الموسيقى والعالم بين النشاز والتناغم/ إشبيليا الجبوري - ت: من اليابانية أكد الجبوري

أكد الجبوري

الحوار المتمدن-العدد: 8515 - 2025 / 11 / 3 - 10:17
المحور: الادب والفن
    

غالبًا ما يكون العالم صخبًا وضجيجًا ونشازًا، ولسوء الحظ، غالبًا ما تُكمّل دقات طبول الحرب، كقرع مدافع أوسترليتز، عالم الأصوات هذا حين لا تُسيطر عليه.

يمكن للموسيقى أن تكون مصدر إلهام، وفي الوقت نفسه تنظيمًا بسيطًا للضوضاء في كلٍّ أكثر تماسكًا يميل نحو التناغم. التناغم هو المثل الأعلى الإنساني، وليس مجرد نظام؛ لا يمكننا الاكتفاء بـ"النظام يسود وارسو"()؛ فالسلام في حد ذاته ليس تناغمًا.

يمكننا أيضًا أن نحاول إسقاط الموسيقى في رؤوسنا على واقع العالم؛ وهذا يعني أننا قد توصلنا إلى فهمٍ مُعين للظواهر من حولنا، أو حتى أننا نرغب في محاولة السيطرة عليها.

تنتهي افتتاحية تشايكوفسكي (1840 - 1893)() عام 1812() بخاتمةٍ مُفعمةٍ بالتوتر، حيث يمتزج هدير معركة موسكو مع قرع كنائس الكرملين، مُضفيًا شعورًا بالهدوء في النهاية. فإلى أين تتجه الحرب؟ في اللامكان، يذوب في نوع من العدم، والصمت الذي يليه هو أجمل موسيقى على الإطلاق.

إذا نظرنا إليه من الغرب، فسنجد أننا نعيش في عالم يُمكن تسميته بالباروك، عالمٌ مليء بالعنف، ولكنه أيضًا عالمٌ مليء بالمتعة الجامحة والحرية اللامحدودة. جوهر الباروك من القرن السادس عشر إلى الثامن عشر هو في جوهره تباينٌ بين الضوء والظل. يتناوب الخفة مع فخامة المقطوعات المظلمة في الموسيقى. النهج مزيجٌ من الجدية والإثارة، على غرار شخصيات عصر النهضة الإيطالية العظيمة.

صحيح أننا غالبًا ما نُنمّي حبًا للظل، مثل الأغنية الافتتاحية لأوبرا "سيرس" (1738)()في أوبرا هاندل (1685-1759)() الشهيرة "لم يكن هناك ظل أبدًا…"(). لكن الضوء أيضًا يُمكن أن يفرض نفسه علينا. في النهاية، كان الباروك متفائلًا بلا شك. ينتصر النور، على سبيل المثال، على ملكة الليل، تجسيد الشر ("نسر بصوت عندليب")()، في أوبرا "الناي السحري" (1791)() لموتسارت (1756-1791)()، وهي أوبرا ماسونية تعكس نزعةً عن المسيحية سابقةً لعصرها، لكنها مشبعة بالروحانية، بعبادة إيزيس وأوزوريس الموروثة من العصور المصرية القديمة. ويختتم الكاهن الأعظم ساراسترو الأوبرا بالحكمة الجلية القائلة بأن "أشعة الشمس تطرد الليل"().

إن موسيقى العالم، في النهاية، وربما قبل كل شيء، هي صوت الطبيعة الجبار؛ فهي لا يمكن أن تكون صاخبة، ولها تماسكها الخاص، ثمرة مرور الزمن المذهل الضروري للتطور.

- الطبيعة وأصوات الضوء، وتداخل مساحات النغم لأضواء الصوت؛ بل أحيانًا يسعنا القول. ما له أن يُترجم الضوء من خلال الصوت. لكن المخيال العام للصوت يُمكننا من خلاله. و بكل تواضعٍ. أن نُعبّر حواسنا المرهفة عن الموسيقى من أن تتجلى وتتعدد الأنشطة الحسية لتولد وتشكل حوافز للمعنى. خلال الصور النغمية.
كما هو الحال "الأغاني الأربع الأخيرة"() لريتشارد شتراوس (1864-1949)*() (قارن بـ "الربيع"، "الخريف"، "عندما تذهب إلى الفراش"، "عند غروب الشمس...")() قد تكون دعوةً للتجربة.

لو خُيّرنا موسيقيًا لتجسيد القصة الملحمية للملاحين جنوب خطي العرض الأربعين والخمسين - الذين تحدوا تقلبات الطقس، وعواصف الرياح، والأمواج التي تتلاطم على قواربهم - لكان بيتهوفن (1770 - 1827)() هو الخيار الأول والأخير. السيمفونية السادسة - "ذلك المشهد المذهل الذي خططه وصممه الرسام الفرنسي نيكولا بوسان (1594-1665)() وصممه مايكل أنجلو (1475 - 1564)()"()، بحسب الملحن والناقد وقائد الأوركسترا في الفترة الرومانسية هيكتور بيرليوز (1803-1869) - تُعيد إنتاج انفراج العناصر وتكشف عن صباحات ملائكية؛ نُسلم أنفسنا للطبيعة لننتصر على القدر. والسيمفونية التاسعة، في اكتمالها الأخير، ترنيمة للعالم تُصبح ترنيمة للفرح.

أخيرا. عود إلى بدء. إذا انغمسنا في عالم الموسيقى، يُمكننا أيضًا سماع دفوراك، بنغمات أوروبا القديمة الجميلة. لا شك أن الأمر نفسه كان ينطبق على البحارة الذين أصبحوا قادة العناصر، وعواصف الرياح في الأكفان، والأمواج التي تتلاطم على سفنهم، والأمواج التي حملتهم إلى النهاية بسرعةٍ آسرة. كانت هذه سيمفونيتهم "العالم الجديد"، أُعيد تأليفها لعالم جديد كان لهم ينتظرنا، عالم الحدود النهائية. إن شئتم.

--------
* ملاحظة: أُقيم العرض العالمي الأول لآخر أوبرا لريتشارد شتراوس في 22 مايو 1950()، في قاعة ألبرت الملكية بلندن؛ وشارك في العرض كيرستن فلاجستاد (1895-1962)() وأوركسترا جمعية عشاق الموسيقى بقيادة فيلهلم فورتوانجلر (1886-1954)(). ومن بين الفنانين المشهورين: إليزابيث شوارزكوف (1915-2006)()، وبيرجيت نيلسون (1918-2005)()، وليونتين برايس (1927-)()، وجوندولا جانوفيتز (1937-)()، وجيسي نورمان (1945-2019)()، وكيري تي كاناوا (1944-)، ورينيه فليمنج (1959-)()….
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
Copyright © akka2025
المكان والتاريخ: طوكيــو ـ 10/31/25
ـ الغرض: التواصل والتنمية الثقافية
ـ العينة المستهدفة: القارئ بالعربية (المترجمة).

#أكد_الجبوري (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات