|
|
عن الفلسفة والتفكير، وخطر الأيديولوجية الإرهابية
عزالدين محمد ابوبكر
الحوار المتمدن-العدد: 8516 - 2025 / 11 / 4 - 23:16
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
عن الفلسفة والتفكير الإنساني ، وخطر الأيديولوجيا الإرهابية
ما هي الفلسفة؟
إن السؤال عن ماهية الشيء ، هو محاولة من طرف الإنسان لفهم ما يحيطه من الأشياء و الموجودات ، ومن الناحية الوجودية فالبحث عن ماهية الشيء ، هو ذلك البحث الذي يقام من أجل فهم طبيعة الشيء وهويته التي يتكون منها ، مثل قولنا: ما هي الشمس؟ ؛ حيث نحن هكذا نسأل عن طبيعتها وتكوينها لنستطيع تحديد تعريفها أو ماهيتها ، لكن في بعض الأحيان لا يمكن إقامة تعريف متفق عليه من قبل البشر لهذا الشيء ؛ حيث أن فهم الطبيعة والهوية الخاصة بهذا الشيء ، لا يسمح لإقامة تعريف صحيح متفق عليه من قبل البشر ، لكن هذا الأمر لا يمنع المحاولة ، و لذلك نشأت العديد من التعريفات للفلسفة.
و إن محاولة تعريف الفلسفة لمهمة مستحيلة! هذا ما قاله البعض ، لكثرة الآراء والمذاهب والأفكار بها ، وإن كان التعريف مرضياً عند قوم لكان مكروهاً عند آخرين ، لكن يمكننا القول بأن الفلسفة هي ذلك النشاط ، أو هذه الطريقة في التفكير في مسائل بعينها مثل الإله ، الوجود ، و الزمان وهكذا ، لكن ما يميز هذا التفكير عن غيره هو استعماله للبراهين المنطقية الصارمة ، وهي أيضاً محاولة التفسير التي يقوم بها الفرد للأشياء من حوله ، ويمكن استعمال هذا التفكير أو التفلسف بقصد تعريف نظرة المرء تجاه الحياة و الموجودات وغير ذلك الكثير.¹
لكن إن كلمة "الفلسفة" هي كلمة أجنبية ذات أصل اغريقي ؛ حيث أننا إذا استمعنا إلى جميع ألسنة البشر حول العالم ، لوجدنا انهم كلهم باستثناء الهولنديين يقومون بنطق الكلمة حسب أصلها الاغريقي مع بعض التحوير أو التحريك ، فهناك من ينطقها فيلوسوفي وفيلوسوفيا وفلسفة ، ومع الرجوع إلى الأصل الاغريقي سوف نجد أن كلمة φιλοσοφία ليست لفظاً مفرداً ، بل هي لفظ مركب من كلمتين ، فيلو التي تعني محبة ، و سوفيا التي تعني حكمة ، ليصبح الناتج عن هذين المقطعين هو محبة الحكمة ، وهي بالمناسبة مقصد من مقاصد الفلسفة.²
وقد قال هيراقليطس البنطي وأيده في قوله شيشرون ، أن فيثاغورث هو أول من أطلق لفظ فيلوسيفر (بمعنى: محب الحكمة أو الفيلسوف) على أولئك الناس الذين اهتموا بدراسة الأشياء وطبيعتها ، و تركوا ما عدا ذلك من ألوان المعرفة ، و لما شعروا بأنهم لا يستطيعون معرفة كل شيء ، لم يدعوا أنفسهم بـ الحكماء بل دعوا أنفسهم بـ محبي الحكمة ، لأنهم سعوا إلى الحكمة وحاولوا قدر المستطاع بلوغها والاهتمام بها ، إذن الفيلسوف أو محب الحكمة هو من يسعى لمعرفة أو محاولة معرفة الأشياء وفهمها ، لكن يشكك البعض في نسبة هذا القول لفيثاغورث ؛ حيث يرى البعض أن من أطلق لفظ فيلسوف اول الأمر هو سقراط ، ومن بعده تلميذه أفلاطون الذي استعمل حب الحكمة ليفرق بين تفلسف أو حب الحكمة عند سقراط ، من ادعاء الحكمة عند السوفسطائيين ، و الفلسفة هي المعرفة العقلية والعلم بالمعنى الأعم ، وهذا المعنى نجده في مؤلفات أرسطو.³
ويقول الفيلسوف الوجودي الروسي نيكولاس برديائف: أن الفلسفة هي معرفة بالواقع عن طريق الوجود الإنساني ومظاهره العينية ، و يضيف أيضاً أن من يعرف نفسه تتكشف له اسرار كان يجهلها خلال معرفته بـ الآخرين ، و هذا التعريف على مقدار بساطته إلا أنه تعريف جيد ، لأن هذا التعريف يحتوي على المعرفة ، الواقع ، الوجود الإنساني ، مظاهره العينية ؛ وهذا تلخيص وإيجاز استطيع أن أقول عنه أنه دقيق ، لإحتوائه على أهم ما تدور الفلسفة الوجودية عنه وحوله.⁴
وهكذا حاولنا في السطور السابقة تبيان ماهية الفلسفة ، لكن ...
- بماذا تفيد الفلسفة؟
لا أرى من المنصف الحديث عن فائدة الفلسفة ، دون الإشارة إلى صدمة الفيلسوف من الواقع والحياة والناس! ؛ حيث نجد في قلب الفوضى اليومية للواقع العربي ، أن الفيلسوف الوجودي يقف حائراً ، أو متصدعاً مأزومًا بمعنى آخر ، أو كأنه ألقي به في عالم لا يخصه ، و للأسف تتجلى هذه الأزمة الوجودية هنا ، لا في نصوص الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر أو كيركجور (ابو الفلسفة الوجودية) أو ألبير كامو فقط ، بل في شوارع المدن الكبرى ، وفي المقاهي ، و حتى في وجوه العابرين ، وفي صمت الطبقة الوسطى ، وفي لا جدوى المثقف!
حيث ينتمي الفيلسوف الوجودي إلى ذلك النوع الجميل من الوعي ، الذي يرفض التبرير الزائف ، و يقاوم التكيف ، ويتحدى كافة أشكال الإنكار ، هذا الوعي الذي استطيع أن اسميه بـ اليقظة ، هذه اليقظة التي قد تجعل من الواقع عبئًا ؛ حيث يقف الفيلسوف الوجودي وخلفه الفلسفة مواجهًا لـ اللامبالاة الجماعية ، والاغتراب العاطفي ، وعدم فهم الحرية وتقديرها ، وفي وطنه الذي خرج من حرب إلى أخرى ، نجد السوري مفتقداً لقيم الحوار والنقد والعقلانية مثله مثل أي شقيق له في دول الشرق الأوسط ؛ حيث أن هذه القيم لم تستدمج بنيويًا في الوعي الجمعي والمجتمعي ، مما أدى إلى ظهور أزمة المعنى في زمن ما بعد الحداثة في مجتمعاتنا.
و الفلسفة و الفكر الفلسفي لا يقدمان حلولاً جاهزة ، بل يساعدان الفيلسوف أو المثقف على مسائلة الواقع ، و تعرية المسكوت عنه ، و طرح الممكنات والإمكانات الوجودية للفرد في وطنه ، لكن نجد بعض المجتمعات وبعض أفرادها يطلبون من الفلسفة تقديم نفع مباشر ، و تطبيقاً فورياً! ، و بهذا تظهر لنا مفارقة جذابة أو مثيرة للاهتمام والاستنكار في نفس الآن ، و هي مفارقة كيف نقوم بتطبيق فكرة ولدت من معاناة العقل في واقع يرفض التفكير؟ ، مع العلم بمطالبتهم بالتطبيقات الفورية والجاهزة! ، و من الجدير بالذكر الإشارة إلى أن بعض المفكرين من الإخوان يفرضون التفكير الفلسفي ، لأنه يريهم هشاشة أفكارهم وضعف سلطانهم ، كما يربك العامة من غير المتعلمين والمنتمين للإخوان ، لأنه يوقظ الأسئلة التي طُمست لأجل "الطمأنينة الزائفة".
ومن النقاط الموجزة السابقة يتضح لنا أن الفلسفة مهمة ، لأنها ترينا الخلل ، ثم تقدم محاولات و حلولاً من أجل إصلاح الخلل ، و استئصال امراض المجتمع الفكرية ، و هذا إن تم فسوف يتم عن طريق مساعدة العلوم الإنسانية الأخرى مثل علم الإجتماع ، و علم النفس ، لكن تظل الصدارة للفلسفة ، عندما يكون عدونا مدعي تفكير وبلا ضمير... لكن...
- كيف نستخدم الفلسفة؟ ، الفلسفة الوجودية تحديداً؟
الفلسفة الوجودية ليست نظرية إجتماعية بالمعنى الكلاسيكي ، لكنها تمنحنا عدسة شديدة الحساسية لفهم الفرد داخل مجتمعه ؛ حيث تجعلنا الفلسفة الوجودية بحكم انها فلسفة إنسانية ، نسأل:
• كيف يحيا الفرد في وطنه/مجتمعه/بيته؟ • كيف يشعر وهو مع الآخرين؟ • كيف يختنق ، أو كيف يختار أو لا يختار؟
و الاهم من ذلك كيف يفهم نفسه ، وكيف يراها.
وفي مجتمعاتنا العربية ؛ حيث يختلط الموروث بالدين ، و الدين بالسلطة ، و السلطة بالخوف ، نجد أن الفلسفة الوجودية تحاول تقديم طرق لفهم ما وراء السلوك الظاهري ، و الفرد في الفلسفة الوجودية لا يُفهم عبر طبقته ، أو دينه ، أو ثقافته فقط ، بل يفهم بوصفه كائناً حرًّا مسؤولاً ، قلقاً على أصالة وجوده وحريته ، ومتورطاً في الواقع.
و هنا ، نستطيع رؤية المجتمع بطريقة أخرى ؛ حيث قد نراه:
• كـ منظومة لا تحاول فهم الفرد ، بل تحاول أن تتخطاه ، وهنا يجب على الفرد التمسك بالقيم الفردية والوجودية. • و لا نراه كـ مسرح ثقافي ، بل كـ "حلبة ضغط وجودي" على الفرد المفكر.
و يجب علينا أن نستخدم الفلسفة الوجودية ، عندما نجد: • الفرد يولد في قوالب جاهزة. • ويقال له لا تفكر ولا تناقش الكبار. • وافعل ما يفعله الآخرون ، ولا تتميز. • وعندما يقومون بتربيته على أن الاختلاف فتنه. • وعندما يجعلونه يعيش حياة ليست له. • وعندما يفكرون في سلب حريته و فردانيته وحقوقه منه!
و الفلسفة عندما نستخدمها ، فهي تجعلنا لا نقبل مخدرات الذات ؛ حيث نجد الأفراد في مواجهة الأزمات الوجودية ، يقومون بـ الهروب إلى الجماعة والى أولئك المتدينين ، أو يهربون إلى الطائفة أو العشيرة ، ومن منظور وجودي فهذه الهويات المزيفة (لأنها انتماءات غير حقيقية) ليست حلولاً ، بل مخدرات للذات ، و أقول إلى كل شاب في أزمة وجودية ، ابتعد عن كل المخدرات ولا تقبل بـ مجرد الهروب ، واجه وتحمل المسؤولية ، لأن وطنك يحتاجك ، وأهلك في حاجة إليك دائماً...
ونحن نستخدم الفلسفة ، لكي نقوم بـ تعرية زيف المجتمعات المنمقة ، و لكي نجعل الفرد مركزاً للمعنى ، لا مجرد ترس في آلة ، و لكي نفتح الباب أمام "الحياة الأصيلة" ، حتى وسط رداءة المجتمع أو الوجود!
و عليك أن تكون صادقاً ، حتى لو كان عالمك يخاف الحقيقة. و عش كما لو أن الحرية ممكنة ، رغم كل ما يقنعك بالعكس. و المجتمع ليس قدراً ، بل بناء حيوي ، وكل بناء قابل للهدم وإعادة التأسيس على أساس سليم ، يحترم الإنسان ، و حرية التفكير ويؤمن بـ إمكان الضمير.
عن التفكير الإنساني:
التفكير ليس مجرد تراكم عشوائي للمعطيات الحسية.
لأن التفكير هو ذلك النشاط التركيبي ، الذي يقوم به العقل لتنظيم خبراته ، و للمزيد من الفهم في هذا الأمر ، يجب علينا أن نتناول التفكير الإنساني عند الفيلسوف إيمانويل كانط فيلسوف التنوير ؛ حيث أن إيمانويل كانط قد ميز بين نوعين من المعرفة ، النوع الأول هو المعرفة القبلية (a priori) ؛ حيث يكون العقل هو مصدرها ، و من سماتها الأساسية أنها ضرورية ومستقلة عن التجربة ، أما النوع الثاني فهو المعرفة البعدية (a posterior) ؛ حيث مصدرها الحواس ، ومن سماتها الأساسية أنها تجريبية و مشروطة بالتجربة.
و محاولة التفكير الإنساني عند كانط ، هي محاولة مزج بين الحس والعقل ، لكنها لا تقوم بـ اختزال إحداهما في الآخر ، و في مقاله عن "جواب على سؤال: ما هو التنوير؟" نجد إيمانويل كانط يقول: "إن بلوغ التنوير هو خروج الإنسان من القصور الذي هو مسؤول عنه" ، ويعطينا بعد كلامه هذا شعاراً نتمسك به في رحلتنا ، و هو "تجرأ على أن تعرف!" (sapere aude) ، ويضيف قائلاً: كن جريئًا في إستعمال عقلك أنت! ، لأن ذلك هو شعار التنوير⁵ ، وهكذا يتبين أن التفكير الإنساني يعني القدرة على الحكم الذاتي للعقل ، بمعنى أن لا اقبل اي فكرة دون أن اتحقق منها بنفسي ، ولا أخضع لسلطة أو تفكير دون مسائلة نقدية ، ويعني أيضاً أن التفكير هو شرط هام من شروط الحرية.
و التفكير لا قيمة له إذا لم يقترن بـ : • الحرية: لأن الفرد يفكر حين يختار ، و الإختيار يعني الإنفتاح على الحرية. • المسؤولية: لأن الفرد مسؤول عن ما يفكر فيه ، ومسؤول عن ما يقوله ويخبر به الآخرين.
وهكذا يتضح لنا أن الحرية ليست أن تفعل ما تريد ، بل أن تستخدم عقلك دون وصاية ، لأنك مفكر ومسؤول ، وعندما يمتلك المرء التفكير والمسؤولية ، فهذا يعني أنه في طريقه للإنفتاح على الحرية ، مما يكسب حياته شكلاً أكثر أصالة وجوديًا.
وهناك ثلاثة مبادئ أساسية لقيام عملية التفكير الإنساني عند كانط وهي:
• مبدأ الكلية (universality) ؛ حيث أن التفكير الإنساني لا يصح إلا إذا أمكن تعميمه ، بمعنى أنني كـ فرد موجود لا افكر فقط لما يناسبني ، بل لما يمكن أن يكون قانوناً للكل و مناسباً لهم ، وهذا شرط من الشروط الأساسية للأخلاق الكانطية. • مبدأ الاستقلالية (autonomy) ؛ حيث أن العقل ليس تابعاً ، لا للسلطة ، ولا للعقيدة ، ولا للتجربة فقط ، لأن التفكير الإنساني هو عقل يشرّع لنفسه ، على أسس معرفية وتجريبية ومنطقية سليمة. • مبدأ الهدفية الغائية (finality) ؛ حيث الإنسان لا يُستعمل أو لا يُعامل على أنه وسيلة ، لأن الشكل الحقيقي للتفكير هو الذي لا يحول الإنسان إلى أداة ، بل ذلك الذي يعترف به كغاية.
كل هذا جميل ، لكن كيف نُفعل التفكير الكانطي في مجتمعاتنا العربية المعاصرة؟ الإجابة ، عن طريق: • إعادة الإعتبار للعقل والتفكير ، لا للسلطة والتراثيات. • تدريب الناشئة على السؤال لا على الحفظ. • التمييز بين حرية الاعتقاد وحرية التفكير. • ممارسة العقل والتفكير كـ أخلاق لا كـ ذكاء مجرد. • وأن استخدم عقلي ، فهذا يعني أنني إنسان. • و أنا حر لأنني أشرّع بعقلي ، ولا أتبعه كـ عبد.
- لكن ، كيف يوجد التنوير؟
ليس عبر التفكير وحده ، بل عبر التفكير النقدي القائم على: • التساؤل. • الشك. • التجريب. • البرهان.
وعبر التربية والتعليم ؛ حيث لا تنوير بلا:
• الشك البناء. • التفكير الاستقلالي. •الحوار المفتوح.
- إشكاليات التنوير في السياق العربي: (تساؤلات ، إجابات)
• هل التنوير غربي المنشأ؟ - من الناحية التاريخية ، نعم ؛ ومن وجهة نظري فالقيم مثل الحرية ، النقد ، العقل ، حقوق الإنسان هي قيم كونية ، بمعنى أنني عندما أستخدمها فهذا يعني أن على غيري استخدامها والتمتع بها ، مثلما حظيت انا بها.
• هل يتناقض التنوير مع الدين؟ - لا ، إذا تم فهم الدين ورؤيته كـ منظومة أخلاقية روحية منفتحة. - نعم ، إذا استخدم الدين كـ سلطة مغلقة تحتكر المعنى والحقيقة.
• هل نحتاج إلى تنويرنا الخاص؟ - نعم ، نحن نحتاج إلى تنويرنا الخاص ، لأن التنوير ليس قالباً جامداً ، بل هو روح نقدية قابلة للتأصيل الثقافي ، و التنوير في سياق عربي ، يجب أن يعاد إنتاجه داخل اللغة ، الذاكرة ، والسياق المحلي.
و التنوير ليس لحظة في القرن الثامن عشر ، بل هو كل لحظة تختار فيها العقل بدل الخرافة ، وعندما نختار الاختلاف بدل التكرار ، و الحوار بدلاً من العنف ، والمسؤولية بدل الخضوع ، وعندما نختار الحرية دائماً وأبداً...
- التفكير الإنساني مقابل التفكير الإرهابي:
التفكير الإنساني ليس مجرد التفكير المجرد ، بل هو تلك المنظومة العقلية الأخلاقية التي تؤمن بحرية الإنسان ، و بكرامته الوجودية ، و بقدرته على النقد والتغيير ، وبأن القيمة أعلى من العرق ، و الدين ، و الجنس ، و الإنتماء.
و التفكير الإنساني هو أحد الأسباب الرئيسية لتكوين حقوق الإنسان ، العدالة الاجتماعية ، و الحركات المناهضة للعبودية ، و مقاومة الاستبداد ، و فلسفات الوجود و التحرر ، والتفكيك.
بينما الأيديولوجيا الإرهابية هي تلك البنية الفكرية المنغلقة ، التي تقوم على اختزال الإنسان إلى هوية واحدة دينية ، أو عرقية ، أو حتى قومية ، و هي أيضاً محاولة لنزع الشرعية عن الآخر ؛ حيث يتم تجريده (أي: الإنسان) من إنسانيته ، و هي تبرير العنف باسم الحق المطلق ، أو الطهر وأشياء من هذا القبيل ، و هي التحريض على القتل كفعل تطهير ، و هذا الأمر الأخير كان ظاهراً وبوضوح عند الجماعات الإرهابية سيئة الذكر مثل داعش!
و الإرهاب لا يولد من الفراغ ، بل يتغذى على:
• الخطابات الزائفة والداعية باسم الدين. • فقدان المعنى والقيمة الوجودية للأفراد. • والانفصال عن الجماعة ؛ حيث أن الإرهابي يختار كل من نفاه المجتمع أو لم يهتم به ، لكي يقدم له الاهتمام الكاذب والانتماء المزيف ، ويتحول الفرد هنا من مواطن صالح إلى مرتزق فاسد القيم ضعيف الأخلاق.
والأيديولوجيا الإرهابية تقدم وهم القوة واليقين والأهم من ذلك الخلود! ، ويتم تقديم هذه القيم بواسطة خطاب ديني ضحل ، ضعيف النصوص ومشكوك في قيمته ومدى صلاحيتها لزماننا.
والأيديولوجيا الإرهابية هي تهديد صريح للفكر الإنساني ؛ حيث أنها تقتل الحق في التفكير والاختلاف.
و تستبدل الحوار بالفتوى ، و العقل بالنقل المشوه.
وتعيد العالم إلى نظام الطاعة-الخوف-القوة ، لا إلى الحرية-المسؤولية-الاختيار.
لكن ، كيف يواجه الفكر الإنساني الإرهاب ؟ ليس بالقوة فقط ، بل عبر: • الفكر النقدي: تحديداً تفكيك خطاب الإرهاب ، وكشف تناقضاته. • التعليم التحرري: حيث نقوم بـ إعادة بناء الذات الحرة. • الفلسفة الوجودية: جعل الفرد مسؤولاً عن اختياراته لا عبداً لها. • الفنون: حيث مواجهة قبح العنف بجمال التعبير.
وهكذا يتضح لنا أهمية التفكير الإنساني ، وخطر الأيديولوجيا الإرهابية على المجتمعات. وفي الختام ، حفظ الله مصر وشعبها...
الهوامش: 1- صـ ١٤ ، الفلسفة: الأسس ؛ تأليف: نيغيل واربرتون ، ترجمة: محمد عثمان ، مراجعة: سمير كرم ، الشبكة العربية للأبحاث والنشر ، الطبعة الأولى - عام ٢٠٠٩ ، بيروت. 2- ٣٩ ، في دلالة الفلسفة وسؤال النشأة: نقد التمركز الأوروبي ؛ تأليف: الطيب بوعزة ، مركز نماء للبحوث والدراسات ، الطبعة الأولى - عام ٢٠١٢ ، بيروت. 3- صـ ٧٩ ، مدخل جديد إلى الفلسفة ؛ تأليف: عبد الرحمن بدوي ، دار مدين ، الطبعة الأولى -عام ٢٠٠٦ ، ... . 4- صـ ٩ ، الحلم والواقع ؛ تأليف: نيكولاس برديائف ، ترجمة: فؤاد كامل ، مراجعة: علي أدهم ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، طبعة عام- ١٩٨٤ ، القاهرة. 5- صـ ٨٥ (مع بعض التصرف في النص) ، ثلاثة نصوص: تأملات في التربية - ما هي الأنوار؟ - ما التوجه في التفكير؟ ؛ تأليف: أمانويل كانط ، تعريب وتعليق: محمود بن جماعة ، دار محمد علي للنشر ، الطبعة الأولى - عام ٢٠٠٥ ، صفاقس (تونس).
#عزالدين_محمد_ابوبكر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الفن ليس للتسلية، بل للفهم والتحول الوجودي!
-
الألم لا يُشوّه الجمال ، لكنه يكشف عنه
-
الشعر الرومانسي والشعر الوجودي: أيّهما أكثر تعبيرًا عن واقعن
...
-
لماذا نسأل: لماذا؟ ، محاولة لبناء مدخل فلسفي موجز إلى أعمق ا
...
-
قصيدة النرجس: قراءة وجودية و هرمنيوطيقية-أنطولوجية
-
البيان القومي الوجودي الإنساني: رؤية فلسفية في جدلية الهوية
...
-
وليم وردزورث: بين السمات الرومانسية والقراءة الوجودية
-
التفكير القمري والتفكير الشمسي: قراءة في جدلية الإدراك والتك
...
-
قراءة ديالكتيكيّة للأحلام ، ونظرات أخرى
-
الوعي والتفكير القمري: نحو فهم الوجود من خلال أنماط الإدراك
...
-
القمر ، والتفكير القمري على الطريقة المصرية القديمة: بين الد
...
-
ديالكتيكيّة تفسير الأحلام عند ابن سيرين
-
هل يمكن قراءة الأعمال الكرتونيّة وجوديًا؟
-
المنطق الوجوديّ ... -المنطق الذي لا يسعى للتوصل إلى قوانين ث
...
-
المنطق الوجودي ... منطق الإنسان الملقى به في الوجود
-
مقالة غير ختاميّة عن فلسفة الشوارع المصريّة
-
مقالات أدبيّة: الشذرّة الرهاويّة ... من الأدب الرؤيويّ الأپو
...
-
مقالات وجودية: نظريّة المراحل الكيركجوريّة
-
مقالات وجودية: فلسفة الشوارع المصرية ، الجزء الثاني
-
مقالات وجودية: نظريّة المراحل عند كيركجور
المزيد.....
-
فرنسا تحيي الذكرى العاشرة لهجمات 13 نوفمبر في ظل خطر إرهابي
...
-
- بي بي سي- تعتذر لترامب وتؤكد عدم وجود أساس قانوني لدعوى ال
...
-
الجيش الأميركي يقدم خطة لترامب لضرب فنزويلا ويعلن عملية -الر
...
-
غالبية أطفال غزة يُظهرون سلوكا عدوانيا بسبب الحرب
-
كييف تتعرض لهجوم روسي -ضخم-
-
أوكرانيا.. كييف تتعرض لهجوم -ضخم- وانفجارات بالمدينة
-
يتحدى المسودة الأميركية.. روسيا تقترح مشروع قرار بشأن غزة
-
واشنطن تحذر من -تبعات خطيرة- لعدم تبني خطة ترامب بشأن غزة
-
بي بي سي تعتذر لترامب وترفض مطالبته بالتعويض
-
زوجان بريطانيان يضربان عن الطعام احتجاجًا على استمرار احتجاز
...
المزيد.....
-
تقديم وتلخيص كتاب " نقد العقل الجدلي" تأليف المفكر الماركسي
...
/ غازي الصوراني
-
من تاريخ الفلسفة العربية - الإسلامية
/ غازي الصوراني
-
الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي
...
/ فارس كمال نظمي
-
الآثار العامة للبطالة
/ حيدر جواد السهلاني
-
سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي
/ محمود محمد رياض عبدالعال
-
-تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو
...
/ ياسين احمادون وفاطمة البكاري
-
المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة
/ حسنين آل دايخ
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
المزيد.....
|