن أجل مستقبل كوكبنا، يجب أن نرفض الناتو واقتصاد الحرب
https://znetwork.org/znetarticle/natos-5-pledge-an-obscene-betrayal-of-global-needs/
#ميديا_بنجامين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تعهد الناتو بإنفاق 5%: خيانة فاضحة لاحتياجات العالم
المزيد.....
-
البحرين تضبط 4 صيادين بعد كشف أسلوب صيد ممنوع في قعر البحر
-
بعد شهر من -مادلين-، أسطول الحرية يطلق -حنظلة- إلى غزة
-
كوريا الشمالية تؤكد دعمها -غير المشروط- لروسيا ضد أوكرانيا
-
جايير بولسونارو -ترامب المناطق الاستوائية-
-
-السفينة حنظلة-.. من سفينة صيد إلى رمز تضامني لكسر الحصار عل
...
-
-حزب أميركا-.. مسار جديد لإيلون ماسك بعد انهيار تحالفه مع تر
...
-
المحرَر المبعد إسحاق عرفة: حرية القدس قريبة ومدينون بحريتنا
...
-
الشرطة الألمانية تمنع مظاهرة لمتضامنين مع فلسطين من السير في
...
-
مظاهرة في إيطاليا لمطالبة الحكومة بوقف التعاون التجاري والسي
...
-
نسخة من -جوراسيك بارك-.. هل يمكن إحياء طائر الموا العملاق؟
المزيد.....
-
اليسار بين التراجع والصعود.. الأسباب والتحديات
/ رشيد غويلب
-
قراءة ماركس لنمط الإنتاج الآسيوي وأشكال الملكية في الهند
/ زهير الخويلدي
-
مشاركة الأحزاب الشيوعية في الحكومة: طريقة لخروج الرأسمالية م
...
/ دلير زنكنة
-
عشتار الفصول:14000 قراءات في اللغة العربية والمسيحيون العرب
...
/ اسحق قومي
-
الديمقراطية الغربية من الداخل
/ دلير زنكنة
-
يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال
...
/ رشيد غويلب
-
من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها
...
/ الحزب الشيوعي اليوناني
المزيد.....
|